بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم . قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وقال : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} .وقال : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }.
أما بعد :
اعلم رحمك الله أن أعظم ما أمرنا الله به هو التوحيد ، وأعظم ما نهانا عنه هو الشرك . فالإسلام والشرك ضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان . لا يجتمعان في شخص بحيث تقول مسلم مشرك. بل لا بد أن يكون مشرك أو مسلم ، ولا تجتمع في أحد أبداً.
واعلم أن أول ما فرض الله علينا هو الكفر بالطاغوت ، والإيمان بالله . قال تعالى :{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }( النحل/36 ).
واعلم أن الإنسان لا يصير ولا يكون مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت . ولذا قال تعالى: { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } (البقرة/256).
فيتبين لنا بعد هذه الآيات ، أهمية الكفر بالطاغوت ، وأنه شرط من شروط صحة الإيمان بالله .
فيجب علينا معرفة الطاغوت وأنواعه ، لكي نجتنبه ونعاديه ، وأن نعرف ما هو طاغوت هذا العصر الذي يجب علينا أن نجتنبه ، وهذا ما سنتعرض له خلال هذا البحث إن شاء الله تعالى .
فصل في الطاغوت وأنواعه
الطاغوت في اللغة : هو من طغى يطغى طغياناً أي جاوز الحد. وكل مجاوز حده في العصيان ، وطغى البحر : هاجت أمواجه ، وطغى السيل جاء بماءٍ كثير ،والطاغية : الصاعقة ( مختار الصحاح )
قال تعالى :{ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } (البقرة/256).
قال الطبري رحمه الله : على هذه الآية
اختلف أهل التأويل في معنى الطاغوت ، فقال بعضهم الشيطان ، وهو قول عمر بن الخطاب وقاله مجاهد والضحاك ، وقال بعضهم هو الساحر وهو قول أبو العالية ، وقال بعضهم : الكاهن وهو قول سعيد بن جبير 1.هـ(باختصار)
وقال أيضاً :[ والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله ، فعبد من دونه ، إما بقهر منه لمن عبده ، وإما بطاعة ممن عبده له ، إنساناً كان ذلك المعبود ، أو شيطاناً ، أو وثناً ، أو صنماً ، أو كائناً ما كان من شيء ]1.هـ
وقال ابن القيم رحمه الله :
[ والطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ، أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله ، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ؛ فهذه طواغيت العالم ، إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم ممن أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت ، وعن التحاكم إلى الله وإلى رسوله إلى التحاكم إلى الطاغوت ، وعن طاعتهِ ومتابعةِ رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته ] 1.هـ[1]
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
[ والطاغوت : عام في كل ما عبد من دون الله ، فكل ما عبد من دون الله ، ورضي بالعبادة من معبود ، أو متبوع ، أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله ، فهو طاغوت ؛ والطواغيت كثيرة ، ورؤوسهم خمسة .
الأول :الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله ، والدليل قوله تعالى { ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين } (يس/60)
الثاني : الحاكم الجائر ، المغير لأحكام الله تعالى ، والدليل قوله تعالى :{ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفرا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } (النساء/60) .
الثالث : الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، والدليل قوله تعالى :{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } (المائدة/44)
الرابع : الذي يدعي علم الغيب من دون الله ، والدليل قوله تعالى :{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً } (الجن/26-27)
وقال تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } (الأنعام/59)
الخامس : الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة والدليل قوله تعالى :{ ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين } (الأنبياء:29)1.هـ[2]
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله :
[ الطاغوت : يشمل كل معبود من دون الله ، وكل رأس في الضلال ، يدعوا إلى الباطل، ويحسنه ، ويشمل أيضاً : كل من نصبه الناس للحكم بينهم ، بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ، ورسوله ، ويشمل أيضاً : الكاهن ، والساحر ،وسدنة الأوثان ، الداعين إلى عبادة المقبورين ، وغيرهم ...... وأصل هذه الأنواع كلها وأعظمها : الشيطان فهو الطاغوت الأكبر ]1.هـ[3]
وقال علي بن نفيع العلياني :
[ يتضح أن مسمى الطاغوت يشمل عبادة جميع المعبودات من دون الله ، ويمكن أن تقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- القسم الأول: الجمادات التي لا روح فيها من الأشجار والأحجار وما شابهها ، وقد تقدم في الأحاديث تسمية مناة وذي الحلصة باسم الطاغوت .
2- القسم الثاني: ما فيه حياة كالإنس والجن والشياطين والحيوانات ، وقد تقدم تسمية الشيطان والكهان ومردة أهل الكتاب بمسمى الطاغوت .
3- القسم الثالث: المسائل المعنوية كهوى النفس ورغباتها ، والأعراف والتقاليد المقدسة ، والقواعد المصونة المحترمة عند أصحابها المصادمة لدين الله ، والدساتير الملزمة المحللة والمحرمة ونحو ذلك من القضايا المعنوية التي لها سلطان على النفوس ، بحيث تخضع لها القلوب ، وتجلها وتعظمها وتخضع لها حياتها وتسير على منهجها.]1.هـ[4]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
على قوله تعالى {والذين لا يشهدون الزور} قال :[ وقول هؤلاء التابعين : أنه أعياد الكفار ليس مخالفاً لقول بعضهم أنه الشرك أو صنم كان في الجاهلية ولقول بعضهم أنه مجالس الخنا ، وقول بعضهم إنه الغناء ، لأن عادة السلف في تفسيرهم هكذا ، يذر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع إليه أو لينبه به على الجنس ، كما لو قال العجمي :ما الخبز ؟ فيعطى رغيفاً ويقال له هذا بالإشارة إلى الجنس لا إلى عين الرغيف ]1.هـ[5]
قال علي العلياني :
[ فكذلك تفسير الطاغوت عندما قال بعض السلف إنه الشيطان ، وقال بعض إنه الكاهن ، وقال بعض إنه الساحر ، وقال بعض إنه مردة أهل الكتاب ، وقال بعض إنه بعض زعماء اليهود الذين يتحاكم إليهم من قبل بعض الناس في المدينة ، إنما أراد السلف الفسير بالمثال ، وبعض الأنواع ليستدل به على المعنى العام ، وربما يكون النص على بعض الأنواع من الطواغيت إنما هو لخطورتها وكونها رأس في الضلال ]1.هـ[6]
يتبين بعد هذا أن الطاغوت أنواع ، وأنه يتغير ويتنوع من وقت إلى وقت ، والذي في وقتنا أنواع أيضا ، ولكن الذي يهمنا منه هو طاغوت الحكم والتشريع كما قال ابن القيم : وطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه ، وقال محمد بن عبد الوهاب ، الثاني : الحاكم الجائر المغير لأحكام الله ، والثالث : الذي يحكم بغير ما أنزل الله . وقال الشيخ عبد الله أبا بطين : كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله .
فهذا هو من أهم الطواغيت الموجودة في عصرنا ، والتي يجب علينا بيانها للناس ليحذروها ويحذروا منها .
فصل في الطاغوت المشتهر
اعلم أن طاغوت كل قوم هو ما اشتهر عندهم .
وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله :
[ ولا يكون المسلم مظهراً لدينه ، حتى يخالف كل طائفةٍ بما اشتهر عندها ، ويصرح لها بعداوته ، والبراءة منه . فمن كان كفره بالشرك فإظهار الدين عنده : التصريح بالتوحيد ، أو النهي عن الشرك ، والتحذير منه ] 1.هـ[7]
فإن الذي اشتهر في وقتنا الحاضر هو طاغوت الحكم والتشريع ، فقد انتشرت القوانين المخالفة لشرع الله ، وانتشرت في بعض القبائل أحكام الجاهلية .
قال سليمان بن سحمان رحمه الله :
الطاغوت ثلاثة أنواع : طاغوت حكم ، وطاغوت عبادة ، وطاغوت طاعة ومتابعة. والمقصود في هذه الورقة هو طاغوت الحكم ، فإن كثيراً من الطوائف المنتسبين إلى الإسلام ، قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبائهم ويسمون ذلك الحق بشرع الرفاقة ، كقولهم شرع عجمان ، وشرع قحطان ، وغير ذلك ، وهذا هو الطاغوت بعينه ، الذي أمر الله باجتنابه ] 1.هـ[8]
فصل في صفة الكفر بالطاغوت
اعلم رحمك الله أنه يجب علينا الكفر بالطاغوت لأن الكفر بالطاغوت شرط لصحة التوحيد ، قال تعالى :{ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } (البقرة:256)
قال الشنقيطي رحمه الله على هذه الآية :
[ والإيمان بالطاغوت يستحيل اجتماعه مع الإيمان بالله ، لأن الكفر بالطاغوت شرط في الإيمان بالله أو ركن منه ، كما هو صريح قوله { فمن يكفر بالطاغوت } الآية ] 1.هـ[9]
وقال تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } (النساء:60)
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
[ اعلم رحمك الله ، أن أول ما فرض الله على ابن آدم : الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، والدليل قوله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } (النحل: 36) ] 1.هـ[10]
أما صفة الكفر بالطاغوت فهي كالتالي :
الأول : اعتقاد بطلانها
الثاني : تركها
الثالث : بغضها
الرابع : تكفير أهلها
الخامس : تعاديهم
السادس : إزالته عند القدرة
وقد بشر الله سبحانه الذين اجتنبوا الطاغوت بقوله تعالى : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد } (الزمر/17)
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
[ فأما صفة الكفر بالطاغوت : فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله ، وتتركها ، وتبغضها،
وتكفر أهلها ، وتعاديهم . وأما معنى الإيمان بالله ، فأن تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده ، دون من سواه ، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه ، وتحب أهل الإخلاص ، وتواليهم ، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم ، وهذه ملة إبراهيم التي سفه نفسه من رغب عنها ، وهذه : هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده } (الممتحنة:4)1.هـ[11]
وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله :
[ والمراد من اجتنابه هو بغضه ، وعداوته بالقلب ، وسبه وتقبيحه باللسان ، وإزالته باليد عند القدرة ،ومفارقته ، فمن ادعى اجتناب الطاغوت ولم يفعل ذلك فما صدق[ ا.هـ[12]
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله :
[ فالحنفاء أهل التوحيد ، اعتزلوا هؤلاء المشركين لأن الله أوجب على أهل التوحيد اعتزالهم ، وتكفيرهم ، والبراءة منهم ، كما قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام: {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً}
إلى قوله { فلما أعتزلهم وما يعبدون من دون الله } (مريم/48،49).
وقال : {إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } ( الممتحنة :4)
وقال عن أهل الكهف : { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف} الآية (الكهف: 16) .
فلا يتم لأهل التوحيد توحيدهم ، إلا باعتزال أهل الشرك ، وعداوتهم وتكفيرهم ، فهم معتزلة بهذا الاعتبار ؛لأنهم اعتزلوا أهل الشرك، كما اعتزلهم الخليل إبراهيم عليه السلام ) ا.هـ[13]
واعلم أن الله سبحانه وتعالى قدم البراءة من المشركين العابدين غير الله على البراءة من المعبودات من الأوثان لأنه قد يتبرأ الشخص من المعبودات والأوثان ولا يتبرأ ممن عبدها فتختل عنده البراءة ، قال تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم انا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } ( الممتحنة :4) .
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله على هذه الآية :
( وهنا نكتة بديعة في قوله : ( إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله ) وهي : أن الله تعالى قدم البراءة من المشركين العابدين غير الله ، على البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله ؛لأن الأول أهم من الثاني ، فإنه قد يتبرأ من الأوثان ولا يتبرأ ممن عبدها ، فلا يكون آتيا بالواجب عليه ،وأما إذا تبرأ من المشركين ،فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم ، وهذا كقوله تعالى :{ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً } فقدم اعتزالهم على اعتزال معبوداتهم ، وكذا قوله:{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله } وقوله { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله } فعليك بهذه النكتة فإنها تفتح لك باباً إلى عداوة أعداء الله ، فكم من إنسان لا يقع منه الشرك ، ولكنه لا يعادي أهله فلا يكون مسلماً بذلك إذا ترك دين جميع المرسلين . ثم قال: {كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً}
فقوله: وبدا أي : ظهر وبان .وتأمل تقديم العداوة على البغضاء لأن الأولى أهم من الثانية ، فإن الإنسان قد يبغض المشركين ولا يعاديهم ، فلا يكون آتياً بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء ، ولا بد أيضاً من أن تكون العداوة والبغضاء باديتين أي ظاهرتين بينتين ] ا.هـ[14]
وقال تعالى : { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون }(هود:113)
قال ابن عباس : لا تركنوا أي لا تميلوا .
فصل في أن الحكم لله
قال الله تعالى في كتابه مبيناً أن لحكم له وحده سبحانه وتعالى ، قال تعالى : { ولا يشرك في حكمه أحداً } (الكهف :26)
وقال :{ إن الحكم إلا لله }(الأنعام:57)
وقد بين الله تعالى أن التحاكم إليه عبادة ، قال تعالى :{ إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم } (يوسف:40)
قال الشنقيطي رحمه الله على قوله { ولا يشرك في حكمه أحداً } : [ لا يشرك الله جل وعلا أحداً في حكمه بل الحكم له وحده جل وعلا لا حكم لغيره البتة ، فالحلال ما أحله الله تعالى ، والحرام ما حرمه ، والدين ما شرعه ، والقضاء ما قضاه .]ا.هـ[15]
وقال الطبري رحمه الله على هذه الآية :[ ولا يجعل الله في قضائه وحكمه في خلقه أحداً سواه شريكاً ، بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم ، وتدبيرهم وتصريفهم فيما شاء وأحب ]ا.هـ[16]
واعلم أن التشريع حق لله جل وعلا ، قال الله تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } الشورى :21
وقال تعالى :{ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } (الجاثية:18)
وقال تعالى :{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } (التوبة:31)
قال البغوي رحمه الله تعالى على هذه الآية :
[ معناه أنهم أطاعوهم في معصية الله واستحلوا ما أحلوا وحرموا ما حرموا ، فاتخذوهم كالأرباب . روي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله e وفي عنقي صليب من ذهب فقال لي : ( يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك ، فطرحته فلما انتهيت إليه وهو يقرأ { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } حتى فرغ منها قلت : إنا لسنا نعبدهم ، فقال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟ قال : قلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم ) ]ا.هـ[17]
واعلم أن الله لا معقب لحكمه ولا يرده أحداً سبحانه وتعالى : قال تعالى { والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب }(الرعد:41)
قال الطبري رحمه الله على هذه الآية :[ والله هو الذي يحكم فينفذ حكمه ، ويقضي فيمضي بقاؤه ]ا.هـ
وقال البغوي رحمه الله تعالى عليها : [ لا راد لقضائه ولا ناقض لحكمه ] ا.هـ
واعلم أنه لا يجوز أن نتعدى أوامر الله ونواهيه بل يجب علينا أن نقف عند حدوده سبحانه التي حدها لنا . قال تعالى :{ تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } (البقرة:229)
قال الطبري رحمه الله على هذه الآية :[ تلك معالم فصوله بين ما أحل لكم وما حرم عليكم أيها الناس ، فلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال ، إلى ما حرم عليكم ، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته ]ا.هـ
وقال تعالى :{ ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } (النساء:14)
وقال تعالى :{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } (النور:63)
قال الطبري رحمه الله على هذه الآية :
[ الفتنة هاهنا : الكفر .......( أو يصيبهم عذاب أليم ) أو يصيبهم في عاجل الدنيا عذاب من الله موجع على صنيعهم ذلك ، وخلافهم أمر رسول الله e ] ا.هـ
وقال ابن كثير على هذه الآية :
[ أن تصيبهم فتنة : أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة (أو يصيبهم عذاب أليم) أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك ] ا.هـ
ثم اعلم أن الله سبحانه وتعالى أمرنا عند الاختلاف والتنازع أن نرجع إلى الله وإلى حكمه ، وحكم رسوله e ، قال تعال : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } (الشورى:10)
وقال تعالى : { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون }(المائدة:50)
هكذا أمرنا الله سبحانه أن نرجع عند الاختلاف والتنازع إلى كتابه وسنة رسوله e، ولم يأمرنا أن نرجع إلى هيئة الأمم الملحدة ، أو قوانينها الوضعية من مجلس الأمن ، أو محكمة الظلم المسماة زوراً وبهتاناً : محكمة العدل . أو إلى الدساتير الفرنسية أو البريطانية الني تحاد الله ورسوله ، وتنازع الله في ألوهيته ، حيث تريد أن تفرض على الناس أحكاماً يرجعون إليها عند النزاع ، ويتحاكمون إليها عند الاختلاف فهي بهذا الفعل تريد أن تكون آلهة تعبد من دون الله ، وأنى لهم ذلك .
قال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } (النساء:65)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
[ أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل ، ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه ، ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلموا تسليماً وينقادوا انقياداً ] ا.هـ[18]
هكذا يريد الله سبحانه منا لا أن نتحاكم إلى مجلس الأمن ، أو محكمة العدل الدولية ، أو النظام العالمي ، أو غيرها من الطواغيت التابعة للطاغوت الأكبر هيئة الأمم المتحدة، بل الأولى أن نسميها الملحدة .
بقي أن نعرف ما هي قوانين هذه الهيئة الطاغوتية لكي نكون على بصيرة من أمرنا ، ونعرف ما هو طاغوت زماننا الذي يجب أن نتبرأ منه ، لأن هذا الأمر نصف التوحيد وهو الكفر بالطاغوت . والنصف الآخر هو الإيمان بالله .
فيجب علينا أن نعرف هذا الطاغوت وأنظمته وقوانينه المخالفة لدين الله ، لكي نتمم توحيدنا ونعرف عدونا .
وقد يكون هناك طواغيت أخرى تعبد من دون الله في هذا الوقت ، مثل : الشيطان كما قال تعالى : {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} (يس:60)
أو الهوى كما قال تعالى : {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم}(الجاثية:23) .
أو الساحر ، أو الكاهن ، أو الوطن والوطنية ، أو القومية ، أو الشعب عندما يكون مصدر للسلطة ، أو التشريع ، أو المجالس النيابية أو البرلمانية التي تجعل الشريعة مصدر احتياطي . وكل دعوى غير دعوى الإسلام فهي دعوى جاهلية ، وكل رابطة غير رابطة الإسلام فهي جاهلية ، وكل ما عبد من صنم ، أو حجر ، أو قبر ، أو صورة ، أو صليب ، كل هذه طواغيت تعبد من دون الله ، وقد توجد في هذا العصر ولكن الأولى منها والأهم هو كبير الطواغيت : هيئة الأمم المتحدة ، فهي موضوعنا هنا .
فصل في التفريق بين النظام والتشريع
هناك فرق بين النظام الذي يخالف ما شرعه الله ، وكذلك الذي يشّرع ويسن أنظمة تخالف أمر الله ، وبين الذي لا يخالف شرع الله وإنما لترتيب الأمور وتنظيمها . فالأول هو الكفر ، والثاني من المباحات .
قال الشنقيطي رحمه الله على هذا في تفسير سورة الكهف :
[ اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السموات ، وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك .
وإيضاح ذلك أن النظام قسمان : إداري وشرعي . أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع ، فهذا لا مانع منه ، ولا مخالف فيه من الصحابة فمن بعدهم ، وقد عمل عمر رضي الله عنه من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ككتبه أسماء الجند في ديوان لأجل الضبط ، ومعرفة من غاب ومن حضر ، كما إيضاح المقصود منه في سورة بني إسرائيل في الكلام على العاقلة التي تحمل دية الخطأ ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ، ولم يعلم بتخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك ، إلا بعد أن وصل تبوك صلى الله عليه وسلم ، وكاشترائه -أعني عمر رضي الله عنه-
دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجناً في مكة المكرمة ، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ سجناً هو ولا أبو بكر. فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور مما لا يخالف الشرع لابأس به ، كتنظيم شؤون الموظفين ، وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع . فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لابأس به ، ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة .
وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض ، كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف ، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث . وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم ، وأن الطلاق ظلم للمرأة ، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ، ونحو ذلك .
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع ، وأموالهم وأعراضهم ، وأنسابهم وعقولهم وأديانهم كفر بخالق السموات والأرض ، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها ، وهو أعلم بمصالحها ] ا.هـ[19]
فصل في طاغوت العصر
إن طاغوت هذا العصر هو هيئة الأمم المتحدة .
تعريف بنشأة هيئة الأمم المتحدة :
بعد الحروب الكبيرة التي أهلكت الشعوب مثل الحرب العالمية الثانية ، قام ساسة الدول بإقامة تنظيم دولي جديد يستند إلى مبادئ وأسس ، وقوانين جديدة لحفظ السلام .
وخرجت هيئة الأمم المتحدة كتنظيم دولي جديد ، بعد تصريحات وجهود ، واجتماعات متصلة إبان الحرب العالمية الثانية .
أجهزة هيئة الأمم :
1- جمعية عامة : تتألف من مندوبي جميع الدول ، وهي تنظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلام والأمن الدولي ، والتعاون في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية .
2- مجلس الأمن : يتألف من الدول العظمى وهي : أمريكا – بريطانيا – روسيا – الصين – فرنسا . [20] وستة أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة .
وهذا المجلس ينظر في المشكلات الدولية التي إذا استمرت أنها تهدد الأمن والسلم الدولي ، كما أن للمجلس حق استخدام القوة ضد أي دولة .
3- محكمة العدل الدولية : هي محكمة من قضاة مستقلين عددهم خمسة عشر قاضياً ينتخبون ، بغض النظر عن جنسياتهم ، المهم أن يكونوا من ذوي الصفات الخلقية العالية ، والحائزين من بلادهم على المؤهلات المطلوبة للتعيين في أرفع المناصب القضائية ، أو من المشرعين [21] المشهود لهم بالكفاءة في القانون الدولي [22]
4- أمانة عامة : تشمل أميناً عاماً وعدداً من الموظفين ، وهي تقوم بتنسيق الأعمال .
وخرجت هيئة الأمم بصفة رسمية على أرض الواقع بتاريخ 1364 للهجرة ، الموافق 1945 للميلاد . انتهى باختصار .
قوانين هيئة الأمم
1- المرجعية
قال في صفحة 47
[ الفقرة الرابعة من المادة الأولى من الميثاق :
جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة ]
إن هذه الأمم فيها المسلم والكافر ، وغاية المسلم أسمى وأرفع من غاية الكافر ، فكيف تشترك هذه الغايات ؟ ثم إن المرجع هو كتاب الله وسنة رسوله e ، قال تعالى :{ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } (الشورى:10)
وقال تعالى :{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } (النساء:59)
2 – حق تقرير المصير :
قال في صفحة 44-45
[ الفقرة الثانية من المادة الأولى : إنما العلاقات الودية بين الأمم ..... وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها ]
أقول هل للشعب أن يختار مصيره ؟ أم الذي يقرر المصير هو خالق هذه الشعوب ؟ إن بعض الشعوب لا تريد تطبيق حكم الله ، فهل يطاعون بذلك ؟ وبعض الشعوب لا تريد الإسلام مثلاً تريد النصرانية أو اليهودية ، أو المجوسية أو العلمانية أو غيرها ، فهل لها أن تختار ما تريد لنفسها والله يقول :{ إن الدين عند الله الإسلام } (آل عمران:19) .
3- منع القتال إلا لمصلحة الأمم المتحدة :
قال في صفحة 35 :
[ نصت الفقرة السابعة من الديباجة على : إن شعوب الأمم المتحدة اعتزمت ألا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة ]
[ ونصت الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق على : أن يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة ، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة ]
وقال في صفحة 44 :
[ أن نأخذ أنفسنا بالتسامح ، وأن نعيش معاً في سلام وحسن حوار ]
وقال في صفحة :166 [ المادة (20) 1- تمنع بحكم القانون كل دعاية من أجل الحرب . ]
أقول هم جعلوا القتال محرماً ، بل التهديد، ولا قتال إلا في مصلحة الأمم المتحدة واعلم أن من قاتل لأجل مصلحة الأمم المتحدة فهو مقاتل في سبيل الطاغوت ، قال تعالى : { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت } ( النساء:76 ). وروى البخاري رحمه الله عن أبي موسى رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله .
هذا القتال الذي أمرنا الله به لا قتال هيئة الأمم الطاغوتية .
ثم كيف نعيش في حسن جوار ، والله أمرنا بالجهاد فقال : { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة } (التوبة : 123)
لأن علاقتنا مع الكفار إما أن يدخلوا في دين الإسلام ، فلهم ما لنا ، وعليهم ما علينا، وإما أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وإما السيف بيننا وبينهم .
4- منع الرق :
قال في صفحة 138
[ المادة الرابعة : لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص ، ويظهر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها ]
اعلم أن هذا من تحريم ما أحل الله ، كيف نحرم الاسترقاق ، وتجارة الرقيق ، وهي من الإسلام ، وعليها بعض الكفّارات في ديننا ، وسبى النبي e النساء والذرية في مغازيه، وكذلك الصحابة من بعده ، ودخلوا الأسواق وباعوا واشتروا في الرقيق . ثم تأتي هيئة الأمم وتحرم ما أحل الله . قال تعالى : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ، لتفتروا على الله الكذب ، إن الذين يفترون على الكذب لا يفلحون } (النحل:116)
5- منع العقوبات الشرعية :
قال في صفحة 138 :
[ المادة الخامسة لا يعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطّة بالكرامة ] .
كيف لا يعرض الإنسان للعقوبات القاسية ، إذا ارتكب ما نهى الله ؟ أنترك حدود الله لأجل هذه الهيئة الملحدة ؟ قال تعالى :{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } هذا جزاء السارق ومثله الزاني المحصن يرجم حتى يموت . كما رجم النبي صلى الله عليه وسلم الغامدية وغيرها ، وكذلك المحاربين من أهل الكفر . قال تعالى :{ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض }
وكذلك من ترك دينه وارتد فإنه يقتل ، وغيرها كثير من العقوبات القاسية التي تسميها هيئة الأمم الملحدة عقوبات وحشية . أنترك حدود الله وتطبيقها لأجل هذه الهيئة حاشا لله . قال الله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } (البقرة:229)
6- اللجوء إلى المحاكم :
قال في صفحة 139 :
[ المادة الثامنة : لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية ] . كيف يلجأ الشخص لهذه المحاكم حتى ولو كانت تحكم بغير ما أنزل الله ، أو بدستور بريطاني أو فرنسي أو غيرها من الدساتير المخالفة لشرع الله حاشا لله أن يرجع المسلم إلى هذه المحاكم ، ولا يجوز له الرجوع إليها ، وعندنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . قال تعالى: { أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً } (الأنعام:114)
7- حرية اتخاذ الدين :
قال في صفحة 140 وكذلك 165
[ المادة 18 : لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته ، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة ، وإقامة الشعائر ومراعاتها ، سواء كان ذلك سراً أم مع الجماعة ]
( نكتفي بذكر مادة واحدة من كل نوع )
أولاً : لا يجوز تغيير الدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري قال : ( من بدل دينه فاقتلوه )
ثانياً : لا يقبل الله ديناً غير الإسلام ، قال تعالى :{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } (آل عمران:85)
ثالثاً : إن عصمة الدم بالإسلام ، ومن لم يكن مسلم فحقه القتل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله ) . لأن العلاقة بين المسلم والكافر هي إحدى ثلاث :
إما أن يسلم فله ما لنا وعليه ما علينا .
وإما أن يدفع الجزية عن يد وهو صاغر .
وإما الحرب .
رابعا : كيف يسمح للكافر أن يقيم شعائره الدينية مع جماعته ، ويظهرها بين المسلمين .
8- حرية الرأي والتعبير :
قال في صفحة 141 ومثلها في صفحة 166 :
[ المادة 19 : لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل ، واستقاء الأنبا والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية ]
كيف يكون لكل شخص حرية اعتناق أي رأي ؟ إنه لا يجوز أن يعتنق أحداً رأياً يخالف الدين ، وكيف يسمح له بأن يأخذ هذه الآراء من أي مكان ، بل وأن يذيعها؟ إن هذا دعوة إلى الإلحاد ، لأنك ستجد من يعتنق الآراء العلمانية ، أو الشيوعية أو اليهودية ، أو البوذية ، أو الآراء الشاذة كالشذوذ بين الجنسين ، أيترك لهؤلاء المجال بأن يعتنقوا هذه الآراء ويدعون إليها ؟ إن هذا لكفر وإلحاد .
9- المساواة بين الأمم والشعوب :
قال في صفحة 45 :
[ إنما العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب ] .
10- عدم التمييز بسبب الدين :
قال في صفحة 145 :
[ تتعهد الدول الأطراف بضمان ممارسة الحقوق المدونة في هذا العهد بدون تمييز من أي نوع ، سواء كان ذلك بسبب العنصر ، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الديانة ، أو الرأي السياسي ....]
تتضمن هذه المادة والتي قبلها عدم التفريق بين الكافر والمسلم ، والله سبحانه جعل المسلم أعز من الكافر ، قال تعالى :{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (الحجرات:13) وقال تعالى :{ أفنجعل المسلمين كالمجرمين }(القلم:35) وقال:{ أم نجعل المتقين كالفجار } (ص:28)
وجعل الإسلام فرقاً في المعاملة بين المسلم والكافر ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر ) (رواه البخاري) .
وميّز الإسلام بين المسلم والكافر في السلام بحيث لا يبتدأ الكافر بالسلام ، وإذا سلم الكافر يرد عليه بقولنا : وعليكم . وإذا لقيناهم في طريق نضطرهم إلى أضيقه ، وغيرها كثير من المعاملات ، ولكن ذكرنا هذا على سبيل المثال لا الحصر . والذي مر بنا من هذه المعاملات إذا كان الكافر ذمي أو معاهد ، وكان في بلاد المسلمين . أما إذا كان غير ذلك فليس بيننا وبينهم إلا الإسلام ، أو الجزية ، أو السيف .
11- المساواة بين الرجال والنساء :
قال في صفحة : 45-46 :
[ نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان ، وبكرامة الفرد وقدره ، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها ، من حقوق متساوية ]
كيف نرضى بهذا وقد فرق الله سبحانه بين الرجال والنساء في الخلقة ، بحيث جعل القوة في الرجل ، وجعل الضعف في المرأة ، وجعلها تحيض وتحمل بخلاف الرجل ، وفرق الله سبحانه بين الرجل والمرأة في الميراث والشهادة ، بأن شهادة الرجل عن امرأتين ، وفرق في القوامة والولاية والفضل ، قال تعالى :{ الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } وقال تعالى :{ وللرجال عليهن درجة } (البقرة:228) .
قال البغوي رحمه الله على هذه الآية :
[ قال ابن عباس : بما ساق إليها من المهر وأنفق عليها من المال ، وقال قتادة : بالجهاد، وقيل بالعقل ، وقيل بالشهادة ، وقيل بالميراث ، وقيل بالدية ، وقيل بالطلاق ، لأن الطلاق بيد الرجال ، وقيل بالرجعة ، وقال سفيان وزيد بن أسلم : بالإمارة . وقال القتيبي ( وللرجال عليهن درجة ) معناه : فضيلة في الحق ] ا.هـ[23]
12- نبذ الولاء والبراء والجهاد :
قال في صفحة 166 :
[ المادة (20 ) 2- تمنع بحكم القانون كل دعوة للكراهية القومية ، أو العنصرية ، أو الدينية ، من شأنها أن تشكل تحريضاً على التمييز أو المعاداة ، أو العنف ]
يريدون أن يزيلوا العداوة بين المسلم والكافر ، وهذا أصل من أصول الدين . قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } (الممتحنة:1) وقال : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين } (النساء:144) وغيرها كثير من الآيات وراجع كتاب الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك ، للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله . وكتاب سبيل النجاة والفكاك للشيخ حمد بن عتيق ، فإن فيها الكفاية في هذا الباب .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : [ أن الإنسان لا يستقيم له دين ولا إسلام ، ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء ]ا.هـ[24]
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله :
[ فأصل دين جميع الرسل ، هو القيام بالتوحيد ، ومحبته ومحبة أهله ، وموالاتهم ، وإنكار الشرك وتكفير أهله ، وبغضهم وإظهار عداوتهم ، كما قال تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ، إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده } ( الممتحنة:4 )] ا.هـ[25]
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله :
[ والمرء قد يكره الشرك ، ويحب التوحيد ، لكن يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك ،وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم ، فيكون منبعاً لهواه ] ا.هـ[26]
فهذا هو طلب المعاداة التي لا تريده هيئة الأمم الملحدة ، لكنه أصل من أصول ديننا الحنيف، أما العنف الذي لا يريدونه هو عندنا ذروة سنام الإسلام : الجهاد في سبيل الله . وما أدراك ما الجهاد إنه أمنية كل مؤمن في هذا الوقت الذي عطلت فيه شعائر الله وانتهكت ، وجعلوا كل من أراد أن يجاهد ، أو أحب الجهاد إنه إرهابي ، نعم نرهبكم به يا أعداء الله. قال تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } (الأنفال : 60 ). وأمرنا الله بمقاتلة المشركين كافة ، قال تعالى : { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين } ( التوبة : 36 ) .والآيات في الجهاد والأمر به وفضله ، وفضل المجاهد والشهيد ، والوعيد على من تخلف عن الجهاد ، بغير عذر، كثيرة جداً ، ليس هذا مقامها ، ولو ذكرناها لطال بنا المقام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
[ بل يجب بإجماع المسلمين قتال هؤلاء وأمثالهم من كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة ، مثل الطائفة الممتنعة عن الصلوات الخمس ، أو عن أداء الزكاة المفروضة إلى الأصناف الثمانية التي سماها الله تعالى في كتابه ، أو عن صيام شهر رمضان ، أو الذين لا يمتنعون عن سفك دماء المسلمين وأخذ أموالهم ، أو لا يتحاكمون بينهم بالشرع الذي بعث الله به رسوله ] ا.هـ[27]
إن هذه الأشياء كلها موجودة في هيئة الأمم ، بل إن هيئة الأمم ليست ممتنعة عن شريعة الجهاد ، بل ممتنعة عن الإسلام كله .
13- حرية التنقل :
قال في صفحة (140) :
[ المادة (13) 1- لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة ]. إن هذه الهيئة تريد أن تجعل لكل شخص حرية الإقامة والتنقل داخل كل دولة ، ولكن الإسلام جاء بخلاف قول هذا الطاغوت بحيث حرم دخول المشركين المسجد الحرام ، قال الله تعالى : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } (التوبة:28) بل النهي أعم من ذلك حيث لا يجوز بقاء المشركين في جزيرة العرب . عن ابن عباس رضي الله عنه في البخاري حيث قال : ( وأوصى عند موته بثلاث – أي النبي صلى الله عليه وسلم : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ……. الحديث )
14- الحرية بين الزوجين :
قال في صفحة (140):
[ المادة(16) 1- للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين ، ولهما حقوق متساوية عند الزواج ، وأثناء قيامه وعند انحلاله]
أولاً : لا يجوز أن تتزوج المسلمة الكافر ولا المشرك . قال تعالى : { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ( الممتحنة:10 )
ثانياً : لا يجوز أن يتزوج المسلم من المشركة من أهل الأوثان ، قال تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ( البقرة : 221 )
ثالثاً : ليست حقوق الزوجين متساوية لا عند الزواج ، ولا أثناء قيامه . فالرجل هو الذي يزوج نفسه ، والمرأة يزوجها وليها ، والرجل هو الذي يدفع الصداق ، وهو الذي يتحمل مصاريفها وأولادها بخلاف المرأة ، وله القوامة في جميع الأمور . قال تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } وللزوج الطلاق والإمساك فهو بيده عند انحلال العقد بخلاف المرأة، وغيره كثير .
15- الإلزام بقوانين هيئة الأمم :
قال في صفحة (143) :
[ المادة (18) 3- لا يصح بحال من الأحوال أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها ]
أقول بل يجب مخالفة هذه القوانين التي نحت شرع الله ، وأخذت من زبالة أذهان البشر . قال تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ، وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } (الأنعام : 121)
قال البغوي رحمه الله :
[ { وإن أطعتموهم ) في أكل الميتة { إنكم لمشركون } قال الزجاج : وفيه دليل على أن من أحل شيئاً مما حرم الله أو حرم ما أحل الله فهو مشرك ] ا.هـ[28]
هذا فيمن أطاعهم في أكل الميتة فقط فكيف بمن أطاعهم في التشريع كله أو أكثره ، بحيث تركوا شرع الله سبحانه وتعالى . قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } ( الشورى : 21 )
قال البغوي رحمه الله :
[ يعني كفار مكة ،يقول ألهم آلهة سنّوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : شرعوا لهم ديناً غير الإسلام ] ا.هـ[29]
وقال الله سبحانه عمن كره شرعه : { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم } ( محمد: 9 ) ، هذا لمن كره شرع الله ولو عمل به فكيف بمن يصف شرع الله بالوحشية ولا يعمل به فهو أولى بالشرك والكفر . قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } (النساء : 48) وقال أيضاً : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } ( المائدة : 72 ) . هذا جزاء من يكره شرع الله، جزاؤه أنه مشرك ، وجزاء الشرك أن الله لا يغفره ، وهو في النار، لأن الله سبحانه لا يقبل إلا الإسلام. قال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ( آل عمران : 85 ) . وقال : { إن الدين عند الله الإسلام } (آل عمران: 19) ونحن لسنا بحاجة إلى زبالة أذهان البشر، لأن الله سبحانه أتم لنا الدين ، وأمرنا باعتناق هذا الدين والعمل به ، والقتال دونه ، وأمرنا أن نقاتل الناس حتى يدخلوا في هذا الدين ، لنخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد . قال تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } ( المائدة: 3 )
فصل في الحكم بغير ما أنزل الله
إن هيئة الأمم المتحدة لا ترجع إلى كتاب الله في النزاع والحكم ، بل ترجع إلى أهواء البشر ، وأفكارهم المنحطة .
قال في صفحة (84) :
[ وتفصل محكمة العدل الدولية [30]في المنازعات التي ترفع إليها ، وفقاً لأحكام القانون الدولي ، واستناداً إلى المصادر التالية :
1- الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد تقر بها الدول المتنازعة صراحة .
2- العرف الدولي المقبول بمثابة قانون كما دل عليه التواتر .
3- مبادئ القانون العام التي أقرتها الأمم المتحدة .
4- أحكام ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العم في مختلف الأمم .
5- مبادئ العدل والإنصاف متى وافق الأطراف على ذلك . ]
إن وضع هذه القوانين والتحاكم إليها كفر .
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله :
[ ووضعوا قوانين ينفذونها في الرعية ، مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه e ، وقد علمت أن هذه كافية وحدها في إخراج من أتى بها من الإسلام ] ا.هـ[31]
واعلم أن من تحاكم أو دعا إلى التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله فقد دعا ، أو تحاكم إلى الطاغوت .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
[ والمطاع في معصية الله والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولاً خبره المخالف لكتاب الله ، أو مطاعاً أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت . ولهذا سمي من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله طاغوت ] ا.هـ[32]
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
[ أن من دعا إلى تحكيم غير الله تعالى ورسوله e ، فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت ] ا.هـ [33]
وأسوق لك بعض أقوال أهل العلم في الحكم بغير ما أنزل الله .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى على قوله تعالى :{ أفحكم الجاهلية يبغون } (المائدة:50) : [ ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر ، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة من ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم الياسق ، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى ، من اليهودية والنصرانية ، والملة الإسلامية وغيرها . وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله e فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله ، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ] ا.هـ[34]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : [ أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة ، فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله]ا.هـ[35]
هذا فيمن امتنع عن شريعة من شرائع الإسلام أجمع العلماء على أنه يقاتل ، فكيف بمن امتنع عن الدين كله أو أكثره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
[ ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين ، وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام ، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد e فهو كافر ] ا.هـ[36]
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله :
[ فمن خالف ما أمر الله به ورسوله e بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله ، أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه ويريده فقد خلع ربْقة الإسلام والإيمان من عنقه ، وإن زعم أنه مؤمن ] ا.هـ[37]
وقال الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله :
[ إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد e ليكون من المنذرين ، في الحكم به بين العالمين ، والرد إليه عند تنازع المتنازعين ] ا.هـ[38]
وقال أيضاً :
[ الخامس : وهو اعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية ، إعداداً وإمداداً وإرصاداً ، وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً ، وحكماً وإلزاماً ومراجع مستمدات . فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستمدات ، مرجعها كله إلى كتاب الله وسنة رسوله e ، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي ، والقانون الأمريكي ، والقانون البريطاني ، وغيرها من القوانين ، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك . فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب ، والناس إليها أسراب إثر أسراب ، يحكم حكامهم بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب ، من أحكام ذلك القانون ، وتلزمهم به ، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر ] ا.هـ[39]
قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله :
( الثالثة : من كان منتسباً للإسلام ، عالماً بأحكامه ، ثم وضع للناس أحكاماً ، وهيأ لهم نظماً ، ليعملوا بها ويتحاكموا إليها ، وهو يعلم أنها تخالف أحكام الإسلام ، فهو كافر خارج من ملة الإسلام .
وكذا الحكم فيمن أمر بتشكيل لجنة أو لجان لذلك ، ومن أمر الناس بالتحاكم إلى تلك النظم والقوانين ، أو حملهم على التحاكم إليها وهو يعلم أنها مخالفة لشريعة الإسلام .
وكذا من يتولى الحكم بها ، وطبقها في القضايا ، ومن أطاعهم في التحاكم إليها باختياره ، مع علمه بمخالفتها للإسلام .
فجميع هؤلاء شركاء في الإعراض عن حكم الله ] ا.هـ[40]
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله :
[ من تحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بعد التعريف فهو كافر ]ا.هـ[41]
وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
] ان الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جلّ وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم,أنه لا يشك في كفرهم وشركهم الا من طمس الله بصيرته,و أعماه عن نور الوحي[ا.هـ]أضواء ألبيان4/66[
الشــــــــــــــــــبهات
الشبهة الأولى : قول بعضهم لو عرفنا أن هذا طاغوت ، فلم يكلفني الله به ، أو لم يفرض علي الله تكفيره ، أو أنا أحب أهل التوحيد لكن لا أتعرض أهل الشرك ... وغيرها .
الجواب :
أولاً : اعلم أن الله فرض علينا الكفر بالطاغوت ، قال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } (النحل:36) ، وراجع صفة الكفر بالطاغوت .
ثانياً : جعل النبي صلى الله عليه وسلم الكفر بالطاغوت مع الإيمان بالله عاصم للدم والمال ، فكيف نقول : لم يكلفنا الله بهم أو بتكفيرهم ، أو بالكفر بهم ، أو عدم تعرضهم ؟ .
روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) .
ثالثاً : إذا كان الإيمان لابد أن يكون بالقلب واللسان والجوارح ، فكذلك الكفر بالطاغوت لابد أن يكون كذلك .
قال ابن القيم رحمه الله :
[ إن الإيمان قول وعمل ، والقول قول القلب واللسان ، والعمل عمل القلب والجوارح . وبيان ذلك أن من عرف الله بقلبه ، ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمناً ، كما قال عن قوم فرعون : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } (النحل:14). وكما قال عن قوم عاد وقوم صالح : { وعاداً وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين } (العنكبوت:38) وقال موسى لفرعون : {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر} (الإسراء :102) ، فهؤلاء حصل لهم قول القلب ، وهو المعرفة والعلم ، ولم يكونوا بذلك مؤمنين ، وكذلك من قال بلسانه ما ليس في قلبه ، لم يكن بذلك مؤمناً ، بل كان من المنافقين . وكذلك من عرف بقلبه وأقر بلسانه ، لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً ، حتى يأتي بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة ، فيحب الله ورسوله ، ويوالي أولياء الله ويعادي أعداءه ، ويستسلم بقلبه لله وحده ، وينقاد لمتابعة رسوله وطاعته ،والتزام شريعته ظاهراًُ وباطناً ، وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه ، حتى يفعل ما أمر به ] ا.هـ[42]
انظر الى كلام ابن القيم رحمه الله كيف أن الإنسان لا يكون مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب ،الحب والبغض والموالاة ومعاداة أعداء الله ، فأعظم أعداء الله هو الطاغوت فيجب الكفر به .
رابعاً : أمرنا الله سبحانه وتعالى بمقاتلة الكفار، والطواغيت هم رؤوس الكفر . قال تعالى :{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله }(البقرة : 193). فالقتال هو أعظم المعاداة والبغض للطواغيت ، فكيف تقول إن الله ما كلفنا بهم أو غير ذلك من الكلام .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
[ وأنت يا من منّ الله عليه بالإسلام ، وعرف أن ما من إله إلا الله ، لا تظن أنك إذا قلت : هذا هو الحق ، وأنا تارك ما سواه ، لكن لا أتعرض للمشركين ، ولا أقول فيهم شيئاً ، لا تظن : أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام ، بل لابد من بغضهم ، وبغض من يحبهم ، ومسبتهم ، ومعاداتهم كما قال أبوك إبراهيم والذين معه: { إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده } ا.هـ[43]
وقال أيضاً :
[ فالله ، الله ، إخواني : تمسكوا بأصل دينكم أوله وآخره ، أسه ورأسه ، وهو : شهادة أن لا إله إلا الله ، واعرفوا معناها ، وأحبوا أهلها ، واجعلوهم إخوانكم ، ولو كانوا بعيدين ، واكفروا بالطواغيت ، وعادوهم ، وابغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم ، أو لم يكفرهم ، أو قال ما علي منهم ، أو قال ما كلفني الله بهم ، فقد كذب هذا على الله وافترى ، بل كلفه الله بهم ، وفرض عليه الكفر بهم ، والبراءة منهم ، ولو كانوا: إخوانه ، وأولاده ، فالله ، الله ، تمسكوا بأصل دينكم لعلكم تلقون ربكم ، لا تشركون به شيئاً ، اللهم توفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ] ا.هـ[44]
انظر أيضاً ماذا قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيمن يجادل عن الطواغيت :
[ ومن جادل عنهم ، أو أنكر على من كفرهم ، أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلاً فلا يخرجهم إلى الكفر ، فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق لا يقبل خطه ولا شهادته ، ولا يصلى خلفه . بل لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء ، وتكفيرهم كما قال تعالى : { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } (البقرة:256) ]ا.هـ[45]
الشبهة الثانية : أنهم مكرهين على هذا الفعل وقول الله تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } (النحل:106)
الجواب: أولاً : الإكراه له حالات وبين ذلك الشيخ حمد بن عتيق قال رحمه الله :
[ المسألة الثالثة : وهي ما يعذر الرجل به على موافقة المشركين ، وإظهار الطاعة لهم ، فاعلم أن إظهار الموافقة للمشركين ، له ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يوافقهم في الظاهر والباطن ، فينقاد لهم بظاهره ويميل إليهم ويوادهم بباطنه ، فهذا كافر خارج عن الإسلام ، سواء كان مكرها على ذلك أو لم يكن مكرها ، وهو من قال الله فيه :{ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم }.
الحال الثاني : أن يوافقهم ويميل إليهم في الباطن ، مع مخالفته لهم في الظاهر ، فهذا كافر أيضاً ، ولكن إذا عمل بالإسلام ظاهرا عصم ماله ودمه ، وهو المنافق .
الحال الثالث : أن يوافقهم في الظاهر معم مخالفته لهم في الباطن وهو على وجهين : أحدهما : أن يفعل ذلك لكونه في سلطانهم مع ضربهم أو تقييدهم له ، أو يتهددونه بالقتل فيقولون له : إما أن توافقنا وتظهر الإنقياد لنا ،والا قتلناك ، فإنه والحالة هذه يجوز له موافقتهم في الظاهر مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان كما جرى لعمار حين أنزل الله تعالى {إلا من أكره وقبله مطمئن بالإيمان } ، وكما قال الله تعالى {إلا أن تتقوا منهم تقاة } فإن الآيتين متفقتان كما نبه على ذلك ابن كثير في تفسير آية آل عمران.
الوجه الثاني : أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن وهو ليس في سلطانهم ، وإنما حمله على ذلك ؛ إما طمع في رئاسة أو مال أو مشحة وطن أو عيال أو خوف مما يحدث في المآل ،فإنه في هذه الحال يكون مرتدا ولا تنفعه كراهته لهم في الباطن ، وهو ممن قال الله فيه : {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين } فأخبر أنه لم يحملهم على الكفر الجهل بالحق أو بغضه ولا محبة الباطل ، وإنما هو أن لهم حظاً من حظوظ الدنيا فآثروه على الدين ) .ا.هـ[46]
عرفنا بعد هذا أنه لا يجوز فعل الكفر من الركون إلى الطاغوت أو التحاكم إليه أو الحكم به .
ثانياً: عرفنا أن هذا لا يجوز لأجل الدنيا قال تعالى : {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين } .
قال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب : ( وقد اجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً أنه يكفر . فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا ) .ا.هـ[47]
وقال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم أو إخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ) (التوبة 23).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله على هذه الآية :
( وفي هذه الآيتين البيان الواضح أنه لا عذر لأحد في الموافقة على الكفر خوفا على الأموال والآباء والأبناء والأزواج والعشائر ونحو ذلك مما يعتذر به كثير من الناس ، إذا كان لم يرخص لأحد في موادتهم واتخاذهم أولياء بأنفسهم خوفاً منهم وإيثاراً لمرضاتهم ، فكيف بمن اتخذ الكفار الأباعد أولياء وأصحاباً ، وأظهر لهم الموافقة على دينهم خوفاً على بعض هذه الأمور ومحبة لها ؟ ومن العجب استحسانهم ذلك واستحلالهم له
، فجمعوا مع الردة استحلال الحرام .).ا.هـ[48].
وقال سليمان بن سحمان رحمه الله :
(إذا كان هذا التحاكم كفراً ، والنزاع إنما يكون لأجل الدنيا ، فكيف يجوز لك أن تكفر لأجل ذلك ؟ فإنه لا يؤمن الإنسان حتى يكون الله ورسوله ، أحب إليه مما سواهما ، وحتى يكون الرسول أحب إليه ، من ولده ووالده والناس أجمعين . فلو ذهبت دنياك كلها ، لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها ، ولو اضطرك مضطر وخيرك ، بين أن تحاكم إلى الطاغوت ، أو تبذل دنياك ، لوجب عليك البذل ، ولم يجز لك المحاكمة إلى الطاغوت ] ا.هـ[49]
الشبهة الثالثة : أن هذا يترتب عليه قتال ، وهذا القتال وهذه الدماء فتنة .
الجواب :
أولاً : اعلم أن الفتنة ليست القتال وإنما الفتنة الشرك ، والقتال إنما هو مشروع لرد الفتنة . قال تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } (البقرة:193) وقال :{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } (الأنفال:39)
قال المفسرون عن معنى الفتنة أنه الشرك كما ذكر ذلك الطبري والبغوي والقرطبي وغيره ، وهو قول أئمة المفسرين مثل ابن عباس والسدّي ومجاهد وقتادة والربيع .
ثانياً : إن الفتنة أكبر وأشد من القتل . قال تعالى { والفتنة أكبر من القتل } (البقرة:217) . وقال : { والفتنة أشد من القتل } ( البقرة : 191)
ثالثاً : قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله :
[ إذا عرفت أن التحاكم إلى الطاغوت كفر ، فقد ذكر الله في كتابه : أن الكفر أكبر من القتل ، قال: { والفتنة أكبر من القتل } (البقرة : 217). وقال : { والفتنة أشد من القتل } (البقرة:191). والفتنة هي الكفر ، فلو اقتتلت البادية والحاضرة ، حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتاً، يحكم بخلاف شريعة الإسلام ، التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ] ا.هـ[50]
الشبهة الرابعة : هذا القول لم أعرف أحداً قال به من العلماء أو هم أعلم منا بالأدلة، أو لو كان حق ما خفي على فلان أو فلان .
الجواب :
أولاً : إذا لم تعرف أنت أحد قال بهذا القول فغيرك يعرف من العلماء الربانيين من قال بهذا .
ثانياً : نحن مأمورون باتباع كتاب الله وسنة رسوله ، قال تعالى :{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } (الحشر:7) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ……. ). وأمرنا الله أن نسأل أهل الذكر إذا كنا لا نعلم ، ولكن إذا وافق قولهم الدليل ، أما إذا خالف الدليل فيترك ، لقوله تعالى : { فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر } أي بالدلائل والبراهين . ونحن مأمورون عند النزاع بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله . قال تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } (النساء:59) بل إذا خالف قول الصحابة رضوان الله عليهم الدليل ، تركنا قولهم . ومن ذلك قول ابن عباس رضي الله عنه للذي سأله عن المتعة في الحج ، لما قال له الرجل : ولكن أبو بكر وعمر يقولان بذلك . فقال ابن عباس : [ تكاد أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول لكم قال رسول الله ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر ] ومن هما أبو بكر وعمر ؟ هما أفضل الصحابة ، ومن العشرة المبشرين بالجنة ، فكيف بمن يعارض قول الله أو رسوله بقول أحد دون الصحابة بمراحل .
قال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله :
[ فإذا اختلف الناس في شيء من أمور الدين ، هل هو واجب أو محرم أو جائز ؟ وجب رد ما وقع فيه الاختلاف إلى الله والرسول ، ويجب على المؤمن إذا دعي إلى ذلك أن يقول : سمعاً وطاعة ، قال الله تعالى :{ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا } (النور:51) فنحن نحاكم من نازعنا في هذه المسألة وغيرها من المسائل إلى الله والرسول ، لا إلى أقوال الرجال وآرائهم ] ا.هـ[51]
ثم إذا علمنا حكم الله فيجب علينا الاتباع ، وعدم المخالفة ، لأن الله رتب على من خالف أمره بأن تصيبه الفتنة والعذاب الأليم . قال تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ( النور : 63 )قال الإمام أحمد :
أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك .
والآيات في الأمر باتباع كتاب الله ، والتحذير من تركه كثيرة جداً .
ثالثاً : هذه بعض أقوال العلماء على هذه الشبهات .
قال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله :
[ وقول الجاهل لو كان هذا حقاً ما خفي على فلان وفلان ، هذه دعوى الكفار في قولهم : { لو كان خيراً ما سبقونا إليه } ( الأحقاف:11) { أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا } (الأنعام : 53) وقد قال علي رضي الله عنه ، اعرف الحق تعرف أهله ، وأما الذي في حيرة ولبس ، فكل شبهة تروج عليه ، فلو كان أكثر الناس اليوم على الحق ، لم يكن الإسلام غريباً ، وهو والله اليوم في غاية الغربة ] ا.هـ[52]
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله عن طاعة الأحبار والرهبان :
[ ويقول : هم أعلم منا بالأدلة ، ولا يأخذ بالدليل إلا المجتهد ، وربما تفوهوا بذم من يعمل بالدليل ، ولا ريب أن هذا من غربة الإسلام ، كما قال شيخنا رحمه الله في المسائل :
فتغيرت الأحوال ، وآلت إلى هذه الغاية فصارت عند الأكثر عبادة الرهبان من أفضل الأعمال ، ويسمونها ولاية ، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه . ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من ليس من الصالحين ، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين ] ا.هـ[53]
الخاتمة
ختاماً أسأل الله أن تكون هذه الورقات ما كتبت إلا لوجهه الكريم . وأسأله أن تكون عون على عبادة الله في أحسن وأكمل وجه ، وأن تكون حجة لي لا علي ، لأن أمر التوحيد أمر عظيم فيجب علينا أن نعلّمه أولادنا قبل الصلاة والصيام ، وأن نعلمهم الكفر بالطاغوت، لأن هذا هو الاستمساك بالعروة الوثقى ، وأن نعظم هذه الأمور في نفوسهم ، وأن نحذر أبناءنا وإخواننا من هذا الطاغوت الكبير الذي غابت حقيقته عن كثير من الناس ، بل حتى من بعض العلماء . فتجد الناس أو بعض العلماء يتكلمون ويقولون : لماذا لا ترجع الدولة الفلانية إلى قرارات هيئة الأمم أو مواثيقها أو أعرافها؟ بل بعضهم يوجب الرجوع نسأل الله العافية . بل إن هيئة الأمم هذه بغض النظر عن قوانينها، فهي عدّوة للإسلام والمسلمين ، فهي تتدخل باسم الصلح بين الشعوب ، وفي الحقيقة أنها تأتي لنصر الصليب على المسلمين . وما حدث في البوسنة والهرسك غيض من فيض . فقد حدثني أحد المجاهدين قال: حينما نزلت جيوش هيئة الأمم على الأرض جيوش الحماية كما يدعون ، يقول : كانت تترك الصرب يقتلون المسلمين ، ويدمرون قراهم ، بل تفتح الطريق لهم . وإذا رأت المجاهدين حاصروا الصرب أو أرادوا ضربهم ، تعرضت لهم وسدت طريقهم . بل إن نزولها إلى الأرض كان متأخر جداً ، بعدما دمر الصرب عشرات المدن ، وقتلوا آلاف المسلمين .
وكذلك دخولهم في الصومال ما كان إلا لدفن النفايات النووية الباقية من أمريكا وحلفائها من دول الغرب واليهود في أرض الصومال ، وقتلهم آلاف المسلمين بأبشع الصور . وكذلك فعلهم في العراق ، وقتلهم مئات الآلاف من الأطفال والمسلمين ،بسبب الحصار الاقتصادي ، وتدخلهم في أندونيسيا كان سريعاً جداً ، لأنهم أحسوا أن المسلمين كادوا أن ينتصروا ، ففصلوا تيمور الشرقية وجعلوها تستقل . مع هذا كله انظر إلى تأخرهم إلى يومنا هذا ، فهم لم يتدخلوا في فلسطين مع اليهود .
هذا غيض من فيض ، والخافي كان أعظم .
بهذه الأفعال تتبين لنا هيئة الأمم الملحدة الصليبية ، وأنه لا ينفع معهم إلا الجهاد في سبيل الله ، ليردهم إلى صوابهم ، وليعلموا أن جنود الله قادمون . ونقول لهم كما قال الشاعر :
سنستعيد حياة العز ثانيةً وسوف نغلب من حادوا ومن كفروا
وسوف نبني قصور المجد عاليةً قوامها السنة الغراء والسور
وسوف نفتخر بالقرآن في زمن شعوبه بالخنا والفسق تفتخر
وسوف نرسم للإسلام خارطة حدودها العز والتمكين والظفر
بصحوة ألبس القرآن فتيتها ثوب الشجاعة لا جبن ولا خور
نسأل الله أن يعيد للإسلام عزه وينصر المجاهدين المرابطين ، ويثبت أقدامهم ، وأن يصوب رأيهم ، وأن يسدد رميهم ، وأن يهلك أمريكا ، وأن يجعل جيشها ما بين أسير وجريح وقتيل . وأن يجعل نساؤهم سبياً
وأن يجعلهم يباعون بأسواق المسلمين بأبخس الأثمان ، وأن يرزقنا الشهادة في سبيله ،بعد طول عمر وحسن بلاء ونصر للاسلام والمسلمين والله أعلم . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1- الدرر السنية 1/161
[4] حقيقة الكفر بالطاغوت ص57
[5] اقتضاء الصراط المستقيم 1/481
[6] حقيقة الكفر بالطاغوت ص43
[7] سبيل النجاة والفكاك ص92
[8] الدرر السنية 10/503 رسالة مهمة في الطاغوت فلتراجع
[12] الدرر السنية 10/502-
1-الدرر السنية 11/434.
[14] سبيل النجاة والفكاك ص44
[20] هذه الدول هي الدول الدائمة التي لها حق النقض (الفيتو) أي إذا اتفقت جميع الدول الدائمة والأعضاء على أمر ، ثم قامت دولة من الدول التي لها حق النقض فعارضت ، فإن الأمر لا ينفذ كما ترفعه أمريكا حاملة لواء الصليب في الأمور التي ضد اليهود قاتلهم الله جميعاً
[21] اعلم أن التشريع حق الله وهم يريدون أن ينازعوا ربنا في حق التشريع وأنى لهم ذلك .
[22] من كتاب هيئة الأمم المتحدة منذ النشأة وحتى اليوم ، تأليف طلال محمد نور عطار ص82 بل إن كل القوانين التي سنذكرها هنا من هذا الكتاب فلا حاجة لذكر اسمه مرة أخرى ، سنكتفي بذكر رقم الصفحة فقط .
[27] مجموع الفتاوى 28/556-557 28/556-
[30] هذه المحكمة تابعة لهيئة الأمم المتحدة
[31] الدرر السنية 9/257 مجموع الفتاوى 28/201 تيسيرالعزيزالحميد 418 تفسيرابن كثير 2/64
[35] مجموع الفتاوي 28/468
[36] مجموع الفتاوى 28/524
[38] جهود الشيخ محمد بن إبراهيم في مسألة الحاكمية (21)
[39] نفس المرجع السابق (22-23)
[40] رسالة في الحكم بغير ما أنزل الله (64-65)
[44] الدرر السنية 2/119-120
[45] الدرر السنية 10/53 سبيل النجاة والفكاك (88-90) الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك (5) الدلائل (20)
[49] الدرر السنية 10/510-511 10/510-
[52] الدرر السنية 10/400-401 10/400-
تمنياتنا للجميع بالتوفيق الدائم لما يحب الله ويرضاه ،
اخوكم المحامي فهد بن منصور العرجاني
المصدر ( درر مفكرة الؤلؤ والمرجان )