رحالة الي الجنة

الحلقة الاولي

( وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ) سورة الانسان الاية 20

عن ابي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :

((( أعددت لعبادي الصالحين ؛ مالاعين رأت ؛ ولا أذن سمعت ؛ ولا خطر علي قلب بشر ؛ اقراءوا ان شئتم : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )

اقرءوا ان شئتم : ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ )

وموضع سوط في الجنة خير من الدنيا ومافيها : اقرءوا ان شئتم :

( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )

( متفق عليه )

نحمد الله تعالي حمداً كثيراً مباركاً متوالياً ؛ لجلال وجهه وعظيم سلطانه ؛ ونشهد ان لا اله الا الله ؛ واحد في ذاته لاقسيم له ؛ واحد في افعله لاشريك له ؛ واحد في صفاته لا شبيه له ؛ شعاع من رضاه يطفيء غضب ملوك اهل الارض ؛ ولمحة من غضبه تزهق الروح ولو انغمست في نعيم الدنيا ؛ وقطرة من فيض جودة تملأ الارض ريا ؛ وتظرة بعين رضاه تجعل الكافر وليا ؛ ونشهد ان محمد عبد الله ورسوله ؛ وصفيه من خيرة خلقه وخليله ؛ نشهد انه بلغ الرسالة ؛ وأدي الامانة ؛ ونصح الامة ؛ وكشف الله به وعلي يديه الغمه .

ثم أما بعد..

الاعلان عن الرحلة

نوع الرحلة ووسيلتها : حقيقية تفوق كل خيال

يخطىء كثيراً من يظن انها رحلة خيالية ؛ بل هي رحلة واقعية  تماماً ؛ ربيبة واقع ؛ ولصيقة حقائق ؛ معينها ووسيلتها اله يمتطيها المسلم  ليري بعين اليقين الجنة ؛ وقود هذه الاله خزان كبير علي يمين الراكب مملؤ بالايات من القرآن الكريم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ؛ ولا من خلفه ؛ والذي هو دستور الامة الاسلامية ؛ ومخزون أخر علي يسار الراكب مملؤ بالاحاديث الصحيحة من هدي الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم الذي قال ؛ الا واني اوتيت القرآن ومثله معه ؛ فالسنة النبوية هي المذكرة التفسيرية لكتاب الله تعالي ؛ الم يقل له ربه  :  ((( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )))  سورة الحشر الاية (7)  لانه صلي الله عليه وسلم كما وصفه رب العزة تبارك وتعالي في محكم التنزيل من سورة النجم : ((( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4)  ))) 

مايسمح للراكب من زاد

والراكب المسلم الذي سوف يصطحبنا في هذه الرحلة عليه ان ياتب بزاده لبيلغ معني منتهي هذه الرحلة ؛ فعليه حمل حقيبته - علي كتفه الايمن تحديدا – انها عظيمة الجحم ؛ لكنها خفيفة المحمل ؛ واذا كان الزاد متعدد الاسماء والاغراض ؛ فاننا نصح المشترك معنا بان يتزود بخير زاد تم الاعلان عنه ؛ انه زاد خير اخبرنا به رب العزة ؛ قال جل شأنه :  ((( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )))

الهدف من الرحلة

والهدف من هذه الرحلة هو مجرد الزيارة الميدانية ؛ لتمس قلب المسلم ؛ فيرتقي من الاسلام ؛ الي الايمان ؛ ثم درجتي الاحسان ؛ كما وصف الحبيب المصطفي وعرف الاحسان في حديث جبريل الشهير المروي عن عمر بن الخطاب ؛ اذا قال الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم : الاحسان ان تعبد الله كأنك تراه ؛ فان لم تكن ترته فانه يراك .

لماذا هذه الرحلة في هذا التوقيت

وكم يحتاج المسلم الي هذه الرحلة في هذا الزمن الذي نحياه في ظل المدنية الحديثة ؛ حيث تلاشت الروحانيات - او كادت -  حتي اصبحت اللغة الرسمية لضعاف النفوس هي المادة ؛ واصبحت مع الاسف الامة الاسلامية تزن بعضها ( بكم تملك  وما تملك ) واذا كان هذا مستساغ للجهلة وضعاف النفوس ؛ الا انه لايجوز للمسلم ؛ لان المسلم يعلم ان هذه الامة ميزانها  القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة الثابتة يقينا عن الحبي محمدصلي الله عليه وسلم ؛  وهما - معا - يخبرا  كل مسلم كيف يزن اخيه زكيف يزن الناس ؛ وهو من خلال القرآن والسنة يعرف من هو الانسان الاكرم ؛ ومن هو الانسان الاذل ؛ فقد قال جل شأنه في محكم التنزيل ؛ اذ نادي الله تعالي علي الناس جميعا واخبرهم انهم جميعا خلقوا من ادم وحواء ؛ وانه خلقهم شعوباً وقبائل ليتعافوا ؛ ويعلموا قاعدة هي اساس الخليقة علي هذه البسيطة الي يوم الدين ؛ استمع اليه جل شأنه وافهم اذن وحاول ان تعي : (((  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )))  اذن الامة الاسلامية امة موزونة ؛ لكن ميزانها ليس بالمادة التي تعبدها البشرية اليوم ؛ وانما بتقوي الله عز وجل ؛ ظاهرا وباطنا . وهذا ما ارساه ايضاً الحبيب المصطفي ذات يوم ؛ فليس الرجال باشكالهم ؛ وانما باعمالهم ؛ اعمال تنطلق من القرآن والسنة ؛ فقد تري الرجل النحيف فتزدرية ؛ لكنه أسد عند الله ورسوله - وقد تري الرجل  الفقير فتقلل من شأنه ؛ بينما لو أقسم علي الله لابره ؛ انها امة لاتوزن بالسيارت الفارهة ؛ والعمارت الشاهقة ؛ والاموال الطائلة ؛ وانما بالتقوي -  فهاهو عبد الله بن مسعود وقد كان شديد النحافة يصعد نخله ليأتي بالرطب في جمع من صحابة النبي محمد صلي الله عليه وسلم ؛ فيصعد رويدا رويدا ... ثم تبدوا ساقة شديدة النحافة .. حتي يضحك الصحابة من شدة نحافة ساقه – رضي الله عنه – فيلتقط المعلم الاول صلي الله عليه وسلم الخيط ؛ ويعلم امته درساً من دروس وفنون ( كيف يوزن الرجال ) فيقيول صلي الله عليه وسلم : اتعجبون من شدة نحافة ساقه ؛ والله انها لثقيلة في الميزان .. نعم لان الرجال لا يوزنون باشكالهم فكم من رجل عظيم الجثه ؛ مملؤ اللحم ؛ يرتدي افخر الثياب واغلاها ؛ ويمتلك المليارت ؛ ويركب افخر السيارات ؛ ولا وزن له عند الله .. نعم فما هذه الاموال هي التي تتقدم بصاحبها الي الله او ترفعه وزنه في الميزان – الا اذا ذللها صاحبها في طاعة الله – وانما التقوي هي الاساس .

ثمن الاشتراك في الرحلة للعضو والمرافق

واما ثمن الاشتراك معنا في هذه الرحلة فعلي كل من يريد ان يشترك معنا في هذه الرحلة ان يسدد قيمتها ؛ والا لن نسمح له بالركوب معنا ؛ ولا ان يمتطي وسيلتنا ؛  ويمكن له ان يسدد باييسر الوسائل وهو في مكانه في ثواني معدودة ؛ باي عمله يراها ؛ فاما هذا الاشتراك فهو ان يقول من صميم قلبه حقاً وصدقاً ومعتقداً باركانها الثلاثة : لا اله الا الله محمد رسول الله ) .. فاذا فعل دونا اسمه بمدا من نور الايمان ونذكره ان يتوقف ليعلم ماهي اركان لا اله الا الله الثلاثة .. وكيف يكون توحيد الالوهية .. وكيف يكون توحيد الربوبية .. وكيف يكون توحيد الله في ذاته واسماؤه وصفاته .. ولكل مشترك معنا الحق في ان يصطحب من يشاء من احبابه وذويه اذا ما قدموا الاشتراك المنوه عنه ؛ وبذات القيمة ..

تذكرة الذهاب والعودة

 وهذه القيمة تشمل الذهاب والعودة ؛ لكن شتان بين طريق الذهاب .. وطريق العودة .. فلسوف تذهب معنا وانت تثقلك هموم وغيوم المادة وحطام الدنيا ؛ لكنك اذا رأيت بعين اليقين فلسوف تعود انسان اخر كيوم ولدته امه اذا بكيت من خشيه الله ومست التقوي قلبك فتبت الي الله تعالي ؛ منذا الذي التجأ الي الله فوجد بابه مغلق ؛ بل هو جل شأنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ؛ ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ..

خط سير الرحلة

اما عن خط سير الرحلة .. فلسوف نلقي نظرة ونحن داخل التنا قبل ان نتحرك علي هذه الحياة الدنيا وحقيقتها ... ثم  نمر مرور الكرام  بما وراء الحياة الدنيا من خروج الروح  الموت ... وكيف تخرج روح العبد المؤمن ؛ زكيف تخرج روح العبد الكافر .. والبرزخ .. والنفخ في الصور .. عمر الفرد وعمر الدنيا .. واشراط الساعة  وعلاماتها ... ثم مشتملات اليوم الاخر ... ثم نمر علي النار .. واصحاب الاعراف .. كل ذلك في ومضات خاطفة حتي نبدأ رحلة الوصول الي جنة  المأوي ..

اما عن معين الرحلة فهو العقل والاعضاء البشرية مثل السمع والبصر والفؤاد والاحساس والتذوق  القاصرة عن ادارك حقائق ما هو موجود فعلاً بالجنة ؛ و سوف نري بعين بشرية قاصرة عن ادارك الحقائق التي تفوق خيال كل انسان ؛ لذا فقد ضرب الله لنا تعالي مجرد امثله في كتابه القرآن الكريم ؛ وهي امثلة لتقريب المسافات ؛ اذ مافي الجنة اعظممن كل خيال ؛ فقد قال الله تعالي :  ((( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ )))  سورة محمد الاية 15

درس نوقنه

عند العودة من رحلتنا الخاطفة ؛ فسوف نعود لنتأكد بعد العودة من هذه الرحلة ؛ انه علي قدر عظمة جنة المأوي ؛ الا انه حفت بالمكاره وما يؤذي النفس ويؤلم ؛ نعم  انه طريق مقاومة حطام الدنيا ومغرياتها ؛ وطريق العمل الذي ركنه الوقت الذي يجب ان يحافظ عليه المسلم اكثر من كل الاموال ؛ الم يقل الحبيب المصطفي صلي الله  عليه وسلم ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) فالصحة لاتعوض والوقت لا يعود .. اما عن لماذا حفت الجنة بالمكاره ومايؤذي النفس ويؤلم ؛ فقد قال الله جل شأنه : أ ((( َحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ )))  سورة العنكبوت الاية (2)

وقال ايضاً الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم : ( اشد الناس بلاءا الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل  وان كان الرجل في دينة صلابة زيد  له بلائه ) وهذا ما حاول ان يذكره لنا الحكيم ابن قيم  الجوزية في ابيات شعرية :

لماذا حفت الجنة بالمكاره

وما يؤذي النفوس ويؤلم

                وما ذاك الا غيره ان ينالها

                                        سوس كفئها والرب بالخلق اعلم

              وان حجبت عنا بكل كريهة

                                    وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم

               فالله مافي حشوها من مسرة

                                         وأصناف لذات بها يتنعم

             ولله يرد العيش بين خيامها

                                      وروضاتها والثغر في الروض يبسم

              ولله واديها الذي هو موعد المز

                                               يد لوفد الحب لو كنت منهم

               بديالك الوادي يهيم صبابة

                                        محب يري ان الصبابة معنم

               ولله افراح المحبين عندما

                                       يخاطبهم من فوقهم ويسلم

              ولله ابصار تري الله جهرة

                                  فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم

        فيانظرة أهدت اليالوجه نضرة

                                   آمن بعدها ويسلمو المحب المتيم

              ولله كم من خيرة ان تبسمت

                                    اضاء لها نوره من الفجر أعظم

            فيا لذة الابصار ان هي اقبلت

                                      ويالذة الاسماع حين تكلم

         ويا خجلة  الغضن الرطيب اذا انثنت

                               ويا خجلة الفجرين حين تبسم

        فان كنت ذا قلب عليل بحبها

                               فلم يبق الا وصلها لكمرهم

       تراه اذا أبدت له حسن وجهها

                                  يلذ به قبل الوصال وينعم

          تفكه منها العين عند اجتلائها

                                فواكه شتي طلعها ليس يعدم

       عناقيد من كرم وتفاح جنة

                            ورمان أإصان به القلب مغرم

          وللورد ما قد البسته خدودها

                        وللخسر ما قد ضمه الريق والفم

  تقسم منها الحسن اجمعت

                                بجملتها ان السلو محرم

        تذاكر بالرحمن من هو ناظر

                            فينطلق بالتسبيح لايتلعثم

    اذا اقابلت جيش الهموم بوجهها

                    تولي علي اعقابه الجيش المنهوم

        فياخطب الحسنء ان كنت راغبا

                        فهذا  زمان المهر فهو المقدم

     ولما جري ماء الشباب بغصنها

                        تيقن حقا انه ليس يهرم

      وكن مبغضا للخائنات لحبها

                       فتخظي بها دونهن وتنعم

    وكن ايما ممن سواها فانها

                  لمثلك في جنات عدن تأثم

      وصم يومك الادني لعلك في  غد

                 تفوز بعيد الفطر والناس صوم

واقدم ولا تقنع بعيش منغص

                          فما فاز باللذات من ليس يقدم

وان ضاقت الدنيا عليك باسرها

                                ولم يك فيها منزل لك يعلم

فحي علي جنات عدن فيها

                        منازل الازولي وفيها المخيم

وكنا سبي العدو فهل تري

                        نعود الي اوطاننا ونسلم

وقد زعموا ان الغريب اذ نأي

                      وشطت به اوطانه فهو مغرم

واي اغتراب فوق غربتنا التي

                            لها اضحت الاعداء فينا تحكم

وحي علي السوق الذي فيه يلتقي

                       المحبون ذاك السوق للقوم يعلم

فما شئت خذ منه بلا ثمن له

                         فقد اسلف التجار فيه واسلموا

وحي علي يوم المزيد الذي به

                        زيارة رب العرش فاليوم موسم

وحي عليواد هنالك افيح

                              وتربته من أذفر المسك أعظم

منابر من نور هنالك وفضة

                               ومن خالص القيان لاتنفصم

وكثبان مسك قد جعلن مقاعدا

                               لمن دون اصحاب المنابر يعلم

فبينماهمو في عيشهم وسرورهم

                               وارزاقهم تجري عليهم وتقيم

اذا بنور ساطع أشرقت له

                              باقطارعا الجنات لا يتوهم

تجلي  لهم رب السموات جهرة

                          فيضحك فوق العرش ثم يكلم

سلام عليكم يسمعون جميعهم

                               باذانهم تسليمه اذ يسلم

يقول سلوني ما اشتهيتم فكل ما

                            تريدون عندي اني انا ارحم

فقالوا جميعا نحن نسألك الرضا

                         فأنت الذي تولي الجميل وترحم

فيعطيهم هذا ويشهد جمعهم

                             عليه تعالي الله فالله اكرم

 فيابائعا هذا ببخس معجل

                        كأنك لاتدري ؛ بل سوف تعلم

فان كنت لاتدري فتلك  مصيبة

                        وان كنت تدري فالميبة اعظم

 

 
  مستطيل مستدير الزوايا: هيا بنا اذن لنبدأ رحلتنا في الحلقة الثانية