التشريعات الإسلامية

الجنايات
تعريف الجناية
الجناية لغة اسم لما يجنيه المرء من شر وما اكتسبه ، تسميه للمصدر من جنى عليه شراً ، وهو عام . إلا أنه خص بما يحرم من الافعال ، واصله من جنى الثمر وهو أخذه من الشحجرة .
أما فى الاصطلاح الفقهى فالجناية اسم لفعل محرم شرعا سواء وقع الفعل على نفس أو مال او غير ذلك . لكن عرف الفقهاء جرى على إطلاق اسم الجناية على الافعال الواقعة على نفس الانسان او اطرافه وهى القتل والجرح والضرب .
اقسام الجناية
1-جناية على النفس مطلقا ويدخل تحت هذا القسم الجرائم التى تهلك النفس اى القتل بمختلف أنواعه .
2- جناية على ما دون النفس مطلقا ، ويدخل تحت هذا القسم الجرائم التى تمس جسم الانسان ولا تمس نفسه وهى الضرب والجرح .
3- جناية على ما هو نفس من وجه دون وجه . ويقصد من هذا التعبير الجناية على الجنين لانه يعتبر نفسا من وجه ولا يعتبر كذلك من وجه أخر ، فيعتبر نفسا من وجه لانه ادمى ، ولا يعتبر كذلك لانه لم ينفصل عن امه ، ويعبر عن هذه الجناية فى الاصطلاح القانونى الوضعى بالاجهاض .
التشريعات الإسلامية :: القتل :: تعريف القتل وأقسامة
تعريف القتل
هو فعل من العباد تزول به الحياة اى انه ازهاق روح ادمى بفعل ادمى اخر .
يقسم القتل فى الشريعة إلى نوعين :
1- قتل محرم وهو كل قتل عدوان.
2- قتل بحق وهو كل قتل لا عدوان فيه كقتل القاتل والمرتد .
يقسم القتل من حيث الحل والحرمة الى خمسة اقسام :
1- واجب وهو قتل المرتد اما لم يتب والحربى اذا لم يسلم او يعط الامان .
2- محرم وهو قتل المعصوم بغير حق .
3- مكروه وهو قتل الغازى قريبة الكافر اذا لم يسبب الله ورسوله فان سبتهما لم يكره قتله .
4- مندوب وهو قتل الغزى قريبة الكافر اذا سب انه ورسوله .
5- مباح ومثله ثتل المقتص وقتل الاسير على ان قتل الاسير كما يرى البعض قد يكون واجبا اذا ترتي على عدم قتله مفسدة ومندوبا اذا كان فيه مصلحة بل يتحمل الوجوب مطلقا اذا ظهرت المصلحة .
التقسيم الثنائى :
1- قتل عمد وهو كل فعل ارتكب بقصد العدوان اذا ادى لموت المجنى عليه سواء قصد الجانى القتل او لم يقصده وبشرط ان لا يكون الفعل قد وقع على وجه اللعب او مقصودا به التاديب ممن له حق التاديب .
2- القتل الخطا هو ما لم يكن عمدا وهذا هو مشهور مذهب مالك .
التقسيم الثلاثى :
1 - عمد وهو ما تعمد فيه الجانى الفعل المزهق قاصدا ازهاق روح المجنى عليه .
2- شبه عمد وهو ما تعمد فيه الجانى الاعتداء على المجنى عليه دون ان يقصد قتله اذا مات المجنى عليه نتيجه للاعتداء ويسمى شراح القوانين الوضعية هذا النوع من القتل بالضرب المفضى الى الموت
3 - قتل خطا ويكون فى حالات :
أولها : اذا تعمد الجانى الفعل دون ان يقصد المجنى عليه كمن يرمى غرضا فيصيب شخصا وتسمى هذه الحالة الخطا فى الفعل .
ثانيها : اذا تعمد الجانى الفعل وقصد المجنى عليه على ظن ان الفعل مباح بالنسبة للمجنى علية ولكن تبين ان المجنى عليه معصوم كمن يرمى من يظنه جنديا من جنود الاعداء فاذا هو مسلم او معاهد او ذمى وتسمى هذه الحالة الخطا فى القصد .
وثالثها : ان لا يقصد الجانى الفعل ولكنه يقع نتيجة لتقصيره كمن ينقلب وهو نائم على اخر فيقتله .
ورابعها : ان يتسبب الجانى فى الفعل كمن يحفر حفرة فى الطريق فيسقط فيها احد المارة ليلا وتؤدى السقطة لوفاته .
التقسيم الرباعى :
1 - عمد
2 - شبه عمد
3 - خطا
4- ما جرى مجرى الخطا .
والخلاف في العمد وشبه العمد منحصر فى الخطا لا غير .
والخطا ما يكون فى نفس الفعل او فى ظن الفاعل . فالاول ان يقصد الفعل ولا يقصد الشخص كمن يرمى صيدا فيصيب شخصا والثانى ان يقصد من يظنه مباح القتل كحربى او مرتد فاذا هو معصوم .
اما مجرى الخطا فنوعان :
1- نوع هو فى معنى الخطا من كل وجه
وهو ان يكون القتل على طريق المباشرة كان ينقلب النائم على انسان فيقتله فهذا القتل فى معنى القتل الخطا من كل وجه لوجوده عن غير قصد .
2- ونوع هو فى معنى الخطا من وجه واحد وهو ان يكون القتل عن طريق التسبب كمن يحفر حفره فى طريق ولا يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع المارة ليلا من السقوط فيها فيسقط فيها شخص ويموت من سقطته .
القتل العمد
تعريف
القتل العمد هو ما اقترن فيه الفعل المرهق للروح بنيه قتل المجنى عليه اى ان تعمد الفعل المزهق لا يكفى لاعتبار الجانى قاتلا متعمدا بل لابد من توفر قصد القتل لدى الجانى فاذا لم يقصد الجانى القتل وانما تعمد فقط مجرد الاعتداء فالفعل ليس قتلا عمدا ولو ادى لموت المجنى عليه وانما هو قتل شبه عمد كما يعبر عنه فقهاء الشريعة وضرب افضى الى موت فى لغة شراح القوانين الوضعية
عقوبة القتل من القران
: قال الله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص . فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الظالمون ) " المائدة : 45" .
واذا كانت هذه الاية تذكر ان هذا الحكم كتب على من قبلنا فليس ذلك بشئ لان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم دليل على نسخة فضلا عن ان القران جاء بنص صريح فى انه مكتوب علينا وذلك قوله تعالى : ( يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفى له من اخيه شئ فاتباع بالمعروف واداء اليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم ولكم فى القصاص حياة با لولى الالباب لعلكم تتقون ) " سورة البقرة 178 - 179 ".
تحريم القتل من السنه : روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " لا يحل قتل امرئ مسلم الا باحدى ثلاث : كفر بعد ايمان ، وزنا بعد احصان ، وقتل نفس بغير نفس " وقال " امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وانى رسول الله . فان قالوها فقد عصموا منىدماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله عز وجل " وقال : " من قتل نفسه بشئ من الدنيا عذب به يوم القيامة " وقال " من اعان على قتل امرئ مسلم بشطر كلمة لقى الله مكتوبا بين عينيه ايس من رحمة الله ".
وقال :" قتل المؤمن يعدل عند الله زوال الدنيا " وقال فى خطبة عرفات " الا ان دماءكم محرمة عليكم كحرمة يرمى هذا فى شهرى هذا فى مقامى هذا ".
عقوبة القتل من السنه " روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه وجد فى قائم سيفه " ان اعدى الناس على الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما انزل على محمد " وروى انه قال " من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود به الا ان يرضى ولى المقتول فمن حال دونه فعليه لعنه الله وغضبة لا يقبل منه صرف ولا عدل " وقال " العمد قود " وقال " من قتل له قتيل فاهله بين خيرتين ان احبوا فالقود وان احبوا فالعقل ".
الركن الاول القتيل ادمى حى
تقع جريمة القتل على النفس فهى بطبيعتها اعتداء على ادمى حى ، ولذلك سماها الفقهاء بالجناية على النفس ، فلتحقق وقوع الجريمة يجب ان يكون المجنى عليه ادميا وان يكون على قيد الحياة وقت ارتكاب جريمة القتل فمن اطلق مقذوفا ناريا على حيوان حى فقتله فانه لا يعتبر قاتلا عمدا وان كان يعتبر متلفا لحيوان ، ومن شق بطن انسان ميت او فصل راسه من جسمه بقصد قتله وهو لا يعلم انه ميت فانه لا يعد قاتلا له لان الموت لم ينشا عن فعله ولان الفعل كان بعد ان فارق الميت الحياة فاستحال قتله او بتعبير اخر لا يعاقب الجانى على جريمة القتل العمد لاستحالة وقوعها ولكنه يعاقب لانه استحل حرمة ميت .
نوع الفعل
لا يشترط ان يكون الفعل من نوع معين لاعتباره قتلا . فيصح ان يكون ضربا او جرحا او ذبحا او حرقا او خنقا او تسميما او غير ذلك ، يصح ان يقع الفعل من الجانى مرة واحدة ، ويصح ان يقع على التوالى فى مدة طالت او قصرت .
اداة الفعل ووسيلته
لما كان العرف قد خصص لكل اله استعمالا ، ولكل فعل من الافعال القاتلة ادلة او وسيلة تحدثه او يحدث بها ولا يمكن ان يحدث الفعل القاتل اداة او وسيلة تحدثه او يحدث بها ولا يمكن ان يحدث الفعل القاتل بغيرها ، ولما كانت الوسائل والادوات القاتلة تختلف اختلافا بينا فى قوتها وضعفها واوجه استعمالها وتاثيرها على الجسم وتاثر الجسم بها ، فقد راى اكثر الفقهاء ان يرتبوا على اختلاف طبائع هذه الوسائل واثارها ، اختلاف احكامها وشروطها . وسنبين فيما يلى اراء الفقهاء المختلفة .
راى مالك - ولا يشترط الامام مالك شروطا خاصة فى الفعل القاتل او فى ادارة القتل فعنده " ان كل ما تعمدة " ان كل ما تعمده الانسان من ضربة بلطمة او بلكزة او ببندقه او بحجر او بقضيب او بغير ذلك . كل هذا قتل عمد ، اذا مات فيه المجنى عليه " " وان هناك اشياء يتعمد الانسان فعلها مثل الرجلين يصطرعان فيصرع احدهما صاحبه او يتراميان بالشئ على وجه اللعب او ياخذ احدهما برجل على حال اللعب ، فيسقط فيموت من هذا كله ، فهذا هو القتل الخطا ولا يكون قتلا عمدا لان الجانى تعمده على وجه اللعب ، فاذا تعمده على وجه القتال والغضب فصرعه فمات ، او اخذ برجله فسقط فمات فهو قتل عمد ".
هذا هو نص المدونه / وظاهر منه انه لا يشترط فى الفعل القاتل او اداة القتل شروطا خاصة ، فاللطمة وهى لا تقتل غالبا ولا كثيرا تعتبر قتلا عمدا اذا مات منها اتلمجنى عليه ، وكذلك الضرب بالقضيب اى العصا والاخذ برجل المجنى عليه ومصارعته وقدفه بحجر كبير او صغير ، ولا يشترط لاعتبار كل هذا قتلا عمدا الا ان يتعمد الجانى الفعل على وجه العدوان ولو لم يقصد القتل .
ولكن بعض فقهاء المالكية بالرغم من ذلك يعرفون القتل العمد بانه اتلاف النفس بالة تقتل غالبا ايا كان نوعها ، او باصابة المقتل كعصر الانثيين وشدة الضغط والخنق ، وظاهر من هذا التعريف انهم يرون ان تكون الة القتل مما يقتل غالبا .
ويرى البعض الاخر ان الفعل يعتبر قتلا عمدا سواء كانت اداة القتل مما يقتل غالبا كالسيف ، او مما لا يقتل غالبا كالعصا ، وكل ما يشترطونه لاعتبار القتل عمدا ان يكون الفعل قد وقع بقصد او التاديب وهذا الراى هو الذى يتفق مع ما يقول به مالك من تقسيم القتل الى عمد وخطا فقط لان الفعل اما ان يكون عمدا او خطا ، ولا يمكن اعتبار القتل باله لا تقتل غالبا كالعصا قتلا خطا مع تعمد الجانى الفعل وقصده القتل .
راى الشافعى واحمد - ويشترط الامامان الشافعى واحمد ان يكون القتل مما يقتل غالبا ، ولو كانت الادارة مثقلا لا يجرح ، فان لم تكن الادارة قالتة غالبا فالقتل ليس عمدا وانما شبه عمد .
وادوات القتل على ثلاثة انواع : نوع يقتل غالبا بطبيعته كالسيف والسكين والرمح والابرة المسممة والبندقية والمسدس وعمود الحديد والعصا الغليظة ، ونوع يقتل كثيرا بطبيعته ولا يقتل غالبا ، كالسوط والعصا الخفيفة ، ونوع يقتل نادرا بطبيعته كالابرة او نادرا بطبيعته قد يقتل غالبا فى بعض الظروف . كمرض المجنى عليه او صغره او لوقوع الاصابة فى مقتل ، ولمعرفة ما اذا كانت الادارة من هذين النوعين ، تقتل غالبا ام لا ، يجب ان لا ننظر الى الاداة وحدها مجردة عن كل ظرف اخر ، بل علينا ان ننظر الى الاداة وينظر معها الى صورة الفعل وظروفه والى حال المجنى عليه وموقع الفعل من جسمه واثر الفعل فيه .
فاذا كانت الادارة تقتل غالبا مع ادخال احد هذه العناصر او كلها فى الحساب فالفعل قتل عمد ، واذا كانت الادارة لا تقتل غالبا مع النظر الى اى عنصر من هذه العناصر فالفعل قتل شبة عمد ، فمثلا السوط اداة عدوان ، والعصا الخفيفة كذلك والضرب بايهما لا يقتل غالبا وان قتل كثيرا ، ولكن تعدد الضربات وموالاتها يقتل غالبا ، والضرب بايهما فى الحر الشديد والبرد الشديد يقتل غالبا وان قتل كثيرا ، ولكن تعدد الضربات وموالاتها يقتل غالبا ، والضرب بايهما فى الحر الشديد يقتل غالبا وضرب الصغير والعجوز والمريض والضعيف بالسوط والعصا الخفيفة يقتل غالبا والضرب بهما فى مقتل كالبطن يقتل غالبا ، وكذلك الضرب فى غير مقتل اذا ادى الى الموت فى الحال ، او ترك اثارا والاما انتهت بالموت ، واذا كانت اداة القتل لا تقتل الا نادرا كالابرة غير المسممة ، فانها تعتبر مما يقتل غالبا اذا بولغ فى ادخالها فى غير مقتل ، او اذا غرزت فى مقتل كالحلق والخاصرة والمثانه او فى مكان حساس او اذا ادى غرزها الى الموت فى الحال ، والموت فى الحال مختلف فيه ، فيرى البعض انه قتل عمد ، ويراه البعض انه شبه عمد ، لان المفروض ان الاله لا تقتل غالبا وما دامت الاصابة فى غير مقتل ، وليس فى ظروف الفعل او صورته ، او حال المجنى عليه ما يجعل الفعل قاتلا فى الغالب . او ترك الاما واثارا انتهت بالموت .
راى ابى حنيفة : ويشترط الامام ابو حنيفة فى اداة القتل اكثر مما يشترطه الامامان الشافعى واحمد ، فهو يشترط مثلهما ان تكون اداة القتل مما يقتل غالبا ، ويشترط اكثر منها ان تكون الاداة مما يعد للقتل ، ولا يغنى عنده الشرط الاول عن الاخير ، والالة المعدة للقتل عنده ، هى كل اله جارحة او طاعنه ذات حد لها مور فى الجسم ، سواء كانت من الحديد او النحاس او الخشب او غير ذلك كالسيف والسكين والرمح والابرة وما اشبه ذلك ، او ما يعمل عمل هذه الاشياء فى الجرح والطعن كالنار والزجاج والمروة والرمح الذى لا سنان له ونحو ذلك وهناك رواية اخرى عن ابى حنيفة بان الادارة المعدة للقتل هى ما كانت من الحديد ولو لم تكن جارحة او طاعنه كالعمود وصنجة الميزان وظهر الفاس ، ويلحق بالحديد ما هو فى معناه كالرصاص والنحاس وغيرها من المعادن .
فعلى هذه الرواية العبرة بالحديد وما هو فى حكمه سواء جرح او لم يجرح وعلى الرواية السابقة ، العبرة بالجارح والطاعن ، سواء كان من حديد او غير حديد وهى الرواية الراجحة .
فاذا كانت الالة مما يقتل غالبا ، وكانت معدة للقتل كالسيف او البندقية ، فالفعل قتل عمد فى راى ابى حنيفة ، اما اذا كانت الالة مما يقتل غالبا ولكنها ليست جارحة ولا طاعنه فالفعل قتل شبه عمد فى راية ، ولو كانت الالة مدققة مكسرة كالخشبة الكبيرة والحجر الثقيل . والصور الاتية لا تعتبر فى راى ابى حنيفة قتلا عمدا ، ولو كانت نية الضارب منصرفه للقتل وانما هى فى راية قتل شبه عمد .
1:- أن يقصد الجانى القتل بعصا صغيرة او بحجر صغير او بلطمه مما لا يقتل غالبا وبشرط ان تتوالى الضربات . وذلك لان الاداة لا تقتل غالبا . ولانها غير معدة للقتل ، ولكن هذه الصورة تعتبر قتلا عمدا عند مالك دون شرط ، وتعتبر قتلا عمدا عند الشافعى واحمد اذا كانت صورة الفعل او ظرفه او حال المجنى عليه او موقع الاصابة واثرها فى جسمه مما يجعل الادارة قاتلة غالبا .
2:- ان يقصد الجانى القتل بما لا يقتل غالبا مع موالاة الضربات حتى يموت المجنى عليه فهذه الصورة لا تعتبر قتلا عمدا عند ابى حنيفة ، لان اداة القتل لا تقتل غالبا ، ولانها غير معدة للقتل ، اما عند مالك والشافعى واحمد فهى قتل عمد ، وقد اعتبرها مالك عمدا لمجرد تعمد الفعل بقصد العدوان ، اما الشافعى واحمد فقد اعتبرا هذه الصورة قتلا عمدا ، لان موالاة الضرب حتى الموت تجعل اداة القتل قاتلة غالبا ويكفى عندهما كما قدمنا ان تكون الاداة قاتلة غالبا ليكون الفعل عمدا .
3:- ان يقصد الجانى القتل بمثقل غالبا ، اى باداة ثقيله ليست جارحة ولا طاعنه . كمدقه القصارين والحجر الكبير والعصا الغليظة وما اشبه ، وهذه الصورة ايضا لا تعتبر عند ابى حنيفة قتلا عمدا لان الاداة وان كانت تقتل غالبا الا انها ليست مما يعد للقتل .
ولكن مالكا والشافعى واحمد يعتبرون هذه الصورة من صور القتل العمد وياخذ ابو يوسف ومحمد من فقهاء مذهب ابى حنيفة راى الاثمة الثلاثة فيعتبران هذه الصورة قتلا عمدا مخالفين راى ابى حنيفة ، ورايهما هو الراجح فى المذاهب .
على ان موافقة ابى يوسف ومحمد للائمة الثلاثة ، لا تعنى الاخذ براى احدهم وترك راى صاحبها ابى حنيفة ، فانهما قد وافقا الائمة الثلاثة على تمسكها بقاعدة ابى حنيفة وهى اشتراط ان تكون الالة مما يقتل غالبا . وان تكون معدة للقتل ، وكل ما فى الامر انهما اعتبرا المثقل اداة معدة للقتل على اعتبار ان المثقل يستعمل غالبا فى القتل فاصبح بهذا الاستعمال اداة قاتلة ، وما دام المثقل اداة تقتل غالبا ومعدة للقتل فالقتل به قتل عمد على شرط ابى حنيفة ، وهكذا جاء اتفاقهما مع الائمة الثلاثة نتيجة لمخالفة ابى حنيفة فى اعتبار المثقل اداة معدة للقتل ، لا نتيجة للاخذ براى احد من الائمة الثلاثة .
الخلاف بين الفقهاء
اساس الخلاف ان مالكا لا يعترف بالقتل شبه العمد ، ويرى انه ليس فى كتاب الله الا العمد والخطا . فمن زاد قسما ثالثا زاد على النص ، وذلك ان القران نص على القتل العمد والقتل الخطا فقد ، ولم ينص على غيرهما فقال تعالى : ( وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطا ، ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنه ودية مسلمة الى اهلة الا ان يصدقوا ، فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنه ، وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى اهله وتحرير رقبه مؤمنه ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين نولة من الله وكان الله عليما حكيما ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما ".
والقتل العمد عند مالك . هو كل فعل تعمده الانسان بقصد العدوان فادى للموت ايا كانت الالة المستعملة فى القتل ، اما ما تعمده على وجه اللعب او التاديب فهو قتل خطا اذا لم يخرج الفعل عن حدود اللعب والتاديب المعروفة وكان بالة اللعب والتاديب المعدة لهما ، فان خرج عن ذلك فهو قتل عمد .
ومن طبيعة تقسيم القتل الى عمد وخطا ان يكتفى بتعمد الجانى الفعل على وجه العدوان دون النظلا الى الالة المستعملة فى القتل ، لان اشتراط شروط فى الالة كان تكون قاتلة غالبا او معدة للقتل . يقتضى ان تكون كل الافعال المتعمدة التى تحصل بالة لا تقتل غالبا كالعصا الخفيفة والسوط ، فلا خطا حتى مع تعدد الضرب وموالاته . كما يقتضى ان تكون الافعال المتعمدة التى تحصل بما لم يعد للقتل كاسقاط حائط على انسان ، او القائه من شاهق . او ضربة بعصا غليظة قتلا خطا ، وهذا ما لم يقل به احد قط ، فطبيعة تقسيم القتل الى عمد وخطا هى التى اقتضت من مالك ان لا يشترط فى الالة القاتلة اى شرط ، وسواء كانت الالة تقتل غالبا او تقتل كثيرا او نادرا . فالقتل عمد مادام الفعل عمدا وبقصد العدوان ، بل ان هذا التقسيم اقتضى ان لا يشترط حتى قصد القتل ، لان اشتراطه يخرج بكثير من حالات العمد ويجعلها خطا ، وهى ليست كذلك .
اما بقية الائمة فيرون ان القتل عمد وشبه عمد وخطا ، وحجتهم فى شبه العمد حديث الرسول " الا ان فى قتيل الصوت ....... الحديث " فاقتضت منهم طبيعة هذا التقسيم ان يفرقوا بين نوعين من الافعال المتعمدة : هما القتل العمد . والقتل شبه العمد . وقد استعانوا فى التفرقة بين هذين النوعين بمميز صالح للتمييز هو قصد القتل ، فاذا قصد الجانى القتل ، فالفعل قتل عمد ، واذا لم يقصده فهو قتل شبه عمد ، لكنهم وجدوا ان القصد امر داخلى يتعلق بنية الجانى وقلما يطلع الاخرون عليه ، وان وجوده يكون دائما مشكو كافية ما لم يدل عليه دليل خارجى فاذا وجد هذا الدليل الخارجى زال الشك ، ومن ثم راوا ان قيام قصد القتل فى نية الجانى لا يكفى وحده لثبوته ، واشترطوا لاعتبار القصد ثابتا ان يكون من ثبوته دائما عن طريق الوسيلة او الالة التى ارتكبت بها الجريمة لانها تعبر عن نية الجانى وقصده من الجريمة ، ولانها هى الدليل الخارجى الظاهر على نية الجانى ولما ارادوا تحديد هذا الدليل الخارجى اختلفوا : فراى الشافعى واحمد ان الدليل على قصد القتل هو استعمال الة او وسيله تقتل غالبا وراى ابو حنيفة ان الدليل الخارجى على قصد القتل هو استعمال اله او وسيله تقتل غالبا على ان تكون الالة والوسيلة مما يعد للقتل .
الخلاف بين الشافعى واحمد من جهة وبين ابى حنيفة من جهة اخرى فاساسه اختلاف وجهة النظر فى تحديد معنى القتل العمد فابو حنيفة يرى ان عقوبة القتل العمد عقوبة متناهية فى الشدة ، وهذا يستدعى ان تكون جريمة العمد متناهية فى العمد ، بحيث يكون القتل عمدا محضا لا شبهة فيه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " العمد قود " فشرط العمد مطلقا من كل قيد والعمد المطلق هو العمد الكامل من كل وجهة ، او هو العمد الذى لا شبهة فيه ، فلا يعتبر العمد كاملا مع قيام الشبهة ووجودها ، ذلك ان الفرق بين العمد وشبه العمد هو قصد القتل فقط ، فيجب ان يكون القصد بحيث لا شبهة فيه ، والشبهة لا تكون اذا كان القتل بالة تقتل غالبا ومعدة للقتل ، لان استعمال هذه الالة يظهر بجلاء قصد الجانى بحيث لا يدخله الاحتمال ولا الشبهة ، فما كان هكذا اعتبر العمد فيه كاملا من كل وجه وكان قتلا عمدا ولهذا اعتبر ابو حنيفة القتل بضربة او ضربتين على قصد القتل قتلا شبه عمد ، ولم يعتبره قتلا عمدا ، لان الضربة او الضربتين مما لا يقصد به القتل عادة ، بل يقصد به التاديب والتهذيب عادة ، فكان هذا الاعتبار شبهة فى القصد ، والقتل العمد لا يعتبر موجودا مع قيام الشبهة فى القصد ، زكذلك اعتبر الموالاة فى الضرب بقصد القتل قتلا شبه عمد اذا ادى الضرب للموت ، لانه يحتمل حصول القتل بضربة او ضربتين على سبيل الاستقلال دون حاجة الى الضربات الاخرى ، والقتل بضربة او ضربتين لا يكون عمدا كما تبين مما سبق لاحتمال ان الضربة والضربتين قصد بها التاديب والتهذيب ، والقاعدة عند ابى حنيفة انه اذا جاء الاحتمال ، جاءت الشبهة امتنع القول بتوفر قصد القتل ، وبالتالى بتوفر القتل العمد .
اما فى المثقل . فيرى ابو حنيفة ان استعمال الة تقتل غالبا ولكنها غير معدة للقتل هو فى ذاته دليل على عدم القصد ، لان الاصل عنده ، ان كل فعل يحصل بالالة المعدة له . فاذا حدث بالة لم تعد له احتمل ان الفاعل لم يقصد هذا الفعل بالذات وهذا الاحتمال شبهة ، والشبهة تمنع القول بالقتل العمد .
اما الشافعى واحمد . فمن رايهما الاكتفاء بان تكون الالة قاتلة غالبا ايا كان نوعها . لانها اذا كانت كذلك فهى بذاتها دليل على توفر قصد القتل وانتفاء قصد التاديب والتهذيب ، فاذا انضم هذا الى وجود قصد القتل فى نيه الفاعل ، كان العمد كاملا لا شبهة فيه ، ووجب اعتبار الفعل قتلا عمدا .
وعلى هذا الاساس اعتبرا الضربة والضربتين بعصا خفيفة قتلا عمدا اذا اذا كانت الالة تقتل غالبا لظروف المجنى عليه او الفعل او غير ذلك ، كما انهما اعتبرا الموالاة فى الضرب قتلا عمدا . لان الموالاة تجعل الالة قائلة غالبا ، واعتبرا الضرب بالمثقل قتلا عمدا لانه يقتل غالبا فكان استعماله دليل القصد الى القتل ، فاذا انضم هذا الى اصل القصد الكامن فى نية الجانى ، كان العمد كاملا لا شبهة فيه .
خلاف ابى يوسف ومحمد لابى حنيفة :- خالفاة فى المثقل واعتبرا القتل به قتلا عمدا ، بينما اعتبرا ابو حنيفة القتل بالمثقل قتلا شبه عمد كما بينا ، وحجتهما ان الضرب بالمثقل مهلك غالبا ، وانه لا يستعمل فى الضرب الا بقصد القتل . فجعله هذا الاستعمال اداة معدة للقتل ، ومن ثم كان استعماله باعتباره اله تقتل غالبا ومعدة للقتل دليلا على قصد القتل كاستعمال السيف ، ووجب اعتبار الفعل قتلا عمدا لانتفاء الشبهة فى القصد ولوجود العمد كاملا .
ثبوت قصد القتل
اولا عن طريق الالة المستعملة فى الجريمة .
ثانيا عن طريق الادلة العادية كالاعتراف ، وشهادة الشهود .
ولكن لا يمكن ان يعتبر القصد ثابتا باى حال ما لم يثبت قصد القتل عن الطريق الاول ، لان كل اثبات يجئ عن الطريق الثانى يعتبر مشكو كافية حتى يزول الشك بثبوت القصد عن طريق الالة او الوسيلة المستعملة فى القتل .
واعتبار القصد الجنائى ثابتا باستعمال الة قاتلة ليس قرينه قاطعة ولا دليلا غير قابل للنفى ، فيجوز للجانى ان يثبت انه لم يستعمل الالة القاتلة يقصد القتل فاذا استطاع اثبات دفاعه ، انتفى وجود قصد القتل واعتبر الفعل قتلا شبه عمد .