لمستشارة نهى عثمان الزيني ، تعمل كنائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، وحاصلة على درجة الدكتوراة في القانون الدستوري من جامعة السربونبفرنسا. استمدت شهرتها عندما كشفت للرأي العام وقائع تزوير قي انتخابات مجلس الشعب المصري بمحافظة دمنهور (شمال القاهره). ونشرت التفاصيل كاملة في جريدة المصري اليوم بعددها الصادر يوم 24 نوفمبر 2005، مما كان له أثر القنبلة داخل وخارج مصر.


المستشارة نهى الزيني:

 

أجرى الحوار: ماهر حسن


 
أنا لست إخوانية والاستبداد متأصل فى مصر

»لا يحق لجمال مبارك الترشح للرئاسة » بعض القضاة ضعفوا أمام ذهب المعز »محمود أبو الليل أفضل وزير عدل عرفته » فى مشكلة نجع حمادي(عند الأنبا كيرلس الخبر اليقين) 
تتسق مواقف المستشارة نهى الزينى مع قناعاتها، ولذا فقد قامت بما عجز الرجال عن القيام به فى التصدى بصدر مفتوح وقلب شجاع لمظاهر الانحراف وتزييف الإرادة الجماهيرية وكانت مستعدة طوال الوقت لدفع ضريبة جرأتها وشجاعتها، وفى كتاباتها التى تنشرها بين وقت وآخر لم تكف عن إبداء موقفها الشجاع من نقائص هذا النظام ومعايبه، التى لا تحصى ورغم شهرتها التى تفجرت مع واقعة تزوير الانتخابات فى دمنهور إلا أنها تزهد فى استثمار شهرتها هذه على نحو استهلاكي، ويمكن القول أن نهى حريصة على ملاحقة أسباب الاحتقان الطائفى والقضائى والمدنى وكانت أحدث مغامراتها فى هذا السياق هو ذهابها لنجع حمادى لتقى حقيقة ما حدث بحس قضائى واستقصائى وقالت أن ما حدث فى نجع حمادى جريمة مدبرة تورط فيها رجال حركتهم شهوة السلطة والمال، ونحن هنا نستحضر وصف الشاعر جمال النهرى فى قصيدة تحمل اسم نهى الزينى ويقول فى موضع منها "من فضلكم لا تنسوا هذا الاسم أبدا انقشوه فى حنايا قلوبكم..اجدلوا ورده تاجا فوق رؤوس أطفالكم.." لا تكتم الشهادة فيأثم قلبها امرأة تستعيد لمصر رجولتها المنسية " امرأة محصنة ضد ذهب السلطان ضد سيف السلطان.. " وإلى نص الحوار الذى يكشف عن جوانب كثيرة فى شخصية نهى الزينى وجوانب أخرى من استبداد النظام": 
{ أنت امرأة والمرأة كائن ميال إلى الخوف لكنك فعلت ما يخشى الرجال القيام به.. ألم يعد هناك رجال فى مصر؟ 
}} لا طبعاً مصر فيها «رجالة» و«ستاتها رجالة» والرجولة لا تعنى الذكورة بالضرورة فالرجولة صفات تتوافر فى إنسان دون آخر وفيما يتعلق بما ترمى إليه من قصة انتخابات دمنهور فهو سلوك طبيعى فرضه على ضميرى الأخلاقى والقضائى والوطني.. وإزاء مواقف فارقة كهذه فى حياتنا توضع أخلاقياتنا فى المحك إما أن نكون أو لا نكون فضلاً عن أن الرجولة لها معايير أخلاقية كتحمل المسئولية والصراحة والصدق مع النفس ومع الآخرين والقدرة على المواجهة وتحمل عواقب المواقف بشجاعة، وتحمل نتائج خياراتك. 
{ لقد سايرت الأجواء الانتخابية فى دمنهور فلما تبدت لك الأمور لذت بالصمت وبيتى النية لكشف عن تفاصيل العملية الانتخابية بعد وصولك إلى القاهرة؟ 
}} أبيت النية؟ لماذا؟ أنا تمنيت أن تكون الانتخابات نزيهة، لقد قمت بواجبى وتمنيت أن يقوم الآخرون بواجبهم، ويكونوا شرفاء. 
{ ومنذ متى كانت هناك انتخابات نزيهة فى مصر ومنذ متى كان هناك إشراف قضائى حقيقى على هذه الانتخابات؟ 
}} ذلك أن نزاهة الانتخابات من عدمها مرتبط بالضروة بخيارى الاستبداد أو الديمقراطية الحقيقية، غير أن الاستبداد فى مصر متأصل، وكأنما تأصل فى حكام مصر، وقد توارثناه منذ الفراعنة، والاستبداد لا يمكن أن تتم فى ظله انتخابات نزيهة، والانتخابات النزيهة تعنى أن حرية الاختيار مكفولة للشعب فى مصر وهذا لم يحدث أبداً. 
{ ونزاهة الانتخابات تعنى أيضاً وجود إشراف قضائى حقيقى وتحتم أيضاً نزاهة القضاة المشرفين على الانتخابات؟ فهل ترين القضاة المصريين كذلك؟ 
}} نعم هم كذلك فى الأغلب الأعم، فهناك قضاة كثيرون نزيهون وشرفاء، وأزعم أن لدينا ثروة قضائية.. لكنها تتعرض للتجريف منذ زمن، ولكن لأن الأرض خصبة وغنية فإنه رغم ما تعرضت له من تجريف إلا أنها مازالت خصبة ولن تنال منها محاولات التجريف المستمر. 
{ وما المعوقات التى تعترض تحقق استقلال قضائى حقيقي؟ هل من بين هذه المعوقات انشقاق الصف القضائى مثلاً؟ 
}} نعم هذا سبب، ومن الأسباب الأخرى ضعف بعض القضاة أمام مغانم الدنيا. 
{ قلت إن لدينا ثروة قضائية تعرضت للتجريف المستمر ممن؟ 
}} من السلطة السياسية طبعاً. 
{ يعنى تم شراء بعض القضاة مثلاً؟ 
}} لا أستطيع قول هذا فلا أحب استخدام هذا التعبير، وإنما تم إضعاف إرادة الكثيرين منهم بالتلويح لهم بمغانم الدنيا ولما تم استخدام «سيف المعز» مع القضاة وقفوا وتكاتفوا، ولكن حين استخدم معهم «ذهب المعز» ضعف بعضهم أمامه. 
{ وكيف يتم هذا التجريف؟ 
}} بإدخال عناصر سيئة للوسط القضائى ثم يتم اللعب داخل الصف القضائى نفسه. 
{ البعض يقول إن القضاء كان مستهدفاً منذ العهد الناصري، والبعض يقول إن القضاء تعرض للاهانة منذ تعرض عبدالرزاق السنهورى للضرب؟ 
}} لا هذا غير صحيح فالسنهورى تعرض للضرب من مجموعة من الغوغاء ولم يمثل هذا إهانة للقضاء ككل ولم تكن ملامح العهد الناصرى قد تبدت بعد ولم يكن الجو السياسى قد استقر بعد ورغم ما يسمى بمذبحة القضاء، فإن النظام الناصرى كان ممتداخلاً فى مشروعه العظيم فى كل مؤسسات الدولة إلا القضاء، فقد حظى القضاء بالاحترام، وظل القضاء طول فترة الخمسينيات والستينيات محترماً ومستقلاً، ولا يتدخل فيه أحد، حتى عام 1969م حيث وقف القضاة موقفاً مشرفاً ولم تتم استمالة أحد منهم وكانوا صفاً واحداً متماسكاً. 
{ وفى العهد الحالى تم ضرب أحد القضاة بالحذاء؟ ألا يعنى هذا إهانة للقضاء المصرى ككل؟ 
}} نعم؟.. ينطوى على إهانة، وحينما تعرض أحد القضاة للضرب بين عامى 2005 و2006م لم يكن هذا وليد اللحظة الصدامية وإنما بدأت مقدمات إهانة القضاة منذ عام 1986م حينما أقيم مؤتمر العدالة، وكنت المرأة الوحيدة التى شاركت فيه، وكان ذلك المؤتمر هو الأول والأخير، وقد حضره الرئيس مبارك وقيل له: عليك أن تلغى حكم الطوارئ وعليك أن تفعل كذا وكذا وكذا ووعد الرئيس مبارك بتحقيق كل هذا، لكن لم يتحقق شيء. ثم بدأ التعامل مع القضاء بأسلوب آخر تماماً هو «الإغداق المذل» فى مقابل أشياء هى اشبه بالتنازلات وعلى مدى أكثر من عشرين سنة بلغ التجريف مداه. 
{ فيما يتعلق بواقعة دمنهور المشهورة ألم تراودك هواجس من قبيل القلق من مغبة هذا الموقف وما قد يجره عليك من عواقب وخيمة؟ 
}} فى طريق عودتى من دمنهور آنذاك وكنت فى محطة دمنهور ومعى نتيجة الانتخابات بعد تغييرها وقلت لاثنين من زملائى المستشارين، «احنا مانبقاش رجالة لو تم تمرير هذا التجاوز ومر الموضوع على هذا النحو» وكنت اتحدث عنا جميعاً أنا كامرأة ورجلين.. وعدنا إلى القاهرة فلما لم يستجب أحد لما طرحته قمت أنا بالمهمة وكانت بحوزتى النتيجة قبل التزوير وبعد التزوير. 
{ ولماذا اخترت صحيفة «المصرى اليوم» لنشر شهادتك حول هذه الواقعة؟ 
}} أنا أساساً كنت أكتب فى الأهرام، ولم يكن من الممكن نشر الموضوع فى الأهرام فاخترت «المصرى اليوم» كصحيفة مستقلة وكانت حديثة الصدور لم يتجاوز عمرها الأربع سنوات بعد وكانت الأوسع انتشاراً بين الصحف المستقلة ولم أكن قد تعرفت بعد على الأستاذ مجدى الجلاد رئيس التحرير وكنت أعرف محمد البرغوثى من الأهرام فاتصلت بمحمد البرغوثى وكان فى «المصرى اليوم» آنذاك وحدثته فى نشر شهادتى عن تزوير الانتخابات فى دمنهور فقال لي: «اوعى تعمليها» ستؤذين نفسك، ولكننى طلبت منه أن يتحدث إلى الأستاذ مجدى الجلاد فى إمكانيته نشر هذه الشهادة، فتحدث مع الأستاذ مجدى وقال له عن الموضوع بل وطلب منه أن يقنعنى بالعدول عن الفكرة، فحدثنى الأستاذ مجدى الجلاد بمنتهى العقلانية وقال لى إن أمامه خيارين الأول أنه باعتباره صحفياً ورئيس تحرير «المصرى اليوم» فإن شهادتى تمثل لى وللصحيفة «خبطة صحفية» أما الخيار الثانى فهو ضميره المهنى الذى يحتم عليه مراجعت فى قرارى حيث إن تبعاته ستكون خطيرة على فقلت له هذا لا يشغلنى وأنا أصر على النشر أن لم تمانع أنت وأرسلتها له.. كما طلب توقيعى عليها ليخلى مسئوليته، هذه كلمة حق لا يتعين علينا التردد فى قولها. 
{ ألم تخافى من ردود الفعل؟ 
}} «ماحدش يقدر يخوفني». 
{ ألم يتصل بك أحد.. وهددك مثلاً؟ 
}} «حصل تهويش». 
{ ممن؟ 
}} لن أقول من دعمنى ولن أقول من أراد تخويفى فهناك مسئولون كبار فى الدولة دعمونى ودعموا موقفى وأيدوا ما فعلت. 
{ من؟ 
}} لن أذكر أسماء. 
{ طيب ومن أراد تخويفك؟ 
}} برضه مش حاأقول.. دى مسألة خصوصية. 
{ هذه ليست خصوصية هذا شأن عام من أخافك؟ 
}} ليس مهماً.. ولن استخدم كلمة تخويف وأقول تهويش. 
{ طيب.. مين «هوشك»؟ 
}} كثير ومش ح أقول أسماء أشخاص ولا مواقع.. لقد دعمنى أشخاص لم أكن أتصور أنهم سيدعمونني. 
{ من أعداء الدكتور مصطفى الفقى داخل النظام؟ 
}} ليس مهماً.. ولست مهتمة بالنوايا.. المهم الموقف وسأحتفظ بأسماء من دعمونى ومن «هوشوني». 
{ شعرت وكأنك تحولت إلى نجمة.. وبدأت فى استثمار واستهلاك هذه النجومية وبدأت تكتبين فى السياسة وغير السياسة؟ ولم تكون قبل ذلك شيئاً عظيماً؟ 
}} اسأل جميع الفضائيات المصرية والعربية والأجنبية، كم أهرب من إلحاحها وإذا كنت ظهرت مرة فى إحدى القنوات فبعد مرات لا تحصى من التهرب أو الاعتذار استجيب فى النهاية فأنا أكره الظهور الإعلامى ولم استثمر واقعة دمنهور لتحقيق نجومية ـ كما تزعم. 
{ «آخرة المتمة» كما يقولون إنك بدأت تكتبين أدباً ونشرت مجموعة قصصية فى دار ميريت بعنوان «اغتسال» وهى مجموعة قصصية ليست فارقة ولا مختلفة إنما تعتمد على ما حققته من ضجة سياسية؟ 
}} هذه مجموعة قصص كتبتها فى سنوات متباعدة قبل واقعة دمنهور بسنوات وفكرت فى تجميعها وإصدارها وتحمس لها الناشر أنا كم أدع أننى بارعة فى كتابة القصة القصيرة أو أنى أصبحت فجأة أديبة فلقد كانت لى محاولات قصصية بدأتها منذ سنوات بعيدة. 
{ ولماذا لم تنشريها «منذ سنوات بعيدة» لماذا نشرتيها الآن تحديداً؟ 
}} اللى حصل؟ 
{ لأنك متأكدة من أنها ستحقق توزيعاً بالعطف على شهرتك القضائية والسياسية؟ 
}} احسبها كما تريد، وأنا لا يهمنى أن أكون «ستار» وحتى إذا دفعت بها لناشر آخر وأراد أن يستثمر اسمى فلا أمانع. 
{ لم يتم تكليفك قبل واقعة دمنهور بالإشراف على الانتخابات؟ 
}} ما لم تعرفه أننى رفضت المشاركة بالإشراف القضائى على الانتخابات منذ عام 2000م وتندهش لرفضى الإشراف على انتخابات الرئاسة. 
{ لكنك أشرفت على الانتخابات فى دمنهور؟ 
}} لقد أجبرت على ذلك ولو علموا ما يخبئ القدر لهم ما أجبرونى والذى كان يمنعنى هو تحديداً «التفتيش القضائي». 
{ فى تلك الدورة كان المستشار محمود أبوالليل هو وزير العدل.. هل التكليف جاء من عنده؟ 
}} كان محمود أبوالليل شخصاً رائعاً وشديد الاحترام وكان وزير عدل من الطراز الرفيع ولذلك ذهب. 
{ ذهب لأنه زار هشام بسطاويسى فى المستشفى واعتذر له. 
}} «وممكن عشان حاجة تانية» أعرفها. 
{ ما هي؟ 
}} لن أقول.. وهو الوحيد صاحب الحق فى أن يقول أسباب الإطاحة به؟ وأنا أعرفها، ومن بينها زيارته لهشام البسطاويسي. 
{ وما طبيعة هذه الأسباب سياسية أو شخصية؟ 
}} سياسية؟ 
{ ومن كان وراء تخويف هشام بسطاويسى ومحمود مكي؟ 
}} مجلس القضاء الأعلي. 
{ لماذا؟ 
}} لمجرد التخويف، تخويف القضاة ككل. 
{ لماذا؟ 
}} لأنهما كانا شريفين ورفضا الصمت.. وللأسف فإن هذا حقق ثماره رغم التحام الشعب بالقضاة لأن القضاة لا يحتملون صراعاً سياسياً. 
{ لكن بعض القضاة اشتغلوا بالسياسية وكتبوا فى السياسية رغم أن القانون يحظر ذلك عليهم، ومحمود الخضيرى نموذجاً؟ 
}} محمود الخضيرى ترك القضاء لما بدأ ينخرط فى النشاط السياسى عبر الكتابة ومحمود الخضيرى لم ينضم لحزب سياسى وإنما القاضى كأحد أفراد النخبة المثقفة من حقه إبداء الرأى فى القضايا العامة وهناك خلط بين إبداء الرأى والانخراط فى نشاط سياسى حزبي. 
{ يعنى المستشار الخضيرى لم يترك القضاء لأنه لم يوفق فى انتخابات الإسكندرية؟ 
}} قد تكون أحد الأسباب لكنه لم يجد منفذاً يدافع فيه عن استقلال القضاء. 
{ ما قيمة استقالته ولم يكن أمامه سوى عام واحد ويخرج إلى المعاش؟ 
}} لا.. لها قيمة والسنة ليست قليلة بالنسبة لقاض فهى تقع فى 12 شهراً كاملاً هناك تضحية قدمها المستشار الخضيرى وما فعله ينطوى على اثبات موقف وفكرة الاستقالة كانت تراوده منذ سنوات. 
{ فى واقعة انتخابات دمنهور وكشفك لتزوير الانتخابات لم يكن بوازع من ضميرك الأخلاقى فقط أو المهنى وإنما جاء لدعم موقف مرشح الإخوان المسلمين الدكتور جمال حشمت؟ 
}} وكأنك تقصد أن المرشح ما لم يكن إخوانياً لما كان موقفى هذا، وهذا زعم خاطئ وأنا لست إخوانية بل إننى قومية ناصرية. 
{ الدكتور مصطفى الفقى قال ذلك؟ 
}} هو لم يعرف.. ولقد ضحكت حينما قال هذا وقلت إذا كان الدكتور الفقى سكرتير الرئيسى للمعلومات وقال هذا: فإن هذه كارثة «فإن كنت لا تدرى فتلك ومصيبة وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم» وما قاله الدكتور الفقى أشبه بنكتة. 
{ ولكن هناك اختراقاً إخوانياً فى صفوف القضاة وما أكثر القضاة الإخوان ولن اسمى أحداً وبعضهم معروف للعامة؟ 
}} وأنا مالي.. أنا لا أستطيع قول هذا ولا أقطع بهذا، وإذا كان لى ميول قومية فهل يعنى هذا أننى أعمل بالسياسة وإذا كان أحد القضاة لهم ميول إخوانية فهل هم إخوانيون ويعملون بالسياسة وهاأنذا يمكنك وصفى بأنى إسلامية قومية ناصرية وهذه قناعاتى وقناعة جيلى كله تقريباً وهذا ليس معناه أننى أعمل بالسياسة. 
{ ما فعلتيه فى دمنهور هو جوهر وقمة السياسة؟ 
}} بل هو جوهر الضمير الأخلاقى والمهنى والقضائى وأنا لم أنضم لحزب سياسى لكن من حقى أن تكون لى قناعات سياسية وآراء سياسية. 
{ بالنسبة لقناعاتك السياسية.. هل انطلاقاً منها وجهت رسالة لشافيز وعبدالناصر؟ 
}} نعم، ومازالت قناعاتى ناصرية، وستظل. 
{ إذن يمكنك تفسير الحضور المتجدد لعبد الناصر؟ 
}} سأقول لك شيئاً حدث منذ عام يفسر هذا فى مشكلة جزيرة القرصاية التى حكم قضاء مصر الشامخ حكماً فيها لصالح سكان القرصاية، وقبل هذا الحكم وأثناء دخول الجرافات ووجدت امرأة قروية طاعنة فى السن.. وهى تشكو حالها يا عبدالناصر «سايبنا لمين».. ولا تعليق بعد ذلك. 
{ ما الدوافع الرئيسية وراء زيارتك لنجع حمادى إثر الأزمة الأخيرة هناك؟ 
}} قررت حينما وجدت معظم الكتاب يقولون إن ما حدث فى نجع حمادى كان ثأراً للشرف «شرف ابنة فرشوط» والعجيب أن بعضاً ممن تحدثوا عن الشرف لا يعرفون عنه شيئاً وأبعد ما يكونون عن الشرف فقلت إن هذا الكلام وراءه شيء مختلف لا علاقة له بالشرف وذهبت وتقصيت الأمر بنفسي، ونجع حمادى كما تعلم تبعد عن الأقصر بساعتى زمن. 
{ وما الأبعاد الحقيقية لما حدث هناك؟ 
}} هى جريمة جنائية طائفية بمعنى الكلمة 100% وسألت كل شخص بنفسى وعابنت كل شيء بنفسى وذهبت لموقع الحادث حيث تم إطلاق نار، ودخلت بيوت المقتولين المسيحيين وبيت المسلم الذى قتل خطأ. حيث ظنوا أنه مسيحي، وما حدث هو جريمة موجهة ضد الأقباط. 
{ ومن المحرك والمحرض وما الأسباب؟ 
}} الأسباب كثيرة، منها أشياء بين الكنيسة وجهات أخري، ولن أقول لك عن دليل عثرت عليه ضد شخص محدد، ولكن قيلت لى أشياء كثيرة، من المطران نفسه ومن الأنبا كيرلس حيث سرد وقائع وذكر أشخاصاً كانوا وراء تحريك هذا الأمر. 
{ وكأن ما حدث كان مقصوداً وتم التخطيط له؟ 
}} نعم، وذلك حينما نجد قتلاً موجهاً للأقباط لا غير، ثم بعد ذلك «يوم الجمعة» نجد حرقاً لمتاجر ومنازل الأقباط فقط.. رغم تجاور متاجر ومنازل الأقباط والمسلمين حيث هناك انتقاء. 
{ من صاحب المصلحة فى هذا؟ 
}} كثيرون، لكننى لا حظت أنها موجهة للأقباط ثم إن المتهم فيها «بلطجي» دأب على فرض إتاوات ويتم استئجاره لمثل هذه المهام ولا يمكن «لبلطجي» على هذه الشاكلة أن يغار على شرف «بنت» فى فرشوط، فضلاً عن أن جرائم الثأر فى الصعيد قالت لنا إن الثأر لا يؤخذ من خارج عائلة الجاني، وهذا البلطجى من نجع حمادى والبنت من فرشوط ومعروف بأنه يستأجر فى أعمال البلطجة بما فيها أعمال البلطجة فى الانتخابات البرلمانية. 
{ هكذا عرفنا خيوط الجريمة.. فهذا البلطجى ارتكب هذه الجريمة بتكليف من أحد مهم وشخصية ذات حيثية.. والسؤال من تكون هذه الشخصية؟ 
}} لن أقول.. ولا أستطيع توجيه الاتهام لشخص محدد وهناك خلافات ما بين الكنيسة والنظام والحزب الوطني.. فى نجع حمادى ودفع ثمنها هؤلاء الأبرياء ولا يوجد ثأر بين الكمونى وبيشوى وفلان وعلان وكان المقصود بالجريمة ـ أنها تمت الساعة 12 ليلاً ـ وكان الأنبا قد بدأ قداسه مبكراً على غير العادة حيث استشعر خطراً محدقاً جعله يانهى القداس العاشرة ليلاً ولو كان القداس انتهى كالعادة الساعة 12 ليلاً لكانت مذبحة مروعة وهذا ما كان مخططاً له أن يقتل كل الخارجين من كنائس هذا الشارع ولذلك كان عدد القتلى 7 ضحايا وهناك شخص واحد مسئول عن هذه الجريمة. 
{ من الحزب الوطنى هناك؟ 
}} ممكن. 
{ ممكن أم مؤكد؟ 
}} أقول إن هناك دلائل وقرائن، لكن لا أستطيع القول إن هناك دليلاً فى يدى إنما هناك قرائن كثيرة ودلائل ولقد رأيت هذه القرائن، وقد رأيتها وتحدثت عنها. 
{ إن شخصاً من الحزب والوطنى وراء هذا؟ 
}} أشخاص.. والدلائل كلها عند الأنبا الذى قال لى الكثير.. بعضها كان أمام الكهنة وبعضها الآخر قالها لى فيما بعد على انفراد وكلمنى عن بعض الأشياء والأشخاص ولا أستطيع ذكر شيء منها لأنها خاصة به تماماً وهو لديه الخبر اليقين وهو الوحيد صاحب الحق فى أن يقول ما لديه أو لا يقول. 
{ ألم يقل شيئاً مما لديه فى التحقيق؟ 
}} قال بعضاً، وقد نشرت بعض التحقيقات الذى جاء فيها بعض مما قاله لي. 
{ مصلحة شخصية أم مالية أم سياسية؟ 
}} هناك تركيبة قبلية تحكم المجتمع هناك فى هذه التركيبة خلافات تقوم على أسس قبلية ومالية وسياسية. 
{ شخصية بارزة يعرفها الناس فى مصر؟ 
}} نعم 
{ من هو؟ لن يكون أهم من الدكتور مصطفى الفقى مثلا؟ 
}} ليس مهما هذه نقرة وهذه نقرة أخرى هم يقولون إنه ليس هناك محرض وأنا أقول إن هناك محرضا وهذه الجريمة لا يمكن أن تتم بغير محرض. 
{ متى ستكشفين عنها؟ 
}} فى الوقت المناسب.. والكلام الآن فى التفاصيل يؤثر على سير المحاكمة وبعد انتهاء القضية وصدور الأحكام النهائية ربما أقول شهادتي.. وقد لا أقول أيضا وإذا قررت أن أتكلم «سأكلمك أنت». 
{ وما الذى دفعك لتصدقى ما قاله الأنبا؟ 
}} لا أقول مصدقة وإنما أقول إننى أعلم كل ما يعلمه الانبا وقاله لى ولكننى أؤكد أن تحريضا كان وراء هذه الجريمة وهذا ما أصدقه وقد يكون الانبا صادقاً ودقيقاً أولا وقد يكون المحرض آخر شخص أتخيله. 
{ ومن هو المحرض؟ 
}} لا أعرف على وجه اليقين لكننى أخمن.. وقد تكون جهة دخلية أو خارجية أو أى أحد لا أعرف لكن هناك صلات بين أعضاء فى الحزب الوطنى هناك وبين المجرم. 
{ ما مشكلة وجود امرأة على منصة القضاء؟ 
}} هناك نساء الآن فى المحكمة الابتدائية. 
{ أنا أسأل عن وصول المرأة لمنصة القضاء فى الاستئناف والنقض ومجلس الدولة؟ 
}} سيحدث يوما ما رغم كل ما يفعلون. 
{ تقصدين مجلس الدولة على الأخص؟ 
}} نعم وسيحدث رغم المعوقات ورغم النظرة المجتمعية المتخلفة للمرأة والرؤية الذكورية.. التى ترى فى اقتصار هذه المنصبة على القضاة الرجال، ومحاولة فرض القاضيات بضغوط سياسية سيؤدى إلى نتائج سيئة وعكسية رغم أنها الطريقة الوحيدة المتاحة لذلك ولابد من تغيير فكر بعض القضاة.. والأمل فى شباب القضاة رغم أن هناك شباباً أكثر تخلفا، وبعضهم يتمسح فى الدين ويؤله على هواه. وصولا للتحريم. 
{ ليس هناك سابقة فى التاريخ الإسلامى لقاضيات؟ 
}} كان هناك قاضية حسبة فى عهد عمر بن الخطاب اسمها «الشفاء» بتشديد الشن، وهذا نوع من القضاء التجاري، وسواء بين النص القرآنى أو التشريعى الإسلامى وهما لا يمنعان تولى المرأة ليس القضاء فقط بل يتولى الخلافة ورئاسة الدولة ونماذج المرأة الحاكمة فى القرآن.. وأفضلها وكاتب بلقيس. 
{ ما رأيك فى ترشح الرئيس مبارك لفترة رئاسية جديدة؟ 
}} لا خيار لنا إطلاقا وسينجح شئنا أم أبينا مثلما تم تعديل الدستور شئنا أم أبينا، ومثل استمرار حالة الطوارئ المعلنة منذ ثلاثين عاما وكل شيء يحدث فى الدولة شئنا أم أبينا «هى جت على الرئاسة يعني»؟ 
{ معنى هذا أن جمال مبارك قادم للرئاسة أيضا؟ 
}} نعم هو قادم بنسبة كبيرة جدا إلا إذا منحت القوى السياسية الموجودة على الساحة الفرصة للوقوف موقفاً محترماً وتمنع هذا. 
{ هل لكون جمال مبارك نجلاً لرئيس الدولة فإنه يحرم حقه الدستورى فى الترشح مع وجود مرشحين آخرين؟ 
}} لا ليس من حقه.. إلى أن يتم تعديل الدستور وتعديل المادة 76 بحيث لا تكون «مفصلة عل مقاس شخص محدد» لن يصبح هذا الترشح حقا دستوريا لجمال مبارك لكن أن يتم إضعاف كل الأحزاب والقوى السياسية بشكل واضح «يبقى مفيش انتخابات حقيقية ونزيهة» وحين نصبح دولة ديمقراطية فيها دستور حقيقى وقوى وطنية يمكن لابن رئيس الدولة أن يرشح نفسه. 
{ سواء الرئيس مبارك أو نجله الأستاذ جمال مبارك ترشحا وخاضا انتخابات الرئاسة فإن كل منهما سيخوضها مع منافسين آخرين. 
}} هم ليسوا منافسين آخرين وإنما كومبارس وهناك كومبارس «شيك» وكومبارس «أى كلام» 
{ معنى هذا أن شخصا مثل نعمان جمعة أو أيمن نور كان «كومبارس» فى انتخابات الرئاسة. 
}} نعم. 
{ نعم كيف، وقد دفع كل منهما الثمن باهظا؟ 
}} لكن هذ لم يمنع كونهما كومبارس فى انتخابات الرئاسة تماما مثلما يحدث مع وزراء خدموا الدولة ويعرفون مسبقا من كاتب صحفى أنه ستتم إقالتهم ما الفارق أنا أسألك؟ 
{ مثل من؟ 
}} وزير التعليم، وزير المواصلات وغيرهما 
{ كانوا وزراء فاشلين؟ 
}} نعم طيب مافيه وزراء تانيين فاشلين ولكنهم خرجوا بطريقة مهينة ولم تحفظ لهم كرامتهم حينما يستغنى عنهم وهذا نفس مصير المرشحين الكومبارس. 
{ ومن هم الكومبارس الذين تتوقعين خوضهم المنافسة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ 
}} يتم الآن اختيار شخصيات شيك لكى يكون دورهم مقنعاً؟ 
{ وما رأيك فى ترشح أشخاص مثل البرادعى أو عمرو موسى أو غيرهما؟ 
}} لا يهمنى الأسماء ولكننى استشعر الحرص على اختيار كومبارس شيك ليكون فيلم الانتخابات أكثر أناقة وشياكة رغم كونه فيلما رديئا المدهش أننا مصرون على مشاهدته كل دورة. 
{ كل هذا السيناريو ليس جديدا علينا فهو مكرر فى كل الدول العربية. 
}} للأسف الشديد. 


في شهادةٍ لها حجيتُها القانونية ودلالاتُها السياسية المهمة قالت المستشارة الدكتورة نهى الزيني التي تشغل منصب نائب رئيس هيئة الرقابة الإدارية إن هناك تزويرًا واضحًا جرى في نتيجة دائرة قسم شرطة دمنهور في محافظة البحيرة خلال الجولة الأولى من المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية المصرية والتي جرت يوم الأحد الماضي 20/11/2005م؛ مما أدى إلى حسم نتيجة مقعد الفئات بالدائرة لصالح مرشح الحزب الوطني الدكتور مصطفى الفقي على حساب الفائز الحقيقي بأصوات الناخبين الدكتور محمد جمال حشمت مرشح الإخوان المسلمين في الدائرة..!!

 

وقالت الزيني- في شهادتها التي نشرتها جريدة (المصري اليوم) اليومية المستقلَّة في صدر صفحتها الأولى اليوم الخميس 24/11/2005م-: إن حشمت في الفرز النهائي حصل على نحو 25 ألف صوت على الأقل فيما نال الفقي 7 آلاف صوت على أقصى تقدير.

 

وأكدت الزيني أن الفائزَ الحقيقي في دائرة دمنهور كان هو حشمت إلا أن التدخل الأمني والحكومي حال دون إعلان النتيجة الحقيقية لهذه الدائرة، في تكرار لتجربة دائرة الدقي والعجوزة في المرحلة الأولى من الانتخابات؛ حيث تم إعلان فوز مرشح الإخوان على مقعد الفئات فيها المحامي حازم أبو إسماعيل، ثم ألغيت النتيجة، وأُعلن فوز مرشحة الحزب الوطني الدكتورة آمال عثمان.

 

 

 

وفي شهادتها تقول المستشارة الزيني: خلال الفترة التي جلست فيها داخل اللجنة العامة- مع ملاحظة أنني بقيت حتى الانتهاء من تسليم جميع النتائج- كان بعض الموجودين سواءٌ من القضاة أو غيرهم يستخدمون المحمول، ودار الحديث في مجمله عن تقدم المرشح جمال حشمت، واستُخدمت في الدلالة على هذا عبارةُ "اكتساح"..!!

 

وأضافت الزيني: تلاحَظَ لي وجود أفراد من الداخلية داخل اللجنة العامة، كان أحدهم يجلس على طاولة التجميع، ويشارك في العمل، وقد أخبرني أحد أعضاء اللجنة العامة- الذي أدعوه للشهادة- بأنه مِن أمن الدولة، وطلب منِّي رئيس اللجنة العامة الانصراف بعد مرور الوقت، فانصرفت وأنا متحققةٌ من النتيجة؛ لذا كان تعجبي من صيحات التشكيك من أنصار جمال حشمت في الخارج، واعتقدت أنهم يبالغون كعادتهم، ففوز مرشحهم بات أمرًا محسومًا بالنسبة للجميع ممن شاركوا في العملية، وكان هذا موضوعًا للحديث بين الجالسين داخل اللجنة العامة، حتى قال أحدهم: إن سقوط مصطفى الفقي سوف يقلب الدنيا".

 

وتقول الزيني إنه قبل الانتهاء من أعمال التجميع "انصرف أحد أعضاء اللجنة العامة وهو مستشار من رجال القضاء، وهو الشخص ذاته الذي دعوته قبل قليل للإدلاء بشهادته؛ مما حمل إليَّ مؤشرًا خطيرًا".

 

وأضافت المستشارة- نائب رئيس هيئة الرقابة الإدارية- مكملةً شهادتَها المهمة: بعد انصرافي بدأت الأخبار تصلني بأن ما حدث في دائرة الدقي في المرحلة الأولى سوف يتكرر هنا، وأنه من المستحيل ترك مصطفى الفقي ليخسر أمام جمال حشمت "أنا هنا لا أتحدث عن رأي الناخبين ولكنني أتحدث عما سمعته من رجال القضاة المشرفين على الانتخابات، وقد طلبت منهم قول الحق، وها أنا أدعوهم ثانيةً لشهادة الحق".

 


وفي ختام شهادتها طالبت الزيني القضاةَ بالإدلاء بشهادتهم في هذه الواقعة؛ حتى لا يصدقَ عليهم مصطلح "القضاء المنبطح" لإرادة الحكم في مصر ليسقط بالتالي الحصن الأخير للعدالة في مصر، وهو أمرٌ- كما قال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد الإخوان المسلمين في حديث له لفضائية (الجزيرة) أمس الأربعاء 23/11- يهدد الأمن القومي المصري، فعندما تسقط المؤسسة التي تضمن للناس حقوقهم وتأخذ لهم مظالمهم يصبح الأمن القومي للدولة مهددًا.

«المصرى اليوم » تنشر شهادة مستشارة شاركت في الإشراف علي الانتخابات في دمنهور

٢٤/ ١١/ ٢٠٠٥

تلقت «المصري اليوم» هذه الشهادة من المستشارة الدكتورة نهي الزيني، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، والتي شاركت في الإشراف القضائي علي الانتخابات البرلمانية في دائرة بندر دمنهور يوم الأحد الماضي، وقد ذيلت الدكتورة نهي الزيني مقالها بتوقيعها عليه مؤكدة حقها في تسجيل شهادتها علي ما رأته وعايشته بنفسها في أثناء عملية الفرز وإعلان النتائج في الدائرة التي فاز فيها الدكتور مصطفي الفقي بمقعد الفئات.

و«المصري اليوم» إذ تنشر هذه الشهادة إنما تؤكد علي حرص الجريدة والمجتمع المصري بالكامل علي إجراء انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة، وعلي حماية سمعة القضاء المصري وإبعاده عن الشبهات، وهو هدف يتسق مع تقديرنا التام لنزاهة وقدسية القضاء المصري. وايضا عملا بالمادة ٢٥ من قانون الإجراءات الجنائية تنشر هذه الشهادة . «لكل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوي عنها بغير شكوي أو طلب، أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها».

لقد كنت هناك، وشاركت في هذا الأمر، وهذه شهادة حق إن لم أقلها سوف أسأل عنها يوم القيامة، ولا أقصد مما أقول مساندة أحد أو الإساءة إلي أحد، ولكنه الحق الذي وهبنا له حياتنا والعدالة التي أقسمنا علي الحفاظ عليها، وقبل كل هذا وبعده خشية الله الذي أمرنا ألا نكتم شهادة الحق، وأن نقولها مهما كانت التضحيات والله إنه لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها.

توجهت إلي دمنهور للإشراف علي الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم الأحد ٢٠/١١ بتكليف من اللجنة العليا للانتخابات باعتباري من أعضاء الهيئات القضائية، كانت الرحلة ميسرة، فقد وفرت لنا اللجنة العليا كل شيء من تذاكر سفر مجانية إلي إقامة علي أفضل مستوي، إلي بدل إعاشة جيد إلي سيارات بسائقين مخصصة لتنقلاتنا - هذا فضلاً عن مكافأة الإشراف التي سوف تصرف لاحقاً بمعدل عدة آلاف من الجنيهات لكل عضو - كل هذا من ميزانية الدولة أي من أموال دافعي الضرائب، وهم الناخبون الذين دفعوا لنا كل هذا طواعية مقابل أن نؤدي واجبنا ونحمي إرادتهم من أي تزييف، ونحمل أمانة أن يمثلهم المرشحون الذين يختارونهم هم - لا الحكومة - في مجلس الشعب.

بدأ عملنا منذ الصباح الباكر في لجان الانتخاب، ثم بدأت عملية الاقتراع في الموعد المحدد بالضبط، وبالنسبة لي فقد ترأست إحدي اللجان الفرعية في الدائرة الأولي «قسم شرطة دمنهور»، وقد سارت عملية الاقتراع علي النحو المرسوم لها في حضور مندوبي المرشحين ووكلائهم ومراقبي منظمات المجتمع المدني، وقد بدا لي أن العملية كلها شفافة، وليس صناديق الاقتراع فقط. حقيقة كانت هناك بعض السلبيات، ولكنها محدودة نسبياً، وقام الأمن بواجبه في حماية اللجان خير قيام،

 وعند الظهيرة جاءت أجهزة الإعلام لنقل الصورة، وقلنا ما عندنا، وبدا الأمر مثيراً للتفاؤل، فالعملية بدت شديدة الجدية، وعن نفسي بذلت ما في وسعي للقيام بواجبي ولتجاوز السلبيات المتعلقة في مجملها بالأخطاء في الكشوف الانتخابية، وبعدم وجود بطاقات انتخابية وردية مع أغلب الناخبين، وعلي يقين من أن باقي الزملاء في اللجان الأخري أدوا واجبهم أيضاً بشرف.

بعد انتهاء عملية الاقتراع، تم نقل الصناديق المبرشمة بصحبتنا إلي مقر اللجنة العامة في حراسة أمنية، حيث بدأ الفرز في سرادق واحد ضخم مفتوح الجوانب ومغطي السقف، وبدأت كل لجنة في عملية الفرز بحضور مندوبي المرشحين أيضاً، وكان واضحاً منذ البداية أن المنافسة علي مقعد الفئات انحصرت عملياً بين شخصين هما: دكتور مصطفي الفقي مرشح الحزب الوطني، ودكتور جمال حشمت مستقل مرشح الإخوان المسلمين - أو ما يطلقون عليه التيار الديني - وكانت عملية الفرز علنية وعلي مرأي ومسمع من الجميع،

 ومنذ الوهلة الأولي بدا تقدم جمال حشمت واضحاً، ثم مكتسحاً بفروق ضخمة عن منافسه، وكان مندوبوه في جميع اللجان يهللون فرحاً بتقدمه، بينما بدا التوتر والتجهم واضحاً علي مندوبي مصطفي الفقي، ثم بدأوا في محاولة اختلاق المشاكل، ولكن الأمور سارت أيضاً علي النحو الصحيح، وقام رؤساء اللجان بواجبهم وأنهوا عملية الفرز، ثم تسليم النتائج للجنة العامة، وبعدها انصرف أغلب رؤساء اللجان الفرعية، وبقي قليلون - كنت منهم - ثم انصرفوا وبقيت حتي أرغمت علي الانصراف.

عقدت اللجنة العامة في حجرة واسع تم إغلاق بابها ومنع الدخول إلا لرؤساء اللجان الفرعية لتسليم محاضر الفرز، ثم الانصراف، وقد اختار رئيس اللجنة العامة عضوين بها من رؤساء اللجان الفرعية، أحدهما عضو بهيئة قضايا الدولة، ولست أفهم - رغم احترامي الشديد للهيئة العريقة ولأعضائها - كيف يصلح محامي الحكومة، لأن يتولي ما يشبه الفصل في منافسة تجري بين طرفين، أحدهما ممثل للحكومة؟ وسوف أذكر فيما يلي ملاحظاتي علي ما جري:

- قمت بتسليم نتائج لجنتي متأخرة، لأنني أعدت الفرز حتي لا يبطل صوت صحيح أو العكس، أي أن نتيجة لجنتي - إن لم تكن آخر نتيجة - فإنها كانت من النتائج المتأخرة جداً.

- كانت المؤشرات قرب النهائية القادمة من اللجان الفرعية تدل علي أن المرشح جمال حشمت حصل علي ٢٥ ألف صوت «علي أقل تقدير»، بينما حصل مصطفي الفقي علي ٧ آلاف صوت «علي أعلي تقدير».

- أثناء عملية تجميع الأصوات حاول المرشح جمال حشمت التواجد داخل اللجنة العامة، ولكن تم إخراجه منها.

- خلال الفترة التي جلست فيها داخل اللجنة العامة - مع ملاحظة أنني بقيت حتي الانتهاء من تسليم جميع النتائج - كان بعض الموجودين، سواء من القضاة أو غيرهم يستخدمون المحمول، ودار الحديث في مجمله عن تقدم المرشح جمال حشمت، واستخدمت في الدلالة علي هذا عبارة «اكتساح».

- تلاحظ لي وجود أفراد من الداخلية داخل اللجنة العامة، كان أحدهم يجلس علي طاولة التجميع، ويشارك في العمل «وقد أخبرني أحد أعضاء اللجنة العامة، الذي أدعوه للشهادة، بأنه من أمن الدولة».

- طلب مني رئيس اللجنة العامة الانصراف بعد مرور وقت، ليس بالقصير، فانصرفت وأنا متحققة من النتيجة، لذا كان تعجبي من صيحات التشكيك من أنصار جمال حشمت في الخارج، واعتقدت أنهم يبالغون كعادتهم، ففوز مرشحهم بات أمراً محسوماً بالنسبة لجميع من شاركوا في العملية، وكان هذا موضوعاً للحديث بين الجالسين داخل اللجنة العامة، حتي قال أحدهم: إن سقوط مصطفي الفقي سوف «يقلب الدنيا».

- قبل الانتهاء من أعمال التجميع انصرف أحد أعضاء اللجنة العامة، وهو مستشار من رجال القضاء، وهو الشخص ذاته الذي دعوته قبل قليل للإدلاء بشهادته، مما حمل إلي مؤشراً خطيراً.

- بعد انصرافي، بدأت الأخبار تصلني بأن ما حدث في دائرة الدقي في المرحلة الأولي، سوف يتكرر هنا، وأنه من المستحيل ترك مصطفي الفقي ليخسر أمام جمال حشمت «أنا هنا لا أتحدث عن رأي الناخبين، ولكنني أتحدث عما سمعته من رجال القضاء المشرفين علي الانتخابات، وقد طلبت منهم قول الحق، وهاأنا أدعوهم ثانية لشهادة الحق».

هذه شهادتي أدلي بها أمام الرأي العام، وأنا أعلم تماماً ما سوف تسببه لي من متاعب، ولكن ماذا لو كسب الإنسان العالم كله وخسر نفسه؟ ولكي لا يزايد علي أحد أبادر بالقول صادقة: إنني أخالف الإخوان المسلمين في الكثير جداً من آرائهم وتوجهاتهم، وعلي المستوي الشخصي، أعلم أن الدكتور جمال حشمت شخص محترم، وكنت أتمني لو لم يكرر تجربة خوض الانتخابات مرة أخري بعد ما حدث له في الدورة الماضية، أما وقد فعلها فعلينا أن نحترم إرادة ناخبيه، وأن نحمل الأمانة التي كلفنا بها.

وأنتم يا رجال القضاء يا أملنا في عالم أفضل، لقد صدعتم رؤوسنا بالحديث عن القضاء الجالس والقضاء الواقف وبالتشكيك في ذمم الناس علي أساس من الجلوس والوقوف، ولكنكم نسيتم نوعاً ثالثاً أخشي أن يزداد انتشاراً، وأن يسود وهو «القضاء المنبطح»، ولن أعتذر للكلمة، ولن أسحبها فأنتم تعلمون أنها كلمة حق، لقد خرج القضاة من مذبحة ١٩٦٩ متطاولي القامة شامخي الهمة، لم يزلزلهم اغتيال حصانتهم وقطع أرزاقهم،

 بل ظلوا خير سياج للعدل والحق، غير أنه مع الأسف من لم يرهبهم سيف المعز تراخت إرادتهم أمام ذهبه وبدلاته ومكافآته وانتداباته في السلطة التنفيذية، حيث يتحول الجميع جالسين وواقفين إلي مرؤوسين لوزراء تنفيذيين منبطحين أمام توجيهاتهم حريصين علي عدم ضياع مكتسبات مادية مغرية استبدلوها باستقلالهم وشموخهم وترفعهم عن الشبهات، إنني ومن خلال هذا المنبر أدلي بشهادتي، وبما علمته في واقعة تزوير نتيجة انتخابات الدائرة الأولي بدمنهور،

 وأوجه نداء إلي من شهد الواقعة وشارك فيها للإدلاء بشهادته أيضاً - قال لي أحدهم لاحقاً إنه لا يستطيع أن ينام بعد ما حدث - واستصرخ همة القضاة الأحرار أن يتوقفوا عن المشاركة في الإشراف علي الانتخابات، حتي ينالوا استقلالاً حقيقياً يمكنهم من السيطرة الحقيقية والكاملة علي العملية من أولها لآخرها، ولأن ينسب التزوير إلي غيرهم خير من أن ينسب إليهم.