لا أدري لماذا تذكرت ذلك المحامي والمثقف الكبير الذي التقيته عندما كنت أخدم الجندية في دمشق ..

وسألته ذات مرة في مكتبه عن كتب قانونية أستفيد منها فقال لي بالحرف الواحد : لا يوجد

قلت : وما هذه الكتب الكثيرة التي تملأ رفوف مكتبتك

فقال : قم وانظر فعلا

لم أجد سوى كتاب أو كتابين في القانون ، والباقي سياسة واجتماع وثقافة فكان علي أن أسأله : لم لا يوجد كتب قانونية وأنت محام ؟! وعلى الأقل كتب الجامعة ، أين ذهبت بها

قال : رميتها في نهر بردى !!! وكان ذلك على أثر دعوى أيضا ، إذ قال : إن القضاة لا يقرأون ما نكتب ، فلم إذن نعذب ونجهد أنفسنا في البحث والكتابة !!!!! وأطرف ما يكون تصرف القاضي ، حين يميل سلفا للتعاطف مع طرف من أطراف الدعوى ، فتراه ، إن تقدمت بطلب ضد ذلك الطرف ، ينزعج ، وإذا طلبت شهود ، فتجده يسمعهم وهو ممقوت .. وقليل من القضاة الذي يستطيع كتم تعاطفه وعدم إظهاره .. حتى يفاجئك بالحكم ، وبحيثيات لم تسمع بها ، ويتجاهل كل ما تقدمت به من أدلة ودفوع ، وكأنه لم يكن موجودا حينما تقدمت بها !!! المشكلة تكمن بالأساس ، في نظرة القاضي لدور المحامي وتقييمه لهذا الدور ومدى حضور المحامي وملاءته الثقافية والقانونية ..

وفرض احترامه على القاضي لذلك ، وسدا لباب القيل والقال ولإتاحة الفرصة للمحاكم الأعلى للمراقبة والتمحيص ، فرض القانون ، على القاضي أن يرد على جميع الدفوع المثارة ويناقشها المناقشة القانونية الوافية وأن يرد على الطلبات التي يتقدم بها ، ويورد كل ذلك في حيثيات حكمه ..

ويعتبر تجاهل الرد والمناقشة كليا أو جزئيا ، مطعنا في الحكم يشوبه بالقصور والخلل وبالنسبة لي شخصيا ، فأنا أكتب مذكرتي القانونية ، كل مرة بشكل مختلف ، بحسب القاضي الناظر بالدعوى ..

وبعض القضاة يجعلوني معفيا من البحث والاجتهاد ، لأني أعرف مسبقا أنه لن يقرأ ما سأكتب ..

وأعرف أنه حتى لو قرأ لن يفهم .. وهذا حصل معي كثيرا .. وفي المجالس ، أطالب دائما بأن يخضع القاضي لنفس الفحوصات التي تخضع لها ملكة الجمال عند الاختيار !!!

كيف : فملكة الجمال تدخل في معسكر لمدة شهر على الأقل ، ويختبرونها من كل جهة ومن كل ناحية ومن زاوية ، جسديا وأخلاقيا واجتماعيا وثقافيا ..

كل ذلك من أجل أن تلهو قليلا وتصور بعض الدعايات والإعلانات أو غير ذلك أما القاضي الذي سيتولى صون الحقوق والحكم بين الناس ، فيتم اختياره باختبار بسيط أو تلفون أبسط !!! علما أن من يريد أن يصبح قاضيا ، يجب أن يتم فحصه حتى من الناحية العصبية والنفسية والثقافية أيضا ، لأنه لا يكفي أن يكون القاضي شريفا ، أو فهيما حتى ، بل يجب توافر عدة صفات فيه ومن كل النواحي ، لاسيما العصبية والنفسية .