إعادة المتعاقدين الي الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد

بالأمس دار حديث بيني وبين الاستاذ محمد راضي مسعود حول المقصود بإعادة المتعاقدين الي الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد عند فسخ العقد , أي الأثر الرجعي للفسخ , والاستثناء الوارد عليه وسريان هذا الأثر بالنسبة للمتعاقدين وبالنسبة للغير ومداه , وقد ذهبت الي أن هذا الأثر قاصر علي  الملكية بالنسبة للبائع دون الحيازة لإختلاف المحل في كل منهما وطبيعته القانونية , باعتبار أن حق الملكية حق جامع مانع يخول لصاحبه جميع المكنات علي الشئ , أما الحيازة فهي سيطرة مادية لشخص علي شئ أي أنها واقعة مادية وليست قانونية , ومن ثم لا يشترط فيها الاستناد الي حق مشروع في الحيازة , فالحيازة في ذاتها يحميها المشرع ولو كان الحائز مغتصبا ولو كان حائزا عرضيا يحوز لحساب صاحب الحق مثل المستأجر , ورغم علمي بقصده من وراء رأيه بأن الأثر الرجعي يشمل الحيازة , إلا أنني أخالفه الرأي من الناحية القانونية وإن كان ما ذهب اليه يخدمه من الناحية العملية , لذلك رأيت أن اتناول هذا الموضوع في حدود الجزئية التي ثارت بيننا علي النحو المنوه عنه آنفا .

نصت المادة 160 من القانون المدني علي أنه " إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان الي الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد , فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض " . وقد جاء بالاعمال التحضيرية للمادة بمذكرة المشروع التمهيدي أنه يترتب علي الفسخ قضائيا كان أو اتفاقيا أو قانونيا انعداما يستند أثره فيعتبر كأن لم يكن , وبهذا يعود المتعاقدان في هذا العقد بعد أن تم فسخه الي الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد وأصبح رد كل منهما ما تسلمه بمقتضي هذا العقد .

ويترتب علي فسخ العقد زواله وانحلال الرابطة العقدية بأثر رجعي الي وقت إبرامه فتنعدم جميع الأثار التي تولدت عنه ويعاد العاقدان الي الحالة التي كانا عليها قبل قيامه . فيلتزم كل منهما برد ما ان قد استوفاه نفاذا للقعد فيرد البائع الي المشتري الثمن وفوائده ويرد المشتري اليه المبيع وثمراته , ولكن إعمال الفسخ لا يتوقف علي الرد لأن الرد نتيجة للفسخ , ويكون الرد علي أساس قاعدة استرداد ما دفع بغير حق ( جمال زكي بند 219 , 220 - السنهوري بند 487 - حجازي بند 602 مكرر وما بعده وراجع فيه تفصيل الصور التي تعرض للرد وتسوية الحساب بين الطرفين عن الثمار والمصروفات ) .

وقد قضت محكمة النقض بأن " مفاد نص المادة 160 من القانون المدني أن الفسخ يترتب عليه انحلال العقد بأثر رجعي منذ نشوئه , ويعتبر كأن لم يكن ويعاد كل شئ الي ما كان عليه من قبل , وبالتالي يترتب علي القضاء بفسخ عقد البيع أن تعود العين المبيعة الي المطعون عليه - البائع - وأن يرد الأخير ما قبضه من الثمن ".

  19/10/1976 - م نقض م - 27 - 1467

وكل أحكام محكمة النقض علي هذا المنوال , لكن لم يتعرض حكم لمسألة الحيازة لأنها مسألة بديهية لا يمكن استردادها بأثر رجعي , ولكن الرد يشمل العين المبيعة ذاتها وثمارها خلال الفترة التي سبقت فسخ العقد وأيضا البائع يرد الثمن وفوائده . ولتقريب الصورة نفترض أننا بصدد عقد ايجار وأخل المستأجر بالتزاماته التعاقدين بأن امتنع مثلا عن دفع الأجرة فقضت المحكمة بالفسخ , ففي هذه الحالة , يرد المستأجر حيازة العين الي المؤجر , لكن هذا الأخير لا يرد ما تقاضاه من أجرة لأن عقد الايجار عقد من عقود المدة والزمن داخل في تنفيذ العقد ولا يمكن استرداد حيازة العين من المستأجر حتي يمكن القول برد تلك الأجرة , ومن ثم فيستنثني من الأثر الرجعي للفسخ عقود المدة , سواء كانت من العقود المستمرة أو العقود الدورية التنفيذ لأن الزمن عنصر جوهري فيها وهو يستعصي علي الرد ومن ثم تترتب آثار الفسخ من وقت وقوعه سواء بموجب الحكم النهائي أو من وقت تحقق شرط الفسخ الاتفاقي وتبقي المدة السابقة محكومة بالعقد ومحتفظة بآثارها .

 ( السنهوري بند 479 -  الشرقاوي بند 77 - حجازي بند 602 - وقارن جمال زكي بند 220 ) .

وقد قضت محكمة النقض بأنه " وإن جاء النص في المادة 160 من القانون المدني علي أنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان الي الحالة التي كانا عليها قبل العقد ... قطعي الدلالة علي الأثر الرجعي للفسخ , وعلي شموله العقود كافة , إلا أنه من المقرر بالنسبة لعقد المدة أو العقد المستمر - الدوري التنفيذ - كالإيجار - أنه يستعصي بطبيعته علي فكرة الأثر الرجعي لأن الزمن مقصود لذاته باعتباره أحد عناصر المحل الذي ينعقد عليه , والتقابل بين الالتزامين فيه يتم علي دفعات بحيث لا يمكن الرجوع فيما نفذ منه , فإذا فسخ عقد الايجار بعد البدء في تنفيذه , فإن آثار العقد التي أنتجها قبل الفسخ تظل قائمة عمليا ويكون المقابل المستحق عن هذه المدة له صفة الأجرة لا التعويض , ولا يعد القعد مفسوخا إلا من وقت الحكم النهائي الصادر بالفسخ لا قبله , ويعتبر الفسخ هنا بمثابة إلغاء للعقد في حقيقة الواقع " .

 7/2/1979 - الطعن رقم 509 لسنة 46 ق 

ويسري الأثر الرجعي للفسخ علي الغير وذلك دون الإخلال بما قد يرتبه القانون من أحكام في هذا الصدد , ومن أهمها أحكام التسجيل ومن ثم لا يسري الفسخ في مواجهة من أكتسب حقا عينيا علي العين وسبق الي تسجيله قبل تسجيل دعوي الفسخ كالمشتري الثاني ممن فسخ عقد شرائه , أما إذا لم يكن قد ترتب للغير حق عيني فإنالحق الشخصي لايحاج به صاحب الحق في الاسترداد إلا حيث ينص القانون علي ذلك كالشأن في أعمال الادارة التي أبرمت مع الغير حسن النية .

المرجع الأستاذ محمد كمال عبد العزيز - التقنين المدني في ضوء الفقه والقضاء - طبعة نادي القضاة - ص 504 الي 509

ومؤدي ما سبق فإن الحيازة في ذاتها لا يمكن استردادها أو القول بأن المشتري الذي فسخ عقده كان يحوز لحساب البائع كما هو الحال مع الحائز العرضي أي المستأجر , ولتقريب الصورة نفترض أن أحمد باع قطعة أرض زراعية الي محمود ودفع ثلاثة أرباع الثمن وتقاعس عن دفع باقي الثمن , فرفع أحمد عليه دعوي فسخ عقد البيع وقضي بالفسخ , فإذا بمحمود يزعم أنه قام بتأجير العين الي سامح ورفع علي هذا الأخير دعوي فسخ عقد الايجار لعقد سداد الأجرة , فتدخل أحمد هجوميا طالبا منع تعرض كل من محمود وسامح له في حيازته للعين وكان ذلك بعد استلامه للعين بستة أشهر وفي الدعوي الأصلية بعدم قبولها لرفعها من غير ذي صفة علي غير ذي صفه , فإذا قضت المحكمة في التدخل الهجومي بقبوله شكلا وفي موضوعه بالرفض لأن أحمد لم يحز العين مدة سنه سابقة علي رفع الدعوي , وفي موضوع الدعوي الاصلية بعدم القبول , فإنني أعتقد  - من وجهة نظري - أن هذا الحكم صحيح .

لأن محمود حين كان يحوز العين خلال الفترة التي استمر فيها العقد قبل الفسخ كان يحوز لحساب نفسه وليس لحساب أحمد , ومن ثم فلا يجوز ضم مدة حيازة محمود الي أحمد كي تكتمل مدة السنة , لأن ضم مدة حيازة السلف الي الخلف لا يكون إلا في التملك بالتقادم المكسب وبنية التملك , إما الدعوي التي نحن بصددها دعوي حيازة وليست دعوي حق .

وقد كانت وجهة نظر استاذي الفاضل / محمد راضي مسعود أن النص جاء عاما وأن الأثر الرجعي يشمل الحيازة , وأن العام يظل علي عمومه الي أن يأتي ما يخصصه , وأنا لا أخالف سيادته الرأي في المقولة , ولكن طبيعة الحق قد تستعصي علي الاسترداد بأثر رجعي , وعلي كل حال الموضوع مطروح للمناقشة وإبداء الرأي من الزملاء .

تقبلوا تحياتي

حسني سالم المحامي