النيل ، هذا النهر الخالد ... رمز القوة وشريان الحياة ، العمود الفقري لمصر ومقبرة الغزاة ، ملهم الإنسانية ومهد الحضارات ، ... هذا النيل بشموخه وصموده وصمته وهيبته يتعرض هذه الأيام لهجوم الكواسر الأفريقية التي بدأت تستيقظ بعد سبات أزلي فبدأت الحياة تدب في أوصالها وأعلنت عن وجودها بتوقيع اتفاق تعاون بينها للحصول على المزيد من مياه النيل .. أثار هذا الاتفاق رد فعل مصري سوداني يرفض تلك الاتفاقية ، ويتمسك بجملة اتفاقيات دولية سابقة على رأسها تلك الاتفاقية الموقعة في العام 1929م والتي أعطت مصر حقوقا واضحة تمثلت في توقيع بريطانيا حال كونها مستعمرة لدول المنبع علي عدم إقامة أي أعمال ري أو توليد طاقة دون اتفاق مسبق مع مصر, كما لا تتخذ أية إجراءات علي النيل وفروعه أو علي البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية يمكن أن تنتقص من مقدار المياه التي تصل إلي مصر أو تعدل تاريخ وصوله أو تخفض منسوبه علي نحو يضر بمصالح مصر. ، وهناك عدد من الاتفاقيات الدولية التي تلت هذه الاتفاقية .. ومما لا شك فيه أن معارك قانونية قادمة ميدانها القانون الدولي ، وفرسانها رجال القانون ، وسلاحها تلك الاتفاقيات الدولية ومدى حجيتها ونطاق سريانها .. الخ ولما كان منتدى المحامين العرب هو ملتقى نخبة المحامين العرب ومن المفترض أن لا تغيب مشكلة بهذا الحجم عن صفحاته .. فإنه يشرفنا فتح ملف خاص بهذه المشكلة ، واسمحوا لي بعرض أفضل ما قرأت في هذا الموضوع وهو حلقتين كتبهما الدكتور محمد سامح عمرو – استاذ القانون الدولي العام المسعد بكلية حقوق القاهرة ، نشرها في الأهرام على حلقتين .
(( حوض النيل
قراءة في قانونية الموقف المصري
بقلم د. محمد سامح عمرو
طرح قيام أربع دول منابع نهر النيل( أوغندا وتنزانيا ورواندا وأثيوبيا) بالتوقيع علي اتفاق التعاون الاطاري(" الاتفاق") العديد من التساؤلات أهمها مدي قانونية تصرف هذه الدول بالتوقيع علي الاتفاق ..
وما تأثير هذا التوقيع علي الحقوق القانونية لمصر والثابتة بموجب الاتفاقيات الدولية السارية. وقبل أن نجيب علي هذا التساؤل من جوانبه المختلفة نري من الضرورة أن نقدم لهذا الموضوع بعرض موجز لخلفية التعاون بين دول حوض النيل منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي.
أولا: خلفية التعاون المشترك بين دول حوض النيل
بدأ التعاون بين دول حوض النيل من خلال مشروع الدراسات الهيدرومترولوجية لحوض البحيرات الاستوائية( هيدرومت) وذلك لمواجهة الارتفاع غير المسبوق لمنسوب مياه بحيرة فيكتوريا الذي بلغ ذروته عام.1964 وتعاونت مصر والسودان مع دول الهضبة الاستوائية( أوغندا وكينيا وتنزانيا) للعمل علي تخزين المياه والمحافظة عليها. وبدأ تنفيذ المشروع عام1967, وقد انضمت إليه أثيوبيا كمراقب عام1971 ثم انضمت كل من رواندا وبوروندي عام1972 وأخيرا الكونجو الديمقراطية( زائير حينئذ) عام.1974 وقد حقق هذا المشروع العديد من النجاحات حيث ساهم في إنشاء العديد من محطات الرصد الهيدرولوجي والمحطات الهيدرومترولوجية ومحطات قياس مستوي البحيرات ومقياس الأمطار.
أعقب ذلك تأسيس تجمع الأوندجو عام1983 بمبادرة مصرية وانضمت إليه كل من السودان وأوغندا والكونجو الديمقراطية ورواندا وبوروندي وتنزانيا, وبدأ العمل منذ1983, ونجح هذا التجمع في جذب البرنامج الانمائي للأمم المتحدة للعمل مع دول حوض النيل والتعاون والعمل معها نحو تنفيذ خطط التنمية الخاصة بها, إلا أن غياب أثيوبيا وكينيا عن هذا التجمع شكل نقطة ضعف لتنفيذ الأهداف المرجوة منه.
أعقب ذلك تأسيس لجنة التعاون الفني لتعزيز تنمية حوض النيل والحفاظ علي بيئته( التيكونيل) عام1992, وانضمت إليها كل من مصر والسودان وأوغندا ورواندا والكونجو الديمقراطية وبوروندي واكتفت كل من أثيوبيا وكينيا واريتريا بصفة المراقب. وبدأ التيكونيل نشاطه عام1993 ونجح في إنجاز عدد من المهام منها تنمية مهارات الكوادر الفنية العاملة في مجال الموارد المائية ووضع خطة شاملة لتنمية حوض النيل والتي اشتملت علي إثنين وعشرين مشروعا تهدف إلي تنمية الموارد المائية وحماية البيئة ومكافحة التلوث وأخيرا تنشيط التعاون وبناء الثقة بين دول حوض النيل.
ثانيا: تحرك دول حوض النيل نحو صياغة اتفاق تعاوني ومؤسسي(D3.)
نشأت فكرة وضع هذا الاتفاق كمشروع من بين المشروعات الاثنين والعشرين التي سعت التيكونيل إلي تحقيقها, وتمثلت الفكرة الرئيسية لهذا المشروع في التوصل إلي اتفاق يحكم التعاون بين دول الحوض بما يحقق الاستخدام الأمثل لصالح جميع شعوبها. وفي عام1995 اتفق وزراء الموارد المائية بدول حوض النيل علي تشكيل لجنة من الخبراء لتقديم التوصيات اللازمة باستخدام مياه النهر. وبدأت اللجنة أعمالها عام1997 حيث قامت بإجراء دراسات مقارنة للتنظيمات المؤسسية الدولية والاتفاقيات القانونية وحصر المبادئ والقواعد الدولية المستقرة في شأن تنظيم استخدامات الدول المشاركة في نهر دولي واحد. واشتركت في أعمال اللجنة جميع دول الحوض( باستثناء اريتريا) وقام برنامج الأمم المتحدة الانمائي بتمويل أعمالها. وانتهت اللجنة من إعداد مشروع الاتفاق وتم عرضه علي وزراء الموارد المائية خلال اجتماعهم عام2000 حيث قرروا أن هناك عددا من المسائل العالقة التي تحتاج لمزيد من الدراسة والتشاور بشأنها, لذا قرر الوزراء تشكيل لجنة صياغة لوضع مسودة الاتفاق. وقد تم تمثيل كل دولة في هذه اللجنة بعضوين واستمرت في عملها حتي عام2005 إلا أنها لم تنجح في التوصل إلي وضع صياغة نهائية لمشروع الاتفاق نتيجة عدم تمكن أعضائها من الاتفاق علي عدد من النقاط القانونية كان أبرزها وضع الاتفاقيات السارية وعلاقتها بالاتفاق. وتم رفع الأمر إلي المجلس الوزاري, إلا انه لم يتمكن أيضا من الاتفاق حول هذه المواد العالقة وأستمر هذا الوضع إلي أن اأنعقد اجتماع كينشاسا في عام2009 حيث توجهت دول المنابع إلي تبني الاتفاق, وذلك بدون حضور السودان وبمعارضة من مصر. ثم انعقد المجلس الوزاري بالإسكندرية في يوليو2009 حيث قرر الوزراء استمرار التفاوض لمدة ستة أشهر أخري للتوصل إلي اتفاق حول المواد العالقة. وقد بذلت مصر مختلف الجهود لتقريب وجهات النظر من خلال القنوات الدبلوماسية والاتصال المباشر, إلا أن دول المنابع أصرت علي الاستمرار في موقفها حتي أنعقد مؤتمر شرم الشيخ الأخير والذي قررت فيه_ دون تحقق توافق في الآراء بين جميع الدول- التوجه للتوقيع علي الاتفاق بمدينة عنتيبي في14 مايو2010, وسوف نتناول مدي قانونية مثل هذا التوجه من الناحية القانونية فيما بعد.
ثالثا: مبادرة حوض النيل
بعد انتهاء المدة الرسمية المحددة للتيكونيل عام1998 استشعرت دول الحوض ضرورة وضع صيغة مؤسسية للتعاون فيما بينها لحين الانتهاء من إعداد الاتفاق, وأسفر ذلك عن تأسيس" مبادرة حوض النيل", التي تم تدشينها عام2000 بتنزانيا. وتضم في عضويتها جميع دول حوض النيل( باستثناء اريتريا التي تتمتع بصفة مراقب), وتسعي إلي تحقيق عدد من الأهداف مثل تنمية المصادر المائية لحوض النيل وضمان كفاءة إدارة المياه والاستخدام الأمثل لمواردها وضمان تحقيق التعاون المشترك واستهداف إبادة الفقر وتعزيز التكامل الاقتصادي. وتم وضع الهيكل التنظيمي للمبادرة حيث تشكلت من:(1) مجلس وزاري(2) لجنة استشارية فنية(3) سكرتارية دائمة مقرها مدينة عنتيبي( أوغندا). وتقوم الإستراتيجية العامة لهذه المبادرة علي محورين وهما, الأول: مشروعات الرؤية المشتركة وتشمل حوض النيل بكامله, والثاني: مشروعات الأحواض الفرعية وتشمل مشروعات يتم تنفيذها بين مجموعة من الدول تنتمي إلي حوض فرعي مثل مصر والسودان وأثيوبيا فيما يتعلق بالنيل الأزرق( النيل الشرقي) ودول النيل الأبيض ومعها مصر والسودان فيما يتعلق بالبحيرات الاستوائية( النيل الأبيض).
رابعا: مدي قانونية قيام دول المنابع منفردة بالتوقيع علي الاتفاق.
بالعودة إلي التساؤل المطروح عن مدي قانونية قيام أربع دول من دول المنبع منفردة بالتوقيع علي الاتفاق بمدينة عنتيبي( أوغندا) يوم14 مايو2010 دون باقي دول حوض النيل ومن بينها دول المصب( مصر والسودان) علي الرغم من بدء التفاوض علي مستوي الدول التسع تحت مظلة مبادرة حوض النيل لمدة جاوزت عشر سنوات. ويتصف تحرك الدول الأربع منفردة بالتوقيع علي الاتفاق بعدم القانونية وذلك للأسباب التالية:
(1) عدم اكتمال الاتفاق
من الثابت إن مشروع الاتفاق لم ينته بعد ولم يكتمل بناؤه القانوني بشكل نهائي فلا تزال هناك بعض النقاط العالقة وعلي رأسها المادة(14- ب) التي لم يتم الاتفاق عليها بعد. وقد اتفقت دول حوض النيل علي ضرورة التوصل إلي صيغة مشتركة مقبولة لهم جميعا بشأن هذه المادة, حيث لم يقف الخلاف فيما بينها علي مضمون هذه المادة بل أمتد الخلاف إلي كيفية إدراج هذه المادة وما إذا كان يتم تضمينها في صلب الاتفاق أم تدرج ملحقا بالاتفاق. وقد عكس قرار المجلس الوزاري لوزراء الموارد المائية في اجتماعهم بالإسكندرية خلال شهر يوليو2009 هذا الخلاف مما دفعهم إلي تبني قرار يوضح رغبتهم في التحرك للأمام سويا بروح من التعاون تحت مظلة مبدأ عام يتمثل في:" نهر واحد... حوض واحد... رؤية واحدة". واستجابة لذلك سعت مصر( مؤيدة بالسودان) وقدمت مقترحات مختلفة لمحاولة التوصل إلي صيغة مقبولة لمضمون هذه المادة ولم تستجب دول المنابع لهذه المقترحات وأصرت علي موقفها. وعليه وفي ضوء عدم اكتمال الاتفاق فإن الدعوة إلي التوقيع عليه من جانب دول المنابع وقيام بعضها بالتوقيع عليه يشكل حالة غير مسبوقة لم تشهد السوابق الدولية مثيلا لها, كما أن هذا التصرف يمثل خروجا عن روح التعاون الذي كان الدافع الرئيسي لعمل دول حوض النيل تحت مظلة المبادرة.
(2) عدم تحقق" توافق الآراء" اللازم لتبني الاتفاق
اتفقت دول حوض النيل- منذ بدء التفاوض- علي مجموعة من القواعد الإجرائية التي تحكم عملية التفاوض علي مستوي اللجان التفاوضية. واتفقت الدول علي إتباع قاعدة" توافق الآراء" وليس قاعدة" الأغلبية" لتبني القرارات( المادة6) بما يفيد ضرورة موافقة أو- علي أقل تقدير- عدم اعتراض أي دولة علي مشروعات القرارات قبل تبنيها., وهو ما يعرف بقاعدة" توافق الآراء". ويعد اللجوء إلي قاعدة تبني القرارات بـ" توافق الآراء" قاعدة أساسية تتمسك بها الدول المتفاوضة بالنسبة لأي اتفاق دولي متي كان موضوع هذا الاتفاق يتصل بالأمن القومي للدول. وبناء علي ذلك يعد قيام دول المنابع بالدعوة لفتح باب التوقيع علي الاتفاق قبل تحقق توافق الآراء وبالتالي قيام بعضها بالتوقيع منفردة هو مخالفة صريحة للقواعد الإجرائية المتفق عليها.
خامسا: مدي مشروعية مطالب مصر تمسكت مصر خلال مراحل التفاوض بضرورة تضمين الاتفاق:
(1) نصا يحافظ علي حقوقها بموجب الاتفاقيات الدولية السارية.
(2) ونصا يفيد قيام دول المنابع بأخطار مصر مسبقا بأي مشروع ترغب أي من هذه الدول تشييده علي نهر النيل... فهل كان ما طالبت به مصر جائزا ومشروعا أم يعد تجاوزا لما استقرت عليه الممارسات الدولية وقواعد القانون الدولي؟
(1) وضع الاتفاقيات الدولية السارية التي أبرمتها مصر مع دول المنابع:
أبرمت مصر منذ القرن التاسع عشر, عددا من الاتفاقيات الدولية مع دول المنابع, منها علي سبيل المثال لا الحصر:
- بروتوكول15 أبريل عام1891 المبرم بين بريطانيا وإيطاليا: تضمن هذا البروتوكول نصا يفيد تعهد الحكومة الايطالية بعدم إعاقة أية أشغال علي نهر عطبره لأغراض الري, يمكن أن تسبب تعديلا محسوسا علي تدفق مياهه إلي نهر النيل.
- المعاهدة المبرمة بين بريطانيا وإثيوبيا لعام1902: تعهد إمبراطور إثيوبيا" ميليك الثاني" طبقا لهذه المعاهدة بعدم إقامة أو السماح بإقامة أيه أشغال علي النيل الأزرق وبحيرة تانا ونهر السوباط يمكن أن توقف تدفق مياهها إلي نهر النيل.
- اتفاق9 مايو عام1906 بين بريطانيا والكونجو المستقلة: ينص هذا الاتفاق علي تعهد الكونجو بعدم إقامة أو السماح بإقامة أية أشغال علي نهر سيميليكي أو اسانجو أو بجوا يمكن أن يخفض كمية المياه المتدفقة في بحيرة ألبرت.
- اتفاق عام1929: بموجب هذا الاتفاق وافقت بريطانيا علي عدم إقامة أي أعمال ري أو توليد طاقة دون اتفاق مسبق مع مصر, كما لا تتخذ أية إجراءات علي النيل وفروعه أو علي البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية يمكن ان تنتقص من مقدار المياه التي تصل إلي مصر أو تعدل تاريخ وصوله أو تخفض منسوهة علي نحو يضر بمصالح مصر. كما نص البند الرابع من الخطاب الموجه من المندوب السامي البريطاني إلي محمد باشا محمود_ رئيس مجلس الوزراء المصري_ بتاريخ7 مايو1929 علي ما يلي:" وفي الختام أذكر دولتكم أن حكومة جلالة الملك سبق لها الاعتراف بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل... كما أؤكد أن هذا المبدأ وتفصيلات الاتفاق ستنفذ في كل وقت أيا ما كانت الظروف التي قد تطرأ فيما بعد".
- الاتفاق الموقع بين بريطانيا وبلجيكا عام1934: ينص هذا الاتفاق علي تعهد كل من بريطانيا وبلجيكا, إذا ما قامت بتحويل أية كميات من مياه جزء من النهر يقع كله في حدود تنجانيقا أو رواندا_ بوروندي, بأن تعيد هذه الكمية دون أي نقصان محسوس إلي مجري النهر عند نقطة معينة قبل أن يدخل النهر حدود الدولة الأخري أو قبل أن يشكل الحدود المشتركة بين إقليمي الدولتين.
- المذكرات المتبادلة بين بريطانيا ومصر بخصوص إنشاء محطة توليد الكهرباء من مساقط أوين بأوغندا في الفترة من1949_1953: تنص هذه المذكرات علي احترام أوغندا للاقتسام السابق أو الاستخدامات السابقة وأن تشغيل المحطة لن يخفض كمية المياه التي تصل إلي مصر أو يعدل تاريخ وصولها أو يخفض منسوبها علي نحو يضر بمصالح مصر. كما نصت هذه المذكرات علي عدم المساس بمصالح مصر المقررة طبقا لاتفاق1929 وعدم تأثير أية أعمال تقوم بها محطة كهرباء أوغندا علي تدفق المياه المارة عبر الخزان وفقا للترتيبات المتفق عليها بين الدولتين.
- اتفاقية عام1959 بين مصر والسودان: وتقرر هذه الاتفاقية مبدأ الاستخدام العادل والمعقول, وأكدت احترام الدولتين للاقتسام والاستخدامات السابقة.
- الخطابات المتبادلة بين مصر وأوغندا عام1991: والتي أشارت إلي المذكرات المتبادلة بين بريطانيا ومصر بخصوص إنشاء محطة توليد الكهرباء من مساقط أوين بأوغندا1949_1953( علي سبيل الخصوص خطاب عام1953) بما يفيد اعتراف أوغندا بالتزاماتها الواردة بهذه الخطابات, وبالتالي لا يجوز لها التشكيك في مدي إلزامية هذه الخطابات باعتبار أنها وقعت خلال عهد الاستعمار, حيث أن أوغندا عام1991( باعتبارها دولة مستقلة وذات سيادة) قد أكدت واعترفت صراحة بسريان التزاماتها الواردة بالخطابات المتبادلة بين1949_.1953
- الإطار العام للتعاون بين مصر وإثيوبيا لعام1993: ويؤكد هذا الاتفاق التعاوني علي امتناع الطرفين عن القيام بأي نشاط يتعلق بمياه النيل يمكن أن يضر علي نحو محسوس بمصالح الطرف الآخر, بما يعني ان هذا الاتفاق يؤكد بوضوح وبما لا يدع مجالا للشك حماية الاستخدامات السابقة لكل مصر وإثيوبيا. كما أكد هذا الاتفاق ضرورة حماية مياه النيل والحفاظ عليها والتعاون والتشاور بخصوص المشروعات المشتركة وبما يساعد علي تعزيز مستوي تدفق المياه وتقليل الفاقد منها.
تمسكت مصر خلال جميع مراحل التفاوض علي الاتفاق بضرورة عدم مساس هذا الاتفاق الجديد بالاتفاقيات السارية. وقد أدعت بعض دول المنابع بعدم سريان هذه الاتفاقيات وأنه لا يجوز لمصر التمسك بها في مواجهتها أو المطالبة بتضمين الاتفاق نصا يضمن عدم مساسه بالحقوق التي قررتها هذه الاتفاقيات لمصر. وادعت بعض هذه الدول_ دون سند واضح_ عدم تمتع مصر بأية حقوق علي حوض النيل أو مياهه. كما ذهب البعض إلي القول بأن بعض هذه الاتفاقيات أبرمت أبان فترات احتلالها وعليه لا تكون سارية في حقها منذ تاريخ استقلالها. وجميع هذه الادعاءات مردود عليها ويجب التفرقة هنا بين وضعين:
الأول: الاتفاقيات التي أبرمتها مصر مع دول المنابع ولم تكن الأخيرة راضخة للاستعمار أو تحت الاحتلال, فلا تجد هذه الادعاءات أي سند قانوني لها ولا مجال للتشكيك فيها حيث تعتبر جميعا سارية ونافذة ومنتجة لآثارها القانونية دون انتقاص.
الثاني: بالنسبة لبعض الاتفاقيات التي أبرمت خلال الفترات التي كانت فيها بعض دول المنابع تحت سيطرة الاحتلال, فهي أيضا اتفاقيات ملزمة تأسيسا علي قواعد القانون الدولي. فالمستقر فقهاوقضاء هو عدم تأثر الاتفاقيات الخاصة بالحدود_ وهذا هو الحال بالنسبة لهذا النوع من الاتفاقيات_ بفكرة التوارث الدولي مما يعني استمرار نفاذ هذه الاتفاقيات في مواجهة أطرافها. وتأكد ذلك باتفاقية فيينا بشأن التوارث الدولي وقرارات منظمة الوحدة الأفريقية التي تبنتها منذ1963, حيث أكدت جميعها علي عدم جواز الاستناد إلي فكرة التوارث الدولي للتنصل من الالتزامات التي ترتبها هذه الاتفاقيات( معاهدات الحدود) باعتبارها تتصل باستقرار العلاقات الدولية واستمرارها, حيث يمكن أن يؤدي المساس بها إيجاد حالة من التوتر بين الدول وتهديد صريح للسلم والأمن الدوليين الذي يسعي المجتمع الدولي إلي التأكيد عليه والحرص علي المساس به ولاسيما بالنسبة لوضع الحدود في القارة الإفريقية.
وعليه لم يكن من المقبول أن تتنازل مصر عن حقوقها المقررة بموجب هذه الاتفاقات بمناسبة إبرام الاتفاق الجديد, بل كان يجب ان يتضمن نصا واضحاا للمحافظة عليها. لذا فقد حرص المفاوض المصري علي ذلك ووجد في المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باستخدام المجاري المائية في غير أغراض الملاحة( وهي تعد اتفاقية نموذجية دولية تم تبنيها عام1997 تحت مظلة الأمم المتحدة) خير سند لذلك حيث نصت علي:" لا شيء في هذه الاتفاقية يمس حقوق أو التزامات دولة المجري المائي الناشئة عن اتفاقات في النفاذ بالنسبة لها في التاريخ الذي أصبح طرفا في هذه الاتفاقية."
(2) مبدأ الإخطار المسبق
تمسكت مصر أيضا بضرورة تضمين الاتفاق نصا يؤكد ضرورة قيام أية دولة من دول حوض النيل بإخطار باقي الدول حال رغبة الأولي في إقامة أي مشروع علي نهر النيل, وهو ما يعرف بمبدأ" التشاور والإخطار المسبق". واستندت مصر في ذلك علي ما قررته قواعد استوكهولم1966 وقواعد برلين2004( تم تبنيها بواسطة رابطة القانون الدولي), وقواعد البنك الدولي واجبة الاتباع عند إجراء الدراسات أو تمويل المشروعات التي تقام علي الأنهار الدولية, وأخيرا اتفاقية الأمم المتحدة(1997) التي تضمنت عددا من النصوص التفصيلية لهذا المبدأ. وحديثا جاء حكم محكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ20 أبريل2010 في شأن تسوية النزاع بين الأرجنتين وأورجواي حول" نهر أورجواي" ليؤكد استقرار مبدأ الأخطار المسبق, وأكدت المحكمة ضرورة احترام هذا المبدأ من جانب جميع الدول التي تشترك في نهر دولي واحد.
سادسا: الأثر القانوني للتوقيع علي الاتفاق من دول المنابع وحدها دون دول المصب
الثابت بموجب قواعد القانون الدولي أن المعاهدة الدولية لا تعتبر ملزمة ونافذة إلا في مواجهة أطرافه, وهم وحدهم يتحملون ما يترتب عليها من التزامات, وهو ما يعبر عنه بمبدأ" نسبية المعاهدات". ويعني هذا المبدأ ان آثار العمل القانوني تنحصر في الأشخاص الذين قاموا بإبرامه. وتعتبر أي دولة من غير هذه الدول طرفا ثالثا( من الغير) متي لم توقع أو تصدق علي المعاهدة حتي ولو كانت قد اشتركت في الأعمال التفاوضية الخاصة بهذه المعاهدة. وقد سبق القضاء الدولي أن أكد عدم إمكان ترتيب التزامات علي عاتق دولة نتيجة لمعاهدة لم تكن طرفا فيها. وبناء علي ما تقدم يمكن أن نخلص الي عدم جواز قيام دول المنابع بأن تتمسك أو تحتج بأحكام الاتفاق الذي قامت بالتوقيع عليه منفردة علي مصر. كما يجب ألا يؤثر هذا الاتفاق علي التزاماتها الدولية المترتبة بموجب الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها هذه الدول مع مصر باعتبارها اتفاقيات دولية مازالت سارية ونافذة ويجب العمل بموجبها. كما لا يمكن الادعاء بأن الاتفاق يؤثر علي اتفاقية1959 بين مصر والسودان حيث تبقي هذه الاتفاقية نافذة ومطبقة بين أطرافها. علاوة علي ذلك لا يجوز لدول المنابع الادعاء بتحللها من تطبيق القواعد الدولية الخاصة بالأخطار المسبق بالنسبة لأي مشروعات تنوي إقامتها ويجب إخطار مصر بها والتشاور معها بشأنه. ولا يجد هذا الالتزام سنده في الاتفاقيات المبرمة بين مصر ودول المنابع فحسب بل تؤيده قواعد القانون الدولي المستقرة.
سابعا: مستقبل مبادرة حوض النيل
تعتبر المبادرة صورة من صور التعاون الدولي بين دول حوض النيل, وقد أثبتت نجاحها في دراسة عدد من المشروعات وجذب الأموال من المؤسسات الدولية والجهات المانحة لتنفيذ العديد من المشروعات. وعليه جاء الجزء الثالث من الاتفاق ليقرر تحويل مبادرة حوض النيل إلي مفوضية بعد دخوله حيز النفاذ.( والذي كان يجب أن يتحقق بعد تبني الاتفاق دون معارضة أي دولة من الدول الأطراف).
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلي ان مبادرة حوض النيل هي كيان مؤسسي يشترك فيه جميع دول حوض النيل التسع ويشترك في ملكية جميع أصولها وأموالها وحقوقها. ويثار التساؤل عن مستقبل المبادرة في حالة بعض الدول بالتوقيع علي الاتفاق دون البعض الآخر. ونري أن هذا الوضع سوف يوجد إشكالية قانونية حيث يتعذر قانونا تحويل المبادرة إلي مفوضية طالما لم توافق علي ذلك جميع الأعضاء بالمبادرة. ولا شك أن هذا الوضع سوف يؤثر سلبا علي مستقبل المبادرة وسوف يكون سببا مباشرا لانهيارها ووضع نهاية سريعة لمسيرتها بعد النجاح الذي حققته منذ نشأتها والذي كان يمكن البناء عليه مستقبلا لتحقيق أفضل النتائج لصالح شعوب دول حوض النيل.))
لعل الزملاء الأفاضل يضيفون ما تجود به أقلامهم وما يمكن الحصول عليه من نصوص عربية لتلك الإتفاقيات التي تتمسك بها دول المصب " مصر والسودان "
عبدالله الناصري