رأيت في ما يرى المستيقظ أن رئيس دولة غانديا الإفريقية (التي سبق أن كتبت مقالاً عن سوقها المالي) كان يتحدث مع عدد من وزرائه ومستشاريه قائلاً إن الدولة تلقت منحة من فرنسا قدرها عشرة ملايين يورو مقابل التصويت لصالحها في مؤتمر الأمم المتحدة الأخير..
وإنه يريد تحقيق أكبر فائدة ممكنة من هذا المبلغ لرفع مستوى المعيشة لمواطني غانديا المفلسة. وطلب الرئيس من الحضور، وكنت من بينهم، تزويده باقتراحاتهم في هذا الشأن..
بادر وزير البنية الأساسية قائلاً إن الدولة تخلو من البنية الأساسية التي هي عصب التنمية ولذا يقترح تحويل المبلغ لوزارته لتمويل إعداد خطة في هذا المجال ..
قاطعه وزير العدل قائلاً إن العدل معدوم في غانديا، ولذا يقترح توجيه المبلغ لدراسة وسائل إرساء العدل.
أما وزير الفقر فقال إن الفقر مستشرٍ في غانديا وإنه لا يمكن الحديث عن تنمية في بيئة من المعدمين، ولذا يقترح توجيه المبلغ لإعداد دراسة عن الفقر تشرف عليها وزارته ..
وجاء دوري فاقترحت توجيه المبلغ نحو بناء سيادة القانون في الجمهورية. فلمعت عينا وزير القانون بعلامة الدولار وأيدني بحماس مبدياً استعداده للسفر إلى باريس للتعاقد مع مكتب متخصص هناك ليكتب لهم مشاريع قوانين مفصلة بالضبط على مقاس الدولة. فقاطعته موجهاً الحديث للرئيس: إن القوانين موجودة لديكم منذ الحقبة الاستعمارية، والمطلوب فقط أن تسهر يا فخامة الرئيس على تفعيلها وتنفيذها بصرامة على الجميع ودون استثناء، وأن تستبعد فوراً من يتهاون من الوزراء في ذلك، والثمن الوحيد لسيادة القانون هو تحييد الهوى وتحكيم العقل والتضحية..
فقال الرئيس: هذه الوصفة لن تكلفنا شيئاً يذكر ولكنها لن تجلب لنا المال لإطعام الجوعى وتشييد الطرق والموانئ والمطارات والمدارس والمستشفيات. فأجبته: فقط عززوا سيادة القانون ودعوا الباقي لرجال الأعمال المحليين والأجانب الذين ما إن يسود القانون ويطمئنوا على حقوقهم فسيستثمرون أموالهم في بلدكم مقتنصين فرص انخفاض الأسعار ورخص الأيدي العاملة والميزات النسبية لديكم ولاسيما في مجال إنتاج وتصدير الكاكاو المحتكر حالياً، وستمتلئ خزائن حكومتكم من الضرائب والرسوم وعندئذٍ ستتمكنون من تنمية دولتكم ..
أطرق الرئيس لحظات، وفجأة رماني بنظرة مريبة وسأل: هل أستطيع استثناء قطاع إنتاج وتصدير الكاكاو من مجال سيادة القانون؟ قلت: أبداً، يستحيل الجمع بين سيادة القانون وقانون الاستثناءات فأي استثناء يا فخامة الرئيس سيدمر حصن القانون كما دمر الفأر سد مأرب. عند ذلك التفت الرئيس نحو وزير القانون وسأله: متى تنوي السفر إلى باريس؟
|