ئ
قال لي ذات مرة: إنك تكثر من الحديث بمناسبة وبدون مناسبة عن التوحيد وتحذر من الشرك من عرفت ومن لم تعرف، وأنا في حيرة من أمري هل نحن مسلمون أم أنت فقط؟ صدقني لقد سئمت انتهارك لي وتجريحك في عقيدتي، ولكني أحبك في الله وأدعوا الله دائماً أن يوفق بيننا، وما يعز علي أننا متفقون في كل شيء إلا في أهم نقطة وهي العقيدة، فلماذا لا نتحاور فإما أن أكون ضالاً فتهديني وإما أن تكون ضالاً فأهديك لقوله تعالى }وإنَّآ أو إِيَّاكُم لَعَلَى هُدَىً أَو فِي ضَلالٍ مُبِين{ [سبأ:24]، بشرط أن لا تُغلَّبْ عواطفنا.
فقلت له: والله إنها الساعة التي طالما حلمت بها، فابدأ باسم الله.
R R R R R R الفهرس
قال لي: لماذا تركز على مسألة التوحيد والتحذير من الشرك ومن سهولة الوقوع فيه وكأنه شيء غامض؟ ألا تعلم أن عدد المسلمين يفوق خُمس تعداد العالم؟
فقلت له: التوحيد والمقصود به توحيد العبادة لله هو أغلى ما في الوجود وهو أغلى وأهم من كنوز الدنيا وجاهها لأنهما زائلين يتركهما الإنسان عند الموت، فلو عمل الإنسان أعمالاً صالحة كثيرة ومات وهو يشرك في العبادة أو لا يتبرأ من المشركين ولا يعتزل أماكن عبادتهم فإن جميع أعماله الصالحة من صوم وصلاة وزكاة وصدقات لا يقبلها الله بل ويلقى في النار خالداً فيها لقوله تعالى }وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكَ لَئِنْ أَشرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرينَ{[الزمر:65].
بينما لو حرص الإنسان على أن لا يقع في الشرك أي أن لا يشرك في عبادته لله عز وجل بالمعنى الصحيح الشامل لكل أنواع العبادات وتبرأ من المشركين واعتزل أماكن عبادتهم وفي نفس الوقت اقترف ذنوباً لضعف في نفسه ومات على ذلك فإنه بنص الآية القرآنية سيكون تحت مشيئة الله إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له حتى لو كانت هذه الذنوب من الكبائر مثل القتل أو الزنا، وحتى لو عذبه فإن عذابه يكون لفترة محدودة في جهنم ثم يدخله الله تعالى برحمته الجنة لأنه مات على التوحيد الخالص والدليل قوله تعالى }إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرَ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ{ [النساء: 48]، والتوحيد يُكَفَّر الذنوب مهما كثرت والدليل الحديث القدسي ((يا ابن أدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً جئتك بقرابها مغفرة)).
وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ستنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"، وأغلب الناس حالياً لا يعلمون أن المشركين والكفار بمن فيهم أبو جهل وأبو لهب كانوا مُقرين أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق وهو الرازق وهو الذي بيده الحياة والموت …الخ، لقوله تعالى }وَلَئِن سَأَلتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرضَ وَسَّخَرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقٌولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤفَكُونَ{ [العنكبوت: 61]، وهو ما يسمى (بتوحيد الربوبية) وأن ذلك لا يكفي للدخول في الإسلام.
كما أن أغلب الناس حالياً لا يعرفون ما هو الشرك في العبادة الذي كان عليه أهل الجاهلية بل لا يعرفون ما هي أنواع العبادات ويعتقدون أنها فقط الصلاة والصوم والزكاة والحج، بينما أنواع العبادات كثيرة وسيأتي شرحها ولا يعلمون أن الأصنام كانت تماثيل لأولياء الله الصالحين الموتى وأن المشركين كانوا يعتقدون أن أرواح الأولياء الصالحين تتجسد في هذه التماثيل وتسمع دعائهم وتتوسط لهم بجاهها عند الله لكي يكون دعاءهم مستجاباً والدليل قوله تعالى }وَالَّذِينَ اتَخَذُوا مِن دُونِهِ أولِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُم إلا لِيُقَرِّبُونَا إلى الله زُلفَى{ [الزمر: 3]، ودليل آخر قوله تعالى }إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمثَالُكُمْ فَادعُوهُمْ فَليَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{ [الأعراف:194].
ومما يثبت سهولة الوقوع في الشرك في العبادة قوله تعالى }وَمَا يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللهِ إلا وَهُمْ مُشرِكُونَ{ [يوسف: 106]، وقوله تعالى }وَإِن تُطِع أَكثَرَ مَن فِي الأرضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ{ [الأنعام: 116] ، و قوله صلى الله عليه وسلم "إن بعث النار من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون، و قوله صلى الله عليه وسلم "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على أثنين وسبعين فرقة كلهم في النار وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة اثنان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة -وفي رواية- ما أنا عليه وأصحابي".
ونحن نرى الآن فرقاً كثيرة مثل الصوفية والطرق الصوفية التي لا أول لها ولا آخر والشيعة بأنواعها وغيرها …الخ، لذلك يجب التمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة ومنهج السلف الصالح والأئمة الأربعة؛ وقوله صلى الله عليه وسلم"الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء –أي حجر أملس- في ظلمة الليل"*[1]*، ومما يزيد من سهولة الوقوع في الشرك أن الناس في أكثر البلاد الإسلامية وُلِدُوا فوجدوا كل مظاهر الشرك يتوارثها الآباء عن الأجداد، وينظرون إليها على أنها الحق ولا يسمونها شركاً والحديث قولهصلى الله عليه وسلم "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء"*[2]*، وأغلب الناس حالياً لا يعلمون ما هو معنى الوثن وما الفرق بينه وبين الصنم فالوثن شامل لكل شيء يعبد من دون الله سواءً كان حجراً أو شجرة يُتَبَرَّكْ بها أو صنماً أو قبراً لولي من أولياء الله الصالحين لقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"*[3]*، ولذلك حرم الإسلام بناء المساجد على القبور لأن في ذلك ذريعة إلى الشرك، ولجعلها أوثاناً وسيأتي إثبات ذلك.
حتى أن إبراهيم عليه السلام كان خائفاً على نفسه وعلى بنيه من الوقوع في الشرك والدليل قوله تعالى }وَإِذْ قَالَ إِبرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلدَ آمِناَ وَاجْنُبنِي وَبَنِيَّ أَن نَعْبُدَ الأَصنَامَ{ [إبراهيم: 35].
فكيف لا نخاف نحن على أنفسنا من الوقوع في الشرك ؟؟؟
R R R R R R الفهرس
قال لي: كيف يكون الدعاء عبادة مثله مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج؟
فقلت له: قال صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو العبادة"*[4]*، وقال تعالى }وَأنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدَاً{ [الجن: 18]، ومعنى المساجد هنا هو أن السجود والذي هو نوع من أنواع العبادات التي لا يجوز تقديمها إلا لله تعالى هذا السجود مثله تماماً الدعاء الذي هو أيضاً نوع من العبـادات التي لا يجوز تقديمها إلا لله تعالى وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله"*[5]*؛ ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فلننظر كيف كان يدعوا الله وبماذا كان يستعين في دعائه وبماذا كان يستغيث في دعائه وبماذا يتوسل حيث قال صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك"*[6]*، وأيضا "اللهم إني أسلمت أمري إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك"*[7]*.
فالدعاء ويشمل الاستعانة "وهي التوسل" والاستغاثة وهي "دعاء المضطر" كلها من صلب العبادات التي لا يجوز تقديمها إلا لله تعالى والتوسل في الدعاء لا يكون إلا بشيئين؛ أولاً: التوسل بأسماء الله الحسنى، ثانياً: بعملك الصالح أنت شخصياً مثل قصة الثلاثة الذين حُبِسُوا في الغار نتيجة سقوط صخرة سدت مدخل الغار فتوسل كل منهم في دعائه بعمله الصالح الشخصي.
R R R R R R الفهرس
قال لي: ماذا تقصد بقولك أن من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا فقط؟ يا أخي إننا نصلي ونصوم ونؤدي الفرائض كلها فكيف تتهموننا بالشرك لمجرد حرص الإنسان على مصالحه الدنيوية أو لكونه رافعاً شعار الإنسانية أو الوطنية في أعماله الصالحة؟
فقلت له يا أخي الكريم إن الإسلام يشجعك على الحرص على مصالحك الدنيوية من سعي وراء الرزق أو زواج أو أي عمل صالح بشرط أن تكون نيتك فيها خالصة لوجه الله وليس لمدح الناس طالباً من الله ثواب الآخرة قبل الدنيا لقوله تعالى }وَابتَغِ فِيمَا آتاكَ اللهُ الدارَ الآخرةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِن الدُنيَا{[القصص: 77]، وبذلك تكون حياتك كلها وأعمالك كلها عبادة لله تعالى مصداقاً للآية في قوله تعالى }وَمَا خَلقتُ الجِنَّ والإنسَ إلا لِيَعبُدُونِ{ [الذاريات: 56]، فالعبادات المفروضة لا تأخذ من وقت الإنسان إلا وقت قليل من عدد ساعات اليوم والليلة.
فإذا كانت نية الإنسان في أعماله كلها خالصة لوجه الله وليس لمدح الناس الذي هو غرض دنيوي بحت فبذلك تكون حياته كلها عبادة لله تعالى وتذكر الحديث عن الثلاثة الذين هم أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة والذي رواه مسلم في صحيحه "المقاتل ليقال جريء والمتعلم ليقال عالم والمتصدق ليقال جواد"*[8]*، ودليل آخر قوله تعالى }مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُنيَا وَزِينَتَها نُوفِ إليِهِم أَعْمَالَهم فِيهَا وَهُم فِيها لا يُبْخَسُون أُولَئكَ الَّذِينَ لَيسَ لَهمْ فِي الآخِرَةِ إلا النَار وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلون{ [هود:15-16].، والحديث القدسي الذي رواه مسلم "أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه".
لذلك فإن إخلاص النية في العمل الصالح لله تعالى فقط وليس لمدح الناس هو من صلب معاني لا إله إلا الله ومن صلب معاني العبادة وهي من أصعب أنواع التوحيد على النفس، لأن النفس أمارة بالسوء ونفس الإنسان تحب مدح الناس.
لذلك من يحقق هذا النوع من التوحيد فإن شخصيته تتغير تماماً فهو سيعامل الناس جميعاً بمنتهى الأمانة لأنه يُعامل الله تعالى قبل أن يعامل الناس ونيته هي طلب الجزاء والثواب من الله تعالى في الآخرة أولاً ثم الدنيا ولذلك لا يهمه مدح الناس مطلقاً ولإيضاح مدى تغير شخصية من يحقق هذا النوع من التوحيد نذكر نقيضه في المثال التالي:
من المعلوم عن الشعب الإنجليزي أنه أمين جداً في تعامله التجاري فهم لا يغشون أبداً عملاءهم في التجارة ويُصَدِّرُون صناعاتهم إلى البلدان الأخرى مطابقة تماماً للمواصفات التي اتفقوا عليها مع عملائهم مع العلم بأن نفس هؤلاء الإنجليز سفاكين للدماء ومجرمون في البلدان التي استعمروها في الهند ومصر وغيرها وشهرتهم في ذلك الإجرام معروفة جداً فكيف يتفق كون الإنجليزي أميناً جداً في تعامله التجاري وهو في نفس الوقت لص ينهب المستعمرات ويسفك الدماء؟
الجواب على ذلك بسيط فإن هذا الإنجليزي يتعامل بمنتهى الأمانة في التجارة ليس لأنه يخاف الله عز وجل وليس لأن نيته هي رضاء الله عز وجل وإنما لأن له مقصداً دنيوياً وهو اكتساب ثقة عملاءه في التجارة حتى تزدهر تجارته ويكسب عملاء أكثر وربحاً أكثر ولو كانت نيته ومقصده هو رضاء الله تعالى فقط وبطلب ثواب الآخرة قبل الدنيا والخوف من الله تعالى لو كانت هذه نيته لتغيرت شخصيته تماماً ولكان من المستحيل أن يفعل ما فعله من سفك للدماء ونهب لثروات المستعمرات …الخ، ولكان أميناً مع كل الناس ضعيفهم وقويهم وغنيهم وفقيرهم، ومثال آخر من كان طبيباً فلا يرفع شعار الإنسانية بل يخلص في عمله ويرحم المرضى ونيته في ذلك إتباع أوامر الله وطلب ثواب الآخرة قبل الدنيا وهو بذلك سيكون أميناً ورحيماً مع كل مرضاه الفقير منهم والغني لأنه يعامل الله عز وجل أولاً وأخيراً.
ورفع شعار الإنسانية والقومية والوطنية مع كون نية الإنسان كلها العمل في سبيل الوطنية والقومية والإنسانية هو نوع من الشرك الذي قد يكون شركاً أصغر إذا كان عابراً عن جهل أو شركاً أكبر إذا كان ذلك مقصد الإنسان في كل أعماله الصالحة وهو ما يسمى بشرك النية والإرادة والقصد وهو من أنواع الشرك الأكبر المخرج من الملة، والقومية والوطنية والإنسانية كلها مقاصد دنيوية بحتة وليس فيها أي نية في إرضاء الله تعالى ومن الأدلة التي تثبت ذلك قوله تعالى }مَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ الآخرة نَزِد لَهُ فِي حَرثِه وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ الدُنيَا نُؤتِه مِنهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرةِ مِن نَصَيب{ [الشورى: 20]، والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية دعوها فإنها منتنة".
وفي عصرنا هذا ظهرت أوثان جديدة أصبحت تمتلك قلوب الناس ومشاعرهم وولاءهم بذكرها يهتفون وبأسمائها يُقسمون وفي سبيلها يُجاهدون ويستشهدون تلك هي أوثان القومية والوطنية وما شاكلها.
تدخل المدارس والجامعات وتشهد المؤتمرات والندوات وتقرأ الصحف والمجلات وتسمع برامج الإذاعات فلا تكاد تسمع لله ذكراً أو تجد له مكاناً وإنما تجد معبوداً آخر تدور حوله كل الأفكار وكل المشاعر وكل الأعمال إنه الوطن أو القومية أو العروبة أو المجتمع أو الدولة أو غير ذلك من أوثان هذا العصر ومن السائد الآن النداء باسم الوطن أو الشعب وإن تكرم فباسم الله وباسم الشعب والحلف باسم الوطن " أقسمت باسمك يا بلادي، والجهاد في سبيل الوطن والعروبة فإن قتل فهو شهيد الوطن والعروبة، وهذا هو أخطر أنواع الشرك التي دخلت على المسلمين من حيث لا يشعرون في هذا العصر.
ولكن حب مدح الناس وهو غرض دنيوي بحت قد يقع فيه المؤمن عرضاً أحياناً وليس دائماً مثل من يزين صلاته أمام الناس فهذا إذا كان يحدث منه أحياناً ويستغفر الله فهذا ليس بشرك أكبر ولكنه شرك أصغر لا يخرج من الملة وهو اليسير من الرياء والله تعالى برحمته يغفره ولكن لو كان متكرراً منه في كل أعماله الصالحة قاصداً مدح الناس فهذا هو الشرك الأكبر شرك النية والإرادة والقصد الذي سبق شرحه والدليل الحديث عن أبي سعيد مرفوعاً قوله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال قالوا بلى قال الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل" رواه أحمد، وقد سُمي شركاً خفياً لأن صاحبه يظهر أن عمله لله ويخفي في قلبه أن نيته طلب مدح الناس، فلو وقع الإنسان عرضاً في هذا النوع من الشرك فكفارة ذلك أن يقول كما جاء في الحديث "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستغفرك مما لا أعلم".
فإذا رأيت المرء يحب غير الله أكثر مما يحب الله ويخاف العبد أكثر مما يخاف الرب، ويتعلق قلبه بالناس أكثر مما يتعلق برب الناس ويصدر عمل إبتغاء رضاهم أكثر مما يطلب ثواب الآخره؛ فاعلم أن هذا الشخص قد أشرك، والإسلام يوم حارب اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى لم يحاربها لذاتها ولم يكن بينه وبينها عداوة شخصية إنما حاربها لأنها احتلت من قلوب الملتفين بها مكانة السيد المتصرف من عبيده الأذلين[9].
R R R R R R الفهرس
فقال لي: وهل معنى كلامك أن من يقول بلسانه لا إله إلا الله ثم رفض أن يعطي أخته حقها في الميراث مُحكَّماً العرف يكون قد وقع في الشرك في العبادة، أو أن المؤمن الذي أرتكب معصية من كبائر الذنوب مثل شرب الخمر أو الزنا يكون أيضاً قد وقع في الشرك في العبادة ؟؟
فقلت له: يا أخي مهلاً أن تكفير المسلم الذي يقول بلسانه لا إله إلا الله شيء خطير للغاية والقاعدة الشرعية تقول "من كَفَّرَ مؤمناً فقد كفر ومن لم يُكَفّرْ الكافر فقد كفر ومن لم يُكّفرْ من كَفَّرَهُ القرآن فقد كفر" ويا أخي ما أقوله لك هو عقيدة أهل السنة والجماعة والأئمة الأربعة وهي أننا لا نُكِّفْر المؤمن الذي ارتكب معصية حتى لو كانت من الكبائر مثل القتل أو الزنا أو شرب الخمر طالما أنه لم يعلن بلسانه أنه يستحل هذه المعصية.
فمثلاً القوانين الوضعية التي من وضع البشر تسمح بشرب الخمر وبيعه في الخمارات فإذا أعلن المسلم بلسانه أنه يرضى بهذه القوانين المصادمة لشرع الله وأنها أفضل من شرع الله فهو حينئذ خرج من ملة الإسلام، أما إذا قال انه يؤمن أن شرع الله حق وأحق أن يُتبع وأنه يُقر أنه مخطئ بشربه الخمر وضميره يؤنِّبه على ذلك فهو بهذا مؤمن مذنب لم يخرج من ملة الإسلام، وقس على ذلك من لا يعطي أخته حقها في الميراث إذا ناقشته فأعلن بلسانه أنه يفضل تحكيم العرف الذي لا يعطي أخته حقها في الميراث وأن ذلك في رأيه أحسن من شرع الله فهو بهذا قد كفر، كفر الإباء والاستكبار مع التصديق مثل كفر إبليس لقوله تعالى }وَإذ قُلنَا لِلمَلائِكَةِ اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبلِيسَ أبَى وَاستَكبَرَ وكَانَ مِنَ الكَافِرينَ{ [البقرة: 34]، فإبليس كفر لأنه لم يعجبه أوامر الله وكرهها واستكبر عليها وهو لم يُكذِّبْ أوامر الله لأن الله تعالى كلَّمه مباشرة، وهذا هو أخطر أنواع الكفر الذي قد يقع فيه من يقول بلسانه لا إله إلا الله.
أما من يقول أنه مخطئ وأن شرع الله أحق أن يتبع ثم لم يعط أخته حقها في الميراث ومات على ذلك فهو مؤمن مذنب لم يخرج من ملة الإسلام ونحن لا نعلم ما في صدور الخلق ولا يعلمه إلا الله تعالى فقط }يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخفِي الصُدُور{ [غافر: 19] ونحن لنا الظاهر فقط.
وعقيدة أهل السنة والجماعة والأئمة الأربعة هي أن لا نُكّفْر المؤمن الذي يرتكب معصية من الكبائر طالما أنه لم يعلن بلسانه أنه يكره شرع الله أو أنه يفضل القوانين الوضعية أو العرف أو هواه على شرع الله.
ولكن يُستثنى من ذلك من يقول بلسانه لا إله إلا الله ثم يقدم أي نوع من العبادات الأساسية المعلومة من الدين بالضرورة يقدمها لغير الله مثل الصلاة أو الصيام أو يجحدها مثل من يجحد الزكاة أو من يعلن بلسانه أن شرع الله لا يصلح للزمن الحاضر وأن القوانين التي من وضع البشر أفضل من شرع الله أو يُعلن مناصرته للأحزاب العلمانية التي تنادي بالقوانين الوضيعة المصادمة لشرع الله وتعلن أنها أفضل من شرع الله، فهذا لا شك في كفره ولكن على الشخص العادي أن يترك هذه المسائل للعلماء ويحاسب نفسه هو فقط حتى لا يقع في الشرك وعليه أن يُحاول إبلاغ من وقع في الشرك بأن ذلك شرك في العبادات على قدر استطاعته بالحسنى وبالقول اللين وأن يعذره مؤقتاً بالجهل ويترك الحكم عليه للعلماء فهم الذين يستطيعون إبلاغه البلاغ المبين بالإثباتات من القرآن والأحاديث الصحيحة فإذا لم يقتنع فعندئذ فقط يحكم عليه العلماء فقط بأنه خرج من ملة الإسلام ولكن مما لا شك فيه أن هذا الشخص في كل الأحوال لو مات على ذلك مات على الشرك، وفي كل الأحوال يجب أن يكون الجدال مع هذا الشخص بالحكمة والقول اللين لقوله تعالى }اُدعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادلهُم بِالتِي هِي أحسَنُ{ [النحل: 125].
والفرق شاسع جداً بين عقوبة المؤمن الذي يرتكب المعاصي حتى لو كانت من الكبائر مثل القتل أو الزنا وعقوبة من يقع في الشرك في العبادة، فمُرتكب كبائر الذنوب تحت المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له وحتى إذا عذَّبه فإن عذابه يكون لفترة محدودة علمها عند الله ثم بعد ذلك يدخله الله تعالى برحمته الجنة، أما المشرك فهو مخلد في النار إلى ما لا نهاية والدليل قوله تعالى }إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرَ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ{ [النساء: 48].
R R R R R R الفهرس
قال لي: ولكني أصلي أحياناً في المساجد التي بها قبور لأولياء الله الصالحين.
فقلت له: الصلاة في المساجد التي بها قبور لأولياء الله الصالحين هو عمل مضاد للنفي الذي في لا إله إلا الله لأن هذه القبور أصبحت أوثاناً تعبد مع الله ودليل ذلك في الصحيحين حيث قال صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد أشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"*[10]*؛ ولنتذكر الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية "وليس بعد ذلك مثقال حبة خردل من إيمان"*[11]*، وتغيير المنكر بالقلب هو الكراهية الشديدة لهذا المنكر والبراءة منه ومن مرتكبيه واعتزالهم والبعد عنهم؛ فكيف يتفق ذلك مع دخول المساجد التي بها قبور لأولياء الله الصالحين الموتى، والتي أصبحت أوثاناً تُعبد مع الله سواءً بدعائها أو النذر لها، والصلاة مع هؤلاء الناس الواقعين في الشرك سواءً عن جهل أو غير جهل؟.
ووصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر لحظة قبل وفاته عن عائشة رضي الله عنها "لما نُـزِلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يطرح خميصةً له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها فقال "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"*[12]*، وكونه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل موته مباشرةً معناه أن الأمر شديد الأهمية.
وعن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور فقال صلى الله عليه وسلم "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله"*[13]*، وعن جندب ابن عبد الله البجلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليلاً ولو كنت متخذ أحداً منكم خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك"*[14]*، يُحذر ما صنعوه ولولا ذلك أُبرز قبره غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجداً أي أنه دُفن في بيت عائشة ولم يُدفن في أرض فضاء خوفاً من أن يُبْنَى مستقبلاً على قبره مسجداً، والحساب يوم القيامة لن يكون على أساس الأمر الواقع حالياً وإنما على أساس كتاب الله والأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تنهي عن بناء المساجد على القبور.
فدخول المساجد التي بها قبور والتي أصبحت أوثاناً تُعبد مع الله بالدعاء والنذر والطواف حولها لا يتفق أبداً مع تغيير المنكر بالقلب وهو الحد الأدنى للإيمان ولا يتفق مع النفي الذي في لا إله إلا الله وتذكر أن نص الشهادة هي أشهد أن "لا إله إلا الله"، وليست أشهد أن الله إلهاً.
وهناك كما سبق إثباته فرق شاسع بين الاثنين وهذا النفي عام يشمل ضرورة البراءة من المشركين الذين يشركون في أي نوع من العبادات مع ضرورة اعتزالهم واعتزال أماكن عبادتهم والدليل قوله تعالى }وَأَعتَزِلَكُم وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وَأَدعُو رَبِي{ [مريم: 48]، ولاحظ في الآية أنه لم يعتزل ما يدعون من دون الله فقط وإنما اعتزلهم هم أنفسهم أيضاً.
وكذلك الآية في قوله تعالى }قَدْ كَانَت لَكُم أُسوَةُ حَسَنَةٌ فِي إبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَومِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومَمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُم وَبَدا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءَ أَبَداً حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحدَهُ{ [الممتحنة: 4]، ولاحظ أنهم لم يتبرؤا مما يعبده المشركون من دون الله فقط ولكنهم تبرؤا من المشركين أنفسهم أيضاً، فكيف يتفق ذلك مع دخول المساجد التي بها قبور لأولياء الله الصالحين والتي أصبحت أوثاناً تُعبد مع الله سواء بالدعاء أو النذر أو الطواف حولها والصلاة مع هؤلاء المشركين الواقعين في الشرك في العبادة، وكيف يكون قد اعتزلهم وتبرأ منهم من دخل ليصلي معهم ؟!!
وتذكر يا أخي أن الأصنام هي نوع من أنواع الأوثان وأن تعريف الوثن هو كل ما عُبد من دون الله سواء كان صنماً أو قبراً لولي صالح أو حجراً أو شجرة يُتبرك بها، وأن الحديث في صحيح البخاري الذي سبق ذكره قوله صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعْبَدْ" يثبت أن قبر الولي إذا توجه الناس إليه بالدعاء أو النذر أو الطواف فذلك يجعله وثناً، وتذكر أن الأصنام هي تماثيل لأولياء الله الصالحين الموتى.
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية }وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلهَتَكُم وَلا تَذَرُنَّ وَدَاً وَلا سُواعَاً وَلا يَغُوثَ وَيَعَوقَ وَنَسْرَاً{ [نوح: 23] "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً -أي تماثيل- وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عُبدت" رواه البخاري في التفسير، وقال ابن القيم قال غير واحد من السلف "لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم"، وعبادتهم هنا ليست بالصلاة أو السجود لهذه التماثيل أو هذه القبور وإنما هي بتوجيه دعاءهم لهؤلاء الأولياء الموتى لكي يتشفعوا أي –يتوسطوا- لهم عند الله لكي يكون دعاءهم مستجاباً، والدعاء بنص الحديث الصحيح "الدعاء هو العبادة"، والدليل قوله تعالى }وَالَّذِينَ اتَخَذُوا مِن دُونِهِ أولِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُم إلا لِيُقَرِّبُونَا إلى الله زُلفَى{ [الزمر: 3]، وقوله تعالى }إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمثَالُكُمْ فَادعُوهُمْ فَليَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{ [الأعراف:194]، وقوله تعالى }وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لا يَخْلِقُونَ شَيئاً وَهُم يُخلَقُون أموَاتٌ غَيرُ أَحيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أيَانَ يُبْعَثُون{ [النحل: 20 – 21].
وتذكر يا أخي أن المشركين بمن فيهم أبو جهل وأبو لهب كانوا مقرين أن الله عز وجل هو الخالق وهو الرازق وهو الذي بيده الحياة والموت …الخ (ما يسمى بتوحيد الربوبية ) والدليل قوله تعالى }وَلَئِن سَأَلتَهُم مَّنْ خَلَقَهم لَيَقٌولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤفَكُونَ{ [الزخرف: 87]، وأنهم كانوا يعتقدون أن أرواح الأولياء الصالحين الموتى تتجسد في هذه التماثيل وتسمع دعائهم وتتوسط لهم عند الله بجاه هؤلاء الأولياء ليكون دعائهم مستجاباً لقوله تعالى }وَالَّذِينَ اتَخَذُوا مِن دُونِهِ أولِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُم إلا لِيُقَرِّبُونَا إلى الله زُلفَى{ [الزمر: 3]، والحديث الصحيح "الدعاء هو العبادة"، وهذا هو نفسه ما يحدث الآن عند قبور أولياء الله الصالحين في تلك المساجد فالتاريخ يعيد نفسه بنفس حيل الشيطان وكل ما في الأمر أن الصنم أي تمثال الولي الصالح أُسْتُبِدِلَ بقبر الولي الصالح الذي بني عليه المسجد، ويا أخي العبرة هي بتوجيه نوع أساسي من العبادة وهو الدعاء لغير الله سواء لتمثال الولي الصالح أو لقبر الولي الصالح فليس هناك فرق أبداً بين من يوجه دعاءه لصنم قاصداً شفاعة أي وساطة الولي الصالح الذي أقيم باسمه ذلك الصنم لكي يكون دعاءه مستجاباً عند الله وبين من يوجه دعاءه عند قبر الولي الصالح قاصداً أيضاً شفاعة أي وساطة ذلك الولي الصالح بجاهه عند الله لكي يكون دعاءه مستجاباً، ويا أخي النفي الذي في لا إله إلا الله يحتم عليك ضرورة البراءة مما يعبده المشركون سواء كانت تماثيل لأولياء الله الصالحين أو قبوراً لهم والتي أصبحت أوثاناً تُعبد مع الله، وكذلك أيضاً البراءة من المشركين أنفسهم واعتزالهم أي البعد عن أماكن عبادتهم سواء كانت معابد بها تماثيل لأولياء الله الصالحين أو مساجد بها قبوراً لأولياء الله الصالحين يعبدونها بالدعاء والنذر والطواف حولها حتى أصبحت أوثاناً تُعبد مع الله بنص الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد" والآية قوله تعالى }وَأَعتَزِلَكُم وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وَأَدعُو رَبِي{ [مريم: 48]، وأكرر مرة أخرى "كيف يكون قد اعتزلهم وتبرأ منهم من دخل ليصلي معهم وبالقرب من وثنهم؟".
وسواءً كان ذلك الوثن (أي قبر الولي الصالح) في الجزء الخلفي من المسجد أو في غرفة ملحقة بالمسجد فذلك لا ينفي أبداً وقوع الشرك بعبادة الناس لقبر ذلك الولي الصالح عياناً بياناً سواء بالدعاء أو النذر لذلك الولي الصالح أو بالطواف حــول قبره، وتذكر يا أخي الآيـة قوله تعالى }وَأنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدَاً{ [الجن: 18]، ولاحظ كلمة أحداً ولم يقل صنماً؛ وصدق الله العظيم الذي قال تعالى }وَلا يَأتُونَكَ بِمَثَلٍ إلا جِئنَاكَ بِالحَقِ وَأحْسَنَ تَفسِيراً{ [الفرقان: 33]، ومعناها أنه لا يأتي أهل الباطل بحجة إلا وفي القرآن الرد عليها وأيضاً قوله تعالى }وَلَقد صَرَّفنَا فِي هَذا القُرآن للنَّاسِ مِن كُل مَثلٍ وَكَانَ الإنسَانُ أكثرَ شَيءٍ جَدَلاً { [الكهف:54].
R R R R R R الفهرس
فقال لي: ولكني أصلي في بعض المساجد ويكون القبر خلفي.
فقلت له: الاحتجاج بكون القبر في الجزء الخلفي من المسجد أو في غرفة ملحقة بالمسجد لا ينفي أبداً وقوع الشرك بعبادة الناس لقبر هذا الولي الصالح سواء بالدعاء أو النذر أو الطواف حول قبره …الخ عياناً بياناً وبذلك أصبح ذلك القبر وثناً بنص الحديث السابق ذكره "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد".
فقال لي: ولكن حتى ولو كان عملهم هذا شرك فأنا أصلي في المسجد ولا يهمني أمرهم بل أصلي الفريضة وأخرج فوراً.
فقلت له: لو فرضنا أنك دخلت مسجداً ورأيت فيه أناس يشربون الخمر، هل كنت تصلي في هذا المسجد؟ قال لا والله؛ بل أحاول أن أغير هذا المنكر فإن لم أستطع فسأعتـزلهم فوراً، فقلت له كيف تعتزلهم وهم يأتون بمعصية أو كبيرة من الكبائر ولا تعتزلهم وهم يشركون مع الله في الدعاء والنذر!!؟؟
ويأخي أنت لا تقول أشهد أن الله إلهاً وإنما تقول أشهد أن لا إله إلا الله فالنفي الذي في الشهادة يحتم عليك ضرورة البراءة من المشركين ومما يعبدونه وأيضاً اعتزال المشركين واعتزال أوثانهم واعتزال أماكن عبادتهم والدليل ما قاله إبراهيم لقومــــه في قوله تعالى }وَأَعتَزِلَكُم وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وَأَدعُو رَبِي{ [مريم: 48]، ولاحظ في الآية أنه لم يعتزل ما يدعون من دون الله فقط وإنما اعتزلهم هم أنفسهم أيضاً، وكذلك الآية في قوله تعالى }قَدْ كَانَت لَكُم أُسوَةُ حَسَنَةٌ فِي إبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَومِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومَمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُم وَبَدا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءَ أَبَداً حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحدَهُ{ [الممتحنة: 4]، ولاحظ أنه لم يتبرأ من أصنامهم فقط وإنما تبرأ منهم هم أنفسهم أيضاً، ويا أخي كيف تكون أنت قد تبرأت منهم ومن وثنهم وكيف تكون قد اعتزلتهم واعتزلت وثنهم بينما أنت دخلت لتصلي معهم بالقرب من وثنهم وبالمسجد الذي يحمل اسم وثنهم ؟!!
ويا أخي نحن ولدنا فوجدنا آلاف المساجد مبنية على قبور أولياء الله الصالحين فاعتقدنا أن هذا هو الإسلام الحق لقوله تعالى }إنَّهُم ألَفُوا آبَاءَهَم ضَالِّينَ فَهُم عَلَى آثارَهُم يُهْرَعُون{ [الصافات: 69-70]، بينما أنت لا تعلم أن هناك باب كامل في صحيح مسلم وصحيح البخاري كله أحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور وأنه لم يُبْنَى مسجداً واحداً على قبر أبداً إلا بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم بأربعمائة عام سواء طيلة عهد الأمويين ثم الجزء الأكبر من خلافة الدولة العباسية ولم تحدث هذه البدعة إلا في عهد الدولة الفاطمية وهم من أسوأ أنواع الشيعة، حيث بنوا مسجداً على ما زعموه أنه قبر للحسين وأغلب الناس لا تعلم هذه الحقائق وأصبحوا يتوارثون هذه الوثنية أباً عن جد وحقاً ما قاله صلى الله عليه وسلم "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء".
R R R R R R الفهرس
قال لي: يا أخي؛ أليس قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده وهو الأسوة الحسنة؟.
فقلت له: الاحتجاج بكون مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم قد أدخل فيه قبر الرسول احتجاج واهي؛ لأن ذلك لم يحدث أبداً إلا بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم بزمن طويل في أواخر خلافة الأمويين ولأغراض سياسية، فالرسول صلى الله عليه وسلم دُفن في بيت عائشة رضي الله عنها والذي كان منفصلاً تماماً عن المسجد والتوسعة الأولى والثانية لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم تمت في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما اللذان وسعا المسجد من ثلاثة أضلاع ولم يقربوا الضلع الرابع الذي يفصله عن بيت عائشة لأنهم كانوا يعلمون العدد الكبير من الأحاديث الصحيحة والتي تنهي عن بناء المساجد على القبور.
ويثبت ذلك الحديث المتفق عليه قالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" متفق عليه، ولولا ذلك لأُبرز قبره غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجداً ومعنى لولا ذلك لأبرز قبره أي أنه دُفن في بيت عائشة ولم يُدفن في أرض فضاء خوفاً من أن يأتي في المستقبل من يبني عليه مسجداً.
والحق يُعْرَفْ من الباطل بكتاب الله والأحاديث الصحيحة وليس بالأمر الواقع والحساب يوم القيامة سيكون بناء على كتاب الله والأحاديث الصحيحة وليس على الأمر الواقع وليس هناك أي مجال للاحتجاج بالأمر الواقع حالياً.
هذا مع العلم بأن الوضع في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم حالياً لا مجال للمقارنة بينه وبين آلاف المساجد الأخرى التي بها قبور لأن هناك ثلاثة جدران مرتفعة تفصل بيت عائشة الذي دفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسجد وهناك في كل ركن من الأركان الثلاثة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهذا بعكس آلاف المساجد الأخرى التي تعبد فيها قبور الأولياء بالدعاء والنذر والطواف حولها …الخ عياناً بياناً، هذا بالإضافة إلى أنه من السنة شد الرحال إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الصلاة فيه ثواب الركعة بألف ركعة وللحديث في قوله صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" على أن تكون النية قبل السفر هي نية زيارة مسجد الرسول وليس نية زيارة قبر الرسول لأنه صلى الله عليه وسلم ميت لقوله تعالى }إنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُم مَيِّتُون{ [الزمر: 30].
وللعلم فإن العلماء أجمعوا على أن كل الأحاديث التي تدعو لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم جميعها أحاديث موضوعة وغير صحيحة مثل "من حج ولم يزرني فقد جفاني"، ثم بعد الصلاة في المسجد النبوي تسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم بالطريقة الشرعية المتبعة في زيارة القبور حسب الأحاديث الصحيحة مثل السلام عليك يا رسول الله اللهم صلي وسلم على محمد وعلى آل محمد …الخ، مع الحرص الشديد في أن تبتعد تماماً عن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم و عندما تدعو الله أو تذكر الله عندئذ يجب أن يكون وجهك متجه تماماً إلى القبلة وليس إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لأن في ذلك شبهة الشرك وقد اتفق على ذلك الأئمة الأربعة.
R R R R R R الفهرس
قال لي: ولكن الذي أعرفه ويعرفه عامة المسلمين أن المشركين كانوا يعبدون أصناماً من حجارة صنعوها بأيديهم يعتقدون أنها هي الآلهة وأنها تسمع دعاءهم وتستجيب لهم.
فقلت له: إن الأصنام كانت تماثيل لأولياء الله الصالحين الموتى ودليل ذلك قوله تعالى }وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلهَتَكُم وَلا تَذَرُنَّ وَدَاً وَلا سُواعَاً وَلا يَغُوثَ وَيَعَوقَ وَنَسْرَاً{ [نوح: 23]، عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً -أي تماثيل- وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت"*[15]*.
R R R R R R الفهرس
قال لي: ولكن معظم التحذيرات التي جاءت في القرآن الكريم لهؤلاء المشركين كانت مركزة على نهيهم عن عبادة الأصنام والأوثان وليس الأولياء الصالحين الموتى مثل قوله تعالى }وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأ إبرَاهِيم إذْ قَال لأبِيهِ وَقَومِهِ مَا تَعْبِدُونَ قَالوا نَعْبُد أصنَامَاً فَنَظلُ لَها عَاكِفِينَ{ [الشعراء: 71]، وقوله تعالى }وَإنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أوثَاناً{ [العنكبوت :17].
فقلت له: الثابت أن أولئك المشركين كانوا يعبدون الأولياء والصالحين لذاتهم، ويعبدون الأصنام والأوثان والتماثيل لا لذاتها وإنما لعبادة معبوديهم الحقيقيين من الأولياء والصالحين الذين أُقيمت بأسمائهم هذه الأصنام والأوثان والتماثيل*[16]* كما سبق إثباته في الحديث عن ابن عباس.
ومن الرد على ذلك هو ما سبق من الأدلة الكثيرة على أن هذه الأصنام كانت تماثيل لأولياء الله الصالحين الموتى لهذا يصفهم الله سبحانه وتعالى مرة بأنهم عُباد أصنام ومرة بأنهم عُباد أولياء صالحين موتى، فهم عُباد أصنام بالسعي إليها والطواف حولها والعكوف عليها وهم أيضاً عُباد للأولياء الذين أُقيمت باسمهم هذه الأصنام وذلك بدعائهم لهم وطلب حوائجهم منهم والاعتماد عليهم كشفعاء ووسطاء عند الله دون أن يأذن لهم بذلك وهو نفس فعل من يعبد أولياء الله الصالحين في عصرنا الحاضر في المساجد التي بها قبور لأولياء الله الصالحين فهم يُقبلون أستار الضريح ويطوفون حوله ويُزينونه ويبنون القباب عليه ويُقربون له النذور، ثم هم في طوافهم حول ضريح الولي الصالح يدعون صاحبه الميت ويستغيثون به ويستنجدون به ويطلبون المدد في قولهم "مدد ياحسين" و"شيء لله يا سيد يا بدوي"، فهم في هذا عُباد قبور صراحةً وعُباد أولياء ضِمْناً، فإن سميتهم عُباد قبور فأنت صادق باعتبار ما يصنعونه للقبور وإن سميتهم عُباد أولياء فأنت صادق باعتبار ما يعبدون به أوليائهم من دعاء ونذر وخوف ورجاء، وهم في الحالين على شرك أكبر لقوله تعالى }وَالَّذِينَ اتَخَذُوا مِن دُونِهِ أولِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُم إلا لِيُقَرِّبُونَا إلى الله زُلفَى{ [الزمر: 3].
ولقد أشار الوكيل*[17]* إلى الإثباتات القاطعة بأن شرك المشركين القدامى كان بدعائهم أولياء الله الصالحين الذين أقاموا لهم التماثيل كرمز لهم وأن هذا هو نفسه شرك المشركين في عصرنا الحاضر وكل ما في الأمر أن تمثال الولي الصالح أُستُبِدِلَ بقبر الولي الصالح، وهذه من أكبر مكائد إبليس.
ولكن قبل ذكر ما قاله الوكيل أودُّ أن أُشير إلى أن "ما" هي للتعبير عن ما لا يعقل، فمثلاً إذا طلبت منك أن تُعطيني ما في يدك فسأقول لك؛ اعطني "ما" في يدك، وليس من المعقول أن أقول لك اعطني "من" في يدك، لأن "من" هي للعاقل وليس للجماد، أي أن كلمة "ما" إذا ذُكرت في القرآن بخصوص آلهة المشركين يكون المقصود بها الصنم أو التمثال وهذا غير عاقل ولكن تجد في نفس السياق وفي نفس القصة والموضوع يأتي ذكر آلهة المشركين نفسها مُعبراً عنها بكلمة "من" أي للعاقل، وهذا إثبات قاطع أن هذه الأصنام إنما هي تماثيل لأولياء الله الصالحين الموتى.
حيث يقول الوكيل – بتصرف – "وهذا هو سر التعبير أحياناً بـ"من" وهي دلالة لمن يعقل في موضع؛ والتعبير بـ"ما" وهي دلالة على ما لا يعقل في موضع في القصة الواحدة في القرآن، فإذا عبر بـ"ما" الدالة على ما لا يعقل فالمقصود ما أُقيم بأسماء الأولياء من أصنام وتماثيل وإن عبر بـ"من" فالمقصود ذات الولي الصالح الميت، لأن التعبير بـ"من" هو تعبير عن العاقل، فتختص "من" بذات الولي الصالح الميت، وتختص "ما" بالصنم الذي أُقيم باسم هذا الولي الصالح.
والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصى في القرآن منها قوله تعالى }قُل أَرَأيتُم مَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أرُونِي مَاذا خَلَقُوا مِن الأرضِ{ [الأحقاف: 4] وقوله تعالى في الآية التي بعدها مباشرة }وَمَن أضُلُ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَن لا يَستَجِيِبُ لَه إلى يَومِ القِيامَة{ [الأحقاف: 5]، وقوله تعالى }وَمِن النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإن أصَابَه خَيرٌ اطمَأن بِه وَإن أصَابَتهُ فِتنَة انقَلَبَ عَلى وَجهِهِ خَسِرَ الدُنيَا والآخرَة ذَلكَ هُو الخُسرَانُ المُبيِنُ يَدْعُوا مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّه ومَا لا يَنفَعَهُ ذَلِك هُو الضَّلال البَعِيد يَدْعُوا لَمن ضَرُّه أقرَبُ مِن نَفعِه لَبئسَ المَولَى وَلَبِئسَ العَشير{ [الحج: 11-13]، و قوله تعالى }وَاتلُ عَليهم نَبأ إبرَاهيم إذ قَالَ لأبيهِ وقومِهِ مَا تَعْبُدُونَ قالوا نَعبُدُ أصناماً فَنَظلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَل يَسمَعُونَكَم إذ تَدعُونَ أو يَنفعُونَكَم أو يَضُرُون قَالوا بَل وَجَدنا آباءنا كذلكَ يَفعَلون قالَ أفرَأيتم مَا كُنتُم تَعبُدُون أنتُم وَآبَاءُكم الأقدَمُون فإنَّهُم عَدوٌ لِي إلا رَب العَالمِينَ {[الشعراء: 69-77]، وقول إبراهيم تعالى "هل يسمعونكم" بعد قولهم "نعبد أصناماً" لتفهم أنه يقصد بقوله أولياء الله الصالحين الذين أُقيمت باسمهم هذه الأصنام ولم يقل تعالى هل تسمعكم، ثم ذكر "أفرأيتم ما كنتم تعبدون" وما كما عرفنا هي لغير العاقل أي المقصود بها الأصنام، وبعدها مباشرةً "فإنهم عدوٌ لي" مما يُشعرك أن إبراهيم تعالى يقصد الأصنام وأيضاً الأولياء الصالحين الموتى لأن "هم" ضمير العقلاء*[18]*.
فلا يخدعك عباد القبور عن الحق بإلباسه الباطل حين يزعمون أن شرك الجاهلية كان سببه دعاء الأصنام فأنت قد عرفت من القرآن سر التعبيربـ(ما ومن) ورأيته يعبر بهما في الموضع الواحد ويضع أحدهما مكان الآخر، وكذلك قوله تعالى }وَأنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدَاً{ [الجن:18] ولاحظ كلمة أحداً ولم يقل صنماً وكذلك قوله تعالى }إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمثَالُكُمْ فَادعُوهُمْ فَليَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{ [الأعراف:194]. والآية ]، وقوله تعالى }وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لا يَخْلِقُونَ شَيئاً وَهُم يُخلَقُون أموَاتٌ غَيرُ أَحيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أيَانَ يُبْعَثُون{ [النحل: 20 – 21].
وذلك لما سبق ذكره من أن المشرك يعبد بعبادة الولي الصالح الميت آلهة متعددة، فبالإضافة إلى الولي الصالح نفسه فهو يعبد أيضاً التمثال أو الصنم الذي أُقيم باسم ذلك الولي أو في عصرنا الحاضر قبر ذلك الولي الصالح في المسجد المُقام عليه.
فمعبود المشركين يوصف بأنه الولي باعتبار موالاتهم له بالدعاء وغيره لقوله تعالى }وَالَّذِينَ اتَخَذُوا مِن دُونِهِ أولِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُم إلا لِيُقَرِّبُونَا إلى الله زُلفَى{ [الزمر: 3]، ويوصف بأنه الشريك لأنهم أشركوه في العبادة مع الله لقوله صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو العبادة"، ويوصف بأنه الإله لأنهم صرفوا له أنواع من العبادات من دعاء واستغاثة وحلف ونذر فالإله هو المعبود بحق أو بدون وجه حق والله سبحانه وتعالى وحده هو المعبود بحق، ويوصف بأنه التمثال أو الصنم باعتبار المشاهد الملموس، ويوصف بأنه الوثن لأن الوثن عام لكل ما يُعبد من دون الله سواءً كان صنماً أو حجراً أو تمثال أو قبر لولي صالح لقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"*[19]*، ويوصف بأنه الطاغوت باعتبار أنه أضلهم وأضلوا هم به، ويوصف بأنه الشيطان باعتبار أنه مصدر الإغراء بعبادة هذا المعبود كما قال إبراهيم تعالى }يَا أبَتِ لا تَعْبُدِ الشَيطَانَ{ [مريم: 44]، ويوصف بأنه الظن باعتبار ما ظنوه فيه من نفع وضر، ويوصف بأنه الهوى باعتبار أنهم انقادوا إلى أهوائهم فيه لقوله تعالى }إن يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَ وَمَا تَهوَى الأنفُسُ وَلَقَد جَاءَهُم مِن رَبِهِم الهُدى{ [النجم: 23]، بل وتوصف معبوداتهم بأنه لا وجود لها باعتبار الحقيقة حيث سموهم أولياء والله هو الولي }أم اتَخَذُوا مِن دُونِه أوليَاء فَاللهُ هُو الوَلي{ [الشورى: 9]، وسموهم شفعاء والله هو الذي يملك الشفاعة وحده }قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعَاً{ [الزمر: 44]، وهي كلها أسماء لا وجود لها باعتبار الحقيقة }مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِه إلا أسمَاءٌ سَمَّيتُمُوها أنتُم وَآبَاؤُكُم مَا أنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلطَان{ [يوسف: 40].
فلا يفتنك المشركون في الماضي أو الحاضر بكثرة الأوصاف فإنها لموصوف واحد ،أي معبود واحد من دون الله، ولا يعتذر للمشركين معتذر بخرافة أن الجاهلية أشركت بعبادة الأصنام وتسميتها بالآلهة، أما مشركوا العصر الحاضر فإنما يدعون أولياء، فقد وضح الحق من القرآن مشرقاً يُبدد كل ما يطغى به الباطل من ظلمات.
قال تعالى }إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمثَالُكُمْ فَادعُوهُمْ فَليَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{ [الأعراف:194]، وقوله تعالى تعالى }وَلَقد صَرَّفنَا فِي هَذا القُرآن للنَّاسِ مِن كُل مَثلٍ وَكَانَ الإنسَانُ أكثرَ شَيءٍ جَدَلاً { [الكهف:54].
واعلم أن السلطان صلاح الدين الأيوبي حارب هذه البدعة واقتلعها من دولته قبل أن يواجه ما يتهدده من أخطار خارجية[20]، لذلك نصره الله على أعداءه بعد أن حقق التوحيد في دولته.
R R R R R R الفهرس