الأستاذ الفاضل / نبيل
تحية طيبة
كشعوب متخلفة ، دائما تصدمنا النتائج ، ونقف عندها إلى يوم يبعثون ، دونما أي نظر أو تفكير في أسباب هذه النتائج ، وأسباب هذه الأزمة التي نعيش نتائجها الوخيمة هذه الايام ، تعود الى أكثر من نصف قرن ، حين استغل ضباط انقلاب يوليو 1962 رئيس مجلس الدولة ونائبة في تسهيل اغتصابهم للشرعية.
ولما كنت اعتقد ، ووفقا لمعلوماتي المتواضعة ، أن أي نقد للنظام القضائي يعد إهانة يعاقب عليها القانون فإني وانطلاقا من المقولات الشعبية الراسخة في وجدان سكان منطقتنا العربية "الجبن سيد الأخلاق" ، "عيش جبان ، تموت مستور" ، إمشي بجانب الحيط يحتار عدوك فيك" ، "أخفض صوتك ، الحيطان لها ودان" وإلى غير ذلك من وكساتنا وموروثاتنا التي نباهي بها الأمم التي غزت الفضاء بعلمائها – لما كان ذلك – فإني سيدي سأنقل لجنابكم الكريم أسباب ما شكوتم منه ، وهنا أقرر ، أن هذا ليس قاصرا على مصر فحسب ، بل هو ينسحب على كافة النظم القضائية في المنطقة العربية ، وفي هذا تصديقا لقول شاعر النيل حافظ إبراهيم:
إذا ألمت بوادي النيل نازلةباتت لها راسيات الشام تضطرب
وإن دعا في ثرى الأهرام ذو الم أجابه في ذرا لبنان منتحب
واسمح لي سيدي أن أبد بالقص واللصق مع تفعيل الروابط:
تقييمك للرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك من ناحية تعاملهم مع القضايا؟
عبد الناصر كان ديكتاتورا تعامل مع القضاء بعنف وشهد عصره مذبحة القضاء ووصل الأمر إلى ضرب السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة "بالجزمة" بينما السادات كان ديكتاتورا مرتديا قناع الديمقراطية فهو يظهر خلاف ما يبطن ويعطي باليمين ويأخذ باليسار، والرئيس مبارك انشغل بأمور أخرى وترك القضاء في يد الحكومة ممثلة في وزراء العدل ليتحكموا في القضاء فأهانوه وأصبح القضاء في عصر مبارك أداة في يد الحكومة.
وفى إبريل سنة 1963 شرح الرئيس جمال عبد الناصر وجهة نظره فى موضوع الفصل بين السلطات من خلال اجتماعات الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق ـ وكان من الحضور جهابذة فى القانون والسياسة ـ وقال :
أنا أعتبر أن عملية الفصل بين السلطات خدعة كبرى . . ليه؟ . . لأن الحقيقة إنه ما فيش حاجة اسمها فصل السلطات ، لأن اللى عنده الأغلبية فى البرلمان هو اللى بياخد السلطة التنفيذية . . والتشريعية . . إذن القيادة السياسية اللى عندها الأغلبية ، يبقى فى إيدها السلطة التشريعية وإذا أصبح فى إيدها السلطة التشريعية بالتالى أصبح فى إيدها السلطة القضائية ، لأن السلطة القضائية خاضعة للسلطة التشريعية مهما قالوا إنها مستقلة . . وإن الكلام ده اللى طلع فى فرنسا أيام مونتسيكيو على فصل السلطات كلام نظرى ولكنه واقعا لم ينفذ . . نأخذ إنجلترا كمثل ، حزب المحافظين دخل الانتخابات أخذ الأغلبية فى البرلمان . . بقت السلطة التشريعية فى إيد مين ؟ . . حزب المحافظين . . حزب المحافظين ألف الوزارة ، بقت السلطة التنفيذية فى إيد مين ؟ . . فى إيد حزب المحافظين . . إزاى هنا بنقول فصل السلطات . . إذا فقد الأغلبية فى السلطة التشريعية بالتالى بيحصل إيه ؟ . . لازم يسقط من السلطة التنفيذية . . إذن اللى عايز يحتفظ بالسلطة التنفيذية يجب أن يحتفظ بالسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية . . إذن القيادة للاثنين واحدة . . مبدأ فصل السلطات عملية فى الكتب ولكنها غير موجودة واقعيا أبدا . . والبلد الوحيد اللى ممكن يحصل فيه هذا الموضوع هى الولايات المتحدة الأمريكية ولو إنه بينتج عن هذه الحقيقة تضارب كبير فى العمل ، وفيه أحد رؤساء الولايات المتحدة سمّوه الرئيس " فيتو " كل قرار بييجى له من المجلس. . ماعندوش أغلبية فى المجلس. . يعمل عليه "فيتو" ويرجّعه وبيحاولوا لغاية دلوقتى يتغلبوا على هذه المشكلة بأن الرئيس ما يقدمش قرار إلا بيجيب الكونجرس من الحزبين وبياخذ القرار نتيجة التشاور مع الكونجرس
من المعروف أن تنظيم طليعة الاشتراكيين ، وهو التنظيم الذى أنشأه الرئيس عبد الناصر داخل التنظيم السياسى وجعله سريا ليقود العمل السياسى ، أقول هذا التنظيم شق طريقا له بين القليل جدا من رجال القضاء على سبيل التجربة ، وكان عدد من المستشارين والقضاة ورجال النيابة العامة ومجلس الدولة والنيابة الإدارية أعضاء فى هذا التنظيم برئاسة السيد محمد أبو نصير ، وكان أعضاء المجموعة القيادية المستشارين على نور الدين وعمر الشريف وعلى كامل وإبراهيم هويدى وعلى شنب ومحمد لطفى . الذين كانوا مؤمنين بأنه لابد أن يطل رجال القضاء على السياسة ويعملوا على تدعيم هذا الهدف ، ومما هو جدير بالذكر أن محكمة القضاء الإدارى قالت فى الحكم الذى أصدرته فى 26يناير1974 فى القضية رقم 707سنة19ق عليا بشرعية وجود هذا التنظيم داخل القضاء
وفي أحد محاضر اجتماعات عبد الناصر السرية بعد بيان 30 مارس آذار عام 1968 التي نشرها عبد المجيد فريد، ردد عبد الناصر عبارات من عينة: "أما عما أثير من بعض قيادات الاتحاد الاشتراكي عن الموقف الرجعي لبعض رجال القضاء فهو أمر صحيح لأن القضاء بوجه عام يقف ضد خطواتنا الثورية، وللأسف هناك عناصر عديدة من رجال القضاء ممن طبق عليهم القوانين الاشتراكية".. و"حدث "لعب سياسي" بين بعض رجال القضاء في العامين الماضيين ولم أفطن له إلا أخيراً.. هناك عناصر معينة تتصل ببعض رجال القضاء لتدفعهم في طريق معاكس لخط الثورة.. إننا على علم بهم، ولكنني لا أرغب أن أحسم الأمور بواسطة الاعتقالات إلا إذا أرغمت على هذا الإجراء تحت ظروف غير عادية".
وتدخل علي صبري - الأمين العام للاتحاد الاشتراكي - فأعلن رأي النظام الصريح من خلال تسع مقالات يومية نشرها في جريدة "الجمهورية" في المدة من 18 إلي 26 مارس 1967 انتقد فيها مبدأ الفصل بين السلطات، وشرح معنى أن السلطة كلها باتت للشعب، وأن القانون والقضاء ينبغي أن يحرص على مصالح الطبقة العاملة، وأن القضاة معزولون عن الشعب فكرياً وسياسياً، وعليهم أن يندمجوا في الفكر الجديد لأنهم يفسرون القانون تفسيراً رجعياً، يحمي الطبقات المستغلة لعرق الشعب، ولابد أن يشترك القضاة في النضال السياسي، لأن ابتعادهم عنه ضارٌ بالوطن، فهم قد يحكمون بالبراءة مثلاً لمجرد بطلان التفتيش
المصدر موقع "قبل الطوفان" معركة العصا والمطرقة – مذبحة القضاء
٣ـ النظام السياسي في مصر والقضاء:
بدأت العدوانات علي القضاء في مصر منذ أكثر من نصف قرن ومع مقدم العسكر الجدد في يوليو ١٩٥٢ وتملكهم السلطة، الأرض وما عليها. لست أؤرخ للعدوانات علي القضاء ولكنني أذكر، فالذكري تنفع المؤمنين.
أـ في تاريخ ٢٩ مارس ١٩٥٤ تم ضرب فقيه مصر العظيم، بتعمد مسبق، وبتخطيط فج من قبل الطبقة الحاكمة، ومن هيئة تحريرها، وثبت ذلك بكل يقين في تحقيقات النيابة العامة ومن شهود عيان الواقعة، باختلاق أسباب فاسدة عن أن السنهوري جمع الجمعية العامة العمومية لمجلس الدولة للمطالبة بعودة الديمقراطية ودستور ١٩٢٣ والأحزاب، وكان ذلك كذباً فقد كان اجتماع الجمعية العمومية لمجلس الدولة لترقية واختيار بعض المستشارين.
ب ـ بتاريخ ٢٣ مارس سنة ١٩٥٥ أي بعد أقل من عام من ضرب السنهوري، والعدوان علي مجلس الدولة ذاته والعبث بقضاياه اقترف النظام السياسي عدواناً آخر أكثر رعونة وصدمة، حيث صدر القانون رقم ١٦٥ لسنة ١٩٥٥ في شأن تنظيم مجلس الدولة ونصت المادة ٧٧ منه علي عدوان آثم.. آثم، فنصت الفقرة الأولي من هذه المادة: «يصدر خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بقرار مجلس الوزراء بناء علي عرض رئيس هذا المجلس وبعد أخذ رأي مجلس الدولة بإعادة تعيين أعضاء مجلس الدولة،
وموظفيه الفنيين الحاليين طبقاً للنظام الجديد، وتنفيذاً لذلك صدر قرار من مجلس الوزراء في ٢٠ مارس ١٩٥٥ بإعادة تعيين أعضاء مجلس الدولة مستبعداً ١٨ عضواً من أعظم قضاته، وكان ذلك ثاني عدوان جارح وغشيم علي القضاء في مصر، ومثلاً حرفياً «بروفة» للعدوان الثالث الشهير بمذبحة القضاء سنة ١٩٦٩.
ج ـ مذبحة القضاء ١٩٦٩
تستهدف النظم الشمولية بعدوانها علي القضاء تهديد الأمة بالسقوط وبإفساد القاضي الصالح.
وقد بدأ العدوان في مصر عدواناً نظامياً وانتهي إلي عدوان شخصي ومازال، فأنكر النظام السياسي المصري منذ أكثر من نصف قرن أن يكون القضاء سلطة مستقلة وانتزع منه أخطر الاختصاصات وأقام القضاء الجنائي الاستثنائي بأشكاله العسكرية وأمن الدولة والطوارئ وغيرها، وحظر التقاضي في أخطر القوانين والقرارات شأناً وأسماها أعمال سيادة ثم حصن القوانين والقرارات من الطعن فيها منذ قيام حركة الجيش، وحتي تعديل المادة ٧٦ من الدستور القائم بأبشع وصمة في التاريخ الدستوري وبالعودة إلي تحصين القوانين والقرارات.
وآية ذلك قانون الانتخابات الرئاسية رقم ١٧٤ لسنة ٢٠٠٥ الذي تم تحصينه بالتصادم مع المادة ٦٨ من الدستور القائم ومن هنا يتباكي البعض الآن علي أيام ما قبل التعديل المشؤوم للمادة ٧٦ ولا تزيد علي ذلك، بتاريخ ٣١ أغسطس ١٩٦٩ صدرت القرارات بقوانين أرقام ٨١،.٨٣٨٢،٨٤، وأسماها النظام السياسي «دلعاً واستخفافاً» بقوانين إصلاح القضاء.
ـ نفس ما حدث لمجلس الدولة بإعادة تعيين السلطة القضائية وذبح القضاء والتخلص من ١٨٩ من خيرة رجال القضاء، وحل نادي القضاة، ومنع القضاة الذين ذبحوا من القيد في نقابة المحامين، بل ومنع سفرهم للعمل في الخارج وبقوا بمعاشات لم تزد علي ٣٥ جنيهاً«خمسة وثلاثين جنيهاً» بل وببشاعة لا مثيل لها حيث تم إخبار بعضهم وهو جالس علي منصة القضاء بفصله وإحالته للمعاش فكان لزاماً عليه أن يغادر فوراً مفصولاً. بعضهم «المستشار جميل الزيني تحت الحراسة وإيقافه وتحديد محل إقامته بعد اقتحام مسكنه وغرفة نومه بالمدافع الرشاشة» ويكفي من رصيده، نهي الزيني، وعاد بعض القضاة الذين ذبحوا بالقرار بالقانون رقم ٧٥ لسنة ١٩٧١، وبعضهم بأحكام القضاة التي حصل عيلها شيخ القضاة المستشار/ يحيي الرفاعي، وتم التخلص من مهندس المذبحة بالطرد والاغتيال ولا نزيد أيضاً علي ذلك.
٤ـ عودا علي بدء.
التاريخ يكرر نفسه بما يحاك للقضاء وشيوخه الأجلاء منذ مؤتمر العدالة الأول والأخير سنة ١٩٨٦ والقضاة بشيوخهم وناديهم يطالبون بإصلاح القضاء: بسلطة قضائية مستقلة وبتكامل يؤكد هذا الاستقلال، وتم نشر مطالبهم وتوصيتهم كملحق لكتابهم الذهبي عام ١٩٩٩.
ولم يكتف قضاة مصر بما سبق فوضعت جمعيتهم العمومية مشروعاً متكاملاً لتعديل قانون السلطة القضائية، وأكدته في جميع الجمعيات العمومية علي مدي أكثر من عشرين عاماً وأكدته علي مدي السنوات الخمس الماضية بشكل نشط وفعال واستمرارها في ذلك بكل قوة وهو ما سوف يتم التأكيد عليه في الجمعية العمومية لنادي القضاة يوم الجمعة المقبل ٢٠٠٦/٣/٢٧ .
وزير العدل يدير شؤون العدالة
ـ إن وزير العدل وهو عضو في السلطة التنفيذية ـ هو الذي يدير العمل القضائي في مصر طبقاً لقانون السلطة القضائية القائم رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ وفقا للمواد:١٢٥.١٢١.٩٤.٩٣.٥٨.٥٧.٥ ٦.٥٥.٤٥.٣٦.١٣.١١، وغيرها.
ـ أن مقدمات مذبحة بل مذابح جديدة للقضاء قائمة وقادمة بشكل أشد خطورة وإثماً وتأثيماً.
ـ أن هناك مهندسين جدد أكثر حرفنه.. وأشد قسوة.
ـ يا سادة إن القضاء المصري مؤسسة قديمة عمرها أكثر من مائة عام.
ـ قامت خلالها بتربية أجيال عظيمة من البشر.
ـ إن للقاضي الشخصية المتميزة بكل خصائصها التي تنطبع بالسعي إلي تحقيق العدالة والنفور من الظلم.
ـ يا سادة إلا القضاء لا تقربوا الملاذ الأول والأخير للمصريين بالتهديد أو الوعيد أو الفصل أو التشريد أو الذبح.
ـ إن القضاء هو ملاذنا جميعاً نحج إليه كلما نزل بنا الظلم والجبروت وإساءة استعمال السلطة والانحراف بها، ومخالفة القانون وما أكثر المظاليم في مجتمع اليوم.
يا سادة: كنت شاهد عيان علي جميع العدوانات التي تمت علي القضاء منذ السنهوري وحتي الآن.
ياسادة: لا صوت يعلو فوق صوت العدالة والعدل، فلا ترفعوا أصواتكم فوق صوت القضاة.
إلا القضاء.... إلا القضاء..... اسمعوا وعوا.....
ماذا حدث لمهندسي العدوانات علي القضاء ومذابحه منذ ٢٩ مارس ١٩٥٤ ... قذف بهم التاريخ إلي أسوأ المستنقعات بنهايات مأساوية.
أكد الدكتور إبراهيم درويش الفقيه الدستوري الكـبير أن مشروع قانون مجلس الهيئات القضائية الذي أعده المستشار ممدوح مرعي وزير العدل هو حلقة معادة ومكررة في مسلسل العدوان علي استقلال القضاء، وهو المسلسل الذي بدأ عقب ثورة يوليو ولايزال مستمرا إلي الآن، وربما يلغي هذا المشروع ويصدر مشروعاً آخر «أنقح منه»..
وهكذا فالمسلسل مستمر. أعتبر درويش التعديل الذي أجرته وزارة العدل، لايعدوأن يكون تغييرا محدودا وليس تعديلا، فهو لا يمس جوهر القضية وهو الاستماتة في اغتيال القضاء تماما. ووصف درويش في حواره لـ «المصري اليوم» مشروع القانون الأخير بـ «جريمة اغتيال القضاء مع سبق الإصرار والترصد»، وإعدام ما تبقي من استقلاله، وما حدث مجرد رتوش لا تغير من القبح الموجود في المشروع، مشيرا إلي أن ذلك مجلس أصلا يتصادم مع نصوص الدستور.
وقال درويش: «الوزير يريد من وراء المشروع دمج السلطة القضائية وتبعيتها له، ودمجها مع هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية التابعتين له بصورة مطلقة، جوهر القضية هو القضاء علي البقية الباقية من استقلال موجود في ضمائر وقلوب القضاة الشرفاء فقط، والمجلس يجب أن يلغي، حتي وإن كان من مادة واحدة فقط، والدستورية العليا يجب ألا توضع في مجلس من أي نوع.. القضاء هو القلعة والحصن الوحيد الباقي التي يحج إليها المصريون عندما تحدث لهم انتكاسة في حرياتهم وحقوقهم،
وعندما يتم العدوان عليه مثلما يحدث، فقل علي البلد السلام، تتكلم عن بلد انتهي فيها القانون، ولاتتكلم عن القضاء انتهت فيها السلطة القضائية فلايزال الخطر موجودا في مشروع (قانون مرعي)، وهذا الوزير (خلاها سلطة خالص)، عندما ضم من هم قضاة إلي من هم غير قضاة، كما نصب نفسه نائبا لرئيس المجلس، ليتولي فعليا رئاسته في حالة غياب الرئيس،
وهناك حكم شهير بخصوص الانتخابات، أصدرته دائرة المستشار حسام الغرياني بمحكمة النقض، قالت فيه هذا الكلام إن هيئة قضايا الدولة والنيابة الادارية ليست هيئة قضائية، ما استحدثه ليس جديد ولا يغير من الأمر شيئا، سواء سلب الحصانة والموازنة أو أبقي عليهما، فالقضية ليست موضوع حصانة أو موازنة فقط، القضية أن هناك عداء مستمرا لهدم استقلال القضاء وتبعيته للسلطة التنفيذية، والعداء للسلطة القضائية كان موجودا في عهدي عبد الناصر والسادات وكان يأخذ شكل بشع وظاهرا، وفي العهد الحالي أصبح يأخذ شكلا بشعا لكنه مستتر وجبان»،
وأضاف الفقيه الكبير: «أؤكد أن القضاء غير مستقل، وسأظل أقول ذلك حتي أموت»، مشيراً إلي أن النظام الحاكم أصبح متيما ومغرما بإثارة مشاكل وتخليق أزمات مع كل فئات المجتمع.
وأكد درويش أن الوزير يستخدم كأداة ومخلب قط لنهش استقلال القضاء والنيل منه، موضحا أن مشروع قانون ما يسمي مجلس الهيئات القضائية كشف بجلاء عن كره ومعاداة مرعي لقضاة مجلس الدولة، لأنهم «لابدين في الدرة»، فهناك قضايا مثارة بينه وبينهم.
وقال: «المشروع في رأيي لايزال يمثل مهزلة قانونية تعصف بكل ذرة باقية من استقلال القضاء، مشيرا إلي أن القضاء المصري «مخترق بأكمله ومنكفئ، وجري كسره منذ سنوات طويلة والسيطرة عليه بوسائل عدة»، وقال درويش: «الهجمة الشرسة الأخيرة علي القضاء بدأت بإنشاء ما يسمي مجلس رؤساء الاستئناف مؤخرا، وهو مجلس غير قانوني وغير شرعي ولا أصل أو سند له»، مضيفا أنه «لا ولن تنتهي تلك الهجمة بإعداد مشروع قانون بإنشاء مجلس للهيئات القضائية»،
وتابع: «مشروع قانون مرعي هو بمثابة رصاصة الرحمة علي القضاء، وليس علي استقلاله لأن القضاء غير «مستقل»، ولفت درويش إلي أن القضاء فـقد استقلاله بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، وبدأ مسلسل الاعتداء علي القضاء في واقعة ضرب المستشارعبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة وشق جبهته سنة ١٩٥٤، ثم تلاه الاعتداء الثاني علي استقلاليته بحل مجلس الدولة، وإعادة تشكيله في مارس ١٩٥٥، ثم كانت المذبحة القضائية الشهيرة في سنة ١٩٦٩ ليتكرر ما حدث مع مجلس الدولة مع السلطة القضائية بسحقها وإعادة تشكيلها من جديد،
وإصدار قرارات وقوانين المذبحة وفصل القضاة وإنشاء مجلس أعلي لرؤساء الهيئات القضائية»، وقال درويش: «لقد قمت بإعداد وصياغة عدد من المواد في دستور١٩٧١ هي مواد ١٧٤ و١٧٥ و١٧٦ و١٧٧ و١٧٨، وقد طمس الله علي القائمين علي الدستور، ولم يلتفتوا إليها وهي الخاصة بالمحكمة الدستورية بالرقابة علي القوانين، ثم رأوا فيما بعد أنها خطيرة».
وأكد الفقية الدستوري أن ما يحدث الآن هو ما حدث في ١٩٧٨ بالضبط، ووزير العدل وقتها عمل مشروع قانون خطيراً للمحكمة الدستورية العليا، جعل منها هيئة قضائية خاضعة لمشيئة الوزير له الحق في الطعن في أحكام النهائية لمحكمتي النقض والإدارية العليا أمام الدستورية العليا، وجعل الدستورية تابعة له بصورة مطلقة بهدف إخضاع كل السلطة القضائية له، وكان يتعمد أن يقضي النظام علي الباقية من استقلالية القضاء،
وحدث اعتراض شديد علي المشروع وتكونت لجنة من أساتذة القانون د. محمد حلمي مراد ود. محمد عصفور وأنا، واعترضنا كما اعترض القضاة في مجلس الدولة والجمعيات القانونية، وقدمنا ٢٠ مذكرة إلي الرئيس السادات، فألغي المشروع بعد عناء شديد، بعدها نجحنا في إنشاء قانون السلطة القضائية الحالي الذي يحافظ علي بعض الاستقلال القضائي.
وجدد درويش تأكيده أنه يردد دائما مقولة: «لدينا قضاة مستقلون ولكن ليست لدينا سلطة قضائية مستقلة»، وأكد أن هيئتي قضايا الدولة والنيابة الادارية ليست لهما أي علاقة بالقضاء ولا يجوز أن يطلق عليهما هيئات قضائية، وهذا بحسب الدستور، والسلطة القضائية هي التي يفصل قضاتها في منازعات قضائية ويصدرون أحكاما وهم قضاة المنصة،
والبعض في مجلس الدولة «يزعل مني» عندما أقول إنه حتي أعضاء قسمي الفتوي والتشريع ليسوا سلطة قضائية، والقضاة هي القسم القضائي فقط داخل مجلس الدولة لأنهم هم من يحكمون ويفصلون في الدعاوي القضائية.
واعتبر درويش أن المادة الخامسة التي تم إلغاؤها أخيرا تم إقحامها في مشروع القانون للتحقيق مع القضاة واتخاذ إجراءات قضائية ضدهم ولو تم إقرارها لسلبت جوهر تعديل قانون السلطة القضائية العام الماضي،
وقال: «في قضية المستشارين هشام البسطويسي ومحمود مكي بإحالتهما بقرارمن وزيرالعدل إلي المحاكمة التأديبية قلنا للمستشار فتحي خليفة نفسه إنها محاكمة باطلة وخاطئة من الأساس لأنها تتعارض مع المادتي ٦٧ و٦٨ من الدستور حيث تحرم عليهما حق الدفاع عن أنفسهما كما أن محاكمة القضاة كانت تتم علي درجة واحدة ثم أجريت تعديلات قانون السلطة القضائية العام الماضي وجعلت التقاضي علي درجتين،
لكن جاء مشروع قانون مجلس الهيئات ليجعل الطعن في إجراءات التحقيق مع القضاة أمام لجنة إدارية وغيرها من العورات في المادة الغريبة».
وأضاف درويش أن الوزير الحالي يعيد نفس فصول مسرحية سنة ٧٧ و٧٨ في محاولته اخضاع كامل للسلطة القضائية له، حيث كان وزير العدل وقتها يحاول إخضاع القضاء لسيطرته،
كما كان يريد أن يجعل له الحق وحده في الأحكام النهائية الباتة في الطعن عليها أمام المحكمة الدستورية، وهو نفس ما يعيده مرعي حاليا، فالمشروع المقدم منه محاولة جديدة من محاولات العدوان وإنهاء ماتبقي من استقلال القضاء، وهدفه في رأيي إنهاء أي ذرة يمكن أن يتمتع بها القضاء من استقلاله المفقود أصلا، والمشروع المقدم لا شرعية له من قانون أو دستور كما أنه يتصادم مع نصوص الدستور ومبادئه».
وأوضح درويش بقوله: «طالب نادي قضاة مصر منذ مؤتمر العدالة الأول والأخير سنة ١٩٨٦،إبعاد يد وهيمنة وزير العدل عن السلطة القضائية، ومع ذلك ورغم مرور كل هذه السنوات ماتزال هناك أكثر من ٢٠ مادة في القانون تعطي سلطات واسعة للوزير علي شؤون القضاء، وأكد الفقيه الكبير أن مشروع مرعي المقترح يترجم الـ ٢٠ مادة، ويضعهما في قانون متكامل جديد لإحكام سيطرته علي القضاء والقضاة وبشكل فاضح ومفضوح».
واعتبر درويش أن المشروع هو حلقة في مسلسل إهدار استقلالية القضاء وحصانة القضاة، والتي تسرع الحكومة بالقضاء عليها، بحيث ألا تكون هناك سلطة قضائية أصلا، ومجلس الهيئات القضائية مؤثم لأنه يضم إلي جانب القضاء ما ليس له علاقة بالقضاء مثل النيابة الادارية وقضايا الدولة.
وقال درويش: «مشروع قانون مرعي مبني علي اعتبارات شخصية والقاعدة القانونية تقول إن القانون يكون مبنياً علي اعتبارات مجردة وموضوعية وعامة، كما أن هذا الوزير أباح لنفسه أن يعد قانونا لالحاق السلطة القضائية له، لكي ينتقم منها وهي التي وقفت ضد ما يفعله».
وأضاف: «النظام السياسي مصر قائم علي نظام واحد، لا يستطيع أي وزير أن يفعل شيئا دون استئذان، لأن البلد كله قائمة علي نظام الحزب الواحد والرئيس الواحد، بمنطق one man show ، فليس لدينا رئيس الوزراء يفعل أو يقرر شيئا إلا فيما يفوضه فيه الرئيس، كما لا يملك أي وزير ذلك، وجميع الوزراء عبارة عن موظفين بحكم الدستور نفسه، وبالتالي لا يستطيع وزير العدل أيا كان اسمه ـ أن يعد مشروع قانون بهذه الصورة، إلا بموافقة الرئيس وعلمه، وعندما يعلو صوت القضاة، فإن الرئيس سيتدخل للحل، مثلما فعل الرئيس مبارك مع الصحفيين بتأكيده منع الحبس في قضايا النشر، ومع ذلك فربع رؤساء التحرير تقريبا علي ذمة السجن حاليا».
أكتفي سيدي بهذا ، وللحديث بقية
محمد ابواليزيد - الاسكندرية