نشرت صحيفة الاتحاد الظبيانية صباح اليوم مقالا مترجما للمحلل السياسي الأمريكي (والتر روجرز ) تحت عنوان : نهاية الهيمنة الأمريكية ، وقد رأيت أن أنقله إلى حضراتكم مع تعليقي عليه لإعتقادي في أهمية الموضوع الذي يتناوله.
نهاية الهيمنة الأميركية
رمزان من رموز القوة الاقتصادية الأميركية، هما "جنرال أليكتريك" و"بيركشر هاثوي"، يفقدان الكثير من جدارتهما الائتمانية. ثم تأتي الصين التي تعد أكبر مقرض لأميركا، لتدعو إلى اعتماد عملة عالمية جديدة تحل محل الدولار بعيد أسابيع على مطالبتها بضمان سلامة ديونها المستحقة على أميركا، والتي تناهز تريليون دولار... كل ذلك في غضون شهر مارس وحده!
والحال أن هذه الأحداث ليست سوى أحدث الإشارات على أن عالمنا بصدد التحول بشكل أسرع وأعمق مما قد نريد، نحن الأميركيون وساستنا- الاعتراف به، وهو أن وضع القوة العظمى آخذ في التراجع بوتيرة سريعة تعادل سرعة تدهور اقتصادها، وما إقرار الرئيس أوباما مؤخراً بأن الولايات المتحدة ليست بصدد الفوز في أفغانستان إلا أبرز اعتراف بهذا الواقع الجديد المؤلم. فما الذي قاله الرئيس للأميركيين ياترى؟ ميلتون بيردن، وهو محلل رئيسي سابق في وكالة الاستخبارات المركزية متخصص في أفغانستان، يقول: "إذا لم تكن بصدد الفوز، فذاك يعني أنك بصدد الخسارة".
والواقع أن المشهد العالمي حافل بالدلائل التي تشير إلى أن قوة أميركا هي اليوم بصدد الأُفول. فباكستان التي تملك السلاح النووي، والتي تعد برأي البعض أخطر بلد في العالم، هي الآن بصدد الانهيار والتفكك، رغم مليارات الدولارات من الدعم الأميركي. أما في العراق، ورغم الجهود الأميركية الرامية إلى جعل الزيادة في عديد القوات تبدو نصراً مؤزراً، فإن المحللين العارفين بشؤون المنطقة أعلنوا منذ مدة أن إيران هي الفائز الاستراتيجي هناك.
وللأسف، فمما نسيه البعض، وسط غرور وعجرفة بوش، هو أن تفوق وامتياز أميركا طوال تاريخها كان أخلاقياً واقتصادياً بقدر ما كان عسكرياً، والحال أن التعذيب الذي كان يمارَس بقرار رسمي، وفضيحة سجن أبو غريب، والغزو الأميركي لبلد ذي سيادة... قضى على كل تفوق وامتياز أخلاقي كانت تتمتع به أميركا قبل عام 2003. وعلاوة على ذلك، فإن الدعم غير المشروط الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني ينظر إليه في معظم العالم على أنه نفاق فاضح.
والواقع أنه حتى الدوريات المحافظة سياسياً، مثل "ذا نشيونال إنتريست"، تقر بأن ثمة شيئاً ما ليس على ما يرام. ففي عدد حديث، ذهب روبرت بيب إلى أن "جراح حرب العراق، وازدياد الدين الحكومي، وكشف الحسابات الجارية السلبي بشكل متزايد، ومكامن الضعف الاقتصادي الأخرى... تكلف الولايات المتحدة قوة حقيقية في عالم اليوم، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية على حالها، فسننظر إلى سنوات إدارة بوش باعتبارها نهاية الهيمنة الأميركية".
وبينما يمر الاقتصاد الأميركي بفترة ركود عميق، فإنه حان الوقت لكسر القيود الفكرية لتركة القوة العظمى وتبني أجندة جديدة، على أن ذلك لا يعني الانعزالية أو الانسحاب، بل إن الحاجة إلى قوات مسلحة تمتاز بتفوق نوعي ستظل قائمة، لكنها ينبغي ألا تُستعمل إلا حينما تكون هناك مصلحة قومية أميركية حقيقية، وهو ما لا ينطبق على حرب العراق. فكلفة حربي العراق وأفغانستان بلغت تريليونات الدولارات. وقبل نحو 2500 عام، قال المعلق العسكري الصيني القديم "سان تسو" قولاً ينطبق على واقع الحال اليوم: "عندما يذهب الجيش إلى الخارج، فإن الخزينة تفرغ في الداخل".
ومؤخراً توصل الصينيون المعاصرون إلى طريقة أفضل، حيث أفادت صحيفة "واشنطن بوست" بأن الصينيين ذهبوا في رحلة تسوق مؤخراً، مستفيدين من "فترة التنزيلات" من أجل تأمين إمدادات النفط والمعادن العالمية وغيرها من الموارد الاستراتيجية من أجل اقتصادهم. وهو ما يشبه في الحقيقة غزواً اقتصادياً كبيراً -بدون استعمال جندي واحد- هذا بينما تبدو المحاولات الأميركية لتأمين النفط خرقاء وغير موفقة.
ومن جانبها، تحقق إيران هيمنة إقليمية حقيقية بدون جيوش نظامية، وإنما باستعمال جيوش صغيرة تخوض حرب عصابات من أجل الهيمنة على جيرانها الإقليميين. والحقيقة أن رفضها محاولة أوباما الأخيرة التقرب منها، مؤشر على ثقتها المتزايدة في قدرتها على استخدام نفوذها، والتأثير في الأحداث، من أفغانستان إلى لبنان، مع الاستهزاء بـ"القوتين العظميين"، أميركا وإسرائيل.
وعلاوة على ذلك، فالغزو الروسي لجورجيا في أغسطس الماضي شكل تذكيراً مؤلما بأن روسيا تمتلك ما تسميه قيادتها "مصالح ذات أفضلية" في محيطها. وهكذا، فإن قوى الأمس العظمى استُبدلت اليوم بمهيمنين إقليميين بينما تم تقسيم العالم إلى مناطق مصالح أكثر قابلية للدفاع.
على الأميركيين أن يقروا بأن الحرب، شأنها شأن السياسة، هي فن الممكن، وبأن ثمة حدوداً لكليهما. والحقيقة أن إدارة بوش لم تقدر على تحقيق ما وعدت به من دمقرطة للعالم الإسلامي، وهو ما يقودنا إلى حقيقة مرة أخرى، وهي أن النموذج الديمقراطي الغربي لا يروق لمعظم المسلمين، كما أن الديمقراطية ليست نموذجاً جذاباً بالنسبة لقطاعات واسعة من بقية العالم، مثل روسيا والصين. وعليه، فقد آن الأوان لخفض التوقعات الجيوسياسية وإعادة النظر في حملة أميركا غير الواقعية؛ لأنه لا ينبغي أن نتوقع منـ"هم" أن يصبحوا مثلـ"نا".
لقد اقتضى الأمر سنوات حتى تستعيد الولايات المتحدة سلطتها الأخلاقية بعد حرب فيتنام، وأغلب الظن أن الأمر سيكون أكثر صعوبة هذه المرة.
والتر روجرز
محلل سياسي أمريكي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
تعليق :
أستطيع أن أستنبط من المقال ما يلي : ـ
1- أن تميز وتفوق الأمم هو أخلاقي بالدرجة الأولى وأن التفوق الاقتصادي والعسكري لايجدي إن لم يكن في سياج أو إطار من القيم الأخلاقية ، وهذا ما قرره ديننا الاسلامي قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام حينما وصف نبي الاسلام نفسه بأنه إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق بما يحمله من رسالة ومنهج .
2- أنه من المستحيل إكراه فرد أو جماعة أو أمة على إعتناق فكر أو أيدلوجية معينة مهما بلغت درجة إيماننا بها وأن علينا أن نحترم أفكار ومعتقدات الآخرين وأن نتعامل معهم على هذا الأساس ، وهذا أيضا ما قرره الاسلام ( لا إكراه في الدين ) ، ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ، ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ، ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ) ، (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ، وهذا ما فشلت فيه الحضارة الغربية بزعامة أمريكا حيث أرادت فرض قيمها وأفكارها على غيرها من الشعوب دون مراعاة للخصوصية التي يتمتع بها كل شعب على حدة.
3- أن التجبر والطغيان ومحاولات فرض الهيمنة لا تقف حائلا أمام الشعوب والأمم إن هي أرادت الحياة والتاريخ يعج بالأمثلة على ذلك ، وقد ضرب الكاتب مثلين معاصرين هما الصين وايران اللتين استطاعتا أن تقفا – حتى الآن – في مواجهة المشروع الأمريكي ، ورفضتا الانقياد والخضوع لها طوعا أو كرها ، وفي هذا عبرة لمن أراد أن يعتبر.
4- أن على الدول العربية والاسلامية أن تعيد صياغة أجندتها السياسية لتتوافق مع معطيات المشهد السياسي العالمي ، وأن تعيد بناء علاقاتها الاستراتيجية وفقا لهذه المعطيات بما يضمن لها المحافظة على مصالح شعوبها والتحرر من قيود التبعية.