احمدك اللهم حمدا يليق بجلالك، حمد عبد مذعن مقصر معترف بكثرة نعمائك. وصل اللهم على خيرالورى محمد وآله الذين استخلصتهم لنفسك وجعلتهم الذريعة اليك والوسيلة الى رضوانك صلاة لا غاية لعددها ولا نهاية لامدها , وعلى صحب الامين( ص ) المنتجبين , وبعد.. فان كل مقال يشق طريقه الى الوجود لا بد ان يكون له انصاره ومعارضوه. وهذا امر طبيعي،لاختلاف افكار الناس.
والمقال الذي كتبته بعنوان ( حتى لا تأكل الاحقاد الامة ...) ليس بدعا من تلكم المقالات ، بل ربما يكون من اكثرها اثارة، لطبيعة الشهادات التي تناولها .
هو مقال ينتصر للحق واهله..
مقال يرسم للسائرين طريق النجاة بادلة وشهادات يقبلها كل مسلم بعقله وقلبه.
وقد يثور علينا البعض , ( وقد ثار فعلا , كالعضو في هذا المنتدى درولي ), لا لشيء، الا لان المقال يخالف موروثاتهم وان وجدوه حقا , ونحن لا نستغرب هذا، فهذه حقيقة سطرها اللّه في قرآنه فقال: (واكثرهم للحق كارهون) .
ولكن كيف يرفض المسلم الحق ؟! السنا مدعوين لاتباع الحق كيفما كان واينما ؟ اءوليس من حق المسلم على المسلم النصيحة ؟ اذن فدعوني اعرض نصيحتي، فان كانت حقا فالحق احق ان يتبع، وان لم تروها كذلك، (فبشرعباد # الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم اللّه واولئك هم اولوا الالباب) .. وطوبى لكل من يبحث عن الحقيقة في كل مكان بلا موروث متزمت... سادتي الاعزاء , ان دراسة السيرة والتاريخ دراسة علمية امينة تقوم على اساس النقد والمقارنة وتحليل المضامين. انما لكي تشخص امامنا حقائق عديدة، وتكشف لنا اسرارا واعماقا لا تكشفها القراءة التقليدية والرؤية الاستسلامية للمدون الموروث.
فلقد تعرضت كتابة السيرة والتاريخ عبر القرون الى التحريف والخلط والتشويه، فالكذب والوضع والدس شوه وجه التاريخ نقاء الحقيقة، وتدخلت الاهواء والمصالح الدنيوية وقوى السياسة و السلطات التي تخشى شهادة الحق في صفحات التاريخ، تدخلت في كتابة التاريخ، وتحريف الحقائق وتضليل الاجيال.
و بالرغم من كل ذلك فان بعض مصادر التاريخ والسيرة قد حفظت للحق وثائقه ودفاعه والشواهد على احقيته.
و قد تركزت جهود هائلة عبر اجيال من الحكام وقرون من محاولات التزوير والتحريف واخفاء كل ما يبرزاحقية اهل البيت (عليهم السلام) في قيادة الامة الاسلامية علميا وسياسيا على اساس منهجهم في فهم وحفظ الشريعة والعقيدة. وكان تبني المعالم الكبرى في المنهج الاسلامي هو السبب في تعرض اهل البيت (عليهم السلام) للظلم والاضطهاد، وشن الحرب الدعائية والدموية ضدهم وضد منهجهم.
ولعل من ابرز تلك المعالم كانت الدعوة الى التمسك بالكتاب والسنة، وعدم الاقرار بولاية ومشروعية الحاكم الظالم، والايمان بان الانسان حر مختار، وهو المسؤول عن اختياره وارادته. ان تلك المبادىء التي جلاها منهج اهل البيت (عليهم السلام) من اعماق الرسالة الاسلامية اصبحت تشكل موقفا متكاملا وردا على حالات الركود والجبرية والخنوع للسلطات الجائرة، اذا ما عبثت بالكتاب والسنة وجاوزت الشريعة والقانون الالهي.
وبالرغم من كل ما وضع من حجب، وما تبني من وسائل الارهاب والتضليل , كالموقع الالكتروني الذي اقتبس منه ( درولي ) رده الظالم , فقد استطاع اهل البصائر من ذوي العلم والوعي والفكر والفطرة السليمة اجتياز الحواجز النفسية، وادراك الحقيقة، والوقوف الى جنب الحق الذي تجسد في منهج اهل البيت (عليهم السلام) وخطابهم للامة، ومن هنا فقد اشرت في مقالتنا المذكورة الى شهادات علماء افاضل اجلاء كرام , فبالوعي والموضوعية اليقظة، والتحرر من الجمود، ومحاكمة التقليدي الموروث يتمكن العقل من قدرته على الاكتشاف والتشخيص، لذا فان الشعار العلمي السليم الذي تجب المناداة به، هو دعوة المسلمين الى فتح افاق الحوارالعلمي البناء، والاطلال على ما بين ايدينا من ثروة علمية، وسيرة وتاريخ وتراث من خلال الفهم المتفتح والصدر المنشرح، والقصد الباحث عن الحقيقة.
.
وكانت مقالتنا المذكورة الرصينة تصب في هذا المجرى , لتشكل مساهمة فعالة في التقريب بين المسلمين، واسقاط الحواجز النفسية فيما بينهم، وتعريف بعضهم بالبعض الاخر, وكل ذلك
من اجل توحيد صفوف المسلمين , ومن اجل ان تستعيد الامة الاسلامية عزها ومجدها ...لكني اتفاجأ بشخص هنا وفي هذا المنتدى , يرد ردا قاسيا , وكأنه يريد ان يقول ان مذهبكم ليس من مذاهب المسلمين ! . ونظرا لما اثاره هذا الرد من مشاعر الحزن والغضب في نفسي , ولان هذا الرد الجافي يدعو الى الفرقة بدل الاجتماع والوحدة , لذا , سأرد عليه بمثل رده , وادعو الادارة الموقرة الى نشر مقالتنا هذه مثلما نشرت رده , واعتذر من الجميع , لكني سأقول الحقائق في ردي هذا , وليس كما جاء في رده المقتبس من موقعا ( وهابيا ) معروفا بتطرفه ! . ... الاخوة الزملاء الاعزاء ,
من حقنا ان نتسائل , ما الدليل على وجوب اتباع منهج (السلف ) الصحابة والتابعين في فهم الكتاب والسنة؟ وهل امرنا اللّه ورسوله (ص) باتباع منهجهم ؟ سيقولون:(( ان سلفنا الصالح الذين شهد اللّه ورسوله (ص) لهم بالافضلية على غيرهم افضل من فهم الاسلام. قال اللّه تعالى محذرا من مخالفة سبيل السلف(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) .
وسبيل المؤمنين في هذه الاية سبيل الصحابة. وقال الرسول (ص):«ستفترق اءمتي الى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة في الجنة، قالوا:ومن هي يا رسول اللّه ؟ قال: ما انا عليه واصحابي». وقال (ص): «تركت فيكم ما ان تمسكتم بهما فلن تضلوا ابدا: كتاب اللّه وسنتي».
لكل هذا نحن نقتفي اثر السلف وناخذ من الكتاب والسنة مباشرة ولا نخرج عن ظواهرهما كما كانوا يفعلون.)) .
بعد ذكر ادلة واطروحة هذا الفريق، والذي ينتمي اليه (درولي ) , ولننظر في هذه الاطروحة بموضوعية ...
اولا _ الكتاب والسنة
فالكتاب والسنة مرجعا المسلمين بلا خلاف، ولكننا نلاحظ ان هناك كثيرا من الامور المستجدة لا نجد لها حكما صريحا فيهما يحدد الموقف العملي الذي اراده الشرع.ونحن كما اتفقنا نريد مبينا امينا للشرع بيانا كاملا يساير الاحداث المستجدة ويقوم بيانه على الجزم واليقين. فاين هذا المبين ؟ اهم السلف من الصحابة والتابعين ومن يتلونهم في كل جيل ؟ اذن فحتى يتضح الجواب فلنر هل كان السلف قادرين على الجواب عن كل المسائل التي كانت تعرض عليهم ؟ نبدا بابن عمر الذي يعتبر من علماء الصحابة. قال عتبة بن مسلم:«صحبت ابن عمر اربعة وثلاثين شهرا فكان كثيرا ما يسال فيقول: لا ادري» وسئل الشعبي عن مسالة فقال: لا ادري. وسئل مسروق عن مسالة فقال: لا ادري.
«وقال عبداللّه: كنت اسمع ابي اي ابن حنبل كثيرا يسال عن المسائل فيقول: لا ادري.. ويقف اذا كانت مسالة فيها اختلاف، وكثيرا ما كان يقول: سل غيري»
وبهذا نرى ان السلف انفسهم واجهوا هذا الاشكال، فهذا الامام احمد وهوامام هذا المنهج لم يسعفه الكتاب والسنة وحدهما في الاجابة على سؤال الرجل.
فكيف يستطيع اتباع هذا المنهج من هم اقل علما من احمد بن حنبل ان يجيبوا على المستجدات؟!! وهذا الاشكال الذي نحن بصدده قد تمثل واقعيا عند اتباع هذا المنهج فضلاعن امامهم، فقد توقفوا في حكم التلغراف لانه لا يوجد له حكم في الكتاب والسنة! وبهذا لو نظر اعداء الاسلام للاسلام من خلال هذا المنهج، لا تهموا الاسلام بالقصور والنقص وعدم مسايرة الاحداث المستجدة، ان اللّه يقول: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) .
فاذا كان هذا هو المنهج الصحيح الذي يمثل الاسلام فلم التوقف في الاجابة عن كثير من الاحكام بعد ان اكمل اللّه الدين واتم النعمة؟!! فهذه ثغرة كبيرة في هذاالمنهج ولا يمكن ان تكون في منهج سماوي اراد اللّه له البقاء.
ولا يعقل ان يجعل اللّه حملة دينه قاصرين عن جواب اسئلة الناس، كاحمد بن حنبل الذي لم يجب ذلك الرجل،
قلت لصديق لي: اتقول ان اللّه قد اكمل الدين واتم النعمة ؟ قال: نعم. قلت: فهل كان يعلم ان هناك حوادث مستجدة لاحكم لها في الكتاب والسنة ؟ قال: نعم.
قلت: فجعل للناس دليلا يرجعون اليه لمعرفة تلك الاحكام، ام لم يفعل ؟ قال: نعم، يوجد، فهناك الاجماع والقياس وغيرهما، والعلماء في كل عصر.
فقلت: ومن اين اتت هذه المصادر، وهل شرعها الاسلام ؟ قال: استطاع العلماء ان يستنبطوها من الكتاب والسنة وقد اشار اليهاالكتاب والسنة باشارات.
فقلت: هل انزل اللّه دينا ناقصا واستعان بهؤلاء على اتمامه ؟ ام هم شركاء للرسول (ص) في رسالته، ام قصر الرسول (ص) في التبليغ ( حاشاه ) , فكمل هؤلاء قصوره ؟!واذا كانت هذه المصادر هي الدليل للمستجدات فلماذا لم يوضحها اللّه للناس على لسان رسوله (ص) فيقول لهم: هذه مجموعة مصادر التشريع للحوادث المستجدة،وبذلك يرتفع الخلاف بين المسلمين في جواز اعتماد هذه المصادر او عدمه.
فاهل الظاهر ينكرون القياس والمصالح المرسلة وكذا الشافعية و المالكية، وهذا الشافعي ينكر الاستحسان ,وهكذا بقية الادلة فهي محل خلاف بين اهل السنة انفسهم فكيف يرتضي اللّه ادلة ستكون محل خلاف بين ابناء المذهب الواحد ؟!! فضلا عن هذا كله: هل خفيت هذه الادلة على اللّه وعلى رسوله (ص) واتى العلماء واكتشفوها ؟!! ام تراهم كانوا مقصرين ( استغفر الله ) في بيانها ليدب الخلاف بين العلماء وتختلف احكام الشريعة ؟!
ثانيا _ القران يحتمل وجوه كثيرة .
ان القرآن الكريم يحتمل وجوه كثيرة ، وفيه المحكم والمتشابه، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والكتاب والسنة صامتان لا يقومان بنفسهما ولابد لهما من مبين يعرف جميع علومهما حتى تكون اقواله هي مراد اللّه في اي مسالة. ولا يقال ان السلف والعلماء قد فهموا القران حق فهمه، فلو كان هذا صحيحا لما اختلف المفسرون في تفاسيرهم ولا الفقهاء في فقههم , وبالرجوع الى سيرة السلف نرى انه اشكلت عليهم بعض آيات الاحكام ففي قوله تعالى: (يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلا لة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اءخت فلها نصف ما ترك وهويرثها ان لم يكن لها ولد) . فقد
قال الشعبي: «سئل ابو بكر عن الكلالة ؟ فقال: اني ساقول فيها برايي، فان كان صوابا فمن اللّه وان كان خطا فمني ومن الشيطان، اراه ما خلا الولد والوالد،...» .
وعن معدان بن ابي طلحة قال: «ان عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة فذكر نبي اللّه (ص) وذكر ابا بكر ثم قال: اني لا ادع بعدي شيئا اهم عندي من الكلالة ما راجعت رسول اللّه (ص) في شيء ما راجعته في الكلالة وما اغلظ لي في شيء ما اغلظ لي فيه. حتى طعن باصبعه في صدري، وقال: «يا عمر الا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء» آية الكلالة ,
وعن عمر انه قال: «لان اكون اعلم الكلالة احب الي من ان يكون لي مثل قصور الروم» ,
لقد بين الرسول (ص) معنى الكلالة وبينها اللّه في القرآن حيث قال في آخرالاية: (يبين اللّه لكم ان تضلوا) ,
نعم، مع هذا البيان الا انها بقيت مبهمة عند الشيخين.
والسلفية يقولون: ان ابا بكر وعمر كانا اعلم السلف بعد الرسول (ص)، ولكن اذا كانا كذلك ولم يعرفا معنى الكلالة المبينة فكيف يقال: ان السلف آالذين هم اقل علما من الشيخين مبينو القرآن ؟!
ثالثا _ اختلاف السلف في الفقه
والقول بان السلف اتبعوا هذا الطريق فيه نظر، فالسلف من الصحابة والتابعين اختلفوا وعارض بعضهم بعضا، فابو بكر كان لا يرى التفرقة في العطاء، بينما كان عمر يرى التفرقة.
وكان عمر وعثمان وابن الزبير وغيرهم يرون حرمة نكاح المتعة، اماابو بكر وعلي وابن عباس وجابر الانصاري فلم يروا ذلك ,
وابو بكر كان لا يرى توريث الانبياء (ع)، اما فاطمة وعلي والحسن والحسين (ع) فكانوا يرون توريثهم ,
وابن عمر كان يرى انه لا يجوز الخروج على الحاكم وان كان جائرا، بينماكان الحسين (ع) يرى الخروج عليه، ومعاوية كان يرى الخروج على الحاكم العادل.
واختلف الصحابة في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقال عمر وابن مسعود: تعتد بوضع الحمل. وقال علي وابن عباس ( ع ) : تعتد بابعد الاجلين ,
وخالف ابن مسعود عمر في مائة مسالة ,
هذا غيض من فيض اختلافات الصحابة في فهم الاسلام. فاذا كان جميع الصحابة حملة الدين الينا ويجب علينا ان نفهم الاسلام كما فهموه، فعن اي صحابي ناخذ وقد اختلفوا في امور حدثت امامهم ؟؟؟ .
فبراي من ناخذ في نكاح المتعة مثلا ؟ براي ابن الزبير، ام براي ابن عباس ؟! وبقول من ناخذ في توريث الانبياء (ع)، بقول علي وفاطمة (ع)، ام بقول ابي بكر ؟! وهكذا الكثير من الاختلافات، حتى اصبح لكل صحابي مذهب يخالف غيره من الصحابة كمذهب ابن عباس ومذهب ابن مسعود...الخ.
فاذا كان اللّه يريد لنا ان نفهم الاسلام كما فهمه الصحابة، فارادته امر باتباع الشيء ونقيضه في آن واحد. كان نقتدي بابن الزبير وعمر ونحرم نكاح المتعة، وفي نفس الوقت نقتدي بابن عباس ونحلل المتعة!! فهل رايت اعجب من هذا ؟! فامراللّه لنا باتباع الصحابة هو امر بالمتناقضين واننا لننزه رب العزة عن هذا التناقض،سبحانك اللهم استغفرك واتوب اليك.
يقول ابن حزم: «فمن المحال ان يامر رسول اللّه(ص) باتباع كل قائل من الصحابة وفيهم من يحلل الشيء وغيره منهم يحرمه، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب! ولكان اكل البرد للصائم حلالا اقتداء بابي طلحة، وحراما اقتداء بغيره منهم!... ولكان بيع الثمر قبل ظهور الطيب فيهاحلالا اقتداء بعمر، حراما اقتداء بغيره منهم، وكل هذا مروي عندنا بالاسانيد الصحيحة... فكيف يجوز تقليد قوم يخطئون ويصيبون؟!!...»
واذا كان رسول اللّه (ص) يخبر ان اصحابه يخطئون في فتياهم، فكيف يسوغ لمسلم يؤمن باللّه واليوم الاخر ان يقول: انه (ص) يامر باتباعهم فيما قد خطاهم فيه ؟! وكيف يامر بالاقتداء بهم في اقوال قد نهاهم عن القول بها ؟ وكيف يوجب اتباع من يخطئ!! ولا ينسب مثل هذا الى النبي الا فاسق او جاهل، لا بد من الحاق احدى الصفتين به، وفي هذا هدم الديانة، وايجاب اتباع الباطل وتحريم الشيء وتحليله في وقت واحد، وهذا خارج عن المعقول، وكذب على النبي (ص)، ومن كذب عليه ولج في النار، نعوذ باللّه من ذلك» .
ولكي نعطي هذه الاشكالية حقها من البحث ناخذ مثالين من اختلافات الصحابة لنرى هل يمكنهم نقل دين اللّه للاجيال بصورة سليمة كما يريد اللّه ؟
1_ صيغ التشهدات
التشهد عمل كان يمارسه النبي (ص) كل يوم خمس مرات وقد علمه النبي (ص) للصحابة وسمعوه منه مرارا وتكرارا.
قال محمود ابو رية عن اختلاف صيغ التشهدات بين الصحابة: «تشهد ابن مسعود: في الصحيحين عن عبداللّه بن مسعود قال: علمني رسول اللّه التشهد وكفي بكفه كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات للّه والصلوات الطيبات. السلام عليك ايها النبي ورحمة اللّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين. اشهد ان لا اله الا اللّه، واشهد ان محمدا عبده ورسوله.
تشهد ابن عباس: روى مسلم واصحاب السنن عن ابن عباس، كذلك روى الشافعي في الام، قال: كان رسول اللّه يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فيقول قولوا: التحيات الصلوات الطيبات للّه... الخ تشهد عمر بن الخطاب: روى مالك في الموطا عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن عبدالرحمن بن عبدالقاري انه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يقول:التحيات الزاكيات للّه، الطيبات الصلوات للّه.
ورواية السرخسي في المبسوط: التحيات الناميات الزاكيات المباركات الطيبات للّه.
تشهد ابي موسى الاشعري: روى مسلم وابو داود ان التشهد عند ابي موسى: التحيات الطيبات والصلوات والملك للّه.
وقد ذكر ابو رية تسع صيغ للتشهدات , وقال بعد ذلك: «هذه تشهدات تسع، وردت عن الصحابة وقد اختلفت الفاظها، ولو ا نها من الاحاديث القولية التي رويت بمعنى لقلنا، عسى! ولكنها من الاعمال المتواترة التي كان يؤديها الصحابة مرات كثيرة كل يوم، وهم يعدون بعشرات الالوف. ومما يلفت النظر ان كل صحابي تشهد يذكر: ان الرسول كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم القرآن.وان تشهد عمر بن الخطاب قد القاه من فوق منبر رسول اللّه والصحابة جميعا يسمعون، فلم ينكر عليه احد منهم ما قال. كما ذكر مالك في الموطا ,
نحن نعلم ان التشهد الذي اءنزل من عند اللّه بصيغة واحدة، ونعلم اءن الصلاة عمود الدين، اذا صلحت صلح سائر عمل الانسان واذا فسدت فسد سائر عمله،وهي اول ما يحاسب عليها المرء يوم القيامة. فهل هذه التشهدات التي ذكرت اتى التشريع الاسلامي بها جميعا ؟!! الجواب: لا، بل الاسلام جاء بصيغة تشهد موحدة، وهكذا سائرالتشريعات.
بعد هذا نقول: ان التشهد كان يمارسه الصحابة كل يوم تسع مرات والرسول (ص) علمهم اياه كما يعلمهم القرآن، فاذا لم يحسنوا ان ينقلوا الينا شيئا كان يمارسه النبي (ص) كل يوم تسع مرات، فما بالك بالامور التي تحدث بالسنة مرة او اكثر كالحج والصوم والتي ترك التفصيل فيها للسنة ؟!! ففي الواقع ان الجيل المعاصر للرسول لم يكن يملك تصورات واضحة محددة حتى في مجال القضايا الدينية التي كان يمارسها النبي مئات المرات , ونرى الصحابة ينقلون التشهد بمعناه، والمحققون متفقون ان الرواية بالمعنى لا تصح فيما يتعبد فيه وصيغ التشهدات مما يتعبد فيها كما هو معلوم، والصلاة توقيفيه لا يجوز استبدال كلماتها او تغيير معناها لان ذلك من مبطلاتها.
يقول ابن الصلاح عن طريقة الصحابة في الرواية: «كثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في امر واحد بالفاظ مختلفة وما ذلك الا لان معولهم كان المعنى دون اللفظ» .
يروي الصحابة بالمعنى حسب ما فهموا، وياتي التابعون ويروون عن الصحابة حسبما فهموا، وهكذا تابعو التابعين، ففي كل طبقة تتغير الفاظ الحديث وهذا النوع من الرواية قد يفقد الحديث المقصود الشرعي منه، فالضمة والفتحة والكسرة تغير معنى الكلمة فكيف بتغيير كلمة كاملة؟!! نعم، ان فيه ضرراكبيرا.
يقول الجزائري: «بعد البحث والتتبع يتبين ان كثيرا ممن روى بالمعنى قد قصر في الاداء، ولذلك قال بعضهم: ينبغي سد باب الرواية قديما وحديثا لئلا يتسلط من لا يحسن من يظن ا نه يحسن، كما وقع لكثير من الرواة قديما، وقد نشاعن الرواية بالمعنى ضرر عظيم حتى عد من جملة اسباب اختلاف الامة».
نعم، ان الصحابي قد يفهم من الحديث شيئا غير المقصود الشرعي منه وينقله حسب فهمه له ويستقر في الاذهان ويؤخذ على ا نه حكم شرعي يتعبد به وهو عبارة عن فهم الصحابي للحديث.
عن عدي بن حاتم , قال: «لما نزلت: (حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود) عمدت الى عقال اسود والى عقال ابيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت انظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول اللّه (ص)فذكرت له ذلك فقال: «انما ذلك سواد الليل وبياض النهار» .
فهذا مثال واحد يدل على ان الصحابة لم يكونوا يفهمون المقصود الشرعي للايات كما ينبغي، وفي هذا من الخطر على مقاصد الاسلام ما لا تحمد عقباه. فهذاالصحابي لو لم يراجع النبي (ص) في معنى الاية لعلم الناس ما فهمه منها وينتشر بين الناس، وربما يصل لنا فهم عدي بن حاتم للاية! فالسلف الصالح قد لا يصيبون المقصود الشرعي من النص فكيف تريدون لنا ان نفهم الاسلام كفهمهم ؟!! وكيف يختارهم اللّه جميعا ليوصلوا الاسلام للناس وهو يعلم انهم ربما ينقلون حديثا في العقائد والتشريع بمعناه الذي فهموه وهو ليس المقصود الشرعي منه ؟! اليست هذه مشكلة المشاكل امامنا ؟ فالواقع يفرض ان يكون الذي يخلف النبي (ص) في حمل الدعوة للناس على علم تام بجميع مقاصدالشريعة من كتاب وسنة بحيث يؤديها كما سمع.
يقول الرسول (ص): «نضر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه». يقول ابن كثير: «ومنع الرواية طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء والاصوليين، و شددوا في ذلك اكثر التشديد وكان ينبغي ان يكون هذا هو الواقع لكن لم يتفق ذلك» . نعم، ما كان اللّه ليترك دينه لفهم الصحابة له، والا لتغيرت مضامين الاسلام، فلابد من القول ان اللّه اختار ثلة من السلف الصالح عندهم القدرة على فهم الاسلام وقد عبئوا تعبئة فكرية وروحية تؤهلهم لبيان الدين كما انزله اللّه.
فكون السلف اتبعوا هذا المنهج ويلزمنا اتباعه امر تجب اعادة النظر فيه،فالمفروض ان يؤخذ الاسلام عن فئة معينة من السلف الصالح لها نهج واحد لاتناقض في اقوالها وعندها المقدرة على فهم المقصود الشرعي من النص، اما ان ناخذ الاسلام عن آلاف الصحابة فهذا امر مرفوض ببديهة العقل، ولو الزمنا انفسنا بذلك لوجب علينا فهم الاسلام باكثر من سبعين مفهوما، وهو عدد مذاهب الصحابة.
2_ تكبيرة الجنازة
لقد صلى النبي (ص) صلاة الجنازة عشرات المرات وشاهده الصحابة وسمعوه وهو يصليها ومع ذلك لايحسنون نقلها بالصورة الصحيحة كما صلا ها النبي (ص).
اخرج الطحاوي عن ابراهيم قال: «قبض رسول اللّه والناس مختلفون في التكبير على الجنازة لا تشاء ان تسمع رجلا يقول: سمعت رسول اللّه يكبر خمسا،وآخر يقول: سمعت رسول اللّه يكبر اربعا، فما اختلفوا في ذلك حتى قبض ابو بكر،فلما ولى عمر راى اختلاف الناس في ذلك فشق عليه جدا. فارسل الى رجال من اصحاب رسول اللّه (ص) فقال: انكم معاشر اصحاب رسول اللّه متى تختلفون على الناس يختلفون من بعدكم، ومتى تجتمعون على امر يجتمع الناس عليه، فانظروا ماتجتمعون عليه. فكانما ايقظهم، فقالوا: نعم ما رايت يا امير المؤمنين» . و
يقول الشوكاني: «والحق انه اي قول الصحابي ليس بحجة، فان اللّه تعالى لم يبعث الى هذه الامة الا نبيا واحدا محمدا (ص)، وليس لنا الا رسول واحد، وكتاب واحد، وجميع الامة مامور باتباع كتابه وسنة نبيه ولا فرق بين الصحابة ومن بعدهم في ذلك. فكلهم مكلفون التكاليف الشرعية واتباع الكتاب والسنة، فمن قال انه تقوم الحجة في دين اللّه بغير كتاب اللّه تعالى وسنة رسوله (ص) وما يرجع اليهما فقد قال في دين اللّه بما لا يثبت، واثبت في هذه الشريعة الاسلامية شرعا لم يامر اللّه به وهذا امر عظيم وتقول بالغ، اعرف هذاواحرص عليه، فان اللّه لم يجعل اليك والى سائر هذه الامة رسولا الا محمدا (ص)ولم يامر باتباع غيره ولا شرع لك على لسان سواه من امته حرفا واحدا ولا جعل شيئا من الحجة عليك في قول غيره كائنا من كان»
رابعا _ اختلاف السلف في امور العقيدة
ومن اختلافات السلفية: قول ابن تيمية بفناء النار، ويقول: «ان في المسالة نزاعا بين التابعين» ووافقه ابن القيم وخالفهما عدد من العلماء ومنهم الالباني.
واثبت ابن تيمية الجهة للّه، قال: «فثبت انه في الجهة على التقديرين» ، وخالف الطحاوي ابن تيمية، اذ يقول عن اللّه «لا تحويه الجهات» ,
واثبت ابن تيمية الحد للّه، وكفر منكره ، وخالفه من قبل احمد بن حنبل، فقد ورد قوله: «واللّه لم يلحقه تغيير ولا تبديل ولا تلحقه الحدود» , وخالف الذهبي والالباني ابن تيمية في هذه المسالة.
واثبت ابن تيمية الجسمية للّه تعالى، قال: «ولم يذم من السلف با نه مجسم، ولا ذم المجسمة... وليس في كتاب اللّه ولا في سنة رسوله ولا قول احد من سلف الامة وائمتها انه ليس مجسم» ونفى الجسمية احمد بن حنبل من قبل.
هذا مع ان العلماء كفروا المجسمة ومنهم: النووي في شرح المهذب والحصني في كفاية الاخيار ,
وكان البخاري ومسلم وابو ثور مخالفين لاحمد بن حنبل في مسالة من مسائل العقيدة هي: مسالة اللفظ في القرآن هل هو مخلوق ام لا ؟ فاحمد بن حنبل يرى ان من قال « لفظي بالقرآن مخلوق، فهو مبتدع». والبخاري ومن وافقه يرون ان اللفظ مخلوق , وهذا الخلاف بين اهل الحديث انفسهم. يقول ابن تيمية: «وكان اهل الحديث قد افترقوا في ذلك... حصل بذلك نوع من الفرقة والاختلاف» ,
ولذلك فكون السلف اتبعوا هذا المنهج ويلزمنا اتباعه امر لايؤخذ به، فالاسلام يجب ان يؤخذ عن فئة من السلف الصالح لها نهج واحد في العقيدة والشريعة، اما ان ناخذه عن آلاف الصحابة فهذا مدعاة للاختلاف وهو السبب في انقسام الامة واختلافها في مذاهب ومتاهات.
خامسا _ ائمة السلف والتأويل
ان السلف اختلفوا في الاحكام العملية وهذا لا يؤثر بعد اتفاقهم في مسائل العقيدة. فهذه مغالطة، لان انكار حديث في الاحكام العملية هو كانكار حديث في العقيدة ولا فرق، فكلاالحديثين من عند الرسول (ص) وبالتالي هو انكار لكلام الرسول مهما كان مضمون الحديث. فالاحكام العملية لا تقل اهمية عن العقيدة، وتشغل حيزا كبيرا في الاسلام.
ومع هذا وجد الاختلاف بين اقطاب المدرسة السلفية في العقيدة ونشيرلبعضها في الاسطر التالية. وقبل البدء انوه الى ان السلفية ومنهم صاحبنا ( درولي ) متفقون على عدم جوازتاويل آيات الصفات الالهية، ولكن راينا ان هناك من ائمة السلف من جنح الى التاويل، فمن ذلك: اول ابن عباس قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) , يكشف عن شدة وامر عظيم , فاول الساق بالشدة.
واول ابن عباس النسيان في قوله تعالى: (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاءيومهم هذا) بالترك، وتبع الطبري ابن عباس في هذا التاويل فقال: «اي: ففي هذا اليوم، وذلك يوم القيامة ننساهم، يقول: نتركهم في العذاب المبين». وهذا التاويل منقول عن مجاهد ,
ومن تاويل السلف ما صح من تاويل الامام احمد لكلمة «جاء» في قوله تعالى (وجاء ربك والملك صفا صفا) بمعنى: وجاء امر ربك.
.. وعن مجاهد في قوله: (فاينما تولوا فثم وجه اللّه) قال:قبلة اللّه، فاينما كنت في شرق او غرب فلا تتوجهن الا اليها»....
ولقد طعن العلماء في اهل الحديث «السلفية» ونحن نعلم ا نه لم يطعن بهم لذواتهم بل لافكارهم التي ينادون بها.
1- قال الذهبي: «واما المحدثون فغالبهم لا يفهمون، ولا همة لهم في معرفة الحديث ولا في التدين به... معذور سفيان الثوري فيما يقول: لو كان الحديث خيرالذهب كما ذهب الخير. صدق واللّه واي خير في حديث مخلوط صحيحه بواهيه،انت لا تفليه، ولا تبحث عن ناقليه ولا تدين اللّه تعالى به... يا اللّه خلونا فقد بقينا ضحكة لاولي العقول، ينظرون الينا ويقولون هؤلاء هم اهل الحديث»,
2- وقال ابن الجوزي، تحت عنوان: «سلفيون جهال»: «عجبت من اقوام يدعون العلم، ويميلون الى التشبيه بحملهم الاحاديث على ظواهرها، فلواانهم اءمروها كما جاءت سلموا...
ولكن اقواما قصرت علومهم، فرات ان حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعطيل، ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا».
وقال: «ولولا اني لا احب ذكر الناس لذكرت من اخبار كبار علمائهم وماخلطوا ما يعتبر به، ولكنه لا يخفى على المحقق حالهم» ,
وقال الوزير اليماني في الروض الباسم عن اهل الحديث: «انما سموابالحشوية لانهم يحشون الاحاديث التي لا اصل لها في الاحاديث المروية عن رسول اللّه، اي: يدخلونها فيها وليست منها».
وقال شعبة: «كنت اذا رايت رجلا من اهل الحديث يجيئني افرح به،فصرت اليوم وليس ابغض الي من ان ارى واحدا منهم».
وكان يقول: «ان هذا الحديث يصدكم عن ذكر اللّه وعن الصلاة فهل انتم منتهون».
وقال لاصحاب الحديث: «قوموا عني، مجالسة اليهود والنصارى احب الي من مجالستكم، انكم لتصدون عن ذكر اللّه وعن الصلاة» ,
ونظر سفيان الى اصحاب الحديث فقال: «انتم سخنة عين لو ادركنا واياكم عمر بن الخطاب لاوجعنا ضربا».
وقال سفيان الثوري: «انا في هذا الحديث منذ ستين سنة، وددت اني خرجت منه كفافا لا علي ولا لي»....وسأذكر لكم بعض شحطات السلفية ,
ففي شرح عبدالعزيز البخاري على اصول البزدوي: «سئل واحد من اهل الحديث عن صبيين ارتضعا لبن شاة، هل تثبت بينها حرمة الرضاع ؟ فاجاب: با نها تثبت عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: «كل صبيين اجتمعا على ثدي واحد حرم احدهما على الاخر»!. . ومن شطحات السلفية العظيمة قول ابن تيمية بقدم العالم بالنوع، اي ان اللّه لم تزل معه المخلوقات منذ الازل وان الحوادث لا اول لها!!! وقال في كتابه شرح حديث عمران بن حصين: «وان قدر ان نوعها لم يزل معه فهذه المعية لم ينفها شرع ولا عقل بل هي من كماله».
وحتى يتضح لك اخي المسلم, واخي القاريء , واخي الزميل , هذا الامر اكثر
ففي عقيدة السلفية , ان المخلوقات لم تزل مع اللّه فهي قديمة!! فاين هذاالاعتقاد من الاسلام ؟ وكيف يقبل المسلم ان يعتقد بان الحوادث لا اءول لها ؟! فهذا الخطا الجسيم في حق اللّه يكفي لان يجعل اءولي الالباب يضعون علامات الاستفهام على هذا الاتجاه، وكل انسان محاسب على اعتقاده! , وقال ابن تيمية: «ان اللّه تعالى يجلس على الكرسي وقد اخلى منه مكانا يقعد فيه معه رسول اللّه (ص)».
وذكر هذا القول ابن القيم في بدائع الفوائد وذكر انه قول السلف , وقال الخلال الحنبلي عن هذا الاعتقاد: «من رده فقد رد على اللّه ,
عجبا كيف يسوغ مسلم لنفسه ان يعتقد هذا الاعتقاد ؟ فهذا الاعتقاد يصور اللّه بانه جالس على الكرسي مع ان اللّه خالق الكرسي، ويصور اللّه بانه محدود يسعه كرسي ويحويه مكان واللّه خالق المكان،ويصور اللّه بانه يجلس كالانسان كما يدل قوله «وقد اخلى منه مكانا يقعد فيه معه رسول اللّه».
ويثبت السلفية الحد للّه ( قال ابو سعيد اي الدارمي واللّه تعالى له حد ولا يعلمه احد غيره ولا يجوز لاحد ان يتوهم لحده غاية في نفسه، ولكن يؤمن بالحد ويكل علم ذلك الى اللّه، ولمكانه ايضا حد... فهذا كله وما اشبهه شواهد ودلائل على الحد، ومن لم يعترف به فقد كفر بتنزيل اللّه وجحد آيات اللّه ) .
والف احد السلفية كتابا يثبت فيه الحد للّه وان اللّه قاعد وجالس على عرشه . ونفى الحد عن اللّه ابو حنيفة والشافعي وشارح الطحاوية والبيهقي وابن حجر وابن دقيق العيد والحافظ العلائي و ابن حبان.
وقال السلفية: ان للّه يدين ورجلين ووجها وعينين وخمسة اصابع وانه يضحك وياتي يوم القيامة ولا يعرفه المؤمنون.
واستدلوا لما يقولون بان اللّه اثبت لنفسه هذه الصفات واثبتها له رسوله (ص) فحين قال اللّه تعالى لابليس: (مامنعك ان تسجد لما خلقت بيدي) فهو اثبت لنفسه اليدين، ومن قوله تعالى (كل شيء هالك الا وجهه استدلوا على ان للّه وجها، وهكذا بقية الصفات. فالسلفية يفهمون هذه الالفاظ على حقيقتها وليس هناك مجاز في القرآن! ونحن لو نظرنا لمنهج السلفية الذي اختطوه لانفسهم «كل القرآن حقيقة» وجدناه يتعارض مع البداهة العقلية بل انه مناقض لنفسه، فان اثبات هذه الصفات للّه يستلزم التركيب لذاته فهو مركب من وجه ويدين ورجلين... وهذا مرفوض لان كل مركب مخلوق والمركب يحتاج الى من يركبه. وكما قلت: ان منهج هؤلاء،الذي يدعو الى الجمود على ظواهر الالفاظ دائما، وعدم تجاوز حرفيتها، منهج يبطل نفسه بنفسه، لا سيما اذا طبقناه على بعض آيات الصفات التي لها تركيبها وصياغتها الخاصة من مثل قوله تعالى: (كل شيء هالك الا وجهه) , فيكون المعنى حسب منهجهم هلاك اعضاء اللّه التي اثبتوها له في الفهم الحرفي لايات اخرى كاليدين والرجلين والعينين ولا يبقى من كل ذلك الا وجهه الكريم، نستغفراللّه من هذا الفهم الهزيل.
كذلك لو اخذنا قول اللّه تعالى عن القرآن: (لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) , لوجب القول في ان للقرآن يدين!! فاذا شاهدنا يدي القرآن واصابعه! آمنا بما يقولون!!! وخذ اخي الزميل المسلم قول اللّه تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) , وسل السلفية هل للذل جناح؟!! واذا كان له جناح وهو ملزم لهم فليتهم يتصدقون علينا بريشة منه!!
قد يهون الامر اذا لم يمس مصير خلق اللّه، قال تعالى: (ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا) , فعلى قاعدة ان كل الفاظ القرآن تحمل على الحقيقة فهذه الاية تعني: من كان اعمى البصر في الدنيا فهو كذلك في الاخرة. مع ان المقصود عمى البصيرة! فهذا المنهج في التعامل مع النصوص ينقضه القرآن نفسه.
وقد اخبرنا احد الاساتذة ممن يدرسون العقيدة السلفية ان هناك رايا يميل الى ان الحقيقة فقط في آيات الصفات. وهذا القول مناقض لما قرره السلفية من ان القرآن صفة الهية. فعلى هذا لا يجوز تاويل القرآن ككل!! وقال السلفية: ان اللّه في السماء , يرى كما يرى القمر.
مع ان اللّه نفى هذا الشيء عن نفسه بصريح العبارة فقال: (لا تدركه الابصار ) ,وقال مخاطبا موسى (ع) حين طلب رؤيته: (لن تراني ) ولن: تفيد التابيد.
ان نظرة واحدة الى مصير بني اسرائيل الذين طلبوا رؤية اللّه تكفي لان تجعلنا نرفض هذا الاعتقاد. قال اللّه على لسان بني اسرائيل: (واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فاخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون) ,
فلو كانت رؤية اللّه امرا مشروعا لما عاقبهم اللّه هذا العقاب، ولوعدهم برؤيته يوم القيامة او في نفس اللحظة حتى يقيم الحجة عليهم، ولكن لما كان طلبهم مستحيلا وتجاوزا للحد حل بهم عذاب اللّه، والا كيف يعاقب اللّه على امر مشروع اثبته في قرآنه حسب قول السلفية ؟! قال الامام الصادق (ع) في «الاحتجاج»: (ان الباصرة لا يمكن ان تكون في حيز الممكنات ما لم يكن هناك اتصال بين البصيرة والمرئي ومحال اتصال شيء بذاته جل وعلا»، فحتى تتم رؤية شيء لابد ان تنعكس صورته في العين واللّه ليس له صورة ) .
وقال السلفية: ان اللّه ينزل الى السماء الدنيا كل ليلة. اخرج البخاري عن ابي هريرة ان رسول اللّه (ص) قال: «يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الاخر يقول: من يدعوني فاستجيب له...» ,
ان هذا الحديث لا يصح، فبديهي ان كروية الارض تعني ان ساعات الليل ليست واحدة على نقاط الارض المختلفة، بل هي في تتابع منتظم بانتظام دورانها حول نفسها، فالساعة التي تكون عندنا هي ثلث الليل الاخير، سوف تكون في نقطة اخرى منتصفه الاول، وفي نقطة اخرى ثلثه الاول، وفي نقطه اخرى لم يدخل الليل بعد. ومعلوم ايضا ان اللّه تعالى ليس رب مكة والمدينة وحدهما لينزل في الساعة التي يكون فيها ثلث الليل هناك، وانما هو رب العالمين، وله عباد في جميع انحاء الارض ولهم ساعات اخرى مختلفة عن ساعة المدينة فيكون عندهم ثلث الليل الاخير. وعلى هذا فينبغي وفق الحديث ان يكون اللّه تعالى مستقرا في السماء الدينا لا يغادرها، لان كل ساعة تمر على الارض ستكون بالنسبة له من نقاطها ثلث الليل الاخير.
فما معنى قوله في الحديث «ينزل كل ليلة»؟! وقد قام ابن تيمية على منبر الجامع الاموي في دمشق يوم الجمعة خطيبا فقال اثناء كلامه: ان اللّه ينزل الى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر... فعارضه الفقيه المالكي ابن الزهراء وانكر عليه ما قال فضرب هذا الفقيه وسجن , ويرى السلفية بان اللّه يخلق افعال العباد، و يستنتج هذا مما صرح به البخاري في صحيحه على لسان انبياء اللّه والعياذ باللّه جاء في صحيح البخاري: «احتج آدم و موسى فقال له موسى يا آدم انت ابونا خيبتنا واخرجتنا من الجنة.قال له آدم: يا موسى اصطفاك اللّه بكلامه وخط لك بيده اتلومني على امر قدره اللّه علي قبل ان يخلقني باربعين سنة فحج آدم موسى فحج آدم موسى ثلاثا...». ان المتامل في الحديث السابق يجد ان الانسان مسير فانظر الى عبارة «اتلومني على امر قدره اللّه علي» فتجد فيها الجبر عينه.
و ليت اهل السنة يقولون لنا: كيف يخلق اللّه افعال العباد ثم يعاقبهم عليها؟ اليس هذا هو الظلم بعينه؟ (ولا يظلم ربك احدا).
واننا لننزه انبياء اللّه (ع) من هذا الاعتقاد وهم اعرف الناس باللّه. كما ننزه كليم اللّه موسى (ع) من هذا الفحش من القول: «انت ابونا خيبتنا». واين التقى آدم وموسى ومتى كان ذلك؟! هذه صورة مجملة عن عقيدة اهل السنة باللّه، وهي لا تتلاءم مع روح الاسلام بل انها تزري بالفكر الاسلامي العظيم ...سادتي الكرام , وبعد الذي تقدم اقول , وهل يعقل ان ينقل عن الامام علي ( ع ) خمسين حيثا فقط !!! .
فهذا الصحابي العظيم عاش مع النبي (ص) اكثر من ثلاث وعشرين سنة، وكان يتبع النبي اتباع الفصيل اثر اءمه، قال عنه ابن حجر: «وكان قد رباه النبي (ص) من صغره لقصة مذكورة في السيرة النبوية، فلازمه من صغره فلم يفارقه الى ان مات»
نعم، هذا ما وصلنا عن علي ( ع ) ، خمسون حديثا فقط!! ولكن هل يتناسب هذا الرقم مع علم علي (ع)، ومقدار ما اخذ عن الرسول(ص)؟ علينا ان نتامل شهادة اللّه ورسوله في علي ثم نحكم.
قال تعالى: (ومن عنده علم الكتاب) , المقصود بالاية: علي بن ابي طالب ( ع ) .
وقال رسول اللّه (ص): «انا مدينة العلم وعلي بابها، فمن اراد العلم فليات الباب» ,
وقال (ص): «انا مدينة الحكمة وعلي بابها، فمن اراد الحكمة فليات من بابها» ,
وقال (ص): «انا مدينة الفقه وعلي بابها» ,
وقال (ص): «ما علمت شيئا الا علمته عليا فهو باب مدينة علمي»., وعن عبداللّه بن مسعود قال: كنت عند النبي (ص) فسئل عن علي فقال: «قسمت الحكمة عشرة اجزاء فاعطي علي تسعة اجزاء والناس جزءا واحدا» وفي كنز العمال زاد في آخر الحديث «وعلي اعلم بالواحد منهم» ,
وقال علي (ع): «ان رسول اللّه (ص) علمني الف باب كل باب فيها يفتح الف باب، فذلك الف الف باب، حتى علمت ما كان وما يكون الى يوم القيامة،وعلمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب» ,
وقال (ع): «سلوني قبل ان تفقدوني ولن تسالوا بعدي مثلي...» , وقال علي (ع): «سلوني، فواللّه لا تسالونني عن شيء الا حدثتكم به، وسلوني عن كتاب اللّه، فواللّه ما من آية الا وانا اعلم، بليل نزلت ام بنهار، ام بسهل ام بجبل» ,
قال ابن عبدالبر: «اجمع الناس كلهم على انه لم يقل احد من الصحابة ولااحد من العلماء: سلوني، غير علي بن ابي طالب».
وقال علي (ع): «واللّه ما نزلت آية الا وقد علمت فيما نزلت، واين نزلت، وعلى من نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا» ,
و روي عن علي انه قال: «اما واللّه لو طرحت لي وسادة لقضيت لاهل التوراة بتوراتهم ولاهل الانجيل بانجيلهم، ولاهل القرآن بقرآنهم» ,
وعن ابن عباس وقد ساله الناس فقالوا: اي رجل كان عليا، قال: «كان ممتلئا جوفه حكما وعلما وباسا ونجدة مع قرابته من رسول اللّه (ص)» ,
وقال ابن عباس: «قسم علم الناس خمسة اجزاء فكان لعلي منها اربعة اجزاء، ولسائر الناس جزء شاركهم علي فيه فكان اعلمهم فيه» ,
والان هل يصح ان يقال: ان كل ما اخذه علي ( ع ) عن النبي (ص) خمسون حديثا؟!! لا اعتقد ان احدا يقول ذلك الا ان تكون قد انطفات شعلة ذهنه. اذن فاين علم علي الذي اخذه عن النبي؟ ولماذا لم يصلنا منه سوى خمسين حديثا؟ واليس هذا معناه ان علم علي الذي اخذه عن النبي والذي لا يقدر بعدد قد ضاع عند البعض ؟ اليس هذا هو الواقع المر الذي يجب الاذعان له؟ ان ابا هريرة لم يرالنبي (ص) سوى سنتين وروى عنه 5374 حديثا , وعلي (ع) الذي رافق النبي (ص) منذ طفولته ولازمه كظله، يروي خمسين حديثا؟!! فهل هذا عدل يا مسلمين؟؟؟ , واين علم ابي هريرة من علم علي؟! يقول ابن عباس: «واللّه لقد اءعطي علي بن ابي طالب تسعة اعشار العلم وايم اللّه لقد شارككم في العشر العاشر» ,
وقد اعترف بهذه الحقيقة الشيخ محمد ابو زهرة يقول في ذلك: «وانه يجب علينا ان نقرر هنا ان فقه علي (ع) وفتاويه واقضيته لم ترو في كتب السنة بالقدرالذي يتفق مع مدة خلافته، ولا مع المدة التي كان منصرفا فيها الى الدرس والافتاءفي مدة الراشدين قبله، وقد كانت حياته كلها للفقه وعلم الدين، وكان اكثرالصحابة اتصالا برسول اللّه (ص)، فقد رافق الرسول وهو صبي قبل ان يبعث(ص)، واستمر معه الى ان قبض اللّه تعالى رسوله اليه، ولذا كان يجب ان يذكر له في كتب السنة اضعاف ما هو مذكور فيها» ... فالسؤال الكبير الان وهو هدفنا من هذا المقال , هل نترك عليا , ونـأخذ من السلف ؟؟؟؟؟؟؟ , واترك الاجابة لكل صاحب بصر وبصيرة !!! .وختاما وبعد ان اوضحنا مايجب علينا ايضاحه , وقلنا مايجب قوله , نقول لكل الزملاء الاعزاء في هذا المنتدى ( منتدى المحامين العرب ) , وداعا , وداعا , وداعا , وصدقوا انني قد قلتها بحزن شديد , لكن هذا مايريده ( درولي ) , وتحياتي للجميع .......المحامي عباس الذبحاوي الحسيني , العراق , النجف الاشرف , ماجستير قانون , الاميل almohamee_73@yahoo.com