كاتب ضبط عدد المشاركات >> 91 التاريخ >> 22/12/2002
|
لنبحر فقط عبر هذه المعلومات
مفهوم المخالفة
تعريفه:
' هو إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه.'
ويطلق عليه ( دليل الخطاب )، لأن الخطاب دل عليه .
أنواعه :
ا - مفهوم الصفة :
هو أن يدل اللفظ المقيد بوصف على نقيض حكمه عند انتفاء ذلك الوصف.
ويدخل في ( الصفة ) كل قيد ليس بشرط أوغاية أوحصر أوعدد
أو لقب، فهذه الخمسة سيأتي بيان دلالاتها مستقلة.
مثاله: قوله تعالى: ( فتحرير رقبة مؤمنة ) (النساء: 192، فمنطوق الآية: وجوب تحرير رقبة مؤمنة، والمفهوم: منع تحرير رقبة كافر. ومنه حديث: 'وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ' (أخرجه البخاري في حديث أبي بكر في الصدقات )، فعلقت زكاة الغنم بوصف ( سائمة )، والسائمة هي التي ترعى بنفسها لا تعلف، فهذا هو المنطوق، والمفهوم: لا زكاة في المعلوفة.
2 - مفهوم الشرط :
هو أن يدل اللفظ المقيد بشرط على ثبوت نقيضه عند انتفاء الشرط.
مثاله: قوله تعالى: ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه ) (النساء: 14، فمنطوق الآية إباحة ما طابت به نفس الزوجة من مهرها، والمسكوت: حرمة ذلك بغير طيب نفس منها.
3 - مفهوم الغاية :
هو أن يدل اللفظ المقيد بغاية على نقيض حكمه عند انتفاء تلك
ا لغاية.
مثاله: قوله تعالى: ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) الحجرات : 19، فمنطوق الآية هو: وجوب قتال الفئة الباغية لغاية أن تفيء ، والمفهوم : ترك قتالها بعد أن تفيء .
4 - مفهوم الحصر بـ (إنما) :
هو إثبات الحكم لشيء بصيغة ونفيه عما عداه بمفهوم تلك الصيغة.
وهو قد يقع بغير (إنما)، لكن هذا الذي يصح اندراجه منها تحت (أنواع المفهوم ) .
مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات ) (متفق عليه )، ومنطوق الحديث هو اعتبار ا لأعمال بالنيات ، والمفهوم: عدم اعتبارها بغير النيات.
5 - مفهوم العدد:
هو أن يدل اللفظ المقيد بعدد على نقيض حكمه عند انتفاء ذلك
ا لعدد.
مثاله: قوله تعالى: ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) المائدة: 189، فالمنطوق هو: وجوب صيام ثلاثة أيام ، والمفهوم : ما نقص عن ذلك أو زاد عليه.
6 - مفهوم اللقب:
هو دلالة اللفظ الذي علق الحكم فيه بالاسم العلم عك انتفاء ذلك الحكم عن غيره .
مثاله: قوله تعالى: ( محمد رسول الله ) (الفتح : 29 )، مفهومه: غير محمد ليس رسول الله.
وقوله: صلى الله عليه وسلم: ' في الحجم شفاء ' (حديث صحيح أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في 'الحلية' 3/ 121 بإسناد صحيح عن عبدالله بن سرجس )، ومفهومه : ليس في غير الحجم شفاء.
حجية المفهوم:
هل مفهوم المخالفة حجة؟ في ذلك تفصيل، وهو وارد على ثلاثة أقسام:
ا - ليس بحجة عند جمهور العلماء إلا في قول شاذ قال به بعض الشافعية والحنابلة، وهو ( مفهوم اللقب )، وفساده ظاهر.
2 - حجة اتفاقا، وهو أنواع المفهوم ا لأخرى ( ا لوصف، والشرط، والغاية، والحصر، والعدد ) في غير نصوص الكتاب والسنة، أي: في ألفاظ الناس في العقود والمعاملات وعبارات المؤلفين والفقهاء.
فقول القائل: ( وقفت هذه الدار على طلبة العلوم الشرعية ) نص في اختصاصهم بها، ومفهومه: ليست وقفا على غيرهم، وإذا قال: ( إنما هذا لك ) أي: ليس لغيرك.
3 - مختلف فيه على مذهبين مشهورين:
1 - أكثر العلماء: المفاهيم الخمسة حجة في جميع النصوص، لا فرق في الاعتداد بها بين نصوص الكتاب والسنة، أو عبارات الناس، ومنهم من يتردد في بعضها كمفهوم ( العدد ).
ومن الدليل على الاحتجاج بها: أنه المتبادر إلى الفهم من أساليب العربية، فقولك لإنسان: ( إن تفعل الخير تفلح ) دال بمفهومه على: ( إن لا تفعل الخير لا تفلح )، وإلا فلا فائدة من تعليق الجزاء على الشرط.
وروى مسلم عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: ( ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) النساء: 101 فقد أمن الناس؟ فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: 'صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته '.
فهذا دليل على صحة الاستدلال بالمفهوم عندهم ، فإن سليقة عمر العربية جعلته يعجب من بقاء الحكم عند انتفاء الشرط؛ لأنه مدرك أن الأصل عدمه، حتى بين له النبي صلى الله عليه وسلم: أن بقاء الحكم صدقة من الله تعالى على المسلمين.
2 - الحنفية ووافقهم بعض العلماء من غيرهم: ليس بحجة في نصوص الشريعة.
والسبب أنهم رأوا كثيرا من صور المفهوم غير مرادة.
ا لراجح:
صحة أن يكون المفهوم مدركا من لسان العرب وأساليبها، تدل على أنه يصلح اعتبار الاستدلال به في سائر الكلام العربي وكذلك نصوص الكتاب والسنة، لكن يجب أن يضبط ببعض الشروط لإخراج ما لا يصح أن يستدل به له.
شروط صحته:
ا - أن يسلم الحكم من المعارض.
فمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: 'وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ' ( أخرجه البخاري )، أن لا زكاة في المعلوفة، بشرط أن لا يكون الدليل ثبت بوجوب الزكاة فيها.
فاستدلال بعض المالكية بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ( الثيب أحق بنفسها من وليها ) أن البكر تجبر، استدلال بالمفهوم مع قيام المعارض، كما أشعر به سياق الحديث بتمامه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها ' ( أخرجه مسلم من حديث ابن عباس )، بل هو كذلك عند مالك في ' موطئه ' بلفظ: ' الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها'، فلو صح إجبارها لم يكن لاستئذانها معنى، وثبت من حديث ابن عباس وغيره أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم (أخرجه أبو داود وغيره ، وهو صحيح ) .
ومما سقط فيه اعتبار المفهوم لقيام المعارض قصة عمر بن الخطاب المتقدمة في قصر الصلاة.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ' إنما الربا في النسيئة ' ( متفق عليه من حديث أسامة بن زيد، واللفظ لمسلم )، فكان ابن عباس رضي الله عنهما يحتج بمفهوم هذا الحديث بنفي الربا في غير النسيئة وحصره في النسيئة، وإنما خالفه غيره من الصحابة كأبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره لا في صحة إفادة الحصر بهذه الصيغة، وإنما لثبوت المعارض عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثبوت تحريم ربا الفضل .
2 - ألا يكون خرج مخرج الغالب .
فمثال ما سقطت فيه دلالة المفهوم لمجيئه على هذا المعنى: قوله تعالى: ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ' النور: 133 فهذا شرط لا مفهوم له؛ لأن الإكراه لا يقع عادة مع الرغبة في البغاء؛ إنما يقع وهن يردن العفة، فالمعنى: لا يحل إكراههن على البغاء إن أردن تحصنا أو لم يردن.
وتقدم في (المطلق والمقيد) قوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ' (النساء: 23، فقوله . اللاتي في حجوركم ' وصف لكنه لا أثر له لمم إنما خرج مخرج الغالب ، لأن بنت الزوجة تكون غالبا مع أمها .
ومن ذلك قوله تعالى: يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة' (آل عمران :135 ، فلا مفهوم له في جواز القليل من الربا، لمم إنما خرج فذا مخرج الغالب ، فإن أحدهم كان يقول لمن له عليه الدين : إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضى وإلا زاده، حتى يصير ذلك أضعافا مضاعفة.
3- ألا يقصد به تهويل الحكم وتفخيمه .
كقوله تعالى: ومتعوهن على الموسع قدره وعك المقتر قدره ، متاعا بالمعروف حقا على المتقين ' وقوله . وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ' ، فلا يقال: لا تجب متعة الطلاق عك غير محسن ولا متق، لأن الحكم في الأصل يتناول كل مكثف، إلا أن مخاطبة المكلف بوصف الإحسان والتقوى تذكيرا له بما يجب عليه بمقتضى هذين الوصفين، وفي ذلك تعظيم جانب الأمر والنهي وتقوية للباعث على الامتثال ، ولو قيل لمسلم : (إن كنت تتقي الله فافعل كذا)، فإنه لا يخفى هذا الخطاب في الإشارة إلى عظمة ذلك الشيء المأمور به ورفعة منزلته ، مع ما يقترن به من زجر القلوب الغافلة، ولا يقول المخاطب حينئذ: (لا يشملني الخطاب، لأني لست من المتقين بمفهوم اللفظ ! وإنما هذا خطاب للمتقين خاصة).
4 - ألا يكون خرج مخرج الجواب على سؤال معين .
مثل : قوله صلى الله عليه وسلم : 'صلاة الليل مثنى 'تفق عليه )، فهذا النص لا مفهوم له ، فلا يقال : (صلاة غير الليل ليست مثنى ) بسبب أن الحديث جاء جوابا عن صلاة الليل خاصة فلا يتعداها
لإفادة حكم غيرها، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل، فقال: يا رسول الله ، كيف صلاة الليل ؟ قال : ' مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح فصل ركعة، واجعل آخر صلاتك وترا ' (متفق عليه ).
5 - ألا يكون أريد به المبالغة.
كقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في شأن المنافقين : استغفر لهم أولا تستغفر
لهم ، إن تستغفر لهم سنعين مرة فلن يغفر الله لهم ' التوبة: 185، فالعدد هنا لا مفهوم له ، إنما خرج عك سبيل المبالغة، والمعنف : مهما استغفرت لهم ، وهذا مؤيد بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال . لما مات عبدالله بن أبي أبن سلول دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه، فقلت : يا رسول الله ، أتصلي عك أبن أبي وقد قال يوم كذا: كذا وكذا؟ قال : أعدد عليه قوله ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : 'أخر عني يا عمر'، فلما أكثرت عليه قال: 'إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت عك السبعين يغفر له لزدت عليها'، قال : فصك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف ، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ) إلى قوله: ( وهم فاسقون ) ( التوبة : 184، قال : فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ورسوله أعلم (أخرجه البخاري )، ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أن العدد للمبالغة، كما رجا
أن ينفع الاستغفار لو زاده على السبعين رغبة منه في رحمة أمته صلى الله عليه وسلم ، كما يدل عليه صراحة رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنهما هذه القصة، حيث قال فيها صلى الله عليه وسلم: 'وسأزيده على السبعين ' (متفق عليه )، فلما نزلت الآيتان بعد ذلك تأكد الظن بأن العدد كان للمبالغة.
6 - ألا يقصد بالسياق التنبيه على معنى يصلح للقياس عليه بطريق المساواة أو الأولوية .
مثل : قوله صلى الله عليه وسلم: 'خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم :
ا لغرا ب ، والحدأة ، والعقرب ، والفارة ، والكلب العقور ' ( متفق عليه من حديث عائشة)، فالعدد هنا لا مفهوم له ، وإنما جاء ذكر فهؤلاء الخمس لأذيتهن ، وقد يوجد هذا المعنى في غيرهن من دواب الأرض أو الطير بما يساويهن في الأذيتهن أو يزيد عليهن مما لا يكون صيدا، فيكون له حكمهن .
فمتى تحققت هذه الشروط كان الاحتجاج بالمفهوم صحيحا معتبرا جاريا عك أسلوب أهل اللسان ، وإنما تذكر هذه الشروط لاحرازات شرعية لا من جهة اللغة.
|