الفصل الثاني ( الرقابة على دستورية القوانين في الفقه الإسلامي )
مبحث أول :- دستورية القوانين في الشريعة الإسلامية
لايفرق الإسلام بين الدينا والحياة , فالشريعة الإسلامية تضم قواعد قانونية تحكم جميع مظاهر النشاط الدنيوي والروحاني .
لهذا فالقانون الدستوري في الإسلام هو جزء من من أحكام الشريعة الإسلامية يستتبع ذلك أن مصادر هذا القانون هي ذاتها مصادر الشريعة الإسلامية وهي ( القرآن – السنة النبوية – الإجماع – القياس ) كمصادر أصلية و(الإستحسان – الإستصحاب – العرف ....) كمصادر تابعة .
السلطات الثلاث في الإسلام :-
لم تعرف الشريعة الإسلامية مبدأ الفصل بين السلطات فكل السلطات تتركز في يد شخص واحد هو الخليفة أو الحاكم .
والحاكم هنا يستطيع التفويض إلى الغير بسلطة من هذه السلطات أو أكثر ولكن يبدو أن لبعض الكتاب رأي آخر إذ يرى عبدالعزيز سالمان أن الفقه الإسلامي قد عرف مبدأ الفصل بين السلطات ولكن هذا الأمر ظهر بعد حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجمع في يده كافة السلطات ولكن كانت كل الضمانات كافية في شخصيته عليه أفضل الصلاة والتسليم ولكن في عهد عمر بن الخطاب ظهر مبدأ الفصل بين السلطات إذ كان التشريع يتولاه فئة من الدولة الإسلامية وهم العلماء والمجتهدين .
أما القضاء فكان يتولاه رجال آخرون يتمتعون باستقلال كامل أما السلطة التنفيذية فكان يتولاها الخليفة بنفسه ويساعده ولاة الأمصار وقواد الجيوش (1)
في الحقيقة أن الواقع الإسلامي قد عرف فكرة الفصل بين السلطات ولكن لم يأخذ بهذه الفكرة بناءً على ضماناتها لمبدأ الشرعية والحد من الطغيان السياسي ولكن ظروف ممارسة الدولة الإسلامية لوظائفها الثلاث أدت إلى ظهور هذا المبدأ عملياً وبشكل غير ملموس .
ويبقى الخليفة هو صاحب السلطات الثلاث وتقرر الشريعة الإسلامية الوازع الديني والخوف من الله هو الضمانة الوحيدة والكافية للحد من الطغيان السياسي .
مبحث ثاني (الرقابة على دستورية القوانين في الشريعة الإسلامية)
من المعروف أن مصادر القواعد القانونية في الشريعة الإسلامية هي المصادر الأصلية (القرآن – السنة – الإجماع – القياس ) والمصادر التابعة (الإستحسان – العرف – الإستصحاب – المصالح المرسلة – شرع من قبلنا ) ولقد اتفق الفقهاء على ( القرآن والسنة والاجماع القياس ) واختلفوا في المصادر التابعة ويلاحظ أن المصادر الأربعة مرتبة في تدرج هرمي تعلو كل قاعدة على الأخرى بحيث لايجوز للقاعدة الأدنى مخالفة القاعدة الأعلى .
مثلاً لايجوز البحث عن حكم في السنة النبوية إلا بعد التأكد من خلو القرآن من هذا الحكم (2)
وهذا التنظيم هو أساس الدولة القانونية الحديثة وعامل على احترام السلطات العامة للقانون .
v السلطة التأسيسية في الإسلام هي لله سبحانه ولرسوله عليه الصلاة والسلام والوثيقة الدستورية متمثلة في أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية .
إذن السلطة التشريعية في الإسلام محددة الوظائف بماورد في الكتاب والسنة النبوية بوصفهما دستوراً للأمة صادر من السلطة التأسيسية .
ويتولى هذه السلطة في الإسلام رجال يطلق عليهم " المجتهدين" وهم من أكثر الأمة علماً بالأحكام وفقهاً بالدين .
ولكن السلطة التشريعية في الإسلام وردت عليها قيود ونقسم هذه القيود إلى :-
1- قيود على أمور ورد فيها نص :- وتكون هنا السلطة منعدمة وتقتصر على بيان هذا النص وتفهمه فليس للسلطة التشريعية هنا إلا الشرح والتفسير وسن الأنظمة الفرعية .
2- قيود على أمور لم يرد فيها نص :- وهنا تتسع سلطة المجلس التشريعي في سن القوانين على أن لاتخالف روح الإسلام ومبادئه ومصادره المتفق عليها .
إذن أي قانون يصدر مخالفاً للمصادر القانونية في الشريعة الإسلامية يعتبر غير دستوري ..!!!
ونفهم من هذا أن جميع السلطات الثلاث في الدولة الإسلامية ماهي إلا جهات تنفيذية تعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية .
إذن ينتفي التشريع الدستوري بالنسبة للسلطة التشريعية إذ لاتملك هذه السلطة قدرة إلغاء أو تعديل الدستور الإسلامي وتقتصر مهمتها على تشريع القوانين العادية في ضوء الدستور .
مبحث ثالث ( دستورية القوانين في المملكة العربية السعودية )
تأخذ المملكة العربية السعودية بالشريعة الإسلامية كمصدر أساسي ووحيد لجميع القوانين فيها .
ولمعرفة طبيعة الرقابة الدستورية على القوانين في المملكة يجب أن نستعرض تكوين السلطات فيها .
السلطات في النظام السعودي
أولاً:- السلطة التشريعية (3)
ولن نستعرض هنا مراحل تطور الأنظمة الخاصة بالسلطة التشريعية ونكتفي باختصاصاتها بعد صدور الأنظمة الأخيرة للحكم والشورى والوزراء .
صدر النظام الأساسي للحكم سنة 1412هـ الموافق 1992م ونص على أن السلطات في الدولة ثلاث ( تشريعية – تنفيذية – قضائية )
كما نص على أن الملك هو مرجع السلطات الثلاث وصدور هذه الأنظمة جعل السلطة التشريعية سلطة مركبة يشترك فيها مجلس الشورى مع مجلس الوزراء والملك .
أ- مجلس الشورى : قصر النظام الجديد دوره على ابداء الرأي في مشاريع القوانين أي أعطاه دوراً استشارياً وحددت صلاحياته بمايلي :-
1- مناقشة الخطة العامة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية وابداء الرأي
2- دراسة الأنظمة والامتيازات والإتفاقيات الدولية واقتراح مايراه بشأنها
3- تفسير الأنظمة .
4- مناقشة التقارير السنوية للوزارات والأجهزة الحكومية واقتراح مايراه حيالها .
كمايحق لكل عشرة أعضاء من مجلس الشورى اقتراح مشروع نظام جديد أو تعديل نظام قائم وعرضه على رئيس المجلس الذي يقوم بدوره برفعه إلى الملك .
ب- مجلس الوزراء : وأعطي في نظامه الأخير دوراً تشريعياً كبيراً ويختص برسم السياسة الداخلية والخارجية والمالية والإقتصادية والتعليمية والدفاعية كما أعطي حق النظر في قرارات مجلس الشورى .
ويحق لكل وزير اقتراح مشروع نظام أو لائحة يتعلق بأعمال وزارته كمايحق لأي عضو اقتراح أي موضوع يرى مصلحة من بحثه بعد موافقة رئيس المجلس ويتولى المجلس دراسة مشاريع الأنظمة واللوائح والمعاهدات والإتفاقيات الدولية والإمتيازات ويصوت عليها ويتخذ القرارات بشأنها ثم ترفع للملك ليصدر بها مراسيم ملكية .
أيضاً قصر النظام الصادر سنة 1414هـ حق دراسة الميزانية واعداد مشروع بها واقتراح احداث أي زيادة بعد اعتمادها من الملك على مجلس الوزراء .
ج- الملك :- وأعطت الأنظمة الأخيرة له دوراً تشريعياً كبيراً فهو من ناحية رئيس مجلس الوزراء الذي يتولى إعداد مشروعات الأنظمة ومن ناحية أخرى صاحب السلطة النهائية في مجال التشريع حيث أن الأنظمة واللوائح والمعاهدات والإتفاقيات الدولية والإمتيازات والميزانية السنوية للدولة لاتصدر ولاتعدل إلا بعد موافقة الملك عليها وصدور مراسيم ملكية بها .
وفي حالة إختلاف مجلس الشورى ومجلس الوزراء فللملك حق إتخاذ مايراه مناسباً .
ثانياً:- السلطة التنفيذية (4)
أ- الملك وهو المرجع الأعلى لسلطات الدولة الثلاث ويضطلع بعدد كبير من المهام وله صلاحيات واسعة ويستمد الملك هذه السلطات من بيعة المواطنين له ويلتزم في ممارسة هذه السلطات بعدم مخالفة الكتاب والسنة .
ب- مجلس الوزراء : وهو هيئة نظامية يرأسها الملك وهو السلطة التنفيذية المباشرة ومن ضمن اختصاصاته :-
1- مراقبة تنفيذ الأنظمة واللوائح والقرارات .
2- إنشاء لجان تتحرى عن سير أعمال الوزرات والأجهزة الحكومية .
3- متابعة تنفيذ الخطة العامة للتنمية .
هذه هي السلطة التنفيذية في المملكة وتكون الوزارات والمصالح الحكومية والمشروعات العامة آلية التنفيذ حيث يتم من خلال هذه الأجهزة تنفيذ السياسة العامة للدولة .
مبحث رابع ( طبيعة الرقابة على دستورية القوانين في المملكة العربية السعودية والشريعة الإسلامية )
أولاً : في الشريعة الإسلامية
لقد عرف الفقه الإسلامي الدفع بعدم الدستورية وكان القضاء مختصاً بنظر هذه الدفوع وكان يشاركه فيها المحتسب وناظر المظالم .
كمايمكن إثارة هذا الطعن بأي طريقة وأمام أي سلطة لأن الكل يريد تطبيق شرع الله والخضوع له .
ولايشترط لهذا الطعن اجراءات معينة ولامحكمة مختصة , مثال ذلك عندما حدد عمر بن الخطاب مهورالنساء بأن لاتزيد عن أربعين أوقية فطعنت امرأة بعدم دستورية هذا القرار لمخالفته نص قرآني كريم قال تعالى ( وأن آتيتم احداهن قنطاراً فلاتأخذوا منه شيئاً ) ومصادرة عمر بن الخطاب للزيادة تعتبر خروجاً على على نص دستوري فتراجع عمر رضي الله عنه وقال مقولته المشهورة ( أصابت امرأة وأخطأ عمر ..)
إذن الفقه الإسلامي عرف الرقابة على دستورية القوانين وطبقها بطرقها المختلفة سياسية وقضائية (5)
ومن المعروف أن السيادة في الشريعة الإسلامية هي لأحكام الشرع وليست للشعب كمايقول البعض (6) من هذا المنطلق وجب مراقبة كل مسلم ومتابعته لتنفيذ أحكام الشريعة لقوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( من رأى منكم منكراً فليغيره ....)
ثانياً :- الرقابة على دستورية القوانين في المملكة العربية السعودية
نستطيع القول بدايةً أن النصوص القانونية في الوثائق الدستورية في المملكة لم تنص على أي أسلوب رقابي .
ولكن ليس معنى هذا انعدام الرقابة على دستورية القوانين ولكن نرجع صور هذه الرقابة إلى ماهو مقرر في الشريعة الإسلامية .
أ- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :- وهو من المبادئ الثابتة في الشريعة الإسلامية حتى أن بعض الفقهاء رآه ركناً سادساً للإسلام .
قال تعالى ( كنتم خير أمةً اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) باعتبار القانون المخالف للشريعة (غير دستوري) منكراً جاز لكل فرد في الأمة النهي عنه ونلاحظ هنا :-
1- الدفع بعدم الدستورية حق لكل فرد أمام أي جهة قضائية أو تنفيذية أو تشريعية يمارسه كل الأفراد على السواء فالكل يريد تطبيق شرع الله .
2- القضاء الشرعي يمتنع عن العمل بأي قانون مخالف للشريعة الإسلامية باعتبار فحص دستوريته داخل في اختصاصه بنص الدستور ( القرآن – السنة ).
إذن هذا المبدأ يقرر رقابة لكل فرد وجهة في الدولة على دستورية القوانين ممايعطي توازناً للعملية الرقابية تفتقده عملية الرقابة السياسية ويعطي سرعة وفاعلية تفتقده عملية الرقابة القضائية في القانون الدستوري المقارن .
ب- لاطاعة في معصية :-
قال الرسول عليه الصلاة والسلام (لاطاعة في معصية ) وباعتبار القانون غير الدستوري معصية جاز للكل مخالفته ..!!
من خلال هذا الأمر يتبين :-
1- عدم دستورية القانون في الشريعة يؤدي إلى عدمه من مباشرة دون أي أثر أي كأنه لم يكن ..!!
وهذا المصير لاتقرره أساليب الرقابة المختلفة في الفقه المقارن إذ يمر القانون قبل إعدامه باجراءات قد تطول أحياناً ولكن في الشريعة الإسلامية يتقرر اعدام القانون حال مخالفته للدستور بدون أي اجراءات وإن كان هناك اجراءات تقتصر على العملية التنظيمية للقوانين لا أكثر ..!!!
2- الشعب أيضاً يشارك في العملية التشريعية وإن كان بطريق غير مباشر فله حق اقرار القانون إذا كان دستورياً وله حق إلغائه إذا كان غير دستوري .
إذن يتضح لنا مدى سعة القاعدة الرقابية على دستورية القوانين في الشريعة الإسلامية وتميزها , غالباً ماتصدر القوانين في المملكة العربية السعودية بشكل دستوري لأنها تمر بثلاث قنوات كلها تملك حق الرقابة وفقاً لما سبق وهذه القنوات هي ( مجلس الشورى – مجلس الوزراء – الملك) فمن العسير صدور قانون غير دستوري من خلال هذه القنوات التي تعد ضمانة حقيقية لدستورية القوانين في المملكة العربية السعودية .
أيضاً هناك مصادر رقابية خارجية وهي :-
( العلماء – المحتسبين – أفراد الأمة ) وتمثل هذه المصادر ضمانة أخرى كبيرة وحقيقية لضمان دستورية كل مايصدر من السلطة التشريعية السعودية .
ــــــــــــــــــــــــــ
1- رقابة دستورية القوانين – عبدالعزيز سالمان – ص 16-17
2- المرجع السابق – ص 117
3- الإدراة العامة في المملة – الطويل – ص 43
4- المرجع السابق – ص 53- 55
5- رقابة دستورية القوانين – عبدالعزيز سالمان – ص129-130
6- السيادة في الإسلام – عارف أبو عيد – ص168