ألف براءة لن تكفيك لتعود إلي مصر، تتنفس هواءها من جديد، وتسير في شوارعها، وتجاور أهلها كأن شيئاً لم يكن.
ألف براءة لن تكفي لإقناع مئات الأسر المكلومة بأن تكفي علي الخبر «ماجور»، وتكتفي بأن أبناءها وبناتها الذين أكلهم البحر غدراً «شهداء عند ربهم يرزقون».
ألف براءة لن تكفي لتبييض وجهك الملطخ بدماء المجروحين وفزع المقبلين علي الموت.. ألف براءة لن تكفيك لتنام معصوماً من لعنات المظلومين ودعوات المقهورين.
ألف براءة لن تكفيك لتمحو العار، حتي لو استقبلك الرسميون أمام مطلع صالة كبار الزوار استقبال الأبطال الفاتحين.
ألف نظام وحزب حاكم لن يستطيع أن يرد لك اعتباراً فقدته بغير رجعة، وشرفاً صار الشك فيه أقوي من اليقين.
لن تكفيك ملايينك وملياراتك لتعود وتستقر فيما بيننا من جديد.. أنت مدان بحكم الشعب ومحكوم عليك من محكمة الشعب.. وصدَّق علي الحكم قلوب أمهات أثكلتهن، وزوجات رمَّلتهن، وأطفال يتمتهم، وأشقاء حرمتهم من الأخ الكبير، وآباء خطفت منهم أبناءهم وحرمتهم الظهر والسند.
ألف حكم براءة لا يمكن أن يقف صامداً أمام قلب «أم فراج» التي انتظرت ابنها، مثل أمل كبير بعد سنوات غربة ابتعد فيها عنها فإذا بها تفقده حياً وميتاً.
ألف حكم براءة لا يمكن أن يقف صامداً أمام «نوارة»، العروس التي بللت الدموع ثوب عرسها وحرمتها من البهجة المستحقة في أن يحضر أبوها عرسها، ويضع يده في يد العريس، ويسلمها له ودموع الفرحة تتساقط فوق شيبة ذقنه.
ألف براءة لا تكفي لتصفح عنك «سحر»، التي فقدت طفلتها في البحر، فأرادت أن تخرج بها من بين الأمواج جثة رقيقة لتدفنها في هدوء وتعرف قبرها وتزوره كل عام لتضع الزهور وتوزع الرحمات.. ألف براءة لن تقنع «سحر» بأنك بريء من ذنب رضيعتها. ألف براءة لن تكفيك لتقف أمام مقبرة الشهداء في الغردقة تنظر إلي ٧٥ شاهد قبر مجهول الهوية والبيانات،
وتقول لهم أنا بريء من ذنبكم.. هم يعرفون أكثر حقيقة جرمكم، وشاهدوا كل شيء في عرض البحر ليلتها. ألف براءة لن تكفيك لتعود إلي أصدقائك القدامي، وتظهر معهم في الحفلات والمنتديات،
فأصدقاؤك أول من سيتجنبونك ليهربوا من عارك، ومن مخاوف التلوث التي ستعلق بهم لا شك في حالة ظهورهم معك من جديد. ألف براءة لن تكفيك لتقف أمام الطفل «محمد حسن»، الذي فقد كل أسرته في البحر،
وتحاول أن تقنعه بأنك لم يكن لك دور في يتمه، وألف براءة لن تقنع «محمد»، أن يكف عن الدعاء عليك وعلي من عاونوك وساعدوك وسمحوا لك أن تقتل والديه وتخرج في النهاية بريئاً بلا عقاب.
ألف براءة لن تمنعك لعنات الدكتور «محمد عبدالحليم»، الذي فقد أطفاله وزوجته في البحر، ولن تصد عنك دعوات الجحيم التي تصعد من قلوب أسر آلاف الضحايا «دعوات مظلومين تشق طريقها بسهولة إلي السماء».
أيها الهارب.. إدانتك لا تحتاج الي حكم قضائي ولا أوراق ثبوتية.. ونصيحة مني: ابق حيث أنت هارب، ولا تفكر في العودة ودخول مصر مرة أخري، فأمثالك يكون الهروب أقصي مراتب الشرف التي يستحقونها..
لهذا ستبقي هارباً ما بقي من عمرك، وعارك يطارد ذريتك إلي يوم الدين، يوم تحاكم بحق وتنال جزاءك بعدل.. أيها الهارب: «خلي البراءة تنفعك».
المصدر http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=115008