|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
التاريخ 6/15/2008 3:50:06 AM
|
الحكم الشرعى والقانونى فى التدخين
|
- سبقاً وتكلمنا عن التبغ والقوانيين العربية المنظمة لمكافحته
واليوم الحديث عن :
الحكم الشرعي في التدخين
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: "ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة"
ويقول أيضا "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما".
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".
ولا شك أن التدخين هو انتحار بطيء، وقتل للنفس وقد نهى سبحانه وتعالى عن قتل النفس وتعريضها لأسباب الهلاك وهو نهي شامل لكل أمر يؤدي إلى تلك النتيجة سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
والتدخين تبذير للمال وباب واسع لدخول عالم المخدرات خاصة عند الشباب لذلك كان ضروريا معرفة رأي العلماء في هذه الآفة.
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بالمملكة العربية السعودية
"شرب الدخان حرام،وزرعه حرام، والإتجار به حرام، لما فيه من الضرر، وقد روي في الحديث "لا ضرر ولا ضرار"، ولأنه من الخبائث، وقد قال الله تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم " ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث".
فتوى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
دولة قطر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه، أما بعد، فقد ظهر هذا النبات المعروف الذي يطلق عليه اسم "الدخان " أو (التبغ) أو (التمباك) أو (التتن)، في آخر القرن العاشر الهجري، وبدأ استعماله يشيع بين الناس، مما أوجب على علماء ذلك العصر أن يتكلموا في بيان حكمه الشرعي. ونظرا لحداثته وعدم وجود حكم سابق فيه للفقهاء المجتهدين، ولا من لحقهم من أهل التخريج والترجيح في المذاهب، وعدم تصورهم لحقيقته ونتائجه تصورا كاملا، مبنيا على دراسة علمية صحيحة، اختلفوا فيه اختلافا بينا، فمنهم من ذهب إلى حرمته، ومنهم من أفتى بكراهته، ومنهم من قال بإباحته، ومنهم من توقف فيه وسكت عن البحث عنه، ول أهل مذهب من المذاهب الأربعة - السنية فيهم من حرمه، وفيهم من كرهه، وفيهم من أباحه. ولهذا لا نستطيع أن ننسب إلى مذهب القول بإباحة أو تحريم أو كراهة.
أدلة المحرمين:
أما المحرمون فاستندوا إلى عدة اعتبارات شرعية يجمع شتاتها ما يلي:
1.الإسكار:
فمنهم من قال إنه مسكر، وكل مسكر حرام. وبعضهم قال: معلوم أن كل من شرب دخانا كائنا ما كان أسكره، بمعنى أشرقه، وأذهب عقله بتضييق أنفاسه ومسامه عليه. ورتب بعضهم على هذا عدم جواز إمامة من يشربه.
2.التفتير والتخدير:
وقالوا: إن لم يسلم أنه يسكر، فهو يخدر ويفتر. وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام "نهى عن كل مسكر ومفتر". قالوا: والمفتر ما يورث الفتور والخدر في الأطراف. وحسبك بهذا الحديث دليلا على تحريمه.
3.الضرر:
والضرر الذي ذكروه هنا ينقسم إلى نوعين:
· ضرر بدني: حيث يضعف القوى، ويغير لون الوجه بالصفرة، والإصابة بالسعال الشديد، الذي قد يؤدي إلى مرض السل.
· ضرر مالي: ونعني به أن في التدخين تبذيرا للمال، أي إنفاقه فيما لا يفيد الجسم ولا الروح، ولا ينفع في الدنيا ولا الآخرة، وقد "نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن إضاعة المال". وقال الله تعالى: { ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا}.
ومن سديد ما قاله بعض العلماء هنا: لا فرق في حرمة المضر بين أن يكون ضرره دفعيا، أي يأتي دفعة واحدة، أو أن يكون تدريجيا، فإن التدريجي هو الأكثر وقوعا.
وممن حرم الدخان ونهى عنه من علماء مصر فيما مضى: شيخ الإسلام أحمد المنصوري البهوتي الحنبلي، وشيخ المالكية إبراهيم اللقاني. ومن علماء المغرب: أبو الغيث القشاش المالكي. ومن علماء دمشق: نجم الدين بن بدر الدين بن مفسر القرآن، العربي الغزي العامري الشافعي. ومن علماء اليمن: إبراهيم بن جمعان، وتلميذه أبو بكر بن الأهدل. ومن علماء الحرمين: المحقق عبد الملك العصامي، وتلميذه محمد بن علامة، والسيد عمر البصري. وفي الديار الرومية (التركية) الشيخ الأعظم محمد الخواجة، وعيسى الشهواني الحنفي، ومكي بن فروح المكي، والسيد سعد البلخي المدني. كل هؤلاء من علماء الأمة أفتوا بتحريمه ونهوا عن تعاطيه.
مستند القائلين بالكراهة:
أما القائلون بكراهته، فقد استندوا إلى ما يأتي:
· أنه لا يخلو من نوع ضرر، ولا سيما الإكثار منه، مع أن القليل يجر إلى الكثير.
· النقص في المال، فإذا لم يكن تبذيرا ولا إسرافا ولا إضاعة، فهو نقص في المال، كان يمكن إنفاقه فيما هو خير منه وأنفع لصاحبه والناس.
· نتن رائحته التي تزعج كل من لم يألفها وتؤذيه، وكل ما كان كذلك فتناوله مكروه كأكل البصل النيئ والثوم والكراث ونحوها.
· إخلاله بالمروءة بالنسبة لأهل الفضائل والكمالات.
· يشغل عن أداء العبادة على الوجه الأكمل.
· ومن اعتاده قد يعجز في بعض الأيام عن تحصيله فيتشوش خاطره لفقده.
· ومثل ذلك إذا كان في مجلس لا ينبغي استعماله فيه، أو يستحي ممن حضر.
مستند القائلين بالإباحة:
وأما القائلون بالإباحة فتمسكوا بأنها الأصل في الأشياء، ودعوى أنه يسكر أو يخدر غير صحيحة. لأن الإسكار غيبوبة العقل مع فتور الأعضاء، وكلاهما لا يحصل لشاربه. نعم، من لم يعتده يحصل له إذا شربه نوع غثيان، وهذا لا يوجب التحريم. ودعوى أنه إسراف فهذا غير خاص بالدخان. وهذا ما ذهب إليه العلامة الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ مصطفى السيوطي الرحيباني.
أقوال المعاصرين:
وإذا غضضنا الطرف عن المتقدمين، ونظرنا إلى أقوال المعاصرين، وجدنا منهم من جزم بحرمته، وألف فيه بعض الرسائل، وعامة علماء نجد يحرمونه، وقد قال العلامة الشيخ محمد بن مانع، كبير علماء قطر ومدير معارف السعودية في عصره، في حاشية له على "غاية المنتهى".
"إن القول بإباحة الدخان، ضرب من الهذيان، فلا يعول عليه الإنسان، لضرره الملموس، وتخديره المحسوس، ورائحته الكريهة، وبذل المال فيما لا فائدة فيه، فلا تغتر بأقوال المبيحين. فكل يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ولعل من أعدل ما قيل فبه وأصحه استدلالا، ما ذكره المغفور له الشيخ الأكبر محمود شلتوت شيخ الأزهر في فتاويه حين قال:
" إذا كان التبغ لا يحدث سكرا، ولا يفسد عقلا، فإن له آثارا ضارة، يحسها شاربه في صحته، ويحسها فيه غير شاربه. وقد حلل الأطباء عناصره، وعرفوا فيها العنصر السام الذي يقضي- وإن كان ببطء - على سعادة الإنسان وهنائه. وإذن فهو ولا شك، أذى وضار. والإيذاء والضرر خبث يحظر به الشيء في نظر الإسلام. وإذا نظرنا مع هذا إلى ما ينفق فيه من أموال، كثيرا ما يكون شاربه في حاجة إليها، أو يكون صرفها في غيره أنفع وأجدى.. إذا نظرنا إلى هذا الجانب عرفنا له جهة مالية تقضي في نظر الشريعة بحظره وعدم إباحته. ومن هنا نعلم أخذا من معرفتنا الوثيقة بآثار التبغ السيئة في الصحة والمال أنه مما يمقته الشرع ويكرره. وحكم الإسلام على الشيء بالحرمة والكراهة لا يتوقف على وجود نص خاص بذلك الشيء. فعلل الأحكام، وقواعد التشريع العامة، قيمتها في معرفة الأحكام، وبهذه العلل وتلك القواعد، كان الإسلام ذا أهلية قوية في إعطاء كل شيء يستحدثه الناس حكمه من حل أو حرمة. وذلك عن طريق معرفة الخصائص والآثار الغالبة للشيء، فحيث كان الضرر كان الحظر، وحيث خلص النفع أو غلب
كانت الإباحة، وإذا استوى النفع والضرر كانت الوقاية خيرا من العلاج."
تمحيص وترجيح:
يبدو لي أن الخلاف الذي نقلناه عن علماء المذاهب عند ظهور الدخان، وشيوع تعاطيه، واختلافهم في إصدار حكم شرعي في استعماله، ليس منشؤه في الغالب اختلاف الأدلة، بل الاختلاف في تحقيق المناط. فمنهم من أثبت له عدة منافع في زعمه. ومنهم من أثبت له مضار قليلة تقابلها منافع موازية لها. ومنهم من لم يثبت له أية منافع، ولكن نفى عنه الضرر وهكذا. ومعنى هذا أنهم لو تأكدوا من وجود الضرر في هذا الشيء لحرموه بلا جدال.
وهنا نقول: إن إثبات الضرر البدني أو نفيه في "الدخان" ومثله مما يتعاطى، ليس من شأن علماء الفقه، بل من شأن علماء الطب والتحليل. فهم الذين يسألون هنا، لأنهم أهل العلم والخبرة. قال تعالى: { فاسأل به خبيرا} وقال : {ولا ينبئك مثل خبير} .
أما علماء الطب والتحليل فقد قالوا كلمتهم في بيان آثار "التدخين" الضارة على البدن بوجه عام، وعلى الرئتين والجهاز التنفسي بوجه خاص، وما يؤدي إليه من الإصابة بسرطان الرئة مما جعل العالم كله في السنوات الأخيرة يتنادى بوجوب التحذير من التدخين.
وفي عصرنا ينبغي أن يتفق العلماء على هذا الحكم، وذلك أن حكم الفقيه هنا يبنى على رأي الطبيب فإذا قال الطبيب إن هذه الآفة (التدخين) ضارة بالإنسان، فلا بد أن يقول الفقيه هذه حرام، لأن كل ما يضر بصحة الإنسان يجب أن يحرم شرعا.
على أن من أضرار التدخين مالا يحتاج إثباته إلى طبيب اختصاصي ولا إلى محلل كيماوي، حيث يتساوى في معرفته عموم الناس، من مثقفين وأميين.
علة التحريم:
أما ما يقوله بعض الناس: كيف تحرمون مثل هذا النبات بلا نص؟ فالجواب: أنه ليس من الضروري أن ينص الشارع على كل فرد من المحرمات، وإنما هو يضع ضوابط أو قواعد تندرج تحتها جزئيات شتى، وأفراد كثيرة. فإن القواعد يمكن حصرها، أما الأمور المفردة فلا يمكن حصرها.
ويكفي أن يحرم الشارع الخبيث أو الضار، ليدخل تحته ما لا يحصى من المطعومات والمشروبات الخبيثة أو الضارة، ولهذا أجمع العلماء على تحريم الحشيشة ونحوها من المخدرات، مع عدم وجود نص معين بتحريمها على الخصوص.
وهذا الإمام أبو محمد ابن حزم الظاهري، نراه متمسكا بحرفية النصوص وظواهرها، ومع هذا يقرر تحريم ما يستضر بأكله، أخذا من عموم النصوص. قال: "وأما كل ما أضر فهو حرام لقول النبي عليه الصلاة والسلام:"إن الله كتب الإحسان على كل شيء"، فمن أضر بنفسه أو بغيره فلم يحسن، ومن لم يحسن فقد خالف كتاب (أي كتابه) الله الإحسان على كل شيء".
ويمكن أن يستدل لهذا الحكم أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم :" لا ضرر ولا ضرار". كما يمكن الاستدلال بقوله تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} .
ومن أجود العبارات الفقهية في تناول المضرات عبارة الإمام النووي في [روضته] قال:
[كل ما أضر أكله كالزجاج والحجر والسم، يحرم أكله. وكل طاهر لا ضرر في أكله يحل أكله، إلا المستقذرات الطاهرات، كالمني والمخاط، فإنها حرام على الصحيح.. إلى أن قال: ويجوز شرب دواء فيه قليل سم إذا كان الغالب السلامة، واحتيج إليه].
الضرر المالي:
لا يجوز للإنسان أن ينفق ماله فيما لا ينفعه لا في الدنيا ولا في الدين، لأن الإنسان مؤتمن على ماله مستخلف فيه. وكذلك فإن الصحة والمال وديعتان من الله، فلا يجوز للإنسان أن يضر صحته أو يضيع ماله. ولذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن إضاعة المال. والمدخن يشتري ضرر نفسه بحر ماله، وهذا أمر لا يجوز شرعا.
قال الله تعالى:{ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين}. ولا يخفى أن إنفاق المال في التدخين إضاعة له. فكيف إذا كان مع الإتلاف للمال ضرر متحقق يقينا أو ظنا؟ أي إنه اجتمع عليه إتلاف المال وإتلاف البدن معا.
ضرر الاستبعاد:
وهناك ضرر آخر، يغفل عنه عادة الكاتبون في هذا الموضوع وهو الضرر النفسي، وأقصد به، أن الاعتياد على التدخين وأمثاله، يستعبد إرادة الإنسان، ويجعلها أسيرة لهذه العادة السخيفة. بحيث لا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة إذا رغب في ذلك يوما لسبب ما. كظهور ضررها على بدنه، أو سوء أثرها في تربية ولده، أو حاجته إلى ما ينفق فيها لصرفه في وجوه أخرى أنفع وألزم، أو نحو ذلك من الأسباب.
ونظرا لهذا الاستبعاد النفسي، نرى بعض المدخنين، يجور على قوت أولاده، والضروري من نفقته أسرته، من أجل إرضاء مزاجه هذا، لأنه لم يعد قادرا على التحرر منه.
وإذا عجز مثل هذا يوما عن التدخين، لمانع داخلي أو خارجي، فإن حياته تضطرب، وميزانه يختل، وحاله تسوء، وفكره يتشوش، وأعصابه تثور لسبب أو لغير سبب.
ولا ريب أن مثل هذا الضرر جدير بالاعتبار في إصدار حكم على التدخين.
التدخين ليس حلالا بل هو محرم شرعا:
ليس للقول بحل التدخين أي وجه في عصرنا بعد أن أفاضت الهيئات العلمية الطبية في بيان أضراره، وسيء آثاره، وعلم بها الخاص والعام، وأيدتها لغة الأرقام.
وإذا سقط القول بالإباحة المطلقة، لم يبق إلا القول بالكراهة أو القول بالتحريم. وقد اتضح لنا مما سبق أن القول بالتحريم أوجه وأقوى حجة. وهذا هو رأينا. وذلك لتحقق الضرر البدني والمالي والنفسي باعتياد التدخين. لأن كل ما يضر بصحة الإنسان يجب أن يحرم شرعا.
والله تعالى يقول: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ويقول جل جلاله: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}. ويقول الله عز وجل في آيات كثيرة: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}،{ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}، فهناك ضرر بدني ثابت، وهناك ضرر مالي ثابت كذلك، فتناول كل ما يضر الإنسان يحرم، لقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}. من أجل هذا يجب أن نفتي بحرمة هذا التدخين في عصرنا.
والواقع الذي لا شك فيه هو أن الأطباء يجمعون على أن في التدخين ضررا مؤكدا. صحيح أن ضرره ليس فوريا ولكنه ضرر تدريجي. والضرر التدريجي كالضرر الفوري في التحريم، فالسم البطيء كالسم السريع كلاهما يحرم تناوله على الإنسان. والانتحار محرم بنوعيه السريع والبطيء، والمدخن ينتحر انتحارا بطيئا.
والإنسان لا يجوز أن يضر أو يقتل نفسه، ولا أن يضر غيره. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار". أي لا تضر نفسك ولا تضر غيرك. فهذا ضرر مؤكد على نفس الإنسان وعلى غيره بإجماع أطباء العالم، لهذا أوجبت دول العالم على كل شركة تعلن عن التدخين أن تقول إنه ضار بالصحة، بعد أن استيقن ضرره الجميع، لهذا لا يصح أن يختلف الفقهاء في تحريمه.
والضرورات الخمس التي ذكرها الأصوليون وفقهاء الدين، وأوجبوا الحرص على المحافظة عليها وعدم الإضرار بها، هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وكلها تتأثر بهذه الآفة. فدين الإنسان يتأثر، فمن الناس من لا يصوم رمضان لأنه لا يستطيع أن يمتنع عن التدخين عن التدخين. والنسل يتضرر بالتدخين، سواء كان المدخن أحد الأبوين أو كليهما، بل إن الجنين يتضرر من تدخين أمه، بما يعني أن المدخن لا يضر نفسه فقط وإنما يضر غيره، وهناك ما يسمى الآن التدخين القسري، أو التدخين بالإكراه فيدخن الإنسان رغم أنفه وهو لا يتناول السيجارة وإنما يتنشق دخانها قهرا عندما يجلس بجوار إنسان مدخن، أو في بيئة فيها التدخين. فأنت أيها المدخن تضر نفسك وتضر غيرك رغم إرادته وأنفه، فمن أجل هذا الضرر وغيره يجب أن يحرم التدخين وأن يجمع العلماء على تحريمه.
وقد أدار بعض العلماء معظم الحكم في التدخين على المقدرة المالية وحدها أو عدمها، فيحرم في حالة عجز المدخن عن مصاريف التدخين، ويكره للقادر عليه. وهذا رأي غير سديد ولا مستوعب. فإن الضرر البدني والنفسي الذي أجمع العلماء والأطباء في العالم على تحققه، له اعتباره الكبير بجوار الضرر المالي. ثم إن الغني ليس من حقه أن يضيع ماله، ويبعثره فيما يشاء. لأنه مال الله أولا، ومال الجماعة ثانيا.
وينبغي للإنسان المسلم العاقل أن يمتنع عن هذه الآفة الضارة الخبيثة، فالتبغ لا شك من الخبائث، وليس من الطيبات، إذ ليس فيه أي نفع دنيوي أو نفع ديني.
ونصيحتي للشباب خاصة، أن ينزهوا أنفسهم عن الوقوع في هذه الآفة، التي تفسد عليهم صحتهم، وتضعف من قوتهم ونضرتهم، ولا يسقطوا فريسة للوهم الذي يخيل إليهم أن التدخين من علامات الرجولة، أو استقلال الشخصية. ومن تورط منهم في ارتكابها يستطيع التحرر منها، والتغلب عليها وهو في أول الطريق، قبل أن تتمكن هي منه، وتتغلب عليه، ويعسر عليه فيما بعد النجاة من براثنها، إلا من رحم ربك.
وعلى أجهزة الإعلام أن تشن حملة منظمة بكل الأساليب على التدخين، وتبين مساوئه.
وعلى مؤلفي ومخرجي ومنتجي الأفلام والتمثيليات والمسلسلات، أن يكفوا عن الدعاية للتدخين، بواسطة ظهور "السيجارة" بمناسبة وغير مناسبة في كل المواقف.
وعلى الدولة أن تتكاتف لمقاومة هذه الآفة، وتحرير الأمة من شرورها، وإن خسرت خزانة الدولة الملايين فإن صحة الأمة وأبنائها، الجسمية والنفسية، أهم وأغلى من الملايين. والواقع أن الدولة هي الخاسرة ماليا عندما تسمح بالتدخين، لأن ما تنفقه في رعاية المرضى الذين يصيبهم التدخين بأمراض عديدة وخطيرة تبلغ أضعاف ما تجنيه من ضرائب تفرضها على التبغ، بالإضافة إلى ما تخسره من نقص الإنتاج بسبب زيادة تغيب المدخنين عن العمل نتيجة ما يعانونه من أمراض.
نسأل الله تبارك وتعالى أن ينير بصائرنا وأن يفقهنا في ديننا وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، إنه سميع قريب. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الإمام الأكبر جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر سابقا
"أصبح واضحا جليا أن شرب الدخان، وإن اختلفت أنواعه وطرق استعماله، يلحق بالإنسان ضررا بالغا، إن آجلا أو عاجلا، في نفسه وماله، ويصيبه بأمراض كثيرة متنوعة، وبالتالي يكون تعاطيه ممنوعا بمقتضى هذه النصوص، ومن ثم فلا يجوز للمسلم استعماله بأي وجه من الوجوه، وأيا كان نوعه، حفاظا على الأنفس والأموال، وحرصا على اجتناب الأضرار التي أوضح الطب حدوثها، وإبقاء على كيان الأسر والمجتمعات بإنفاق الأموال فيما يعود بالفائدة على الانسان في جسده، ويعينه على الحياة سليما معافى، يؤدي واجباته نحو الله ونحو أسرته فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف والله سبحانه وتعالى أعلم.
لجنة الفتوى بالأزهر الشريف: وجاء فى فتواها بشأن الدخان:
"... شرب الدخان ثبت يقينا من أهل المعرفة والاختصاص والمؤتمرات الطبية العالمية. ضرره بالصحة، لما يسببه من سرطان الرئة والحنجرة والإضرار بالشرايين،كما أنه ضار بالمال لانفاقه فيما لا يعود على الإنسان بالفائدة، وقد نهى الرسول صلي الله عليه وسلم عن كل ما يضر بالصحة والمال، ففي الحديث الشريف " لا ضرر ولا ضرار ".
لهذا نرى حرمة شرب الدخان واستيراده وتصديره والاتجار فيه، والله تعالى أعلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية
شرب الدخان حرام، وزرعه حرام، والاتجار به حرام، لما فيه من الضرر، وقد روى في الحديث " لا ضرر ولا ضرار " ولأنه من الخبائث، وقد قال الله تعالى في صفة النبي صلي الله عليه وسلم ((ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وبالله التوفيق)).
الشيخ الدكتور محمد الطيب النجارعضو مجمع البحوث الاسلامية:
يقول:
أفتى بحرمته (أي الدخان) لقوله تعالى (ويحرم عليكم الخبائث ) بالإضافة إلى إجماع الأطباء على ضرره فى الصحة، وكل ما يتلف الجسم ويضر بالصحة فهو حرام لقوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ) . وقد نهى سبحانه عن التبذير وهو وضع الشىء في غير موضعه بقوله (ان المبذرين كانوا إخوان الشياطين) وتناول الدخان يحدث في شاربه التراخي والفتور الإغماء، وهذه الحالات تغيب العمل فترة من الزمن ة عند الأغلب، وهو لهذا يحرم عليهم.
خلاصة حكم التدخين في نظر علماء الدين المعاصرين من إعداد فضيلة الشيخ مهدي عبد الحميد مصطفى مدير الإعلام بالأزهر وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
حمدا لله ، وصلاة وسلاما على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
وبعد:
فإن منظمه الصحة العالمية ، لها دورها المثمر والبناء.. في خدمة الإنسانية جمعاء.. منذ تأسست عام 1948 وحتى الآن.. فرسالتها تقوم على تحقيق الخير والسعادة لبني الإنسان، ذلك.. لأن الإنسان مهما توافرت له مقومات الحياة ومتعها ، فلن يسعد بذلك كله إلا إذا كان متمتعا بموفور الصحة.. رافلا في حلل العافية.. والتمتع بأعلى مستوى من الصحة ، هو هدف تلك المنظمة، وهو هدف ليس قاصرا على دولة أو دول بعينها، وإنما يرمى إلى تحقيق الصحة للجميع في إطار زمن محدد، وهو عام ألفين..
والمنظمة في سعيها الحثيث للوصول إلى هذا الهدف، وتحقيق تلك الغاية لا تفرق بين الشعوب بسبب العنصر، أو الدين، أو العقيدة السياسية، أو الحالة الاقتصادية، أو الاجتماعية.. ولكنها تسعى إلى توزيع مواردها وإمكاناتها الصحية على الشعوب توزيعا عادلا، بحيث تتاح الرعاية الصحية لكل فرد في ظل مشاركة كاملة من جانب المجتمع..
وقد وضعت المنظمة في اعتبارها الرعاية الصحية الأولية باعتبارها مفتاح الوصول إلي هدف تحقيق الصحة للجميع، ورسمت عناصرها الأساسية على النحو التالي:
1. التثقيف المتعلق بالمشكلات الصحية السائدة، وطرق الوقاية منها، ومكافحتها.
2. تحسين سبل التزويد بالغذاء، وتأمين التغذية السليمة.
3. التزويد الكافي بالماء الصالح للشرب والإصحاح المناسب.
4. رعاية صحة الأم والطفل.
5. التمنيع ( التحصين ) ضد الأمراض المعدية.
6. الوقاية من الأمراض المتوطنة محليا ، ومكافحتها .
7. المعالجة المناسبة للأمراض والإصابات الشائعة .
8. توفير الأدوية الأساسية .
وذلك انطلاقا من مهام المنظمةالرئيسية في العمل على توجيه وتنسيق العمل الصحي الدولي ، وفي تأمين التعاون التقني المثمر ، وفي تشجيع البحث العلمي
وكان من بين أو أهم القضايا أو المشكلات التي أخذت منظمة الصحة العالمية على عاتقها مواجهتها ومعالجتها :مشكلة التدخين .. باعتبار التدخين أشبه بالوباء الساري والمنتشر في كل أرجاء العالم ، على الرغم مما يترتب عليه من أضرار صحية ، واقتصادية ، واجتماعية !!
فشكلت في جنيق لجنة خبراء حول التدخين وآثاره على الصحة ، وكان أول اجتماع لتلك اللجنة في الفترة من 9 ــ 14 من ديسمبر 1974 .. حيث تولت هذه اللجنة بحث التقارير الطبية ، والدراسات المتعلقة بالتدخين ومضاره ، وصياغة التوصيات اللازمة لمعالجة هذا الداء ، أو ذلك الوباء ، ورسم الاستراتيجية الضرورية لمكافحة التدخين في دول العالم .. وخاصة الدول النامية ..
ولم يكتف المكتب الإقليمي لشرق البحر المتوسط ــ أحد المكاتب الإقليمية الستة التابعة للمنظمة ــ بما قدمته لجنة الخبراء من تقارير للنهوض بمسئولياته ؛ وإنما استعان بخيرة الأطباء المتخصصين في مصر ذوي الشهرة العالمية ، والمكانة الطبية المرموقة ، فطلب منهم أن يدعموه في رسالته الإنسانية بتقاريرهم الموضحة للآثار الضارة والخطيرة المترتبة على التدخين من : سرطان ، وتصلب في الشرايين ، وأمراض صدرية ، وغير ذلك من الأمراض الفتاكة ..
وإيمانا من المكتب الإقليمي لشرق البحر المتوسط بالدور الكبير لتعاليم الدين في التأثير على النفوس ، وتهيئتها لحسن الاستجابة والقبول ؛ فإنه قد اتجه في رسالته الإنسانية السامية إلى دعم نشاطه ودوره في مواجهة التدخين وتحديد مضاره ؛ بآراء نخبة من كبار علماء الدين.. حيث استعان بآرائهم من الوجهة الدينية في حكم التدخين.. أو رأي الإسلام فيه، وموقف الدين منه وهو بذلك ا قد نهج منهجا قويما، وسلك مسلكا تربويا سليما، يمكن أن يكون له تأثير واضحا وفعال في محاربة التدخين، والقضاء عليه..
وما نحن بصدد تناوله بعد هذه المقدمة إنما هو خلاصة ما قدمته هذه النخبة من كبار علماء الدين، ونأمل أن تكلل هذه الجهود بالنجاح.. والله الموفق وا لمستعان،
ظاهرة التدخين متى بدأت، وكيف انتشرت
يبدو أن سكان المكسيك هم أول من عرف التتن، وأن معرفتهم به تربو على خمسمائة وألفي عام.. وأن " خريستوفر كولومبس " حين اكتشف أمريكا وجد سكانها يدخنون التبغ عام 1942.. وأن نبات التبغ نقله إلى أسبانيا أحد الرحالة المستكشفين عند عودته إلى بلاده من المكسيك في عهد الملك " فيليب الثاني ".. وأن " جان نييكو " سفير فرنسا في البرتغال هو الذي نقل بذوره من البرتغال إلى بلاده: فرنسا.. وأن التدخين قد شاع وانتشر في أوروبا مع أواخر القرن السادس عشر الميلادي..
ومن أوروبا تسرب التبغ إلى كل من إفريقيا وآسيا.. حيث نقله إلى المغرب العربي رجل من اليهود في أواخر القرن العاشر الهجري، كما نقله أحد المسيحيين إلى تركيا من إنجلترا، وتسرب إلى مصر والحجاز وسائر الأقطار من وسط إفريقيا على يد بعض من المجوس.
موقف العالم القديم من الدخان والتدخين
قاوم كثير من أهل أوروبا ظاهرة التدخين التي تسربت إليهم من أمريكا، وواجهوا نقل بذور الدخان إلى بلادهم بأساليب متعددة.. حيث وقف بعض الملوك منه مواقف حاسمة، ونقر منه رجال الدين، وألفوا فيه رسالة بعنوان " المسكرات الجافة ".. وقام " جيمس الأول " بوضع كتاب في أضرار الدخان الصحية.. ووضعت روسيا عقوبة على البائعين والمشترين له، وكانت عقوبة المدخن: كسر أنفه، أو نفيه إلى سيبريا.. وصدرت قوانين تحرمه ني بعض البلاد خلال القرن السابع عشر الميلادي.. وفي العالم الإسلامي.. ذكر الأستاذ حسين مجيب المصري في كتابه:
فارسيات وتركيات " أن السلطان العثماني مراد الرابع قد اضطهد المدخنين، وتجسس على مجالسهم، وكان يعاقب من يدخن بالاعدام، وعند حربه مع إيران كان يقتل من يضبطه مدخنا سواء أكان من جنوده أم من أسرى فارس. وأن الشاه عباس الأول (1629 م) كان يعاقب المدخن بثقب أنفه، ووضع عود فيه، وخلفه من بعده ولده الشاه " صفي " الذي كان يصب الرصاص في أفواه المدخنين..
آراء العلماء السابقين في التدخين
لما لم يكن للعرب أو المسلمين عهد بالتدخين إبان نزول الرسالة الإسلامية وما تلا ذلك من أحقاب، حتى تسربت إليهم ظاهرة التدخين في أواخر القرن العا شر الهجري وأوائل القرن الحادي عشر فإنه لم يختص بحكم قاطع، ولم ينزل بشأنه دليل مباشر يحدد حكمه الشرعي.. ومن هنا كان من واجب الفقهاء الذين عاصروا انتشاره أن يجتهدوا في تبيان رأي الدين فيه.. ولكن نظرا ليعدم ورود نص صريح ومباشر يضعه في حيز واحد من الأحكام الشرعية الخمسة:
أ الوجوب- الحرمة- الكراهية- الندب- الإباحة،.. فإن آراء هؤلاء الفقهاء لم تكن متفقة في الحكم، وإنما جاءت متراوحة بين هذه الأحكام، وذهب بعضهم إلى ان التدخين حرام، وبعضهم إلى أنه مكروه، وبعضهم إلى انه مباح، وبعضهم توقف عن الحكم فيه بسبب تفاوت أضراره وآثاره الصحية والمالية من شخص لآخر ومن الفقهاء الذين صرحوا أو ألمحوا إلى أن التدخين حرام، أو وضعوه في دائرة الكراهية التحريمية هؤلاء:
من فقهاءالأحناف:
الشيخ الشرنبلالي، والشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ المسيرى، والشيخ العمادي ، والشيخ محمد علاء الدين الحصكفي، والشيخ رجب بن أحمد، والشيخ محمد بن الصديق الزبيدى، والشيخ محمد بن سعد الدين، والشيخ محمد عبد العظيم المكي، والشيخ محمد عبد الباقي المكي، والشيخ محمد السندي والشيخ محمد العيني، والشيخ أبو الحسن المصري.
ومن فقهاء الشافعية:
الشيخ شهـاب الدين اللقاني، والشيخ النجم الغزي، والشيخ سليمان البجيرمي ، والشيخ عمر بن عبد الرحمن الحسيني، والشيخ إبراهيم بن جمعان، والشيخ عامر.
ومن فقهاءالمالكية:
الشيخ إبراهيم اللقاني، والشيخ سالم السنورى، والشيغ خالد السويدي، والشيخ محمد بن فتح الله بن علي المغربي، والشيخ أبو غيث القشاش المغربي ، والشيخ خالد بن محمد عبد الله الجعفري..
ومن فقهاء الحنابلة:
الشيخ مصطفي الرحيباني، والشيخ محمد الحنبلي، والشيخ منصور البهوتي، والشبغ أحمد السنهوري، والشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
آراء وفتاوى مماثلة لفقهاء معاصرين:
هذا.. وقد صدرت فتاوى من فقهاء معاصرين تتفق مع آراء هؤلاء الساقين..
ومن ذلك: الفتوى الصادرة عن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، والتي نشرتها مجلة التصوف الإسلامي في عددها الصادر عن شهر محرم 1405الموافق أكتوبر 1984، والتي جاء فيها ما يلي : ".... شرب الدخان ثبت يقينا من أهل المعرفة والاختصاص والمؤتمرات الطبية العالمية ضرره بالصحة، لما يسببه من سرطان الرئة، والحنجرة، والأضرار بالشرايين..كما أنه ضار بالمال لإنفاقه فيما لا يعود والمخدرات، والذي عقد بالمدينة المنورة في الفترة من 27- 30 من جمادى الأولى 1402 (22- 25 مارس 1982 م) بتحريم استعمال التبغ، وزراعته، والاتجار به...
وجاء في فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، المفتى الأكبر السابق في المملكة العربية السعودية: "... لا ريب في خبث الدخان، ونتنه، وإسكاره أحيانا وتفتيره.. وتحريمه بالنقل الصحيح، والعقل الصريح، وكلام الأطباء المعتبرين...".
حجة الفقهاء القائلين بالتحريم أو الكراهية التحريمية
استند الفقهاء بتحريم التدخين، والقائلون بكراهته كراهة تحريمية على أسباب وأدلة نسوق منها ما يلي:
أهل الذكر من الأطباء والباحثين في علم الطب أكدوا ضرره، وكل ما يثبت ضرره فهو حرام.
أن الدخان مفتر، وهو بهذا يشمله نهي النبي صلي الله عليه وسلم كالمسكر.. لحديث أم سلمة- رضى الله تبارك وتعالى عنها: " نهى النبي صلي الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر"...
رائحة الدخان كريهة، ويتأذى منها غير المدخنين، بل وتتأذى منها الملائكة ا المكرمون، والإسلام قد نهى عن الإيذاء للغير بالكريه من الروائح، فجاء في الصحيحين عن جابر- رضى الله تبارك وتعالى عنه مرفوعا : " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته ".. ورائحة الدخان لا تقل كراهية وإيذاء عن رائحة الثوم والبصل، وفي النهى عن إيذاء الملائكة، ثبت في الصحيحين أيضا، عن جابر- رضى الله عنه- أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: " إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس " وفي النهى عن إيذاء الانسان المسلم عموما ، ورد في رواية الطبراني في الأوسط، عن أنس- رضى الله عنه- بإسناد حسن.. تال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " من آذى مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ..
لاشك أن المال الذي ينفق في التدخين يدخل في دائرة السرف لأنه إنفاق ليس فيه نفع مباح خال من الضرر... بل فيه ضرر محقق بأخبار أهل الخبرة.. والسرف منهي عنه شرعا...
قال الله تعالى عن نبيه صلي الله عليه وسلم : (ويحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث ) (الأعراف 157)... والدخان من الخبائث...
أن الله تبارك وتعالى قال: (ولا تقتلوا أنفسكم) (النساء29) وقال: (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ) (البقرة 195) وفي التدخين تهلكة وقتل للنفس...
الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد حسن: " لا ضرر ولا ضرار " وما دام في التدخين ضرر فهو حرام.
آراء المبيحين للتدخين في الميزان
لاشك أن آراء الفقهاء الذين أباحوا التدخين، قد سبقت نتائج الأبحاث الطبية، والدراسات الصحية، التي أثبتت وأكدت ضرر التدخين من الناحية الصحية، وأنه ليس مجرد ضرر عادي، وإنما ضرر يغتال الانسان، ويحطم بنيانه، ويستعصي علاجه، ويؤدي إلى الهلاك.. وكان رأيهم له وجاهته قبل ذلك، حيث لم يقفوا على سبب واضح أو دليل قوي للحكم بالتحريم.. أما الآن وبعد أن ثبت الضرر وتأكد بالتجارب والبراهين، فإنه لم يعد لهذا الرأي أدنى وجاهة، ولا أقل قبول، وأصبح مناط الإباحة غير موجود، ومادام الضرر قد ثبت وتحقق ، فقد أصبح لزاما أن يتجاوز الحكم حد الإباحة..
ولهذا.. فإن آراء النخبة المختارة من الفقهاء الذين استكتبهم المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق البحر المتوسط، كانت أشبه بالاتفاق على التحريم أو الكراهة التحريمية على الأقل، وسبب ذلك أن المكتـب الإقليمي لشرق البحر المتوسط قد وضع بين أيديهم- قبل أن يقولوا رأيهم- التقارير، ونتائج الأبحاث والدراسات، ورأي خبراء الطب من ذوي المؤهلات المتخصصة، والكفاءات النادرة.. فكان الحكم أو الرأي في النهاية متفقا أو شبه متفق، لأنه قائم على أساس واضح، ونتائج ثابتة، مبني على دراسات وأبحاث مستفيضة…
أضرار التدخين من خلال تقارير وآراء خبراء الطب
يقول الأستاذ الدكتور عبد العزيز سامي أستاذ الأمراض الصدرية، وعميد كلية الطب الأسبق بجامعة القاهرة:
" إن الأخطار الصحية للتدخين أصبحت من الوضوح والتحديد بدرجة لم يعد معها أى شك، وسنعرض فيما يلي ما تدل الإحصاءات على أن نسبة الوفاة قبل سن الخامسة والستين تبلغ ضعفها في المدخنين، وإلى أن التغيب عن العمل ثلاثة أمثاله في المدخنين عنه في غير المدخنين، وأن نسبة سرطان الرئة من 70 إلى 90 مثلا في المدخنين بالقياس لغيرهم، ونسبة انتشار النزلات الشعبية الرئوية ستة أمثالها في المدخنين بالنسبة لغير بأمراض القلب يموتون بسبب التدخين، وأن للتدخين علاقة وثيقة بقرحة المعدة، والأثنى عشر، وأمراض الدورة الدموية الطرفية، وأن سن اليأس تتقدم في المدخنات، وأن وفاة الجنين، والتشوهات الخلقية، والولادة المبكرة أكثر في المدخنات منها في غير المدخنات، وأن مخالطي المدخنين خاصة في الأماكن القليلة التهوية- يتعرضوا للتأثيرات الضارة التي يتعرض لها المدخنون أنفسهم، وقد قرر أن ما يستنشقه المخالط لى تحت هذه الظروف يمكن أن يعادل تدخين سيجارة في الساعة.. ".
ويقول الأستاذ الدكتور إسماعيل السباعي عضو مجلس إدارة الاتحاد العالمي للسرطان:
ويقول : "تعتبر الأمراض التي تترتب على التدخين أهم وأخطر المسببات الأكيدة المعروفة
لوفاة الإنسان في وقتنا الحالي.. فأمراض الأوعية الدموية، والقلب، والمخ تمثل 50% والسرطان يكون 30% من مجموع الوفيات في أي دولة متقدمة.. والتدخين من أهم العوامل التي تؤدي إلى هذه الأمراض إلى جانب أمراض واضطرابات أخرى عديدة كثيرا ما تؤدي أيضا إلى وفاة الإنسان، مثل: أمراض الرئتين.. "
ويقول الأستاذ الدكتور شريف عمر أستاذ جراحة السرطان بجامعة القاهرة:
" إن للتدخين أضرارا أكيدة على الصحة ، إذ يسبب حدوث السرطان، وكذا أمراض القلب، وغيرهما من الأمراض.
ومن تلك ا الأمراض: سرطان الرئة، وسرطان الحنجرة، وسرطان الفم، وسرطان المريء، وسرطان المثانة، وسرطان الكلية، وسرطان البنكرياس، وأمراض القلب الأوعية الدموية: كالجلطة، وتصلب الشرايين التاجية والطرفية، وأمراض الرئتين.
وللتدخين أضرار خاصة بالسيدات: إذ يؤدي إلى نقص نمو جنين الحامل المدخنة ونقص وزنه، كما يعرضه للعيوب والتشوهات الخلقية، وترتفع نسبة الوفاة في أجنة المدخنات قبل الولادة وأثناءها بمقدار 28% عنها في أجنة غير المدخنات، ويبكر التدخين بسن اليأس بين المدخنات..
وللتدخين تأثير مباشر على الجنين.. وتنتقل أضراره من دم الأم إلى الجنين عن طريق الحبل السري، ويمتد هذا التأثير إلى ما بعد الولادة حتى سن الحادية عشرة ". وقد أقر ووافق على تقرير الأستاذ الدكتور شريف عمر الذي تضمن ما سبق كل من الأستاذين: الدكتور إسماعيل السباعي، و الدكتور عبد الباسط الأعصر، أستاذ ورئيس قسم بيولوجيا السرطان بمعهد الأورام القومي.
ويقول الأستاذ الدكتور محمود محمد المرزباني، أستاذ كيمياء العقاقير والعلاج التجريبي للسرطان بمعهد الأورام القومي بجامعة القاهرة:
ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن التدخين يسبب العديد من الأمراض، أهمها: أمراض الجهاز التنفسى، والقلب، وتصلب الشرايين.. كما أنه من أهم العوامل التى تساعد على تكوين سرطان الرئة، والبلعوم، والبنكرياس، والمثانة.. وثبت أيضا أن أضرار التدخين لا تقع فقط على المدخن. بل تقع على المحيطين به " ويقول الأستاذ الدكتور محمد على البار، عضو الكلية الملكية للأطباء:
لا جدال في ضرر التدخين.. بل إن تأثير التدخين السيء على الصحة يعتبر الآن أشد من أخطار الطاعون والكوليرا والجدري والسل والجذام مجتمعة .
إن آثار التدخين الضارة على الصحة تبدو مريعة مخيفة إذا أدركنا أن ملايين البشر يلاقون حتفهم في كل عام نتيجة إدمان التدخين.. كما أن عشرات الملايين يعانون من أمراض وبيلة تجعل حياتهم سلسلة متصلة من العناء والشقاء .. وكل ذلك بسبب التدخين..
وأهم الأمراض التي تصيب ا!لمدخنين:
أ- الجهاز التنفسي:
كسرطان الرئة، وسرطان الحنجرة، والالتهاب الشعبي (القصبي) المزمن والامفيزيما (ا نتفاخ الرئة ) ..
ب - القلب والجهاز الدوري (جهاز الدوران):
كجلطات القلب، وموت الفجاءة، وجلطات الأوعية الدموية وما ينتج عنها من شلل، واضطرابات الدورة الدموية في الأطراف وجلطاتها..
ج- الجهاز الهضمي:
كسرطان الشفة، وسرطان الفم والبلعوم، وسرطان المريء، وقرحة المعدة والاثنى عشر، وسرطان البنكرياس..
د- الجهاز البولي :
كأورام المثانة الحميدة، وسرطان المثانة، وسرطان الكلى.
هـ المرأة الحامل والطفل:
ككثرة الإجهاض، وقلة موازين الأولاد، وزيادة وفيات المواليد، وزيادة الأجنة الميتة، وزيادة الالتهابات الرئوية لدى الأطفال الرضع..
- و- أمراض نادرة:
كالتهاب العصب البصري، والعمى.، وزيادة أمراض الحساسية مثل: الربو ، والشعبي (الارتكاريا) والتهابات الجلد.. وأمراض الأنف والأذن والحنجرة، ومضاعفة أخطار ضغط الدم، والبول السكري، وارتفاع الكوليسترول.، والسمنة المفرطة.. "
ثم أضاف الدكتور البار: " أنه وجد أن خمسة وتسعين بالمئة من مرضى شرايين الساقين هم من المدخنين، وخمسة بالمئة فقط من غير المدخنين، وبهذا يكاد يكون المرض مقتصرا على المدخنين فقط...
كما أنه وجد أن المدخنين يواجهون خطر سرطان الفم والمريء والبلعوم والحنجرة بعشرة أضعاف ما يحتمل حدوثه بين غير المدخنين.. وأن الوفيات الناتجة عن التدخين هي أكثر بكثير من الوفيات للأمراض الوبائية مجتمعة.. وأنه من بين كل ثلاثة مدخنين يلاقي واحد منهم حتفه نتيجة للتدخين.. "
رأي علماء الدين المعاصرين
في ضوء رأي الأطباء وتقارير الخبراء الباحثين كما سبق أن أشرنا.: فإن المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية " لشرق البحر المتوسط " قد قام- !خيرا بإمداد نخبة العلماء الأفاضل الذين استطلع رأيهم إمام التقارير ونتائج أبحاث الخبراء المتخصصين، وآراء الأطباء البارعين ، ليضع العلماء أمام مسئوليتهم بعد أن وفر لهم كل ما يلزمهم من إثباتات وحجج يقينية، تجنبهم مظنة الأضرار، وتؤكد لهم ثبوته وتحدد لهم أبعاده وأخطاره.. وبذلك فقد أتيح لهذه النخبة من أفاضل العلماء ما لم يتح لغيرهم من السلف والخلف، أو من المعاصرين وغير المعاصرين، من الوقوف على ثبوت ضرر التدخين، وتجديد الأخطار التي تنجم عنه، بما لا يدع مجالا لشك أو ارتياب، فكانت آراؤهم مبنية على أسس متينة، وركائز قوية، وحجج ثابتة، ونتائج يقينية.. ومن هنا.. فقد اتفق حكمهم، وتلاقت آراؤهم، ولم تخرج عن دائرة التحريم.. أو الكراهة التحريمية- على أقل تقدير- وهي أقرب الأحكام إلى التحريم.. وإن كان قد خالفهم في رأيهم علماء سابقون أو لاحقون، فإن لهؤلاء العلماء السابقين أو اللاحقين عذرهم، إذ لم يكن قد تبين لهم بعد وتأكد، ما تبين لهذه النخبة وتأكد.. فكان الضرر- على حد علمهم- ظنيا وليس يقينا، ومن هنا كان الحكم أو الرأي عند بعضهم متوائما على ما انتهى إليه علمه من أضرار التدخين.
وعلى هذا.. فقد بنى هؤلاء النخبة من العلماء رأيهم مرتكزا على الأسباب التالية:
أولا: ثبوت إضرار التدخين بصحة الإنسان إضرارا بالغا يؤدي به إلى الهلاك، وتعريض الإنسان نفسه للهلاك منهي عنه شرعا، مصداقا لقول الحق جل علاه: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (النساء21) كما أن ديننا الحنيف قد نهى عن الأضرار بالنفس نهيه عن الأضرار بالغير بدون حق، وجاء في هدي نبينا الأكرم، ورسولنا الأعظم صلي الله عليه وسلم قوله في حديثه الشريف: " لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجة والدارقطني وغيره مسندا، ورواه الإمام مالك مرسلا، وله طرق يقوى بعضها بعضا،..
ثانيا: تحقق صفة السرف والتبذير والإتلاف والإضاعة على المال الذي ينفق في التدخين، وكل هذه الأمور منهي عنها شرعا، فقد جاء في الذكر الحكيم قول رب العالمين: (.. ولا تسرفوا انه لا يحب المرسلين ) (من الآيتين: 141 من سورة الأنعام، 31 من سورة الأعراف)... وقوله- جل شأنه - (.. ولا تبذر تبذيرا ان المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان بربه كفورا) (من الآية 26 والآية 27 من سورة الإسراء).. كما جاء في الهدي النبوي الشريف ما روي عن المغيرة بن شعبة - رضى الله تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات، وواد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال "... كما أخبرنا الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم أن العبد سيسأل يوم القيامة- فيما يسأل- عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟
ثالثا: نتن رائحة الدخان عند ذوي الطباع السليمة؟ يجعله داخلا في إطار الخبائث، ورأي الدين واضح في كل الخبائث، حيث أعلنه قول ربنا عز وجل: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث )... (من الآية 157 من سورة الأعراف)..
والله أعلم.
منقول
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
الانتقال السريع
|
|
|
عدد الزوار 1454 / عدد الاعضاء 62 |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|