للاسف لم يرفق الملف
تعديلات قانون الطفل المصري.. رؤية فقهية
صبحي مجاهد صحفي مصري
أثارت تعديلات قانون الطفل التي أعلنها المجلس القومي المصري للطفولة والأمومة جدلا واسعا في الأوساط الفقهية؛ لتحديد مدى موافقتها للشريعة الإسلامية ؛ ففي الوقت الذي أبدى فيه عدد من العلماء عدم اعتراض على كثير من التعديلات المطروحة؛ كرفع سن توثيق عقود الزواج ، قوبلت تعديلات أخرى بشيء من التحفظ ، وتحديدا ما يتعلق بتسجيل الطفل المولود خارج إطار الزوجية ، وحق الطفل في التعبير عن الرأي .
كانت أبرز تعديلات القانون قد تمثل في :
* "عدم جواز توثيق عقد زواج لأقل من ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة لكلا الجنسين، ووجوب الفحص الطبي للراغبين في الزواج".
* كذلك تضمنت تجريم ختان الطفلة كصورة من صور العنف والإيذاء،
* وامتناع المسئولية الجنائية عن الطفل الذي لم يتجاوز من العمر ١٢ سنة،
* وكذلك حظر العمالة على الطفل أقل من 15 سنة،
كما تمت إضافة نص لضمان تسجيل المواليد تبعا للإقرار بالبنوة، وهو حق شرعي للمولود المقر ببنوته.
السفيرة مشيرة خطاب، الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة، ألمحت إلى أن المجلس قام بعمل تعديل لأكثر من 60 مادة في قانون الطفل، من أجل تحقيق عدالة حقيقية له. منها: أن يكون للطفل حق التعبير عن آرائه بحرية في جميع القضايا المتعلقة به من أجل تعويده على المشاركة والديمقراطية.
وأضافت أن هذه التعديلات تستهدف في المقام الأول تجميع كافة القوانين والتشريعات الخاصة بالطفولة في قانون واحد، وتعديل بعض المواد في قانون الطفل المصري لتتلاءم مع طبيعة المرحلة التي نعيشها، بالإضافة إلى استحداث فصول جديدة تتفق مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر مؤخرا، ومن أهمها منع الاتجار بالأطفال واستغلالهم جنسيا أو نقل أعضائهم، مع وضع عقوبات رادعة تصل إلى الحبس 5 سنوات وغرامة 200 ألف.
وأشارت إلى أن التعديلات شملت عدم جواز توثيق عقد الزواج لأقل من ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، وأوضحت أن المجلس طلب رأي مفتي مصر في هذه المادة فأجازها.
وألمحت مشيرة إلى أن سبب تلك المادة هو أن مجلس الطفولة وجد أن هناك تمييزا في أمر الزواج بين الشاب والفتاة، فكانت الرؤية أن تكون هناك مساواة بينهما وهو سن الثامنة عشرة.
وأوضحت أن سن الطفل في الاتفاقية الدولية للطفل الموقعة عليها مصر تؤكد أن الطفل هو من لم يتجاوز 18 سنة، وإن سمحنا بالزواج في سن أقل فإننا نسمح بزواج الأطفال، ورفع سن الزواج جعلنا نطالب بالالتزام بالفحص قبل الزواج.
وعن المادة 20 التي تنص على أنه يحق للطفل المولود خارج إطار الزوجية التسجيل بسجلات المواليد منسوبا لمن يقر من والديه بالبنوة قالت مشيرة خطاب: "إننا كنا في الماضي نسمح للقطاء بأن تكون لهم شهادة ميلاد، فما بالنا بمن عرف آباؤهم، فمن حق الأم إذا كانت تعرف أبا الطفل أن تلجأ للوسائل الطبية القانونية من أجل أن يعترف بنسب الطفل".
ردودٌ شرعية
وعن وجهة النظر الشرعية يرى الدكتور سعد الدين مسعد الهلالي أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون أن كثيرا من التعديلات المطروحة في قانون الطفل المصري لا تخالف الشريعة في كثير منها.
ويوضح أنه بالنسبة لاستحداث مادة تنص على عدم جواز توثيق عقد زواج لأقل من ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، فإن المرجع الشرعي لها أن مسألة التوثيق مسألة مدنية ترجع إلى النظام المدني المتبع في الدولة، فيخضع لتعليمات ولي الأمر.
ويستطرد قائلا: "طالما كان نظام توثيق عقد الزواج من المصالح المرسلة التي يحتاجها الناس في تنظيم حياتهم الاجتماعية كان الالتزام بها واجبا؛ لأنه حق لولي الأمر، وتقييد هذا الحق ببلوغ سن الـ 18 هو مسألة تنظيمية يهدف من ورائها واضعو القانون إلى منع أولياء الأمور من الإقدام على زواج الصغار إلا ببلوغ هذه السن".
ويرفض الهلالي أن يقال إن هذه المادة تحرم القادر على الزواج دون هذه السن من الزواج، كما يرفض القول بأن هذه المادة تسبب نشر الفاحشة بسبب تعجل الصغار بممارسة الجنس وعدم تمكنهم من الزواج؛ لأننا نقول إن الزواج غير محظور في هذه السن ولكن المحظور فقط هو التوثيق.
أما فيما يتعلق بوضع مادة في قانون الطفل تتيح له حق التعبير عن آرائه بحرية في جميع القضايا المتعلقة به، فيرى أن هذا النص يعطي الصغير الحق في التعبير فقط، ولا يعطي له الحق في إقرار مصيره في القضايا المتعلقة به، فإذا ما فهمنا هذا التمييز لا نجد مخالفة ولا خوفا من هذه المادة.
أما المادة 20 والتي تنص على "أنه يحق للطفل المولود خارج إطار الزوجية التسجيل بسجلات المواليد منسوبا لمن يقر من والديه بالبنوة" فيقول سعد الدين: "هذه مادة تحمي المواليد؛ بإعطائهم الحق في التسجيل باسم من يقر لهم بالأبوة في حال عدم النزاع في الإقرار دون النظر إلى اشتراط إثبات الزوجية عند التسجيل".
وأضاف أن الفقهاء أجمعوا على مشروعية الإقرار بالبنوة لمجهولي النسب وفقا لضوابط الإقرار دون النظر إلى اشتراط صفة الزوجية للمقر، بل لا يشترط في الإقرار في البنوة أن يقول المقر إنه ابني من زوجتي فلانة، بل يقبل الإقرار دون استفصال من المقر بالإجماع، طالما كان الصغير في حكم ابنه عقلا.
أما مادة امتناع المسئولية الجنائية عن الطفل الذي لم يتجاوز من العمر ١٢ سنة، فيؤكد الدكتور الهلالي أنها تتفق مع إجماع الفقهاء؛ لأن من لم يبلغ سن الثانية عشرة غير بالغ بالإجماع، وغير البالغ لا يتحمل أدنى مسئولية جنائية إلا فيما يتعلق بالحقوق الآدمية المالية.
ويلفت إلى أن هذه المادة قد تثير إشكالية استعمال الصغار في ارتكاب الجرائم للتهرب من المسئولية الجنائية، ولكن هذه الإشكالية مردودة بما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن الصغير لو كان موجها من الكبير كانت المسئولية على الكبير وتقام عليه العقوبة الجنائية؛ لأنه جعل الصغير آلة في يده فكأن الصغير في حكم الآلة في يد الكبير الذي وجهه وفقا لعلاقة السببية أو التبعية وهي تحمل المتبوع مسئولية تابعه.
حرية مرفوضة
الدكتور محمد دسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم يرى أن مسألة فرض تعديل قانوني لمنع توثيق عقود الزواج لمن هم أقل من 18 عاما أمر يتفق مع محاولة تحقيق الالتزام بهذه السن عند الزواج حتى لا تحدث مخالفات من بعض الفتيان والفتيات فيما يسمى بالزواج العرفي الذي له آثار خطيرة بالنسبة للمجتمع.
ويضيف أنه من المعروف فقهيا أن ولي الأمر إذا أصدر قرارا فيه مصلحة للأمة يعتبر تطبيقه جزءا من الأحكام الشرعية لأنه إذا تحققت المصلحة فثم شرع الله ولا شك في أن تحديد سن الزواج يراعي مصلحة الرجل والمرأة.
ويشدد الدكتور الدسوقي على أن الزواج مسئولية ولا يكون إلا بكون الرجل أو المرأة أهلا لهذا الزواج، ولذلك فيرى أن زواج الصغار باطل ولا يجوز، وإن كان بعض الفقهاء في الماضي أفتوا بإباحته.
ويشير إلى أن وضع تعديل قانوني يكفل حرية التعبير المطلقة للطفل أمر مرفوض، ويوضح أن الطفل في مرحلة من العمر لا يستطيع أن تكون له قدرة على التعبير بما فيه مصلحته، وبالتالي فإن التشريع الإسلامي يجعل حضانة الطفل للأم إلى سن معينة ثم ينتقل إلى الأب ليتعلم منه كيف يواجه الحياة.
ويلفت الدكتور دسوقي إلى أن الخوف من هذا التعديل يتمثل في صور كثيرة منها أن الطفل بحكم نشأته مع أمه تنشأ فيه العاطفة فيفضل البقاء مع أمه، وينفق الأب عليه وهذا ما يؤدي إلى ضياع الطفل وعدم تدريبه على ممارسة حياة الرجولة بصورة طبيعية، ولذا فإن منح الطفل هذا الحق مطلقا لا يجوز.
ويعترض الدكتور محمد الدسوقي على إقحام مادة تعطي الطفل المولود خارج إطار الزوجية التسجيل بسجلات المواليد منسوبا لمن يقر من والديه بالبنوة، ويعلل سبب اعتراضه بأن البنوة مرتبطة بالزواج الشرعي، والعلاقة غير الشرعية لا تثبت بها بنوة، وذلك حتى نسد الطريق أمام الانحرافات في العلاقات بين الرجل والمرأة.
ويلمح إلى أنه لو فرض أن امرأة زنت وأنجبت وأقرت أن هذا الطفل منها فإنه ينسب إليها استنادا إلى هذه المادة، لأنه يندر دائما أن يعترف الرجل بعلاقته الآثمة، وهو مخالف للآية: "ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ"(الأحزاب/5).
ويحذر الدكتور دسوقي من أن فتح هذا الباب سيكون تقليدا لما هو في الغرب، وهو أمر خطير، كما أنه يعطي العلاقة الآثمة حقا مشروعا.
وأشار إلى أنه بالرغم من أن المواليد من العلاقات المحرمة يتحمل آثارها الأطفال فهذا لا يعني تجاوز أحكام الله وإعطاء الطفل حق الانتساب إلى أمه التي أنجبته من علاقة غير شرعية.
ويؤكد أن علاج حقوق اللقطاء لا يكون بمثل هذا القانون وإنما بمحاربة الرذيلة وتيسير سبل الزواج المشروع حتى يظل المجتمع الإسلامي بصبغته.
ويعتبر أن إضافة مادة بامتناع المسئولية الجنائية عن الطفل الذي لم يتجاوز من العمر ١٢ سنة يتفق مع الشريعة التي تسقط عنه المسئولية الجنائية ولكن لا تسقط عنه المسئولية المدنية، بمعنى لو أنه قتل إنسانا فإننا لا نسجن هذا الطفل وإنما علينا دفع دية المقتول من مال الطفل.
ويؤيد الدكتور دسوقي مسألة حظر عمالة الطفل أقل من 15 سنة، واعتبره أمرا يتفق مع طبيعة الطفولة التي ينبغي أن تتجه في هذه المرحلة إلى أن تنال حظا من الدراسة والتعليم.
تحصيل حاصل
الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بجامعة الإسكندرية يشير إلى أن معظم المواد القانونية التي تم تعديلها في قانون الطفل المصري هي مجرد تحصيل حاصل.
وأشار إلى أن إضافة مادة عدم جواز توثيق عقد زواج لأقل من ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة هي مجرد تعديل بسيط لنص القانون الحالي، وهو أنه لا يجوز التوثيق في الزواج للزوجة أقل من 16 سنة، وللزوج أقل من 18 ؛ فكان التعديل للمساواة ولا يغير كثيرا من الواقع.
ويضيف أن عدم التوثيق ليس متعلقا بالحل والحرمة وإنما متعلق بسماع الدعوى أمام القضاء؛ لأنه لفساد الزمان فسيحدث شر كبير إذا ما تم الاعتماد على الشهود فقط لإقرار الزواج.
ويشير إلى أن إضافة مادة بأن يكون للطفل حق التعبير عن آرائه بحرية في جميع القضايا المتعلقة به فإنه حق مطلق بنص القانون ولكنه مقيد بنصوص الدستور التي تؤكد أنه لا يجوز التعبير عن حرية الرأي إن كانت مخالفة للعقائد والحرية العامة.
أما المادة 20 التي تنص على أنه يحق للطفل المولود خارج إطار الزوجية التسجيل بسجلات المواليد منسوبا لمن يقر من والديه بالبنوة أكد الدكتور إمام أن هذا النص لا يمكن تمريره لسبب بسيط هو أن الطفل المولود خارج إطار عقد الزوجية ينسب لأمه من خلال الولادة الطبيعية قولا واحدا، وتظل المشكلة في نسبته إلى أبيه فلا يثبت له النسب لأبيه إلا إذا أقر الأب دون الإشارة إلى أنه دون علاقة غير شرعية.
ويرى أن امتناع المسئولية الجنائية عن الطفل الذي لم يتجاوز من العمر ١٢ سنة ليس فيه شيء شرعا لأن الأحناف لا يعتبرون الشخص بالغا إلا في سن 15، وليست هناك مشكلة في هذا النص.
ويشير إمام إلى ضرورة وجود مادة في قانون الطفل لحظر تشغيل الأطفال قبل سن الخامسة عشرة، مؤكدا في ذات الوقت على ضرورة توفير مورد رزق للطفل وألا يكون منعه عن العمل هو سبب في منعه من الأكل لأنه ليس له مورد رزق، وعليه فلا بد من أن تتكامل المنظومة في هذا السياق.
|