الجريمة عدوان على المجتمع ينشأ عنها حق عام ووسيلته الدعوى الجزائية العامة ، وحق خاص للمجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده وغيرهم ممن ينشأ لهم حق خاص نتيجة الجريمة المرتكبة ، وهذه الحقوق الخاصة أو المدنية مترتبة على الجريمة إلا أنها تختلف عن الدعوى الجزائية التي تهدف إلى توقيع الجزاء على الجاني .
والأصل أن دعاوى الحقوق الخاصة ترفع أمام المحكمة المختصة لنظر الدعوى المدنية (أو الخاصة ) تطبيقاً لقواعد الاختصاص وفقاً لإجراءات محددة يحكمها نظام المرافعات الشرعية غير أن هذه الدعاوى الخاصة عندما كانت ناتجة من جرائم جنائية جاز رفعها إلى المحاكم الجنائية (الجزائية مستقبلاً إن شاء الله ) تبعاً للدعوى الجزائية وهذا سبب إيراد الدعوى المدنية (الحق الخاص ) في نظام الإجراءات الجزائية رغم أن مكانها الطبيعي هو نظام المرافعات الشرعية ووفقه المعاملات (كقانون مدني ).
وقد نظم نظام الإجراءات الجزائية وسيلتين لممارسة المجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده الحق في رفع الدعوى الجزائية الخاصة بناء على شكوى :
نصت المادة السابعة عشرة من نظام الإجراءات الجزائية على :
للمجني عليه أو من ينوب عنه، ولوارثه من بعده، حق رفع الدعوى الجزائية في جميع القضايا التي يتعلق بها حق خاص، ومباشرة هذه الدعوى أمام المحكمة المختصة ، وعلى المحكمة في هذه الحالة تبليغ المدعي العام بالحضور·
ونصت المادة المادة الثامنة عشرة من نظام الإجراءات الجزائية على :
لا يجوز إقامة الدعوى الجزائية أو إجراءات التحقيق في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد إلا بناءً على شكوى من المجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده إلى الجهة المختصة؛ إلا إذا رأت هيئة التحقيق والادعاء العام مصلحة عامة في رفع الدعوى والتحقيق في هذه الجرائم·
الوسيلة الأولى: (الادعاء المباشر أمام المحكمة المختصة )، الوسيلة الثانية:(لدى سلطة التحقيق هيئة التحقيق والادعاء العام ).
وقبل أن ندخل في صلب الموضوع لا بد أن نتدرج بشكل تصاعدي حتى يسهل علينا فهم أصل الموضوع ، مما يستلزم علينا تعريف مفهوم الشكوى وشروطها .
فالشكوى بلاغ يقدمه المجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده إلى الجهة المختصة لإبلاغهم بالجريمة والرغبة في اتخاذ الإجراءات الجزائية ضد المتهم ابتداء من التحقيق وانتهاء بالمحاكمة .
والشكوى حق مقرر للمجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده وحدهم دون غيرهم حتى ولو إصابة الجريمة غيرهم بالضرر ، لان هناك فرق بين المجني عليه والمضرور من الجريمة ، فالمجني عليه يحق له الشكوى ولو لم يتضرر من الجريمة بعكس المضرور من الجريمة لا يحق له الشكوى .
ويتضح لنا أن الشكوى تختلف عن البلاغ العادي الذي يقدمه أي شخص بإبلاغ الجهات المختصة بالجريمة فان كانت الجريمة من جرائم الحق الخاص فلا يحق للجهة المختصة قبول هذه الشكوى لأنها رفعت من غير ذي صفة.
وحق الشكوى ليس مقتصراً على المجني عليه وحده بل أجازها المنظم لنائبه ووارثه من بعده ، والنيابة إما أن تكون شرعية كنيابة الولي على القاصر وأما نيابة قضائية كنيابة الوصي على الموصي عليه وأما نيابة اتفاقية كنيابة الوكيل عن موكله .
والجهة المختصة بتلقي الشكوى، قد تكون المحكمة المختصة أو هيئة التحقيق والادعاء العام أو رجل الضبط الجنائي.
والغاية من الشكوى هي إفصاح المشتكي عن رغبته في محاكمة المتهم لان المجني عليه قد وقع عليه عدوان ومحله مادي أو معنوي فالأول ما يصيب النفس أو البدن أو المال ونحوها والثاني ما يصيب العرض أو الشرف أو الاعتبار ونحوها.
س/ هل يحق للمشتكي الذي أصابه ضرر من الجريمة التنازل ؟
الشرح:المادة (29) من نظام الإجراءات الجزائية :
تعد الشكوى المقدمة ممن أصابه ضرر بسبب الجريمة مطالبة بحقه الخاص، إلا إذا قرر صراحة أمام المحقق نزوله عن حقه·
وعلى المحقق إثبات ذلك في المحضر والإشهاد عليه، مع تصديق المحكمة المختصة على نزوله عن الحق في حد القذف والقصاص .
الشرح :
نحن نعلم أن الشكوى المقدمة ممن أصابه ضرر من الجريمة مطالبة بالحق الخاص . (وقد عرفنا سابقاً من هو المشتكي ) ونضيف عليه الذي أصابه ضرر بسبب الجريمة تعد شكواه مطالبة بحقه الخاص إلا إذا قرر صراحة نزوله عن حقه.
نلاحظ هنا المنظم يتكلم عن الحق الخاص لا حظ معي العبارات (......مطالبة بحقه الخاص ......إلا إذ قرر صراحة أمام المحقق نزوله.....عن ما ذا .....عن حقه ..ولم يقل الحق بل قال حقه ....فيفهم أنه يقصد الحق الخاص ).
فالمجني عليه دوره يقتصر على تحريك الدعوى والمطالبة بالحق الخاص ولا علاقة له بالحق العام فنعلم انه لا يتدخل في الوصف الجرمي في الحق العام ولا الحكم فيه ولا الطعن أو طلب تمييز الحكم في الحق العام وإن ترك دعواه أو تنازل عنها فلا تأثير على الحق العام مطلقاً بل تظل الدعوى قائمة في حدود هذا الحق حتى تبلغ غايتها الطبيعية لو صرح مراراً وتكراراً بالتنازل أو الترك ) راجع المادة (152) من نظام الإجراءات الجزائية :لا يكون لترك المدعي بالحق الخاص دعواه تأثير على الدعوى الجزائية العامة ·
المادة (153): إذا ترك المدعي بالحق الخاص دعواه المرفوعة أمام المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية فيجوز له مواصلة دعواه أمامها، ولا يجوز له أن يرفعها أمام محكمة أخرى·
لكن هناك جرائم محددة إن تنازل المجني عليه عن الدعوى فسوف يتناول الحقين معا العام والخاص ، فالتنازل عن الحق الخاص لأنه مرتبط بإرادة صاحبه إن شاء طلبه وان شاء تنازل عنه إما الحق العام فمرجعه إلى الدعوى التي لا تقوم في حالة الشكوى إلا على إرادة المجني عليه ووجود هذه الإرادة والتعبير عنها ليس شرط ابتداء لرفع الدعوى فقط ولكنه شرط بقاء ذلك فإذا تنازل المجني عليه عن شكواه بعد رفعها انهار الأساس الذي بنيت عليه الدعوى وهذا سر طلب تصديق المحكمة المختصة على نزوله عن الحق في حد القذف والقصاص .
حيث علمنا أن الحق الخاص الذي يطلبه من أصابه ضرر من الجريمة هو التعويض استنادا (154) من نظام الإجراءات الجزائية : إذا رفع من أصابه ضرر من الجريمة دعواه بطلب التعويض إلى محكمة مختصة ثم رفعت الدعوى الجزائية جاز له ترك دعواه أمام تلك المحكمة، وله رفعها إلى المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية·
ويشترط نظام الإجراءات الجزائية الفعل الموجب للتعويض أن يكون جريمة وسوف تظهر هذه المسألة جلياً عند تطبيق نظام القضاء الجديد بحيث لا يحق رفع دعوى طلب التعويض في المحكمة الجزائية إلا إذا كانت ناشئة عن جريمة من اختصاص المحكمة الجزائية .
والضرر هو كل أذى يصيب الشخص في حق من حقوقه أو في مصلحة مشروعة له وهو نوعان مادي وأدبي وهو بنوعية إن كان ناشئا عن جريمة فانه يصلح سببا لطلب التعويض أمام المحكمة الجزائية (مستقبلاً).
والضرر شرط جوهري لأنه موجب التعويض فلا يغني عنه شرط الجريمة فقد تقع الجريمة ولا ينشأ عنها ضرر فلا يكون لطلب التعويض محل ويشترط أن يكون الضرر محققاً وان هناك علاقة بين الجريمة والضرر بحيث أن يكون الضرر ناتجا من حدوث الجريمة .
والتعويض جبر للضرر وهو أما أن يكون عينياً كالرد أو بمقابل بحيث يكون المقابل مساويا لمقدار الضرر والتعويض الأدبي قد يكون نقدي وقد يكون إيقاع العقوبة على مشهد من الناس.
والمدعي بالحق الخاص هو كل شخص ألحقت به الجريمة ضررا سواء كان شخصا طبيعيا أو معنوياً حيث نصت المادة (68) من نظام الإجراءات الجزائية : لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يدعي بحقه الخاص في أثناء التحقيق في الدعوى، ويفصل المحقق في مدى قبول هذا الادعاء خلال ثلاثة أيام من تاريخ تقديم هذا الادعاء له، ولمن رفض طلبه أن يعترض على هذا القرار لدى رئيس الدائرة التي يتبعها المحقق خلال أسبوع من تاريخ إبلاغه بالقرار، ويكون قرار رئيس الدائرة نهائياً في مرحلة التحقيق . ونصت المادة (148) من نظام الإجراءات الجزائية : لمن لحقه ضرر من الجريمة ولوارثه من بعده أن يطالب بحقه الخاص مهما بلغ مقداره أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجزائية في أي حال كانت عليها الدعوى، حتى لو لم يقبل طلبه أثناء التحقيق·
وبغض النظر عن مقدار هذا الضرر كما هو حاصل في الدعوى بالحق الخاص في الدعوى المدنية كما هو منصوص عليه في نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية فالمحكمة المختصة بالدعوى الجنائية تنظر دعوى الحق الخاص مهما بلغ مقداره حتى ولو تجاوز مبلغ (عشرون ألف ريال سعودي ).
والضرر لا يثبت إلا لمن أصابه الضرر شخصياً حتى ولو تعدد المضرورون وان يكون الضرر أصاب حقا مقررا له أو مصلحة مشروعة.
ويجب على المحكمة المختصة أن تفصل في الحق الخاص سواء حكمت المحكمة في دعوى الحق العام بالبراءة أو الإدانة استنادا للمادة (174) من نظام الإجراءات الجزائية التي تنص : تسمع المحكمة دعوى المدعي العام ثم جواب المتهم، أو وكليه، أو محاميه عنها، ثم دعوى المدعي بالحق الخاص، ثم جواب المتهم، أو وكليه، أو محاميه عنها· ولكل طرف من الأطراف التعقيب على أقوال الطرف الآخر، ويكون المتهم هو آخرَ من يتكلم· وللمحكمة أن تمنع أي طرف من الاسترسال في المرافعة إذا خرج عن موضوع الدعوى، أو كرر أقواله· وبعد ذلك تصدر المحكمة حكماً بعدم إدانة المتهم، أو بإدانته وتوقيع العقوبة عليه ، وفي كلتا الحالتين تفصل المحكمة في الطلب المقدم من المدعي بالحق الخاص·
كتبه / أبو معاذ