اليمن بين تراكمات تاريخ... وتحديات الاستثمار
الرئيس علي عبدالله صالح ، سواء اختلفنا معه أو اتفقنا ، يجمع غالبية الشعب اليمني وكذلك المتابعين للوضع السياسي والاقتصادي ، أنة أرسى اركان الدوله الحديثة للجمهورية اليمنية ، وأوصلها إلي مرحلة الاستقرار الدستوري وتوطيد القوانين واختزال مورثات الأمة في لوائح نُقشت في صخور جبالها العالية .
وأشارك الزميل طلعت حافظ الذي افرد بحثاً اقتصاديا بصيغة مقال في صفحة الرأي بجريدة الاقتصادية الأسبوع الماضي ، الذي يشرح فيه معوقات الوحدة الاقتصادية الخليجية اليمنية ، وسوف ألقي الضوء على ألجوانب ألآخري سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً مع الجارة الكبرى . وأقدم قراءة دقيقة للواقع الحالي للجمهورية اليمنية بتجرد ، لن الرئيس اليمني لا يحتاج إلى شهادتي بقدر ما يحتاج المقال الى صراحتي وصدق غايتي .
ففي الجانب السياسي ، نجد في تاريخ اليمن بشكل عام محطات عدة يطول شرحها وتداعياتها ، ولكني سأحاول استشفاف الحاضر والمستقبل بمقدمة تاريخية هامة ! حيث يقال مجازاً ان كرسي الرئاسة في اليمن كان كرسياً للإعدام للجانبين الشمالي والجنوبي ، ولم يستطع احد ان يثبت فيها سوي القائد العسكري القادم من للواء تعز وهو الرئيس علي عبدالله صالح ، وبالنظر الى الشريك الأخر وهي الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية والتي ساهمت معه بالثلث وليس ( النصف ) للقيام الجمهورية اليمنية الحديثة ، فلم يكن الحال بأفضل من شقيقتها ألكبرى في الشمال ، وقرار مساهمة الحزب الاشتراكي بولادة صرح عربي عظيم تحت مسمى الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 ، كانت بسبب غروب شمس الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وفقد الحزب معينة الأكبر ، وبعد الوحدة استطاع الرئيس علي عبدالله صالح ان يحافظ علي ألدوله الحديثة سياسياً بدهائه وشجاعته، وأصبح رئيساً مطلقاً ( بالانتخاب ) للجمهورية اليمنية . نعم .. لقد نجح "الأخ الرئيس" كما اعتاد اليمنيون على مخاطبته، ببراغميته الفريدة في تحقيق الاستقرار السياسي لليمن بعد معاناة طويلة للشعب اليمني .
وفي الجانب الاقتصادي، سعي الرئيس اليمني الى تكليف الدكتور علي محمد مجور رئيساً جديداً للوزارة ، ووضع لهم برنامج فيه الكثير من الطموح النافعة ، والتي يستلزم تحقيقها الكثير من الجهد، ولن يتحقق من دون التزام حكومي صارم بما جاء فيه، وبدعم من المجتمع الدولي ومؤسساته المالية والاقتصادية، وخصوصاً من دول الخليج العربي، والاستمرار في تطبيق برامج التأهيل للاقتصاد اليمني، واستغلال مؤتمر لندن للمانحين الذي حصد تعهدات بتقديم خمسة مليار دولار إلى اليمن، لتمويل المشاريع التنموية في المناطق اليمنية الصغيرة والتعليم والتدريب.
ومن نتائج الإصلاحات الاقتصادية ، قام موخراً وفد خليجي بـ 650 مشاركاً جاء للاطلاع علي اكثر من 100 فرصة استثمارية قيمتها الإجمالية ثمانية مليار دولار، من خلال مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار في اليمن، الذي يأتي ضمن برنامج طموح أطلقته دول الخليج العربية عبر الأمانة العامة للمجلس التعاون الخليجي مع الحكومة اليمنية ، والذي يهدف إلى "تأهيل الاقتصاد اليمني، وتحضيره للاندماج مع اقتصاديات دول مجلس التعاون" .
وكانت كلمة الرئيس اليمني خلال الافتتاح نقطة انطلاق ، حين أكد أن باب الاستثمار في اليمن مفتوح لكل المستثمرين، وأن الدولة حريصة على إزالة أي معوقات قد يجدها المستثمر، إضافة إلى استعداد ألدوله لمراجعة القوانين المتعلقة بالاستثمار، ومنها قانون البنوك والضرائب، وغيرها من القوانين، في ضوء ملاحظات المستثمرين لإزالة أي معوقات للاستثمار ، وسوف يتم التركيز على إزالة المعوقات وتبسيط الإجراءات عبر نافذة واحدة وهي الهيئة العامة للاستثمار".
اليمن ليس الوحيد المستفيد من تحسين أوضاعه الاقتصادية، ومن تأهله للاندماج في الاقتصاديات الخليجية، بل نحن كذلك في مجلس التعاون الخليجي مستفيدين ، إذ تعد الجمهورية اليمنية سوقاً هائلاً للسلع والمنتجات الخليجية وحجم صادرتنا ثلاثة مليار دولار عام 2005 ، ومصدراً للعمالة التي تحتاجها عملية التنمية في دول الخليج ويوجد حالياً في الخليج قرابة المليون يمني ، وحجم الاستثمارات الخليجية في اليمن اثنين مليار دولار حتى عام 2005م ، كما أنها تعد جسراً تصديريا بين آسيا وأفريقيا من خلال مضيق باب المندب، الذي تلتقي عنده جزيرة العرب بالقرن الإفريقي، وهو ما يوفر أسواقاً إضافية للصادرات الخليجية، أو صادرات المشاريع الاستثمارية على الأرض اليمنية .
وفي الجانب الاجتماعي ، حقق الرئيس اليمني العديد من الإنجازات بعد معالجة ألأخطاء الاجتماعية السابقة ، وإحداث توازن بين إفراد الأمة الواحدة ، ونجاحه في تعزيز سيطرة الدولة إلى حد كبير على جميع المناطق، وفي الحد من نفوذ مشايخ القبائل ودور القبيلة في المجتمع،إذ كانت سلطة كثير من الأعراف القبلية أقوى مفعولاً من مواد الأنظمة والقوانين، واستطاع استئصال ما بقي عالقاً من مخلفات حرب صيف 94 ميلادي ، وخفض نسب الأمية المرتفعة، ومحاولاته الجادة المرة بعد الاخري في القضاء على الفساد ، وتثبيت مسيرة التجربة الديمقراطية في الجمهورية اليمنية ، على رغم من بعض السلبيات التي تشوبها ولكن (الرئيس) لم يهدم بنيانها، بل واصل في توسيع هامش الحرية الإعلامية إلى حد كبير امعاناً في التجربة ، لذلك تحركت عجلة التطور الاجتماعي، ومدت ألدوله مظلتها لتشمل جميع المواطنين وإنهاء الزواج الكاثوليكي بين الدولة والقبيلة، وتكريس دولة المؤسسات والقانون.
وفي الجانب الأمني ، نجح في إنهاء المشكلات الحدودية العالقة مع دول الجوار( السعودية – سلطنة عمان) سلمياً، والسعي حثيثاً لإدخال اليمن منظومة مجلس التعاون الخليجي، وهو ما بدأ عبر انضمام اليمن لعدد من المؤسسات التابعة للمجلس التعاون الخليجي ، كما أستطاع ان يواجه التحدي في تمرد الحوثيين في محافظة صعده بأقصى الشمال اليمني بحزم ألدوله وبعيد عن الأعراف القبلية ، ومحاربته لكافة الوسائل الإرهابية لتهريب السلاح للسعودية عبر حدوده البرية ، ووقوفه إمام ألمحاولات الليبية المعادية للاستقرار العام في الخليج العربي ، والذي ذكرها رئيس الوزراء (بالاسم) للصحافة الدولية ، وهو ما قد يضر بمستقبل اليمن ودول الجوار معاً.
ختاماً ، بعد ان تجاوزت اليمن خلال العقود الماضية الكثير من التحديات، إلا انها تحتاج إلى (انتفاضة) من نوع خاص ، يعزز المكاسب ويفعل إنتاجية مؤسسات الدولة وخدماتها، واليمن السعيد يحتاج إلى التكاتف الداخلي اولا ، ثم العون والدعم من دول الخليج العربي ثانياً ، ومن دون حصول هذين الأمرين معاً، سوف يخلق أزمات إقليمية لا يمكن علاجها حتى بالصدمات الكهربائية التي قد يكون أوانها قد فات سريعاً ولا يمكن اللحاق بها.