|
|
|
|
|
|
|
|
|
التاريخ 4/22/2007 4:37:08 PM
|
نعم لحجب الأحكام القضائية كلها
|
جريدة الوطن) تركي عبدالعزيز الثنيان)
تعقيب "إدارة التدوين ونشر الأحكام" بوزارة العدل في "الوطن" ( 1909) على مقالة كتبتها حول ضرورة نشر الأحكام القضائية، كان يحتوي على أمر مقلق، ورد في ثنايا التعقيب، وكلي أمل أنني مخطئ في تصنيفه.
يقول التعقيب إن نشر كل جزئية في كل حكم قضائي "أمر مستحيل، خاصة إذا علمنا أن القضاء في السعودية ينظر ما يقارب المليون قضية كل عام." انتهى. وهذا يعني أن الوزارة ستقوم بعملية (انتقاء) للقضايا التي تنشرها، ولهذا أوردت الوزارة عدد القضايا الضخم الذي تنظره المحاكم السعودية ؛ فهذا العدد -وفقا لمفهوم الوزارة- يجعل من المستحيل نشر القضايا كلها، وهذا ما يجبر الوزارة على نشر بعض القضايا. هناك احتمال آخر يتشعب من هذا التفسير - أو يوازيه- وهو أن الوزارة ستقوم بنشر ملخص، لا يحتوي على كل تفاصيل القضايا، لأن عدد القضايا ضخم وبالتالي يصعب نشر تفاصيل كل قضية، ولهذا ستضطر الوزارة إلى نشر فقط نسخة مقتضبة من كل قضية. بالطبع، تعتقد الوزارة أن هناك آليات ستضمن شمولية وكفاية "الملخص" أو العدد "المنتقى" من القضايا المنشورة.
وهنا أعترض، لأن النشر بهذه الطريقة مخيف بشكل أكثر من الاستمرار في السرية، بل إن التعتيم التام يبدو أكثر صدقا من الانتقاء. فالنشر الانتقائي، الخاضع للتقدير الشخصي لمن يملك هذه السلطة سيبقى -مهما كان- قاصرا عن الإحاطة بكل شيء. الانتقاء في نشر ما يصلح وحجب ما لا يصلح، لا يمكن أن يتم بدون معايير. هذه المعايير مهما بلغت دقتها فهي ناقصة، لأن من وضعها بشر، وإن سلمت من العيب في تأسيسها، فلا أظنها تسلم من الخلل في تطبيقها، فمن يطبقها بشر. ولغياب السوابق القضائية والدستورية من ثقافتنا القضائية، فالحكم المتميز عندما ينشر، سيترتب عليه أن اعتقاد المهتمين- بمن فيهم المحامون والمستثمرون- أن هذا هو ما يجري عليه العمل في المحاكم، مع إمكانية أن يكون مقابل هذا الحكم عشرات الأحكام المخالفة أو المعاكسة، ربما بدرجة حدية، وهذا فيه تضليل لا تقبله الوزارة.. ولأن الطبيعة البشرية لا يمكن أن نخنقها متى نشاء، ولأنه لا أحد يتمنى أن يوصم بشيء من النقص، لهذا، لا يمكن أن نتوقع من الجهة القائمة على النشر أن تنشر ما يمكن أن يكون فيه معيب بشكل أو بآخر عليها. كما أن نشر بعض الأحكام وإغفال بعضها الآخر قد يكون مسرحا للاتهامات أو الشكوك حول القصد من نشر هذا الحكم وحجب قرينه أو عكسه، فهل هو لإحراج هذا القاضي أو ذاك، أو هو لرفع أسهمه أو أسهم مدرسته.. إلى آخرها من الأشياء، التي وإن بدت هامشية، ولا يمكن توقعها اليوم، إلا أنها من الأشياء الممكنة والمسيئة للجهاز القضائي، المنبثقة من هذه الآلية. الانتقاء في نشر بعض الأحكام وحجب بعضها، مهما كان موضوعيا، لا يمكن أن يتم عبر رجل آلي. من يضعه ومن يقرؤه بشر، لهذا فالعلمية فيها مسحة شخصية، وهذا قد يكون مصدرا لإثارة الإشكاليات اللامنتهية، المترتبة على النشر الانتقائي.
أيضا، الانتقاء في نشر بعض الحكم أو تلخيصه فقط، قد يشوه الحكم المميز، أو يجمل الحكم... أيا كان، المهم أنه سيلقي بشيء من النقص - المتعمد لا الطبيعي المقبول- وهذا بدوره يحطم الفكرة الرئيسية من النشر، وهي الشفافية ومعرفة الحقيقة بدون رتوش. كذلك، مهما بلغت نزاهة وحدة ذهنية وفطانة القائمين على هذا المشروع، هناك أمور وجزئيات في بعض القضايا قد لا تلفت الاهتمام، وقد تستحق الإهمال وفقا لبعض المقاييس، لكنها جوهرية بمسطرة أخرى. فمعلومة اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية أو رقمية أو عاطفية أو أي معلومة تضرب على أي وتر قد لا تشد ذهنية المشتغل بالقضاء، ولكنها مهمة للمجتمع في مكان ما، ربما في زمن ما، ربما على المدى البعيد. ما أقصده أن هناك معلومات وحقائق في القضايا، كنوع السيارة، أو لون البشرة، أو عدد زوجات الأب، مكان الاستراحة، قد يعتقد القائم على النشر أنها غير قابلة للنشر أو غير مهمة للنشر، ولكنها تبقى مهمة إحصائيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو حتى حقوقيا في مكان آخر. ربما لا ندرك أهمية المعلومات اليوم-وقد تكون فعلا غير مهمة حتى بعد قرون-ولكن بالإخفاء والتغييب نزيل من الوجود الفرصة لاستثمار شيء ما، قد يكون له دور فعال في المستقبل.
العامل الآخر الذي يعادله في الأهمية، أن في هذه الانتقائية، أبوية غير مبررة، فمن يملك هذا الحق يمارس بشكل أو بآخر وصاية معلوماتية غير مسببة على بقية أفراد المجتمع. حتى وإن كانوا مجموعة، وليس قراراً فردياً، فهذا لا يعني ضمانة أكبر.... ولنسم الأشياء بأسمائها، لا أعتقد أن هذه المجوعة، أولا، ستكون متنافرة فكريا، أو مناطقيا أو قبليا أو عمريا، بل لا بد أن يجمعهم خيط يلفهم بألفة ما، وهذا بحد ذاته كفيل بدخول طيف الشخصنة في آلية النشر.. ولأن القائمين على النشر ليسوا ملائكة فهذا يعني أن هناك حيزاً من الكوامن الإنسانية سيتداخل مع عملية النشر ليراعي العوامل التي نعرفها كلنا في مجتمعنا... رغم اعتقادي أن هناك من يرى وجاهة هذه المسحة التي تحفظ ماء الوجه لأننا مجتمع يتكئ بشكل أو بآخر على القيم الجميلة، إلا أن هذا الرأي يصر على المضي في مسلسل الأفضلية المطلقة في كل شيء عند كل أحد؛ ألا تلاحظون أن كل الجرائم تحدث من ناس آخرين ليسوا من أقارب هذا المتحدث، كما أن الوصمات الاجتماعية السيئة كلها ملطخة بانتماءات من غير انتماء المتحدث، أما أفضلية القبائل والمدن والقرى فحدث ولا حرج، فكل عند نفسه أنه الذي يخر له الجبابرة صاغرين، فهو الذي لا يقهر قوة ولا يغلب عتادا، ولا ينخدع فطنة ودهاء، وإن لم يسعفه الحاضر ارتمى إلى التاريخ الشفوي الذي لا يعرفه أحد... بالنشر سنكسر هذه الأسطورة رغما عنها.
كل هذا يقود إلى ترجيح البقاء بدون معرفة الحقيقة على معرفة شيء مشوه، بشكل ما. ولأن علمية، وعملية، و حنكة معالي الوزير الدكتور عبدالله آل الشيخ، أكبر من أن تعدد في هذه العجالة، أعتقد أن هناك خطأ ما في تعقيب الوزارة، أو أن قراءتي للتعقيب غير سليمة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|