|
|
|
|
|
|
|
|
|
التاريخ 7/31/2002 3:38:00 PM
|
هل أجهضت الولايات المتحدة حلم العدالة الإنساني؟
|
هل أجهضت الولايات المتحدة حلم العدالة الإنساني؟ |
|
(الشبكة الإسلامية) عبد الرحمن الحاج * |
كانت الولايات المتحدة من أكثر الدول معارضةً لقيام محكمة الجنايات الدولية، ولم توقع على المعاهدة الدولية إلا في الساعات الأخيرة من المدة المحددة للتوقيع بقرار من الرئيس كلينتون، وقبل أسابيع قليلة من مغادرته منصب الرئاسة، وبالطبع كان القرار مفاجئاً للجميع. كان الرئيس كلينتون يريد أن يستغل الفرصة التاريخية ليضيفها إلى سجل "إنجازات" عهده، خصوصاً وأن الذين خلفوه من الجمهوريين. ومع ذلك فإن قرار التوقيع لا يعني أن الولايات المتحدة قد انتسبت إلى المعاهدة الدولية بشكل نهائي، فالتوقيع يحتاج لنفاذه إلى مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي، وقد تعهد رئيس لجنة العلاقات الخارجية (جمهوري) ـ المكلفة بدراسة المعاهدة ـ في مجلس الشيوخ السناتور "جيسي هلمز" بتعطيل المصادقة. المهم في الموضوع هو التبرير الأمريكي للموقف من محكمة الجنايات الدولية، إذ يصرح الأمريكيون بالتخوف من محاكمة الجنود العسكريين في القوات الدولية! هذا التبرير في الواقع يعني فيما يعنيه أن الولايات المتحدة فوق الجميع، ولا تخضع للقوانين التي يخضع لها الآخرون، وذلك بالضبط موقف يخفي نوايا مبيتة أقل ما يقال فيها أنها تكرر المنطق الكولنيالي (الاستعماري) المهترء، لأن ملاحقة المحكمة للمجرمين لن يكون لها أثر رجعي، بمعنى أنه لن يخضع لها إلا الذين ارتكبوا الجرائم المختصة بها بدءاً من تاريخ نفاذها. وعلى كل ليس ذلك غريباً لدولة بسطت نفوذها على كل العالم. ولو كانت المحكمة خاضعة لقرارات مجلس الأمن أو الأمم المتحدة فإن الأمريكيين لن يترددوا كثيراً في التوقيع والتصديق على إنشاء المحكمة، لأنهم حينئذ قادرون على التحكم في قراراتها و لكن المحكمة نشأت بمعاهدة دولية مستقلة، و بالتالي "يفترض" ألا تكون خاضعةً لمساءلة الأمم المتحدة وقراراتها أو أي هيئة دولية أخرى. لاشك أن الإنسانية تلقت دروساً مهمةً من "حق الفيتو"، الذي استخدم دوماً ضد مصلحة الضعفاء ولصالح الأقوياء، وكرس الاستتباع للدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وشكلت المجازر والمآسي وكوارث الحروب في القرن الماضي حافزاً لنمو كبير في الوعي الإنساني الحقوقي، ولذلك كان لابد أن تتلقى الولايات المتحدة معارضة وانتقادات حادة وواسعة لمحاولاتها التنصل من التوقيع على معاهدة المحكمة. و لكن ما إن صارت المحكمة حقيقةً على أرض الواقع، وجدت الولايات المتحدة نفسها في وضع يجعلها خارج "اللعبة" الدولية الجديدة! وبالتالي ما كان ممكناً لها إلا أن توقع على المعاهدة وتفاوض على مصالحها. فلقد برر مسؤول أمريكي (شيفر) التوقيع على المعاهدة بقوله:"يجب أن نظل في اللعبة وأن نراقب عمل المحكمة"، وفي تصريح للرئيس كلينتون بشأن قرار التوقيع يقول:"بتوقيعنا على المعاهدة سوف نتمكن من التأثير على تطور المحكمة..إننا لم نتخل عن مخاوفنا بشأن الثغرات الموجودة فيها". إذن يمكن لنا ببساطة أن نستنتج وجود رغبة أمريكية لتحويل المحكمة الجديدة إلى "أداة" تعمل لصالحها بغض النظر عما إذا كان هذا الصالح يتفق مع العدالة الإنسانية أم لا. ولذلك ليس غريباً أبداً أن تفاوض الولايات المتحدة (الأمم المتحدة ومجلس الأمن) على استثناء الجنود الأمريكيين من الخضوع لقرارات المحكمة، تهدد باستخدام "الفيتو" ضد تمديد عمل قوة الأمم المتحدة في البوسنة، في حال لم يقبل مجلس الأمن اقتراحاتها في استثناء أفرادها من ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية! ويجب أن نذكر أولاً أن الأمم المتحدة لا سلطة لها على المحكمة، وكذلك مجلس الأمن، ذلك أن محكمة الجنايات نشأت بمعاهدة دولية مستقلة. وبالرغم من أن تشرطات الولايات المتحدة وضغوطاتها قد لقيت عاصفة كبيرة جداً من المعارضة إلا أن المحبط حقاً هو أن يصوت مجلس الأمن "بالإجماع" على تسوية الوضع بقرار (1422) يطلب من المحكمة الجنائية الدولية الجديدة الموافقة على فترة سماح مدتها 12شهراً قبل التحقيق أو محاكمة جنود حفظ السلام من دول لا تؤيد المحكمة إذا ظهرت أي قضية. إن هذا القرار يشكل سابقة دولية لتدخل مجلس الأمن في اتفاقية دولية مبرمة، وهو أمر خطير. كان من المأمول ألا تخضع المحكمة الجديدة لشروط الولايات المتحدة، فقد وفرت فرصة تاريخية للعدالة الإنسانية، ولكن معارضة الولايات المتحدة كانت توفر فرصاً للدكتاتوريات في كل العالم والأنظمة الجائرة للهروب من الانضمام للمحكمة، لكن قرار مجلس الأمن أجهض الحلم الإنساني القديم بالعدالة، ويبدو أن الإنسانية ستظل تفقد هذه العدالة إلى أمد ليس بالقصير. ـــــــــــــ * كاتب وباحث سوري |
الأربعاء : 17/07/2002 |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|