بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله واصحابه اما بعد
فان معرفة المدعي من المدعى عليه من الامور المهمة للعاملين في القطاعات العدلية القضاة المحققين المحامين ولاطراف الخصومة وقد اطلعت على تقرير نفيس لهذا الموضوع في كتاب البصرة لابن فرحون الماكي قال فيه
اعلم ان اعلم القضاء يدور على معرفة المدعي من المدعى عليه لانه اصل مشكل ولم يختلفوا في حكم ما لكل واحد منهما وان على المدعي البينة اذا انكر المطلوب وان على المدعى عليه اليمين اذا لم تقم البينة
وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تحديد المدعي والمدعى عليه
قال القرافي المدعي من كان قوله على خلاف اصل او عرف والمدعى عليه من كان قوله على وفق اصل او عرف 0
وقال ابن شاس المدعي من تجردت دعواه عن امر يصدقه او كان اضعف المتداعيين امرا في الدلالة على الصدق او اقترن بها ما يوهنها عادة وذلك كالخارج عن معهود والمخالف لاصل وشبه ذلك ومن ترجح جانبه بشئ من ذلك فهو المدعى عليه فاذا ادعى احدهما ما يوافق العرف وادعى الاخر مايخالفه فالاول المدعى عليه والثاني هو المدعي وكذلك كل من ادعى وفاء ما عليه او رد ما عليه من غير امر يصدق دعواه فانه مدع 0
واختصر ذلك ابن الحاجب فقال المدعي من تجرد قوله عن مصدق والمدعى عليه من ترجح بمعهود او اصل قال ابن عبدالسلام والمعهود هو شهادة العرف ولاصل استصحاب الحال
وقال ابو عمر ابن عبدالبر اذا اشكل عليك المدعي من المدعى عليه فواجب الاعتبار فيهى ان ينظر هل هو اخذ او دافع وهل يطلب استحقاق شئ على غيره او ينفيه فالطالب ابدا مدع والدافع المنكر مدعى عليه فقف على هذا الاصل 0
وقال غيره كل من يريد الاخذ او يطلب البراءة من شئ وجب عليه فهو مدع 0
قال ابن فرحون وكلامهم وتحويمهم على شئ واحد وهو ان المتمسك بالاصل هو المدعى عليه ومن اراد النقل عنه فهو المدعي غير انه يتعارض النظر في كثير من المسائل من هو المتمسك بالاصل من الخصمين كما لو ادعى الزوج ان سيد الامة غره وزوجه بها وانكر السيد فقال اشهب القول قول الزوج وقال سحنون القول قول السيد فتعارض في هذه المسالة الاصل والغالب فالاصل عدم الغرور فيكون القول قول السيد والغالب عدم الدخول على زواج الاماء وعدم الرضا بهن وزواج الاحرار للاماء نادر فيقدم الغالب على النادر ومثل هذا كثير في مسائل الدعاوى وايضا فهنال امور اختلف الفقهاء في ترجيح قول احد الخصمين على الاخر بسببهما كدعوى المراة على زوجها الحاضر معها انه لم ينفق عليها فالقول قول الزوج عندنا لان العرف والغالب يشهد بصدقه وعند الشافعي القول قول المراة تمسكا بالاصل لان الاصل عدم الانفاق 0
وامورا اتفقوا على الترجيح بها كالقضاء بالنكول واعتباره في الاحكام فهو رجوع الى القرينة الظاهرة وقدم على اصل يراءة الذمة ولكن قد يختلف النظر في تحقيق حصول ذلك المرجح في صورة النزاع 0
واجمعوا على اعتبار الاصل والغاء الغالب في دعوى الدين ونحوه فان القول قول المدعى عليه وان كان الطالب اتقى الناس والغالب انه لا يدعي الا حقا 0
واجمعوا على اعتبار الغالب والغاء الاصل في البينة اذا شهدت فان الغالب صدقها والاصل براءة ذمة المشهود عليه 0
وقال المازري في شرح التلقين قال بعضهم المدعي من اذا سكت ترك وسكوته والمدعى عليه من اذا سكت لم يترك وسكوته 0
وقال اخرون المدعي من ادعى امرا خفيا والمدعى عليه من تمسك بظاهر الامر 0
ثم قال رحمه الله مواصلا
وما ذكرناه من اختلاف الحدين المذكورين لا ينبغي ان يعتمد عليه الفقيه في كل مسالة تعرض بل ههنا ماهو اكد واعتباره انفع مما قدمنا ذكره وهو استصحاب الحال فانها هي الاصل المعتمد عليه في مقتضى النظر ولا تردد في ذلك ولا اشكال اذا لم يعارض الحال الحال ولكن قد يعترض حالان استصحاب احدهما يضاد استصحاب الخال الاخر فههنا يقع الاشكال فيختلف اهل النظر من الائمة في تمييز المدعي من المدعى عليه ويفتقر كل واحد منهما الى ترجيح الحالة التي استصحبها 0
الا ترى ان المذهب عندنا على قولين في مكري دار زاعم بعد اتفاقه هو والمكتري على اولها واخرها انها انهدمت شهرين على قول صاحب الدار وعلى قول المكتري تكون مدة الهدم ثلاثة اشهر فانه قيل القول قول المكتري لان الاصل براءة الذمة من المطالبة والغرامة فيستصحب ذلك واذا استصحبناه كان المكتري هو المدعى عليه والقول الاخر ان القول قول المكري لان عقد الكراء اوجب دينا في ذمة المكتري والمكتري يدعي اسقاط بعضه فلا يصدق استصحابا لحال كون الكراء دينا في ذمته واستصحابا لكون الدار صحيحة
وكذلك اختلف عندنا على قولين فيمن قبض من رجل دنانير فلما طلبه بها دافعها زعم انه انما قبضها عن سلف كان اسلفه لدافعها وقال دافعها بل انا اسلفتك اياها وما كنت انت اسلفتني شيئا قط 0فان اعتبرنا بين الفرق بين المدعي والمدعى عليه بان المدعي من اذا سكت ترك وسكوته وجدنا ههنا الدافع هو المدعي لانه لو سكت لترك وسكوته والقابض لو سكت عن جواب الطالب ماترك وسكوته 0وان بنينا على الاصل الاخر وهو دعوى الامر الجلي او الخفي فاذا استصحبنا كون الدافع يرئ الذمة من سلف هذا القابض صدقنا الدافع وجعلناه هو المدعى عليه السلف الذي الاصل عدمه 0وان اعتبرنا حال القابض وان الاصل ليضا فيه براءة ذمته فلا يؤخذ باكثر مما اقر به جعلنا القابض هو المدعى عليه 0
فما يعرض الاشكال الا عند تصادم مقتضى الاحوال فبفتقر الى ترجيح استصحاب احد الحالين على الاخر 0
وقد ذكرنا عن شريح القاضي انه قال وليت القضاء وعندي اني لا اعجز عن معرفة ما يتخاصم الي فيه فاول ما ارتفع الي خصمان اشكل علي من امرهما من المدعي ومن المدعى عليه 0قال المازري ولعله اشار الى هذا الذي نبهنا عليه وللقاضي ابي الوليد ابن رشد في المقدمات في باب كراء الرواحل والدواب فصل في تمييز المدعي من المدعى عليه وضمنه فائد تركنا ذكرها خشية الاطالة فبهذه الوجوه وما اشبهها صعب علم القضاء ودق وتبين ذلك بامثلة ذكرها القرافي وغيره 0
ومن الامثلة التي يكون الطالب فيها مدع عليه اذا تداعى قزاز ودباغ جلدا فان الدباغ مدع عليه 0
ومنها اختلاف الزوجين في متاع البيت فالقول قول الرجل فيما يشبه انه للرجال والقول قول المراة فيما يشبه انه للنساء
ومنها لو تدعى قاض وجني رمحا كان الجندي مدع عليه 0
ومنها اذا تنازع عطار وصباغ في مسك او صبغ قدم العطار في المسك واصباغ في الصبغ 0
فينبغي ان يعتمد الترجيح بالعوائد وظواهر الاحوال والقرائن
قال القرافي خولفت قاعدة الدعوى في خمس مواطن فقبل فيها قول الطالب
-احدها اللعان يقبل فيه قول الزوج لان العادة ان الرجل ينفي عن زوجته الفواحش فحيث اقدم على رميها بالفاحشة مع الايمان قدمه الشرع 0
-وثانيها القسامة يقبل فيها قول الطالب لترجحه باللوث 0
- وثالثها قبول قول الامناء في التلف لئلا يزهد الناس في قبول الامانات فتفوت مصالحها وحفظها والامين قد يكون امينا من جهة صاحب الامانة او من قبل الشرع كالوصي والملتقط او من القت الريح الثوب في بيته 0
-ورابعها يقبل قول الحاكم في الترجيح والتعديل لئلا تفوت المصالح المترتبة على ولاية الاحكام ويقبل قوله في مواضع عديدة سياتي ذكرها في باب القضاء بعلم القاضي 0
- وخامسها قبول قول الغاصب في التلف مع يمينه لضرورة الحاجة لئلا يخلد في الحبس 0
انتهى كلامه رحمه الله
اما اني نقلت مايفيد ومعذرة على الاطالة
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله واصحابه وسلم