اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
lotfi_07
التاريخ
7/9/2002 5:10:00 PM
  الجريمة و العقوبة في قانون العقوبات الجزائري ) بحث نظري )      

مقدمة

ينصرف معنى القانون الجنائي إلى القواعد التي تمدد سياسة التجريم و العقاب ، و تنظم السياسة الإجرامية التي تبين كيفية إقتضاء الدولة لحقها في العقاب بما يضمن التوازن بين حقوق المتهم و حقوق المجتمع .

و يتضمن القانون الجنائي بهذا المعنى نوعين من القواعد :



1 ـ قواعد موضوعية تبين ما يعد جريمة و العقوبة المقررة لها في إطار مبدأ الشرعية بألاّ جريمة و لا عقوبة و لا تدبير أمن إلاّ بنص من القانون ( المادة 1 من قانون العقوبات الجزائري ).

و يعبر عن هذه القواعد بقانون العقوبات.

وينقسم قانون العقوبات الجزائري إلى قسمين :



أ ـ قسم عام يهتم بدراسة النظرية العامة للجريمة ، ببيان الأحكام العامة التي تحكم الجريمة و العقوبة عن طريق تحديد الأركان الأساسية للجريمة ، و أحكام المسؤولية الجنائية ، و أنواع العقوبات و ظروف تشهيدها و ظروف تخفيفها .

ب ـ قسم خاص يهتم بتحديد وصف الأركان الخاصة بكل جريمة على حدة ، و بيان الحد الأدنى و الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها .

2 ـ قواعد شكلية تبين الإجراءات القانونية التي يتعين مراعاتها ، و يجب إتباعها طوال مراحل الخصومة الجنائية من مرحلة التحري عن الجريمة ، والتحقيق فيها إلى صدور الحكم الجنائي و تنفيده.

و يعبر عن هذه القواعد بقانون الإجراءات الجنائية و الجزائية .

و إذا كان قانون الإجراءات الجنائية يعد جزءا من التشريع العقابي بمعناه الواسع ، و فرعا له بمعناه الضيق ، فإنّ دراستنا لموضوع القانون الجنائي للأعمال ترتكز أساسا على القواعد الجنائية الموضوعية من جانب تحديد مفهوم الجريمة و بيان أنواعها ، و دراسة إختلاس الأموال العمومية ، و جريمة الرشوة ، و جريمة إصدار شيك بدون رصيد ، على أن تخصص لكل موضوع من هذه المواضيع مبحثا مستقلا.

المبحث الأول : تعريف الجريمة

لا تتضمن معظم القوانين العقابية تعريف للجريمة ، و قد أدى إختلاف الفقه في تعريف الجريمة إلى ظهور إتجاهين : إتجاه شكلي ، و إتجاه موضوعي .

1 ـ الإتجاه الشكلي : يعتمد أنصار هذا الإتجاه في تعريفهم للجريمة على الربط بين الواقعة المرتكبة و بين القاعدة القانونية ، و يعرفون الجريمة على هذا الأساس بأنها : " فعل يجرمه القانون " ، أو " نشاط أو إمتناع يجرمه القانون و يعاقب عليه ".

2 ـ الإتجاه الموضوعي : يعتمد أنصار هذا الإتجاه في تعريفهم للجريمة على إبراز جوهرها بإعتبارها إعتداء على مصلحة إجتماعية ، و يعرفون الجريمة على هذا الأساس بأنها " الواقعة ضارة بكيان المجتمع و أمنه ".

ويبدو من بعض قرارات المحكمة العليا أنّ القضاء الجزائري يميل إلى الأخد بالإتجاه الشكلي في تعريف الجريمة بأنّها : " : كلّ فعل أو إمتناع عن فعل يعاقب عليه القانون جزائيا " . ( قرار المحكمة العليا المؤرخ في 1986/06/24 ـ الفرقة الجنائية الأولى ، الطعن رقم : 43.835 ).

و يستخلص من تعريف الجريمة سواء من وجهة نظر الإتجاه الموضوعي مايلي :

ـ أنّ الجريمة سلوك الذي يمكن أن يكون فعلا ينهي القانون عنه ، أو إمتناعا يأمر به القانون.

ـ أنّ السلوك الذي يعتبر جريمة يجب أن يكون مهامها يمكن نسبته أو إسناده إلى فاعله ، بأن يكون هذا السلوك فعلا صادرا عند إنسان يمكن الإعتداء بإرادته قانونا أي أن يكون السلوك صادرا عن إرادة سليمة، أي مدركة و مميزة و غير مكرهة .

ـ أن يكون من شأن السلوك المكوّن للواقعة الإجرامية ،

ـ سواءا كان فعلا أو إمتناعا ـ الإضرار بمصلحة محمية جنائيا . و تكون المصلحة محمية جنائيا إذا كان القانون يرتب على الواقعة جزاء جنائيا.

ويلاحظ أنّ الجريمة بالمعنى المتقدم تمثل الجانب الموضوعي للمسؤولية الجنائية تقتضي وجود الجريمة و الجاني معا ، فلا تعد جريمة حوادث القضاء و القدر.

المبحث الثاني : أركان الجريمة .

يتطلب القانون لقيام الجريمة توافر أركان معينة ، وهي على نوعين :

1 ـ الأركان العامة للجريمة التي تسري على كافة الجرائم بوجه عام ، أيّا كان نوعها أو طبيعتها ، بحيث إذا إكتملت هذه الأركان قامت الجريمة تامة أو مشروع فيها تستوجب توقيع العقاب الذي حدده النّص الجنائي على الجاني . أمّا إذا إنتهى أحد هذه الأركان فلا تقوم الجريمة من الناحية القانونية .

2 ـ الأركان الخاصة للجريمة التي ينّص القانون عليها بالنسبة لكل جريمة على حده ، و هي أركان تختلف من جريمة إلى أخرى بحسب نوعها و طبيعتها . و الغرض من هذه الأركان أن تضاف إلى الأركان العامة لتحدد نوعها و طبيعتها . و الغرض من هذه الأركان الخاصة للجريمة : أن يكون المجني عليه حيا في جريمة القتل ، و أن يكون المرتشي موظفا عاما في جريمة الرشوة ، و أن يكون الشىء المختلس مالا منقولا مملوكا للغير في جريمة السرقة .

وقد إختلف الفقه بشأن تقسيم الأركان العامة للجريمة ـ موضوع دراستنا ـ فمن الفقه من يرى أنّ للجريمة ركنان : ركن مادي و ركن معنوي، ومن الفقه من يرى أنّ للجريمة أركان ثلاثة : فيضيف إلى الركنين المادي و المعنوي الركن الشرعي .

و قد يكون مفيدا أن نفرض فيمايلي هذه الأركان الثلاثة ببعض من التفصيل ، على أن تخصص لكل ركن مطلبا مستقلا.

المطلب الأول : الركن المادي للجريمة .

يتمثل الركن المادي للجريمة في المظهر الخارجي لنشاط الجاني الذي هو عبارة عن السلوك الإجرامي الذي يكون منظا للتجريم و محلا للعقاب . ذلك أن قانون العقوبات لا يعاقب على النوايا الباطنية و الأفكار ، فلا يعاقب قانون العقوبات مثلا على مجرد التفكير في إرتكاب جريمة ما . بل لابد أن يقترن هذا التفكير بنشاط مادي معين الذي يختلف من جريمة إلى أخرى حسب طبيعتها و نوعها و ظروفها .

و يتكون الركن المادي للجريمة بدوره من عناصر ثلاثة ، وهي :

أ ـ السلوك الإجرامي : و هو عبارة عن النشاط المادي الخارجي المكوّن للجريمة و السبب في إحداث الضرر ، فهو عبارة عن حركة الجاني الإختيارية التي تحدث تأثيرا في العالم الخارجي ، أو في نفسية المجنى عليه .

و تختلف طبيعة السلوك الإجرامي وشكله بحسب نوع الجرائم .

أولا : الإختلاف في طبيعة السلوك الإجرامي :

يمكن تجسيد الإختلاف في طبيعة السلوك الإجرامي بحسب ـ

ـ ففي جريمة السرقة يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل إختلاس مال منقول مملوك للغير

ـ و في جريمة القتل يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل إن هامه روح المجني عليه .

و يلاحظ إذا كانت الفائدة في قانون العقوبات وجوب توافر السلوك الإجرامي بإعتباره فعلا ماديا ظاهر على النحو المتقدم بيانه إلاّ أنه يكفي لتحقق السلوك الإجرامي إستثناء على هذه القاعدة في بعض الصور من الجرائم أن يكون فيها السلوك خفيا كما هو الحال في جريمة الإتفاق الجنائي ، أو في جريمة الإشتراك بطريق الإتفاق ، ليكون السلوك الإجرامي في هذا النوع من الجرائم عبارة عن وسيلة الإتفاق ، و هذا ما يستمد المساهمة الجنائية ( المواد 176 و 177 و 178 من قانون العقوبات ).

و يلاحظ أيضا أنّ طبيعة السلوك الإجرامي تختلف بإختلاف نوع الجرائم من جرائم وقتية و جرائم الإعتياد ، على النحو التالي :

ـ ففي الجريمة الوقتية وـ كجريمة السرقة ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل مادي يبدأ و ينتهي على الفور ، يتمثل في فعل إختلاس مال منقول مملوك للغير .

ـ وفي الجريمة الوقتية المتتابعة ـ كجريمة إقامة المباني دون ترخيص أو رخصة ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن مجموعة أفعال متلاحقة تربط بينهما وحدة المصلحة و تفصل بينها فواصل زمنية تتوقف على ظروف الجريمة .

ـ و في الجريمة المستمرة ـ كجريمة إخفاء الأشياء المسروقة ـ يكون السلوك نشاطا متجددا للحفاظ على هذه الحالة .

ـ و في الجريمة البسيطة ـ كجريمة الضرب أو الجرح ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل إجرامي واحد لا يلزم فيه التكرار أو الإعتياد.

ـ و في جريمة الإعتياد ـ كجريمة تحريض القصد على الفسق ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن تكرار عدة أفعال محظورة قانونا . بحيث لا يكفي وقوع أحدهما لقيام الجريمة .

ثانيا : الإختلاف في شكل السلوك الإجرامي :

يختلف شكل السلوك الإجرامي للمجرم حسب المرحلة التي يكون الجاني قد قطعها في مشروعه الإجرامي و حسب الدور الدي يقوم به .

أمّا عند إختلاف شكل السلوك الإجرامي للمجرم بحسب المرحلة التي يكون قد قطعها في مشروعه الإجرامي مثل حيازة سلاح ناري بدون ترخيص لإستخدامه في مثل شخص معين ، فإنّ حيازة السّلاح يعتبر من الناحية القانونية عملا تحضيريا في جريمة القتل و لا

عقاب عليه . و مع ذلك يشكل فعل حيازة السلاّح في حد ذاته الركن المادي في جريمة حيازة السّلاح بدون رخصة . و يفيد الإختلاف في شكل السلوك الإجرامي للمجرم بحسب المرحلة التي يكون قد قطعها في مشروعه الإجرامي في بيان ما يعد من قبيل الأفعال التحضيرية التي لا يعاقب عليها القانون.

و أمّا عن إختلاف شكل السلوك الإجرامي للمجرم بحسب الدور الذي يؤيده على مسرح الجريمة، فإنه يفيد في بيان ما إذا كان المجرم فاعلا أصليا في الجريمة أم مجرد شريك فيها : فمن يطعن المجني عليه بالخنجر حتى يموت يعد فاعلا أصليا في الجريمة بحكم سلوكه الإجرامي فيها ، و من يحرض غيره على الطعن دون أن يمسك بالخنجر يعتبر شريكا فيها بحكم سلوكه الإجرامي هذا لا فاعلا أصليا في القتل

و لا شريكا فيه ، و لكن بشكل سلوكه الإجرامي هذا جريمة مستقلة تتمثل في إخفاء الجاني الفار من العدالة طبقا للمادة 178 من قانون العقوبات .

و يلاحظ أنّ هناك صورا من الأعمال التحضيرية للجريمة ، والتي لا تخضع بحسب الأصل للعقاب مهما سبق بيانه لأنها لا تعد سلوكا ماديا ، و مع ذلك نص المشروع صراحة على تجريم هذه الأعمال لخطورتها على سلامة المجتمع و أمنه ، ومن الأمثلة على تجريم الأعمال التحضيرية :

ـ تعاقب المادة 100 من قانون العقوبات على كل تحريض مباشر على التجمهر غير المسلح سواء بخطب تلقى علنيا أو بكتابات أو مطبوعات تعلق أو توزع.

ـ تعاقب المادة 77 من قانون العقوبات كل من يحرض المواطنين على حمل السلاح ضد سلطة الدولة ، وكذلك كل من يتآمر ضد سلطة الدولة و يتم هذا الفعل بمجرد إتفاق شخصين أو أكثر على التصميم على إرتكابه طبقا للمادة 78 من نفس القانون .

و الواقع أنّ المشرع إذ يجرم مثل هذه الأفعال و يعاقب عليها فهو في الحقيقة ينشئ جرائم مستقلة قائمة بذاتها ، و لا يعتبرها مجرد أفعال تحضيرية لا تخضع للعقاب .

و يلاحظ أيضا وجود ظروف نص عليها المشرع إذا صاحيت السلوك الإجرامي أو المادي من شأنها أن تشدد العقوبة أو تخفف منها بحسب الأحوال .

و تعتبر ظرفا مشددا للعقوبة مثلا : ظرف حمل السلاح في جريمة السرقة ( المادة 351 ق ع ).

و ظرف الليل جريمة إتلاف المزروعات ، ( المادة 361 ق ع ).

و تعتبر ظرفا مخففا للعقوبة مثلا : أن يفاجىء أحد الزوجين زوجه في حالة التلبس بالزنا فيرتكب جريمة القتل ضد شريكه .( المادة 279 ق ع) .

وعذر صغر السن فلا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشرة من عمره إلاّ تدابير الحماية ، وفي مواد المخالفات لا يكون محلا إلاّ للتوبيخ ( المادتان 49 و 50 ق ع ).

ب ـ النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي : تعتبر النتيجة العنصر الثاني من عناصر الركن المادي للجريمة و يوجد مفهومان للنتيجة : و هما :

أولا : المفهوم المادي .

يقصد بالنتيجة في هذا المفهوم الأثر ، أو التغيير الحسي و الملموس ، الذي يحدثه السلوك الإجرامي في العالم الخارجي . و لا يعد نتيجة إلاّ ما يقيد به القانون و ما يرتب عليه من نتائج بصرف النظر عما يمكن أن يحدثه السلوك الإجرامي من نتائج أخرى . و بذلك تكون النتيجة وفقا للمفهوم المادي النتيجة التي يتطلبها القانون لإكتمال الركن المادي للجريمة ، ففي جريمة القتل مثلا يتطلب القانون لإكتمال هذا الركن موت المجنى عليه ، دون البحث في النتائج الأخرى التي تحدثها الجريمة كالخسارة أو الألم النفسي اللّذان يصيبان أهل القتيل.

و تقسم الجرائم أخد بالمفهوم المادي إلى جرائم مادية يتطلب ركنها المادي وجود نتيجة ، كجريمة القتل و جريمة الضرب ، وجرائم شكلية لا يتطلب ركنها المادي وجود نتيجة كجريمة شهادة الزور ، و جريمة ترك الأطفال .

ثانيا : المفهوم القانوني.

يقصد بالنتيجة في هذا المفهوم ما يسببه السلوك الإجرامي من ضرر أو خطر يصيب أو يهدد مصلحة محمية قانونا . فيجب أن تكون لكل جريمة نتيجة ، فتكون النتيجة في الجرائم المادية كجريمة القتل عبارة عن العدوان على الحق في الحياة ، و تكون النتيجة في الجرائم الشكلية كجريمة ترك الأطفال للخطر ، عبارة عن خطر يهدد مصلحة محمية قانونا.

و قسم الجرائم أخذا بالمفهوم القانوني إلى جرائم ضرر كمقابل للجرائم المادية ، و جرائم خطر كمقابل للجرائم الشكلية .

و لعل أنّ السبب في ظهور المفهومين المتقدمين يرجع إلى أنّ النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي قد يكون لها مظهر خارجي ملموس مثل إزهاق روح إنسان في جريمة القتل ، و نزع حيازه المنقول من مالكه في جريمة السرقة ، و قد لا يكون لهذه النتيجة مظهر خارجي ملموس كالإمتناع عن أداء الشهادة . و هو السبب الذي أدى إلى تقسيم الجرائم في نطاق النتيجة الضارة المترتبة على السلوك الإجرامي و من حيث الضرر أو الخطر الذي تحدثه إلى جرائم ذات ضرر مؤكد و أغلب الجرائم من هذا النوع كجرائم القتل و السرقة و القذف التي يلحق الضرر فيها بالحق الذي يحميه القانون إلى جرائم ذات خطر أو ضرر محتمل و هي جرائم لا يستلزم القانون لتحقق النتيجة فيها وقوع ضرر بالفعل بل يكفي مجرد الخطر ، فيمثل هذا الخطر النتيجة فيها وقوع ضرر بالفعل بل يكفي مجرد الخطر ، فيمثل هذا الخطر النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي ، و مثل هذه الجرائم جريمة الإتفاق الجنائي .( المادة 176 ق ع ).

و لا خلاف في أنّ النتيجة المترتبة عن السلوك الإجرامي حقيقة قانونية تتميز عن الضرر المادي، و تتمثل في ضرر معنوي يعتدي به على حق يحميه القانون ، ففي جريمة القتل تكون النتيجة الضارة فيه الإعتداء على حق الإنسان في الحياة و هو حق يحميه القانون . و في جريمة إمتناع الشاهد عن الحضور أمام المحكمة تكون النتيجة الضارة عبارة عن الإعتداء على حق المجتمع في الإستعانة بأي فرد من أفراده في إستجلاء الحقيقة .

و يلاحظ أنّ كل جريمة ينتج عنها ضرر عام و ضرر خاص ، أمّا الضرر العام فهو ضرر مفترض يصيب المجتمع ككل يفرض له القانون عقابا لمن يكن السبب في إحداثه ففي جريمة القتل مثلا بسبب فعل إزهاق روح المجني روح المجنى عليه إضطرابا في أمن المجتمع و كيانه فيضع القانون عقوبة توقع على يقوم بتحقيق هذه النتيجة التي تضر بالمجتمع. و أمّا الضرر الخاص فهو الضرر الذي يصيب المجنى عليه أو أقاربه بحسب الأحوال . ففي جريمة القتل مثلا يتمثل الضرر الخاص في حرمان المجنى عليه من الحياة . و قد يكون الضرر الخاص ماديا كما في جريمة السرقة ، و قد يكون معنويا كما في جريمة القذف و السبب بالنظر إلى ما تسببه هذه الجريمة من الألم نفسية للمجنى عليه ، و قد يكون الضرر محققا كما في جريمة القتل التامة ، و قد يكون محتملا كما في الشروع في الجريمة.

و يلاحظ أيضا أنّ القانون يستلزم في بعض الجرائم توافر الضرر كركن لا تحقق الجريمة ، و مثال ذلك أن يقع تزوير في محرر دون أن يعقب ذلك إستعمال هذا المحرر و من ثمّ لا يتحقق الضرر و لا تقوم الجريمة .

جـ ـ علاقة السببية التي تربط بين السلوك الإجرامي و النتيجة :

لا يكفي لقيام الركن المادي للجريمة أن يصدر سلوك إجرامي عن الجاني و أن تحصل نتيجة ضارة . بل لابد أن تنسب هذه النتيجة إلى ذلك السلوك أي أن يكون بينهما علاقة سببية .

و يقصد بالسببية إسناد أمر من أمور الحياة إلى مصدره ، و الإسناد في النطاق الجنائي على نوعين إسناد مادي و إسناد معنوي ، و يقتضي الإسناد المادي نسبة الجريمة إلى فاعل معين ، و يقتضي الإسناد المعنوي نسبة الجريمة إلى شخص متمتع بالأهلية المتطلبة لتحمل المسؤولية الجنائية ، و لا يعتبر الشخص متمتعا بهذه الأهلية إلاّ إذا توافر لديه الإدراك و حرية الإختيار ، تنتهى المساءلة الجنائية بإختفاء أحدهما.

و لا يثار أي إشكال في علاقة السببية بين السلوك الإجرامي و النتيجة ، إذا كان الفعل الذي أتاه الجانى هو سبب تحقق النتيجة كأن يطلق الجاني النار على المجنى عليه فيرد به قتيلا ، فإنّ السبب في مثل هذه الحال بين السلوك الإجرامي المصدر الوحيد و النتيجة واضحة لا غموض فيها . و لكن الإشكال يثار إذا تذاخلت أسباب أخرى في إحداث النتيجة الضارة إلى جانب نشاط الجاني ، و قد تكون هذه الأسباب سابقة على الفعل الجرمي مثل إعتلال صحة المجنى عليه ، و قد تكون معاصرة للفعل الجرمي مثل إعتداء آخر على المجنى عليه في نفس الوقت الذي يحصل الإعتداء بين الجانى، وقد تكون تلك الأسباب لاحقة للفعل الجرمي كأن يطلق الجاني عيارا ناريا يصيب به المجنى عليه الذي لا يقتل على الفور بل بتراخي الموت لفترة طويلة قد تتدخل فيها عوامل أخرى مثل خطأ الطبيب في علاج المجني عليه أو إهمال هذا الأخير في العلاج ، الأمر الذي يثير التساءل عن الدور الذي لعبته هذه العوامل في إحداث النتيجة و بالتالي تأثيرها على علاقة السببية بين الوجود و العدم.

و قد قيلت في هذا الخصوص عدة نظريات نفرضها بإيجار فيمايلي :

أولا : نظرية تعادل الأسباب.

يرى أنصار هذه النظرية أنّ جميع العوامل التي تتدخل في إحداث النتيجة متعادلة . ولكن يمكن الرجوع إلى العامل الأول و الأساس الذي جعل الأمور تسير إلى ما انتهت إليه من نتيجة و العامل الأول هو فعل الجانى الذي وقع منه إبتداء ، ومن ثمّ يسأل عن النتيجة الضارة التي وقعت أيا كانت النهاية سواءا كانت هذه العوامل سابقة أم معاصرة أم لاحقة لنشاطه الإجرامي .

ثالثا : نظرية السبب المباشر أو الأقوى .

يرى أنصار هذه النظرية أنّ الجاني يسأل عن النتيجة الضارة التي أحدثها إذا كانت متصلة إتصالا مباشرا بفعله أو سلوكه الإجرامي ، أي يجب أن يكون نشاط الجاني هو السبب الرئيس أو الأقوى في إحداث النتيجة الضارة . ذلك أنّ قيام علاقة السببية تستلزم نوعا من الإتصال المادي المباشر بين السلوك الإجرامي للجاني و النتيجة الضارة . أمّا العوامل الخارجية فتعد عوامل ثانوية أو مساعدة فحسب.

العوامل التي تدخلت معاصرة كانت للسلوك الإجرامي أو لاحقة عليه ، و يصرف النظر عما إذا كانت هذه العوامل نادرة الحصول أم عادية ، و مهما كان مصدرها فعل الطبيعة أم فعل المجني عليه أم فعل أي إنسان آخر ذلك أنّ نشاط الجاني هو العامل الذي جعل حلقات الحوادث بعد ذلك ، فلولا سلوك الجانى لما حدثث تلك النتيجة النهائية ، و بذلك تقوم المسؤولية الجنائية كاملة :

و لا يسأل الجانى إذا كانت النتيجة الضارة واقعة لا محالة بصرف النظر عن فعله ، فلا يسأل الجانى عن النتيجة متى كان من المؤكد أنّها ستحدث حتى و لو لم يقع الإعتداء على المجنى عليه ' فإذا تبين أنّ المجنى عليه فارق الحياة بسبب السكتة القلبية قبل الإعتداء عليه . فلا يسأل الجاني لأنه لم يترتب على فعله بتسلسل الحوادث التي تؤدي بدورها إلى النتيجة الضارة.

ثانيا : نظرية السبب الملائم .

يرى أنصار هذه النظرية أنّ تقرير مسؤولية الجانى الجنائية متوقف على ما إذا كان السلوك الإجرامي الذي أتاه يصلح وفقا للمجرى العادي للأمور أن يكون سببا ملائما أو مناسبا لحدوث النتيجة الضارة . فإذا تدخلت في إحداث النتيجة الضارة عوامل شاذة غير مألوفة بحسب المجرى العادي للأمور فإنّ العلاقة السببية بين السلوك الإجرامي و النتيجة تنتفي و لا تقوم مسؤولية الجانى الجنائية . فلا يسأل الجانى عن الوفاة إذا إحترق المجنى عليه بسبب نشوب حريق بالمستشفى يعد من الأسباب الشاذة نادرة الحدوث و يسأل الجانى فقط عن الشروع في القتيل حسب الظروف. فلا مسؤولية للجانى عن العوامل الجنبية التي تتوسط بين فعله أو سلوكه الإجرامي و بين النتيجة .

و يلاحظ أنّ الراجح ـ و في غياب نص قانوني يضع حلا للخلاف القائم بشأن توافر علاقة السببيةـ أن يترك أمر تقدير توافرها لقاضي الموضوع لتعذر وضع قاعدة مجردة و مطلقة في هذا الخصوص.



المطلب الثاني : الركن المعنوي .

لا يكفي لتقرير المسؤولية الجنائية أن يصدر عن الجانى سلوك إجرامي ذو مظهر مادي بل لابد من توافر ركن معنوي الذي هو عبارة عن نية داخلية أو باطنية يضمرها الجانى في نفسه .

و يتخذ الركن المعنوي إحدى صورتين أساسيتين :

إمّا صورة الخطأ العمدي : أي القصد الجنائي ، و إمّا صورة الخطأ غير العمدي :أي الإهمال أو عدم الحيطة .

و لنفرض فيما هاتين الصورتين ببعض من التفصيل.

أ ـ القصد الجنائي :

لا يتضمن قانون العقوبات الجزائري تعريفا للقصد الجنائي ، و قد تعددت تعريفات الفقه له ، نذكر فيمايلي أهمها .

ـ القصد الجنائي هو : " علم الجانى بأنه يقوم مختارا بإرتكاب الفعل الموصوف جريمة في القانون ، و علمه أنه بذلك يخالف أوامره و نواهيه ".

ـ القصد الجنائي هو : " إرادة النتيجة و شرطه أن تكون لدى الجاني نية الإبداء ، فإذا كان الإبداء لازما كما في الضرب فلا حاجة للبحث عن النية".

ـ القصد الجنائي هو : " توجيه الفعل و الإمتناع إلى إحداث النتيجة الصادرة التي تتكون منها الجريمة".

ـ القصد الجنائي هو :" إرادة الخروج على القانون يعمل أو إمتناع ، أو هو إرادة الإضرار بمصلحة يحميها القانون الذي يفترض العلم به عند الفاعل ".

القصد الجنائي هو : " إرادة إرتكاب الجريمة كما حددها القانون و هو علم الجاني أيضا . بمخالفة نواهي القانون التي يفترض دائما العلم بها ".

و يستخلص من تعريفات القصد الجنائي أنه عبارة عن انصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع العلم بأركانها التي يتطلبها القانون . و للقصد الجاني هذا المعنى عناصر يتكون منها ، و صور متعددة تعبر عنه ، يفرضها مايلي:



أولا : عناصر القصد الجنائي :

يستفاد من تعريف القصد الجنائي : " إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة " و قد إختلف الفقه حول ما إذا يكفي أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة ، أم أنه يلزم أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة و إلى تحقيق النتيجة الضارة أيضا ؟ و قد أدى هذا الإختلاف إلى ظهور نظريتين في تحديد القصد ، و هما :

العنصر الأول :إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة .

و قد إختلف الفقه حول ما إذا يكفي أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة أم أنه يلزم أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة و إلى تحقيق النتيجة الضارة أيضا ؟ و قد أدى هذا الإختلاف إلى ظهور نظريتين في تحديد القصد و هما :

* نظرية التصور :

يرى أنصار هذه النظرية أنّ القصد الجنائي يمثل حقائق النفس البشرية ، فإرادة الإنسان هي التي تدفعه إلى إتيان حركة عضلية معينة تمثل تصميمه الإجرامي سواء تحققت النتيجة أو لم تتحقق . فمتى أراد الجاني إرتكاب الفعل الإجرامي فإنه يتوافر لديه القصد الجنائي الكافي لقيام مسؤولية الجنائية كاملة ، فيسأل عن جريمة عمدية في جميع الأحوال ، و سواءا شبع الجاني شعوره الذي دفعه إلى إرتكاب الجريمة أم لم يشبعه . و لا فرق في نظر أنصار نظرية التصور بين القصد غير المباشر أو القصد الإحتمالي بين الفعل و النتيجة فكلاهما كاف لتوافر القصد الجنائي في الجرائم العمدية .

* نظرية الإرادة :

يرى أنصار هذه النظرية أنّ القصد الجنائي يستلزم أن تتجه إرادة الجاني إلى إرتكاب الفعل الإجرامي و أيضا إلى تحقيق النتيجة المطلوبة و علّة ذلك أنّ القصد الجنائي يتطلب توافر الإرادة لدى الجاني ، فإذا إنتقت الإرادة انعدمت المسؤولية الجنائية في جمع الجرائم عمدية كانت أم غير عمدية . أمّا إذا إنعدم القصد فينفي المسؤولية الجنائية في الجرائم العمدية ، ذلك أنّ الإرادة هي أن يتعمد الجاني الفعل أو النشاط المادي ، أمّا القصد فهو أن يتعمد الجاني النتيجة المترتبة على هذا الفعل ، وترتيبا على ذلك أنّ القصد يستلزم حتما توافر الإرادة ، و لكن توافر الإرادة لا يستلزم حتما توافر القصد ، ففي الجرائم العمدية كالقتل العمدي يتوافر القصد و الإرادة معا ، و في الجرائم غير العمدية كالقتل الخطأ تتوافر الإرادة و يتخلف القصد نحو تحقيق النتيجة

و تعتبر نظرية الإرادة النظرية السائدة في معظم القوانين العقابية ، و منها قانون العقوبات الجزائري الذي لا يسوى في المعاملة الجنائية كأصل عام بين القصد المباشر الذي يستلزم إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الفعل الإجرامي و تحقيق النتيجة الضارة و هو حال الجرائم العمدية ، وبين القصد غير المباشر أو الإحتمالي الذي يستلزم إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الفعل الجرمي دون تحقيق النتيجة و هو الحال في الجرائم غير العمدية .



العنصر الثاني : علم الجاني بتوافر أركان الجريمة غير التي يتطلبها القانون.

لا يكفي لتوافر القصد الجنائي أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة ، بل عن علاوة على ذلك ، أن يكون عالما بتوافر أركان الجريمة التي يتطلبها القانون.

و يعني علم الجاني بتوافر أركان الجريمة إدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع بأن يعلم الجاني بأنّ أركان الواقعة الإجرامية متوافرة و أنّ القانو-ن يعاقب عليها : بمعنى أن يحيط الجاني بجميع الوقائع التي يتطلبها القانون لقيام الجريمة بكل أركانها . فإذا ما إنتفى عنصر العلم أنتفى معه القصد الجنائي و ينتفي القصد الجنائي عموما في حالة الجهل أو الغلط في الواقعة الإجرامية ".

ويعتبر من الوقائع التي تدخل في تكوين الجريمة ، و التي يتطلب القانون علم الجاني بها حتى يتوافر القصد الجنائي لديه مايلي :



* العلم بموضوع الحق المعتذى عليه :

إذ يجب أن يعلم الجاني في جريمة القتل مثلا أنه يعتدي على إنسان حي ' و أن يعلم في جريمة السرقة أنّ المال المختلس مملوك للغير . فإذا كان الجاني يجهل مثل هذه الحقائق انتفى القصد الجنائي لديه.

* العلم بخطورة الفعل على المصلحة التي يحميها القانون :

فإذا كان الجاني يعتقد أنّ الفعل الذي أتاه لا يشكل خطرا على هذه المصلحة ، فإنّ فعله هذا لا يعد جريمة عمدية ، و إن كان يمكن إعتبارها جريمة غير عمدية ، و مثاله أن يستعمل الجاني متفجرات لا يعلم طبيعتها.

* العلم بزمان إرتكاب الفعل الإجرامي أو مكانه :

إذ يجب أن يكون الجاني عالما بعنصر المكان الذي سيتوجه القانون لتحقق بعض الجرائم ، كعلمه بأنّ جريمة التجمهر تتم في مكان عام ( المادة 97 ق ع ) ، و جريمة ترك الأطفال التي تتم في مكان خال ( المادة 314 ق ع ) . و أن يكون عالما بعنصر الزمان الذي سيتوجه القانون لتحقق بعض الجرائم الأخرى كالجرائم التي ترتكب في زمن الحرب ( المادتان 62 و 73 ق ع ).

و أن يكون عالما بعنصري الزمان و المكان معا اللّذان يستلزم القانون تحققتهما في بعض الجرائم كجريمة الإعتداء على المسكن ليلا ( المادة 40 ق ع ) . فيجب الإعتداء بالعلم الحقيقي بهذه الظروف لتقرير توافر القصد الجنائي لديه.

* العلم ببعض الصفات في الجاني :

إذ يجب أن يعلم الجاني مثلا بصفته جزائريا في جريمة الخيانة كحمل السلاح ضد الجزائر

( المادة 60 ق ع ).

* العلم ببعض الصفات في المجني عليه :

إذ يجب أن يعلم الجاني مثلا بأنّ المجني عليه موظفا في جريمة إهانة الموظفين

( المادة 144 ق ع) ، و أنّ المرأة متزوجة في جريمة الزنا ( المادة 339 ق ع ).

* العلم بالظرف المشدد الذي يغير من وصف الجريمة :

يعتبر الظرف المشدد الذي يغرم وصف الجريمة ركنا في تكوينها ، ومن ثمّ يجب علم الجاني به ، كوجوب علمه بأنّ حمل السلاح في التجمهر يعتبر طرفا مشددا ( المادة 97 ق ع ) خلافا عن التجمهر غير المسلح أو التجمهر البسيط.

و يلاحظ أنّ عدم علم الجاني بالوقائع التي لا يتطلبها القانون لتكوين الجريمة لا يؤدي إلى إنتقاء القصر الجنائي ، ومن هذه الوقائع الظروف المشددة المتعلقة بجسامة النتيجة كوفاة الضحية دون قصدا حدوثها ( المادة 246 ق ع ) . و الشروط الموضوعية للعقاب ، و مثالها أنّ الجاني يعاقب على إرتكابهة الجناية مرتبكة في الخارج سواءا كان يعلم أو لا يعلم بأنّ قانون بلاده يعاقبه عليها ( المادة 582 ق إ ج ). و الظروف المشددة التي لا يغير من وصف الجريمة كظرف العود ( المواد من 54 إلى 60 ق ع ).



ويلاحظ أيضا أنّ الجهل بالقانون أو الغلط في تفسيره لا ينفي القصد الجنائي . ذلك أنذ العلم بالقانون هو علم مفترض لدى الكافة فلا يقبل الدفع بالجهل بالقانون أو بعدم فهمه أو بالغلط في تفسيده لنفي القصد الجنائي تحقيق للعدالة .



ثانيا : صور القصد الجنائي :

تتعدد صور القصد الجنائي من حيث مداها في كل صوره فيه مع تواره في جميعها . فقد يكون القصد الجنائي عاما أو خاصا ، و قد يكون مباشرا أو غير مباشر ، و قد يكون محدودا ، نتولي عرضها بمايلي :

أ ـ القصد العام و القصد الخاص :

أولا : القصد العام .

يقصد بالقصد الجنائي العام إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع توافر العلم بأركان التي يتطلبها القانون . و يعتبر القصد العام لازما لقيام المسؤولية الجنائية في جميع الجرائم العمدية ، و ينحصر في حدود تحقيق الغرض من الجريمة و لا تميز بغيره ذلك أنّ القانون يكتفي بربط القصد الجنائي بالغرض الذي يسعى الجاني إلى تحقيقه بصرف النظر عن الباحث الذي دفعه إلى إرتكاب الجريمة :

و مثال القصد الجنائي العام أن الفقرة الخامسة من المادة 450 ق ع تنص على أنّ " كلّ من تسبب عمدا فالإضرار بممتلكات منقولة للغير... يعاقب بغرامة من 50 إلى 200 دج ، و يجوز أن يعاقب أيضا بالحبس لمدة عشرة إيام على الأكثر".

تقتضي المخالفة المنصوص عليها في الفقرة 5 من المادة 450 ق ع ، أن يتعمد الجاني الإضرار بممتلكات الغير الممنقولة : أي توافر القصد الجنائي العام لديه بأنّ تنصرف إرادته إلى إرتكاب هذه المخالفة مع العلم بأركانها التي يتطلبها القانون ، و من ثمّ لا تقوم هذه الجريمة إذا كان الإضرار بالأموال المنقولة المملوكة للغير كان نتيجة إهمال أو خطأ غير عمدي .

و يعني هذا أنّ القصد الجنائي العام ينتفي في الجرائم غير العمدية ، و يحل محله لخطأ أو الإهمال أو الرعونة و هي جرائم تسود فيها فكرة الخطأ غير العمدي كالقتل الخطأ و الإصابة الخطأ.

ثانيا : القصد الجنائي الخاص .

قد يتطلب القانون أن يتوافر في بعض الجرائم ـ إلى جانب القصد الجنائي العام ـ الباعث على إرتكابها و يسمى هذا الباعث بالباعث الخاص أو القصد الجنائي الخاص ، و يقصد بالباعث الدافع النفسي لتحقيق سلوك معين بالنظر إلى غاية محددة .

و مثال القصد الجنائي الخاص أنّ المادة 216 ق ع تستلزم لقيام جريمة التزوير في المحرارات الرسمية أو المحررات العمومية أن يتوافر لدى الجاني باعث خاص وهونية إستعمال المحرر الرسمي أو العمومي المذور ، إذ لا يكفي لقيام هذه الجريمة القصد العام المتمثل في إنصراف إرادة الجاني إلى مجرد تغيير الحقيقة في المحرر الرسمي مع العلم بعناصر الجريمة القانونية .



ويلاحظ أنّ القصد الجنائي الخاص لا يكون إلاّ في الجرائم العمدية كالذي يتطلب توافر القصد إلى جانب القصد الجنائي العام . ذلك أن توافر القصد الجنائي الخاص في هذا النوع من الجرائم يفترض حتما توافر القصد الجنائي العام في حين أنّ توافر القصد الجنائي العام لا يفترض دائما توافر القصد الجنائي الخاص.

ويلاحظ أيضا أنّ القانون لا شأن له في معظم الجرائم بالباعث أو الدافع إلى إرتكابها ، حتى و لو كان هذا الباعث شريفا أو نبيلا كمن يرتكب جريمة قتل دفاعا عن الشرف ، فإنّ ذلك لا يعفي الجاني من المسألة الجنائية ، و إن كان قد يدفع بالمحكمة إلى تطبيق نظام الظروف المخفقة للعقوبة بحسب ظروف كل واقعة ، و بالنظر إلى ما تتمتع به المحكمة من سلطة تقديرية في هذا الخصوص.

ب ـ القصد المباشر و القصد غير المباشر .

أولا : القصد الجنائي المباشر .

يقصد بالقصد الجنائي المباشر أن" تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع علمه بتوافر أركانها القانونية ، و إعتقاده اليقيني بأنّ نتيجة محررة بعينها يقصدها ستحقق ".

ومثال القصد الجنائي المباشر أن يطلق الجاني النار على خصمه بهدف قتله ، فإنّ الجاني في هذا المثال يتوقع نتيجة محددة يعينها و هي إزهاق روح المجني عليه ' و بذلك يعتبر قصده هنا قصار جنائيا مباشرا. ويلاحظ أنّ القصد الجنائي المباشر هذا المعني لا يبدو أن يكون القصد الجنائي سواءا كان عاما أو خاصا بحسب طبيعة الجريمة ، الذي هو عبارة عن إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع علمه بأركانها القانونية ، و الذي يميز الجرائم العمدية عن الجرائم غير العمدية ، ولذلك يرى بعض الفقه عدم وصول أي مبرر عملي للتفرقة بين القصد الجنائي العام و القصد الجنائي المباشر ، و إن كان لهذه التفرقة أهمية في التعرف على القصد الجنائي غير المباشر .

ويلاحظ أيضا أنّ القصد الجنائي المباشر لا يفترض في حق المتهم ، و أنّ تقدير توافره مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع .

ثانيا : القصد الجنائي غير المباشر .

يطلق على القصد الجنائي غير المباشر أيضا تسمية القصد الجنائي الإحتمالي ، وهو عبارة عن إقدام الجاني على نشاط إجرامي معين فتتحقق نتيجة أشد جسامة من النتيجة التي توقعها في إرتكاب الجريمة ، ويتبن من ظروف الواقعة الجرمية ما يدعو إلى الإعتقاد بأنّ هذه النتيجة كانت في نظر الجاني ممكنة الوقوع لا أكيدة

الوقوع .

و مثال القصد الجنائي غير المباشر أن يعمد الجاني إلى ضرب المجني عليه ، و أن يؤدي هذا الضرب إلى وفاته ، ففي هذا المثال أقدم الجاني على فعل الضرب ، و اكن تحققت نتيجة أشد جسامة ممّا قدر لجريمته و لكن هذه النتيجة كانت في نظر الجاني ممكنة الوقوع ، فيكون القصد الذي توافر لديه هو القصد غير المباشر أو الإحتمالي ، فيسأل جنائيا عن جناية ضرب أخطر إلى الموت . ( الفقرة الأخيرة من المادة 264 ق ع ).



و يلاحظ أنّ الرأي الغالب في الحق يعتبر القصد الجنائي غير المباشر أو الإحتمالي صورة من صور القصد الجنائي ، على إعتبار أنّ الجاني توقع النتيجة و مع ذلك مضى في نشاطه الإجرامي غير مبال بما يمكن أن يقع.



جـ ـ القصد المحدود و القصد غير المحدود :

أولا : القصد الجنائي المحدود :

يقصد بالقصد الجنائي المحدود أو المحدد أن تنصرف إرادة الجاني إلى إحداث نتيجة معينة و عقد العزم على ذلك : أن تدبر موضوع الجريمة . و مثاله أن يطلق الجاني النار على شخص معين يقصد قتله. ففي هذا المثال تحدد موضوع الجريمة ، و بالتالي تحدد قصد الجاني .



ثانيا : القصد الجنائي غير المحدود .

يقصد بالقصد الجنائي غير المحدود أو غير المحدد أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريم

غير مبال بما تحدثه من نتائج ' فالجاني يقبل سلف أن تقع أية نتيجة يرتبها نشاطه الإجرامي . و مثاله أن يطلق الجاني النار على تجمع من النّاس يقصد أن يقتل منهم أي عدد ممكن ، و دون أن يكون لديه تصور محدد لأي عدد من النّاس سيقتل ، أي دون تحديد لموضوع الجريمة ، و بالتالي يكون قصد الجاني غير محدد.

و يلاحظ أنّ القصد الجنائي المحدد و القصد الجنائي غير المحدود لا فرق بينهما من حيث تقرير المسؤولية الجنائية ، و النتيجة في كليهما واحدة في نظر القانون ، و لذلك يرى بعض الفقه أنّ التفرقة بين هذين النوعين من القصد الجنائي هي تفرقة شكلية لا قانونية .

و يلاحظ أيضا أنّ القصد الجنائي المحدود و القصد الجنائي غير المحدود صورتان للقصد الجنائي العام ، ولا صلة لهما بالقصد الجنائي غير المباشر ، و هما صورتان لا تكونا إلاّ في الجرائم العمدية.

ب ـ الخطأ غير العمدي :

يعتبر الخطأ غير العمدي صورة من صورتي الركن المعنوي للجريمة . فقد تكون الجريمة عمدية تقوم على توافر القصد الجنائي ، وقد تكون الجريمة غير عمدية تقوم على مجرد توافر الخطأ .

و يقصد بالخطأ غير العمدي التصرف الذي لا يتفق مع الحيطة التي تتطلبها الحياة الإجتماعية . و قد يقع الخطأ غير العمدي بإعتباره يكون الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية ، قد يقع بفعلي سلبي و قد يقع بفعل إيجابي .

و مثال الخطأ الذي يقع بفعل سلبي أن يكون هناك إلتزام قانون أو تعاقدي ، و أن يقع الإخلال بهذا الإلتزام نتيجة خطأ أو إهمال ، ، كما في حالة الممرضة التي هي ملزمة بمراعاة المريض و إعطائهم الدواء في المواعيد التي يحددها الطبيب ، و تمتنع عن الخطأ أو إهمال القيام بإلتزاماتها التعاقدية هاته و يترتب على ذلك تفاقم حالة المريض أو وفاته .

ـ و مثال الخطأ الذي يقع بفعل إيجابي قيادة سيارة بسرعة مفرط فيها ، و أن يؤدي ذلك إلى إصابة أحد المارة .

و للخطأ غير العمدي بإعتباره الركن المعنوي في الجرائم العمدية أركان و صور لفرضها فيمايلي:

أولا : عناصر الخطأ غير العمدي :

يستفاد من تعريف الخطأ غير العمدي بالتصرف الذي لا يتفق مع الحيطة التي تتطلبها الحياة الإجتماعية ، أنّ الخطأ لا يقوم إلاّ بتوافر عنصرين ، و هما :



ـ العنصر الأول : الإخلال بواجبات الحيطة و الحذر .

يفترض القانون أنّ الحياة الإجتماعية تقتضي أن يتوخى الفرد في تصرفاته الحيطة و الحذر ، بأن يأتي عملا أو يقوم بسلوك مقضي لنتيجة إجرامية ، و يتولى القانون عادة بيان حدود هذا العمل أو السلوك التي يتوجب مراعاتها . وقد لا يحيط القانون بكل ما يتوجب على الفرد مراعاته في حياته اليومية . و لذلك يثار التساؤل عن المعيار المعول عليه لتحديد القواعد الواجب مراعاتها.

فقد يكتفي القانون بالإشارة إلى الواقعة المجرمة بفعل الإهمال ، أو عدم الحيطة أو عدم الإنتباه ، دون بيان للتصرفات التي تعد إهمالا أو تنطوي على عدم الحيطة ، و متى لا يعتبر كذلك . الأمر الذي فتح المجال لإجتهاد الفقه الذي تبنى بعضهم المعيار الشخصي و يتبنى لبعض الأخر المعيار الموضوعي ، نعرضهما فيمايلي ببعض من التفصيل .

* المعيار الشخصي :

يرى أنصار هذا المعيار أنه يجب أن ينظر إلى الشخص المنسوب إليه الخطأ و إلى ظروفه الخاصة ' فإذا تبين أنّ سلوك الشخص المفضى للجريمة كان من الممكن تفاديه بالنظر إلى صفاته و ظروفه عرّ مخطئا . ذلك أنه لا يمكن أن يطالب شخص بقدر من الحيطة و الذكاء يفوق ما تحتمله ظروفه الإجتماعية و في حدود ثقافته و سنه و حيويته .

* المعيار الموضوعي :

يرى أنصار هذا المعيار وجوب المقارنة بين ما صدر عن الشخص المعتبر مخطئا و بين ما كان يمكن أن يصدر عن شخص آخر متوسط الحذر و الحيطة لا يمكن أن يقع فيما وقع فيه الجاني ، عد هذا الأخير مهملا أو مخطئا و يسأل جنائيا.

و يميل الرأي الغالب في الفقه إلى الأخر بالمعيار الموضوعي لتقدير توافر الخطأ الواجب للمسؤولية الجنائية مع مراعاة الظروف الشخصية للجاني في تقدير الجزاء العادل.

العنصر الثاني : العلاقة النفسية بين الإرادة و النتيجة .

لا يكفي مجرد الإختلال بواجب الحيطة و الحذر لقيام المسؤولية الجنائية على أساس الخطأ ، بل يجب علاوة على ذلك ، من تحقق نتيجة محددة يرتبها السلوك الموصوف بالإخلال بواجب الحيطة و الحذر : أي وجود ثلاثة بين إرادة الجاني المخطئة وبين النتيجة . بمعنى بأن يكون نشاط الجاني السبب المباشر في إحداث الواقعة الجرمية ،أن يكون نشاط الجاني متصلا بالنتيجة إتصال السبب بالمسبب إذ لا يتصور قيام الجريمة إلاّ بخطأ الجاني ، فإذا إنعدمت رابطة السببية لقدم الجريمة تبعا لذلك.



ثانيا : صور الخطأ غير العمدي :

تتعدد صور الخطأ في قانون العقوبات لستوعاب الخطأ الذي يحدث في الحياة اليومية غالبا تتمثل صور الخطأ في الإهمال أو الرعونة أو عدم الإنتباه أو عدم الإحتياط ، أو عدم مراعاة الأنظمة . فكل صورة من هذه الصور يتحقق بها الخطأ الموجب لقيام المسؤولية الجنائية عن الجريمة غير العمدية .

ويبدو من هذا التنظيم القانون للخطأ أنه يوجب لقيام الجريمة وجود فعل ناتج عن وعي و إرادة دون أن

يكون هناك قصد في تحقيق النتيجة . و نبين فيمايلي بإختصار معنى كل صورة من هذه الصور :

*الإهمال و عدم الإنتباه :

ينصرف معنى الإهمال و عدم الإنتباه لتقاربهما في المعنى إلى الخطأ الذي ينطوي عليه نشاط سلبي ترك أو إمتناع يتمثل في إغفال الفاعل إتخاذ الحيطة التي يوجبها الحذر ، و الذي لو أتخذه لما وقعت النتيجة . كأن يتسبب الشخص في قتل إنسان أو جرحه بإهماله.

* الرعونة :

يقصد بالرعونة سوء التقدير ، وقد تتجسد الرعونة في واقعة مادية تنطوي على خفة و سوء تصرف كأن يطلق الشخص النار ليصيد طير فيصيب أحد المارة ، وقد يتجسد في واقعة معنوية تنطوي على جهل و عدم كفاءة كالخطأ في تصميم بناء يرتكبه مهندس ، فيتسبب في سقوط البناء و موت شخص.

* عدم الإحتياط :

و يقصد به الخطأ الذي ينطوي على نشاط إيجابي من الجاني بدل عدم التبصر بالعواقب ، و هذا الخطأ الذي يدرك فيه الجاني طبيعة عمله و ما قد يترتب عليه من نتائج ضارة ، كقيادة السيارة بسرعة زائدة في شارع مزدحم بالمارة يفضى إلى قتل أو جرح أحدهم .

* عدم مراعاة الأنظمة :

يقصد به عدم تنصيب الأنظمة المقررة على النحو المطلوب ، أي مخالفة كل ما تصدره جهات الإدارة المختلفة من تعليمات لحفظ النظام و الأمن و الصحة في صورة قوانين أو لوائح أو منشورات.

و يتبين من صور الخطأ المتقدمة أنّ القصد الجنائي منعدم تماما في الجرائم غير العمدية . ذلك أنّ الجاني في هذا النوع من الجرائم يرغب في إرتكاب الفعل الإجرامي و لكن دون نية تحقق النتيجة الضارة خلافا للجرائم العمدية التي يريد فيها الجاني إرتكاب الفعل الإجرامي و أيضا إحداث النتيجة الضارة معا.


  ashraf    عدد المشاركات   >>  29              التاريخ   >>  10/7/2002



الأستاذ /لطفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،،

جهد رائع يستحق كل تقدير وإحترام .
ولي إستفسار هل توجد الجريمة شبه العميدية وهي التي تقع في مرحلة وسط بين العمد والخطأ في قانون العقوبات الجزائري ، وإذا كانت موجودة فهل تلحق بالجرائم العميدية أم لها كيان خاص بها .
أخوك
أشرف خليل روية

  lotfi_07    عدد المشاركات   >>  2              التاريخ   >>  11/7/2002



و عليكم السلام و رحمة الله بركاته

أشكرك أخي الأستاذ أشرف خليل روية على الرد

بالنسبة لسؤالك حول الجريمة شبه العميدية  ( شبه العمدية ) و حسب ما فهمته من تساؤلك أنها تدخل ضمن التساؤل التالي : هل قام و توافر لهذه الجريمة القصد الجرمي أم لا ؟

 أي أنه توافر قبل الشروع و إنتفى أثناء و قوعها منه  

في الحقيقة و حسب علمي أنه لا يوجد نص صريح في قانون العقوبات الجزائري هذا و سبأحث لك و ستأكد من وجودها أو عدمها فيه , لكن و حسب  الاجتهاد القضائي الجزائري فإن الفعل لا يعتبر جرما إلا إذا توافر القصد الجرمي لدى الفاعل باعنبار أن المحكمة العليا قررت أكثر من مرة على ان الركن المعنوي ركن من أركان الجريمة لا تتم بدونه و بالتالي لا يمكن تجريم المجني إلا بتوافر هذا الركن , و تركت إستخلاص النية الجرمية للقاضي من وقائع القضية و لا يمكن أن تفترض إفتراضا بل لا بد من إقامة الدليل عليه و بصورة كافية , و على ضوء هذا التكييف يفصل القاضي في الجريمة شبه العمدية بين الخطأ و العمد إما بتوافر الركن المعنوي للجريمة أو بإنتفائه  

و أرجوا أن أكون قد وفقت في فهم تساؤلك ومن ثم الإصابة في الإجابة , و إلا أرجوا التوضيح  أكثر 

و شكرا 

الأستاذ لطفي   


  ashraf    عدد المشاركات   >>  29              التاريخ   >>  13/7/2002



الأستاذ / لطفي

تحية طيبة وبعد

سعدت بالتواصل معكم وبكم وأود أن أشير إلى أن صورة الجريمة شبه العميدية حتى نقترب من بعضنا أكثر هو ما يعبر عنها بالقصد الجنائي الإحتمالي ، وهو أن يتوقع الشخص وتدعو ظروف الحال إلى إرتكابه جريمة ، ومثالها أن يقوم عامل بشركة كهرباء بفصل التيار الكهربائي ( بإنزال السكينه ) لإجراء عملية صيانة في الشوراع ، ثم يأتي زميل له آخر ويقوم برفع السكينة مباشرة دون أن يتأكد من سبب إنزالها ، في هذه الحالة لا يمكن أن يكون عمل الزميل مجرد خطأ (بصوره المختلفة ) ، بل كان من الواجب عليه أن يتأكد من سبب نزول السكينة ، وهو ما يعبره عنه من ناحية القصد الجنائي بالقصد الجنائي الإحتمالي ، وعليه فعتبر  هذه الجريمة جريمة عمدية وتلحق بالجرائم العمدية الإحتمالية القصد .

وتقبل خالص تحياتي ،،،،

 

 


  هرادة     عدد المشاركات   >>  4              التاريخ   >>  16/7/2002



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اما بعد:

اريد في هذا المقام ان أجتهد في الإجابة عن تساؤل الزميل المحترم أشرف خليل ثم اعرض لمداخلة بسيطة حول قيمة الجانب النظري بالنسبة للواقع العملي:

زميلي المحترم اشرف

وردت صور الخطأ في قانون العقوبات الجزائري في عدة نصوص تكاد تعد على رؤوس اصابع اليد ولعل أهمها:

الصورة الأولى المتعلقة بجناية الضرب أ والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها المنصوص والمعاقب عنها بالمادة264الفقرة الأخيرة.والتي تنص على((... وإذا أفضى الضرب أو الجرح الذي إرتكب عمدا إلى الوفاة دون قصد إحداثها فيعاقب الجاني بالسجن المؤقت من10سنوات إلى20 سنة.))

وأشترط المشرع في هذه الحالة أن يكون الفعل الأول مقصودا دون أن يتوقع الجاني النتيجة التي أفضى إليها قصده الجنائي.فالجاني هنا من المفروض انه يتوقع نتيجة فعله ولكنه لايحاسب على نيته الخفية بل يحاسب فقط على النتيجة التي احدثها وكان عليه من المفروض ان يتوقعها فيتفادها.

ويمكن أن يندرج في سياقها المثل الذي ضربته فقد يكون عامل الكهرباء وهو يقوم بإرجاع التيار قاصدا الإضرار بزميله لسبب من الاسباب دون أن يكون متوقعا النتيجة التي أفضى إليها تصرفه وهو إزهاق روحه .

الصورة الثانية تتعلق بجنحتي القتل الخطا والجروح الخطا المنصوص والمعاقب عليهما بنصوص المواد 288 و289 من قانون العقوبات. فتنص الأولى على((كل من قتل خطأاو تسبب في ذلك برعونته او عدم احتياطه او عدم انتباهه او اهماله او عدم مراعاته للانظمة يعاقب بالحبس من 6 اشهر ال3 سنوات وبغرامة...)) والثانية تنصعلى انه((اذا نتج عن الرعونة او عدم الإحتياط إصابة او جرح او مرض ادى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تتجاوز 3 اشهرفيعاقب الجانى من شهرين إلى سنتين وبغرامة...))

ويلاحظ ان المشرع الجزائري رتب المسؤلية على عدة إحتمالات:

* الرعونة

* عدم الإحتياط

*عدم الإنتباه

*الإهمال

* عدم مراعات الأنظمة

والعبرة في العقوبة بالنتيجة التى احدثها الفعل

ويمكن ان يكيف فعل العامل في المثل الذى ضربته بحسب نتيجته على انه فعل ناتج عن حالة من تلك الحالات او كلها مجتمعة مالم يثبت عكس ذلك طبعا.

الصور الثالثة نجدها في الفصل الاول من الكتاب الرابع والتعلقة بالمخالفات ومنها:

مانصت عليه الفقرة6 من المادة441 مكرر والتى تعاقب بالغرامةاصلا والحبس من10 ايام الىشهرين جوازا كل من القى مواد ضارة او سامة في سائل معد لشرب الإنسان او الحيوان دون ان تكون لديه نية الاضرار بالغير،وما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة442 التي تعاقب بالحبس من 10 ايام على شهرين والغرامةاو احداهماكل من تسبب بغير قصد في إحداث جروح او إصابةاو مرض لا يترتب عليه عجز كلي عن العمل لمدة تجاوز3 اشهر وكان ذلك ناشئا عن رعونة او عدم احتياط او عدم انتباه او اهمال اعدم مراعاة النظم

والصورة الأخيرة تتعلق بمخالفة إلقاء مواد ضارة في الطريق العمومي.

ويجب التنويه أنني قصدت في هذا الرد أن أعطى بعض صور الجريمة الإحتمالية الواقعة على جسم الإنسان ولكن هناك صورا اخرى لهذا النوع من الجرائم تتعلق بالأملاك العمومية والخاصة وكذا الطرقات وحتي الجرائم الواقعة على الحيوانات.

وفي الأخير أرجو ان اكون وفقت في فهم سؤال الزميل المحترم ووفقت ايضا في الإجابة عليه. وعلى كل ننتظر من المتخصصين في الدراسات النظرية أن يوضحوا لنا هذه المسألة لانه وفي علمي أن الباحث الجزائي وإن شحت منابعه وغابت عن مكتباتنا أبحاثه وإجتهاداته إلا انه في النزر القليل من المراجع المتوفرة لا أذكر إن كان قد مر بي دراسة هذا الموضوع.

ومن هذه النقطة بالذات انطالق في طرح بعض التسؤلات التالية بمناسبة الجهد المبذول من طرف الزميل لطفي

-ماقيمة النظري امام التطبيقي وهل له في الواقع العملي أي صدى في المحاكم والمجالس القضائية؟

- مامدى إلتزام القاضي بالجانب النظري في إصدار حكمه ، هل يراعى اركان وعناصرالجريمة والمبادئ العامة لها ،والإجراءات الواجب إتباعها في إثباهاقبل النطق بالحكم.؟

- هل المشكلة المطروحة في ضياع كثير من حقوق الدفاع مردها تكوين القاضي ام قناعته ، ام إلى تراكم جبال الملفات امامه ولزوم سرعة الفصل فيها كيفما إتفق ، ام هناك عوامل خفية أخرى تغل يده عن الحكم وفق ماتمليه قدسية النصوص الإجرائية قبل العقابية؟

في رايي المتواضع لا اعزو الحال إلى تكوين القاضي فالقضاة عندنا خاصة الجيل الجديد مكونين احس تكوين يحسدون عليه،ولكن هناك عوامل خفيه تدعوه لتغليب الإدانة على البراءة لا نعرفها إلا من خلال زلات السنة زملاء المهنة الذين تولوا منصب القضاء من قبل ، لعل اهمها العوامل النفسية والإجتماعية ورقابة الرقيب ومحاسبة الحسيب ، ويظهر ذلك من خلال كثرة القضايا المعروضة على محكمة النقض، والتعليمات الموتوالية لمسؤل وزارة العدل الذي طالب في تعليمتين متواليتين بوجوب تغيير الذهنيات قبل تغيير النصوص وهما التعليمتان المتعلقتان بوجوب التقليل من اللجوء إلى الحبس الإحتياطي- رغم تعديل قانون الإجراءات الجزائية في هذا الموضوع- ووجوب التقليل من إستئناف النيابة لأحكام البراءة.

وفي هذا المقام أهيب بالزملاء القضاة ان يعرضوا لمشاكلهم في هذا المنتدى مادامه مفتوحا للجميع ومادامه يسمح بإستعمال الأسماء المستعارة واو يقولوا كلمتهم ولو من باب الرأي اللآخر.

كما اهيب بالزملاء محامين وقضاة ممن كان لهم شرف المشاركة في ورشات لجنة إصلاح العدالة أن يعرضوا لنا توصيات هذه اللجنة في هذا المقام الطيب لنستفيد ولنفيد إن شاء الله

واترك المجال الآن لمداخلاتكم زملائي المحترمين ولكم الشكر والتقدير.

 

 


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3456 / عدد الاعضاء 62