شرق أوسط جديد... ممكن
ترى بعض النخبة – وقد يكون لديها الحق – أن شرقاً أوسطاً جديداً تحاول القوى الإمبريالية فرضه على المنطقة العربية وأن كان هذا الشرق الأوسط المزعوم لم يتشكل بعد ولم تتبين ملامحه فهو الحاضر الغائب فى مناقشاتنا حول مستقبل المنطقة العربية،فالمصطلح يذكر بمناسبة وبدون مناسبة عند الحديث عن العراق أو فلسطين وأخيراً العدوان الهمجى الإسرائيلي على لبنان،فنسمعه مرات على لسان الآنسة كوندى وزيرة الخارجية الأمريكية منذ أن أطلقت تصريحها المدوى بالفوضى الخلاقة إلى أخر تصريحاتها تعليقا على العدوان على لبنان بأن هناك شرقاً أوسطاً جديداً يتشكل،ومرة على لسان كتاب السلاطين رافضين مهددين الصديق الأمريكى من خطورة التخلى عن الأصدقاء الأوفياء (حكام المنطقة بالطبع)،ومرات ومرات على لسان النخبة سواء المعارضة أو القريبة من السلطة على أعتبار أن خطر محدق بنا وعلينا مواجهته،ولا مانع من إضافة بعض الإيحاءات للتبشير بالمولود الجديد (الشرق الأوسط الجديد) مثل أن هناك مشروع بضم بعض أراضى فلسطين التاريخية إلى دول مثل مصر والأردن فى إطار صفقة لإنهاء الصراع ويجرى الترويج لهذه الإيحاءات من قبل وسائل الإعلام وخاصة الصحف الغير حكومية وبالتحديد الصحف المستقلة المحسوبة على التيار القومى والقريبة من وجهة بعض أجنحة السلطة باعتبار أن تلك الإيحاءات مشاريع مطروحة فعلا وأن القوى الإمبريالية تدفع باتجاه تنفيذها معتمدين فى ذلك على تقارير مخابرتيه وأمنية يصعب تدقيقها ومراجعتها.
ثم يأتى دور الأنظمة فى رفض هذا التدخل وتلك المشاريع ومن ثم رفض الشرق الأوسط الجديد،مصر مثلا وجهت انتقادات لتصريحات الفوضى الخلاقة ورفضت وضع يدها على قطاع عزة أثناء انسحاب إسرائيل منه فى تصريحات رسمية.
ودائما أبدا ما يتم الربط بين هذا الجنين أو تباشير المولود وبين الإصلاح السياسي فى المنطقة وإمكانية إزالة الأنظمة البالية التى تحكمنا دون شرعية ما ويصبح كل مطالب بالإصلاح هو أحد المكلفين بعملية الولادة المتعثرة لهذا الجنين أو على الأقل فهو مطالب بالشرق الأوسط الجديد.
ويرتبط هذا المصطلح أيضا من ضمن ما يرتبط فى ذهنية النخبة أنه مشروع إمبريالي جديد فى المنطقة أي أنه تدخل فى شئوننا الداخلية وعبث بالإرادة الوطنية وتمكين للكيان الصهيونى من السيطرة على مقدرات المنطقة ويصبح فيها الأخير هو قائد الشرق الأوسط الجديد،ومن ثم فأننا يجب مواجهته،ولأن الشئون الداخلية هى شئون الحاكم والإرادة الوطنية هى إرادة الحاكم ولأن الأوطان فى منطقتنا تلخصت فى الحكام فى ذواتهم وفقط،فأننا شيئا فشيئا نصبح مدافعين عن حكامنا أو جلادينا فى مواجهة مشروع إمبريالي مزعوم لم نتحقق منه،واصبح المستفيد الأول من هذا التعتيم على هذا المولود المزعوم هى الأنظمة الفاسدة البالية التى تحكمنا بدعم واضح وصريح من الإمبريالية والتى تعطى للكيان الصهيوني الكثير والكثير دون مقابل وتتسامح معه أكثر مما تتسامح مع شعوبها.
ولكن ايا ما كان هذا الشرق الأوسط الجديد وأيا ما كانت ملامحه فأن النخبة ومن ثم ما يسمى بالقوى السياسية ترفضه وتعتبر نفسها فى مواجهته أي أنها تريد الوضع على ما هو عليه ( وهذا الأمر يفرض تسأول عن السبب فى وجودها أصلاً باعتباره قوى معارضة ولكن ما علينا) أي استمرار تلك الأنظمة واستمرار سياساتها الكارثية ولم تحاول طرح بديل عن الشرق الأوسط الحالى والشرق الأوسط الجديد لافتقادها ما يسمى الخيال السياسي ومن ثم فأصبحت بدرجة ما مجندة فى خدمة الأنظمة البالية والفاسدة وأعطت شرعية ما لتلك الأنظمة فى مواجهة ضغوط ممكنة من الصديق الأمريكى لتلك الأنظمة الحاكمة.
ولكن السؤال الذى يجب أن نجيب عليه جميعا عليه هل هناك شرق أوسط جديد ممكن،ليس على الطريقة الأمريكية وفى نفس الوقت لا يكرس الوضع الحالى الاستبدادي شرق أوسط يضع ملامحه ويدشنه أصحاب المصلحة الحقيقة فى المنطقة أي شعوب المنطقة،شرق أوسط نسعى جميعا لولادته من رحم نضالات واسعة معبرا حقيقا عن تطلعات شعوب المنطقة،شرق أوسط يؤمن بالكفاح المسلح والشرعي ضد الإحتلال وبدون وجود الكيان الصهيونى العنصرى ذاته،شرق أوسط جديد يكون أساسه إطلاق الحريات والعدالة الاجتماعية وتقسيم عادل للثروة والسلطة،شرق أوسط خالى من الطائفية والعنصرية وتحكم رجال المخابرات والأمن فى مصائرنا،شرق أوسط خالى من جنرالات فاسدين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار بالطوارئ والمعتقلات وقوانين العمل والسخرة،شرق أوسط يؤمن بالديمقراطية كطريقة للحياة نابعه من نضال شعوبه وليس ديمقراطية مفروضة عليه أو ممنوحة له.
أعتقد أننى لا أبالغ أن ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد هو فى استمرار الأنظمة الحاكمة الحالية كما هى ما بعض التعديلات الطفيفة،وقد يكون هذا التصور خطأ وأن الأنظمة فجأة أصبحت تقاوم الإمبريالية وأن ألأخيرة ( لا سمح الله ) فى مواجهه مع الأنظمة.
أعتقد أن علينا كشف وفضح المتصارعين على التهامنا الأنظمة والإمبريالية وأن نطرح ونبشر بشرق أوسط جديد من صنعنا نحن،فهل ممكن.
تحياتي للجميع
أحمد راغب
المقال منشور على موقع لام الف على الرابط التالى
http://www.lamalef.net/mkal/06/rageb.htm