|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
التاريخ 5/2/2006 5:51:10 AM
|
انتخاب أعضاء مجلس القضاء مطلب جوهرى لاستقلال القضاء
|
انتخاب أعضاء مجلس القضاء الأعلي.. مطلب جوهري لاستقلال القضاء
بقلم المستشار ناجي دربالة وكيل نادى القضاة
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.. وقد مضي زمن كان يعتقد فيه أن مجرد تقسيم وتقاسم السلطة هو عاصم احتكارها حصرياً (خاصة لو اختزلت، أو اختزل القائمون عليها أنفسهم طواعية في شخص واحد ـ هو الرئيس، وليس في الأغلب، ومن ثم فقد أبدع الفكر الإنساني ـ بكل روافده ـ فكرة رقابة السلطات لبعضها البعض أو دفعها لبعضها البعض، «... ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل علي العالمين» (البقرة ٢٥١) «... ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع، وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز» (الحج ـ ٤٠)، بل والحفاظ علي قدر محسوب من التوتر والتعاون بينها يكفل جدية الرقابة وتجرد التوافق، غير أن هذا المعني لا يكتمل ليتحقق به المبتغي النهائي لتفويض سلطة معينة للقيام علي شؤون آحاد الناس إلا بكفالة قدر من المشاركة لهؤلاء الآحاد في اختيار أفراد تلك السلطة و القدرة علي تغييرهم واستبدالهم فيما لو لم يحسنوا تمثيلهم .
وقد كان الاستقلال الصارم للسلطة القضائية عن السلطتين الأخريين مطلباً جوهرياً وضرورياً قد لا أجد له تلخيصاً جامعاً مانعاً، إلا عبارة القاضي الإمام الشيخ محمد عبده ـ متي حُمّل مبناها ومعناها علي المطلق ـ أن يكون أمر القاضي في يد مجتمع إخوانه بيد أن مجتمع القضاة ـ رغم ما نشأوا عليه من حب الحق وإيثار العدل ودربوا عليه من التجرد والحيدة والنزاهة ـ يجري عليه وعليهم ما يجري علي الخلق ويحتاجون ـ رغم ذلك ـ إلي قواعد وضمانات تضاف إلي حسن سجاياهم لتكون عاصماً عن تغول في السلطان أو إقصاء للشوري والمداولة ـ خاصة لو آل الأمر لمختال أو مخاتل ـ بل ربما يحتاج القائمون علي إدارة شؤونهم لقواعد أصرم من غيرهم لكون ما يجرونه من أحكام وقرارات هي الأدني لإغواء البعض باستعمال لشبهة القداسة المستمدة من اسم الله العادل الذي يحكمون باسمه مما قد يجرهم إلي خطأ إضفاء الصفات العلية وارتكاب خطيئة خلق منطقة فوق النقد لإداراتهم لشؤون السلطة القضائية بمجملها.
ولما كان الواقع يسير ـ بتدافع الناس ـ نحو محاولة خلق الكيانات المتوازية التي تحفظ وتثبت الحقوق، فقد كان أداء السلطة القضائية، والحديث في حدود نطاق المحاكم العادية، يتناوبه المثلث الخالد، وهو الأقرب شبهاً بسلطات الدولة الثلاث، نادي القضاة، مجلس القضاء الأعلي، ووزارة العدل، وبقدر حفاظ أضلاع هذا المثلث وبخاصة نادي القضاة، علي أداء دوره وحيوية هذا الأداء كان ارتفاع أداء القضاء وحسن قيامه برسالته المقدسة، حقيقة وكان العكس ـ مع الأسف وفي كثير من الأحيان ـ صحيحًا.
وكان مقتضي الاستقلال الصارم للسلطة القضائية عن السلطتين الأخريين يلزم معه إقصاء وزارة العدل ـ وهي جزء من السلطة التنفيذية ـ عن كل شأن لهذه السلطة.
وكان الحفاظ علي نادي القضاة مستقلاً عن أي جهة غير جمعيته العمومية المناط بها الرقابة علي أعضائه المنتخبين هو ضرورة لضمان التعبير عن حقوق القضاة في مواجهة من يدير حركة القضاء عامة (وفي هذا حديث مفصل ليس هذا موضعه)
أما مجلس القضاء الأعلي وهو المنوط به بالأساس الدفاع عن السلطة القضائية تجاه ما عساه أن يصدر من السلطتين الأخريين من انتقاص لاستقلالها أو لاختصاصاتها أو حصانات وضمانات أعضائها، بالإضافة لإدارته الشأن القضائي برمته «وهو اختصاص هائل، إذ يمتد إلي كل شؤون القضاء ورجاله، بدءاً من تعيين القضاة ونقلهم وندبهم وإعارتهم وترقيتهم.. إلخ، يضاف إليها ما تضمنه المشروع المقدم من نادي القضاة لتعديل قانون السلطة القضائية، والذي يخص المجلس بموازنة مستقلة ويلحق به التفتيش علي أعضاء النيابة العامة والقضاة، بما يجعل المجلس وقد جمع ـ إذا صح التعبير ـ كل السلطات التنفيذية والتشريعية في شأن القضاة.
وهذه السلطة المطلقة في تلك الاختصاصات الهائلة، يتعين أن تتمتع بقدر من الحرية ـ لا تتجاوز إلي التسلط ـ وقدر من الرقابة ـ لا تتجاوز إلي التقييد ـ لدرء المفاسد المتوقعة من إطلاق السلطة أو المبالغة في الرقابة.
ولعلنا إذا بحثنا عن أوفي وسائل تلك الرقابة المحسوبة، التي تكفل القدر المطلوب من الحرية الخلاقة، فلن نجد وسيلة أدني أو أدق من أن تكون غالبية أعضاء المجلس مختارين من قبل القضاة أنفسهم، ذلك أنهم من ناحية يبقون في صلة دائمة موصولة بمن اختاروهم تحكمهم مسؤولية المنتخب حيال ناخبيه، ومن ناحية أخري يتيح ذلك وجود عناصر بحكم أقدميتهم المطلقة، بما يؤدي لمزج قاعدتي الأقدمية والاختيار في تشكيل مجلس القضاء الأعلي، وهو ما نحت نحوه المادة ٧٧ مكرراً «١» من مشرع تعديل قانون السلطة القضائية، فنصت علي أنه «يشكل مجلس القضاء الأعلي برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام، واثنين من أعضاء محكمة النقض واثنين من أعضاء محكمة استئناف القاهرة «المحكمتان هما الأقدم والأعرق ولا يجوز نقل أي من مستشاريها أعضاء جمعيتها العمومية، إلا بناء علي طلبه». تختار كل منهم الجمعية العامة لمحكمته لمدة سنة، كما تقوم كل جمعية باختيار عضوين احتياطيين لنفس المدة».
ولعل استعمال النص لتعبير «الاختيار» قد جاء متوافقاً مع التقاليد القضائية المرعية في هذا الشأن، ففي اختيارات محكمة النقض ـ ونظامها بكامله قائم علي الاختيار ـ لا وجود للطقوس الانتخابية المعهودة في الانتخابات عامة، بل يميل الأمر إلي ـ مداولة تنتهي إلي توافق علي أشخاص اشتهروا بين زملائهم بالكفاءة العلمية والسيرة السوية «فلا لافتات ولا دعاية»، ولا غير ذلك مما هو مألوف في الانتخابات ـ بل من يأتي مثل هذا يعد وقد أتي شيئاً إدا.
١ - قاعدة الأقدمية مهملة في كل شأن للقضاء:
ذلك أن تلك القاعدة - ومن قديم - أقصيت عن كل المناصب القضائية فرئيس محكمة النقض يختاره رئيس الجمهورية - بل يمكن لوزير العدل أن يكون له شأن في اختياره وتحديده وفق نص المادة ٤٤/٢ من قانون السلطة القضائية - وكذلك النائب العام يشغل موقعه بالاختيار لا بالأقدمية والنائب العام المساعد والمحامين العامين الأول والمحامين العامين ورؤساء النيابة العامة «يختارهم النائب العام بحق مطلق» ومساعدي وزير العدل والمنتدبين بالوزارة ورؤساء المحاكم الابتدائية «يختارهم وزير العدل بحق مطلق»، ولا يراعي في شغلهم تلك المناصب أن تكون بالأقدمية المطلقة، بل إن رؤساء الدوائر الجزئية كثيراً، ما يكونون أعلي في مراتب الأقدمية من رئيس وأعضاء الدوائر الاستئنافية التي يطعن علي أحكامهم أمامها، وكذلك أعضاء المجلس الأعلي للهيئات القضائية يضم في عضويته رئيس محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، وهو ليس بالأقدم - بل يختاره وزير العدل - بالإضافة إلي عضوين يجوز لرئيس الجمهورية اختيارهما ممن سبق لهم العمل بالهيئات القضائية في وظيفة مستشار أو ما يعادلها «القرار بقانون رقم ٨٢ لسنة ١٩٦٩»، فإذا كان لرئيس الجمهورية ووزير العدل - وهما من السلطة التنفيذية - حق الاختيار لمن يتولي أمر القضاة فإنه يحق ومن باب أولي أن يتقرر هذا الحق للقضاة أنفسهم.
٢- إن القول بأن تقاليد القضاء تأبي أن يترأس الأحدث الأقدم
هو قول مردود عليه من أوجه عدة منها أن القضاة ـ بقطع النظر عن أقدمياتهم يختصون بنقض الأحكام القضائية النهائية ولو كانت صادرة ممن هم أقدم منهم، كما أن الدوائر الاستئنافية بالمحاكم الابتدائية تختص بإلغاء الأحكام الصادرة من القاضي الجزئي ولو كان أقدم من أعضائها جميعاً بل إن القاضي الجزئي يختص بنظر منازعات الأفراد بصفتهم الشخصية ولو كانت مرفوعة علي رئيس محكمة النقض.
ومنها: إن مجلس القضاء الأعلي لا يعد محكمة قضائية يتقيد تشكيل هيئتها بأقدمية أعضائها بل هو مجلس مختار لإدارة شؤون القضاء والقضاة فالمستقر عليه فقهاً وقضاء أن قرارات مجلس القضاء الأعلي في شأن من شؤون رجال القضاء والنيابة العامة هي من الأعمال التحضيرية للقرار الإداري ـ الذي يكتسب شكله النهائي بصدور القرار الجمهوري في الحالات التي يوجب القضاء فيها ذلك.
٣ـ الاختيار والانتخاب مبدأ أصيل في التراث القضائي المصري.
أ ـ في ظل لائحة ترتيب المحاكم المختلطة اختيار رئيس محكمة الاستئناف ورؤساء المحاكم الابتدائية بالانتخاب.
ب ـ ثم أوجب المرسوم بقانون نظام هيئة القضاء رقم ٣١ لسنة ١٩٣٦ الذي أنشأ أول مجلس أعلي للقضاء في مصر أن يتضمن تشكيله أربعة من مستشاري محكمة النقض ومحكمة استئناف القاهرة يجري اختيارهم بطريق الانتخاب من الجمعية العمومية لكل من المحكمتين.
ج ـ وعندما سقط المرسوم بقانون آنف البيان لعدم عرضه علي البرلمان عرضاً صحيحاً أصدر وزير العدل في ٢٧/١/١٩٣٨ قراراً بإنشاء لجنة مؤقتة تبدي الرأي في التعيين والترقية والنقل والندب والإحالة إلي المعاش تشكل برئاسة رئيس محكمة النقض والإبرام وثلاثة من مستشاري محكمة النقض والإبرام تنتخبهم جمعيتها العمومية ووكيل وزارة العدل ورئيس محكمة الاستئناف والنائب العام، وظلت هذه اللجنة تؤدي عملها حتي ألغيت بإنشاء مجلس القضاء الأعلي.
د - قضي القانون ٦٦ لسنة ١٩٤٣ بأن يرأس رئيس محكمة النقض والإبرام مجلس القضاء الأعلي وأن يتكون من الوكيل الدائم لوزارة العدل ورئيس محكمة استئناف مصر والنائب العام ورئيس محكمة مصر الابتدائية ومستشارين تختارهما الجمعية العمومية لمحكمة النقض ومحكمة استئناف مصر لمدة سنتين كأعضاء.
هـ- بل إن هذا القانون وقد أنشأ لجنة بوزارة العدل تسمي «لجنة الترقية» حرص علي أن تتضمن في عضويتها مستشارين منتخبين لمدة سنة من ذات المحكمتين (النقض واستئناف مصر) وفق المادة ٢٣ من القانون، وكذلك الحال بالنسبة لمجلس تأديب أعضاء النيابة العامة «المادة ٨٦»، كما أنشأ مجلساً استشاريا أعلي للنيابة العامة للنظر في ترقية وعزل أعضاء النيابة العامة، حرص علي أن يكون من بين أعضائه مستشار من محكمة النقض والإبرام يختار بطريق الانتخاب من قبل جمعيتها (المادة ٨١).
و - وحتي عندما صدر المرسوم بقانون رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٢ من هيئة الوصاية المؤقتة علي ملك مصر والسودان - القاصر آنذاك - وفي ظروف بالغة الحرج والدقة لقيام ثورة يوليو - بتعديل تشكيل مجلس القضاء الأعلي ليسير علي نهج الأقدمية المطلقة أنشأ لجنة وقتية للنظر في أمرالقضاة وأعضاء النيابة العامة فيما يتصل بهم وبأعمالهم لتقدير صلاحيتهم لولاية القضاء أو عزلهم منها، تضمن تشكيلها مستشاراً من محكمة النقض والإبرام وآخرين من محكمة استئناف القاهرة تنتخبهم الجمعية العمومية لكلتا المحكمتين بطريق الاقتراع السري.
ز - وعندما صدر - بمناسبة الوحدة مع سوريا - قرر رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٩ في شأن السلطة القضائية، إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلي - وضمن تشكيله أحد عشر عضواً، من بينهم نائب من نواب رئيس محكمة النقض في الإقليم المصري، وآخرين من الإقليم السوري دون أن يقرن ذلك بالأقدمية بما مفاده أن يكون مرجع ذلك الاختيار (الانتخاب) كما أناط تأديب أعضاء النيابة بمجلس يؤلف في كل من الإقليمين المصري والسوري يتضمن تشكيله اثنين من مستشاري محكمة استئناف القاهرة أو محكمة استئناف دمشق تنتخبهما الجمعية العمومية لكل محكمة كل سنتين (المادة ١٣٥).
ح - ولما صدر القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٦٥ في شأن السلطة القضائية أبقي علي مبدأ الاختيار بالانتخاب لمستشاري محكمة النقض وكذا ترقيتهم إلي درجة نائب لرئيس محكمة النقض، وهو ذات النهج المعمول به حتي الآن (المادة ٥١) وأوردت المذكرة الإيضاحية ما يؤكد العقيدة الثابتة لجدوي وسلامة الاختيار بالانتخاب في قولها (كما نص علي أن يكون تعيين مستشار النقض من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العمومية لمحكمة النقض ويرشح الآخر مجلس القضاء الأعلي - وهو ما كان مقرراً من قبل في قانون استقلال القضاء - وهو نظام يتميز بتبسيط إجراءات تعيين مستشاري النقض فضلاً عن دعم سلطة أجهزة القضاء العليا في اختيار رجالها».
ط - ثم صدر القرار الجمهوري بالقانون رقم ٨٢ لسنة ١٩٦٩- ضمن القرارات التي عرفت في التاريخ بقرارات مذبحة القضاة بإلغاء مجلس القضاء الأعلي واستبداله بالمجلس الأعلي للهيئات القضائية، وعلي مدي نحو أربعة عشرعامًا ارتفعت أصوات القضاة في جميع جمعياتهم العمومية ونشاطاتهم الاجتماعية تردد مطالبهم بإعادة مجلس القضاء الأعلي ومن ذلك قرارات الجمعية العمومية لمحكمة النقض الصادرة في جلساتها المنعقدة بتاريخ ٢٢/١/١٩٧٤ و١٩/١/١٩٧٦ و١٦/١٠/١٩٨٤ وكذلك الجمعيات العمومية لنادي القضاة ومنها المعقودة بتاريخ ١١/١/١٩٨٤ والجمعيات العمومية لقضاة محاكم المنصورة وسوهاج ودمنهور الابتدائية المعقودة بتاريخ ١٩/٣/١٩٧٨ و١١/٤/١٩٧٨ علي التوالي،
وما إن تخلق من زخم تلك المطالبات، وبدعم هذه الأصوات مشروع قانون عودة مجلس القضاء الأعلي ـ الذي صدر بعد ذلك بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٤ معدلاً القانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢، بشأن السلطة القضائية ـ حتي كانت أولي الغايات التي يسعي لتحقيقها استعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلي بذات التشكيل الذي تنصهر فيه قاعدتا الأقدمية والانتخاب لتؤدي إلي أمثل تشكيل يجمع خبرة الشيوخ إلي رؤية واختيار القضاة بما يضمن تواصل العطاء واتصال القضاة بواقع زملائهم، وفي ذلك أوردت الجمعية العمومية غير العادية لنادي القضاة فرع الإسكندرية بجلستها المعقودة في ٨/١٢/١٩٨٤ قولها تعليقاً علي نص المادة ٧٧ مكرر ٦ من مشروع تعديل قانون السلطة القضائية، وقد نصت هذه المادة علي أن يشكل المجلس الأعلي برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية رئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام وأقدم اثنين من نواب رئيس محكمة النقض،
وأقدم اثنين من رؤساء محاكم الاستئناف الأخري، وهؤلاء جميعاً وإن كانوا من شيوخ القضاة الأجلاء، إلا أنهم يعينون في المجلس بحكم وظائفهم، وقد لا تسمح لهم مسؤوليات مناصبهم الرفيعة بالاحتكاك الدائم مع من هو أدني منهم درجة في سلك القضاء، ومن ثم كان مجدياً أن يضاف إلي المجلس في تشكيله عضوان منتخبان ممن هم علي اتصال مباشر بزملائهم، يوصلان للمجلس أولاً بأول آراءهم ويوجدان حلقة اتصال بينه وبينهم، أحدهما تنتخبه الجمعية العامة لمحكمة النقض والثاني تنتخبه الجمعية العامة لمحكمة استئناف القاهرة كل من بين أعضائها.
كما أورد المستشار يحيي الرفاعي نائب رئيس محكمة النقض الأسبق في مقاله تعقيباً علي مشروع القانون والذي نشر بتاريخ ٩/١١/١٩٨٤ بجريدة الأهرام قوله: ثالثاً: استبعد المشروع في تشكيل مجلس القضاء الأعلي ما كان منصوصاً عليه في قانون استقلال القضاء رقم ٦٦ لسنة ١٩٤٣، من أن يكون بين أعضاء المجلس مستشار من كل من محكمة النقض ومحكمة استئناف القاهرة تختاره جمعيتها العمومية، وهو أمر حيوي لتزويد المجلس بأصلح العناصر وأقدرها استعداداً واهتماماً للمساهمة في أداء رسالته، ومن هنا يلزم إعادة النص علي هذا الأمر في المشروع استيفاء للنقض المشار إليه «المرجع السابق - ص٦٧٢».
ي- وما إن صدر القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٤ بتعديل أحكام قانون السلطة القضائية رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية دون أن يستجيب لهذا المطلب الجوهري الذي يستكمل غاية استقلال القضاء المثلي حتي عاد القضاة في مؤتمر العدالة الأول المعقود بمبادرة من نادي قضاة مصر في الفترة من ٢٠/٤/١٩٨٦ وحتي ٢٤/٤/١٩٨٦ إلي إصدار توصية بهذا الشأن جاء فيها:
ثامناً: أن يضاف لتشكيل مجلس القضاء الأعلي أحد مستشاري كل من محكمة النقض ومحكمة استئناف القاهرة تختاره جمعيتها العامة لمدة سنتين «مؤتمر العدالة الأول» (٢) الوثائق الأساسية - طبعة نادي القضاة ١٩٨٦ - التوصيات - القسم الخامس في شؤون القضاة - ص٥٠).
ك- كما أكد علي هذه التوصية - وعلي توصية أخري بأن يكون اختيار رئيس محكمة النقض بالانتخاب بناء علي ترشيح جمعية خاصة من الرئيس والنواب بموافقة مجلس القضاء الأعلي شأنه في ذلك شأن اختيار مستشاري محكمة النقض والنواب بها.
ل - كما أكد ذات المعني المستشار مقبل شاكر رئيس نادي القضاة السابق بكلمته في الجمعية العمومية غير العادية المعقودة بتاريخ ١٩/٩/١٩٩٢ والتي قال فيها: «لقد قام هذا المشروع - يقصد مشروع القانون - علي المحاور الآتية: أولاً......... ثانياً: ........ ثالثاً: أنه من منطلق أن رئاسة محكمة النقض لا يمكن أن تكون ميزة شخصية لأنها قبل وبعد كل شيء مسؤولية بحتة تجاه القضاء المصري وتجاه قضاة مصر، ومن منطلق أن قاعدة الأقدمية وحدها قد تكون قيداً رهيباً وانفصالها مدمراً عن الواقع فإن المشروع قد تضمن ضوابط في تعيين رئيس محكمة النقض، بحيث توضع الأقدمية وضعها الصحيح وأن تكون الرئاسة من بين نواب رئيس محكمة النقض الذين أمضوا في العمل بالمحكمة ثلاث سنوات علي الأقل ومضي علي عملهم القضائي داخل جمهورية مصر خمس سنوات متصلة سابقة علي ترشيحهم لرئاسة المحكمة «مجلة القضاء السنة التاسعة العدد الأول - يناير - مارس ١٩٩٤ ص ٣٣».
م - ثم جاء المشروع الحالي ليؤكد المطالبة باستعادة هذا المبدأ الأصيل في التراث القضائي العتيد.
٤- تقرير حق الاختيار بالانتخاب لأعضاء بمجلس القضاء الأعلي للقضاة يضمن - فضلاً عن أن هذا يعد مواكباً لشيوع روح الحرية ونقل السلطة للقاعدة العريضة التي يجب أن ترضي ممثليها أو في القليل - بعضا منهم - ارتباط الأعضاء المختارين بالانتخاب بناخبيهم، ومن ثم حرصهم علي التعبير عن مصلحتهم والدفاع عن حقوقهم وتلبية احتياجاتهم لإدراكهم أن هؤلاء الناخبين هم مصدر وجودهم بالمجلس وأنهم - إن آجلا أو عاجلاً - إليهم مردودون ليؤكدوا ثقتهم فيهم أو يحجبوا تلك الثقة عنهم، كما أنهم هم الأصل الذي يحق له أن يوجه الوكيل إلي كل ما يراه لازما لحماية حقه أو الذود عن حصاناته وضماناته ولعل موقف الجمعية العمومية لمحكمة النقص من محاولة الحكومة الانفراد بتعيين وكيل المحكمة يعبر بأصدق تعبير ويبين بأوضح بيان مدي أهمية وقيمة الاختيار وقدرة من يقومون عليه، ذلك أنها - أي الجمعية العمومية حين علمت أن لجنة تعديل ترتيب المحاكم - المشكلة في وزارة العدل - رأت أن يكون تعيين وكيل محكمة النقض من اختصاص وزارة العدل، عقدت لذلك ثلاث جلسات متوالية أيام ١٨، ١٩،٢٠ من فبراير سنة ١٩٤٧ بناء علي طلب أحمد علي علوبة بك المستشار بالمحكمة، وبعد المداولة أصدرت الجمعية قرارها بما نصه «وصل إلي علم مستشاري محكمة النقض أنه بجلسة أول فبراير سنة ١٩٤٧ قررت اللجنة المذكورة، في صدد تعيين وكيل محكمة النقض، أن تستقل السلطة التنفيذية وحدها بهذا التعيين، علي الرغم من معارضة مستشار النقض العضو بها، وعلي الرغم من أن القانون القائم لا يخول السلطة التنفيذية الانفراد بالتعيين، وهذا الذي فعلته اللجنة في شأن أعلي هيئة قضائية في البلاد إنما هو رجوع باستقلال القضاء إلي الوراء، وبما أن الروح التي آملت ذلك لا تستقيم،
وما تدين به الجمعية العمومية بمحكمة النقض من وجوب عدم المساس أبداً بالضمانات المكتسبة بقانون استقلال القضاء، ووجوب العمل علي استقلال السلطة القضائية بجميع شؤونها، والحد من تدخل السلطة التنفيذية فيها، ولما كان هذا النظر ماثلاً أمام محكمة النقض حين أجازت اشتراك المستشار/ مصطفي مرعي في عمل اللجنة لذلك: قررت الجمعية العمومية دعوة حضرة المستشار/ مصطفي مرعي بك إلي التنحي عن عضوية لجنة تعديل ترتيب المحاكم، «وهكذا كان هذا الموقف التاريخي سبباً لتقرير حق محكمة النقض في أن يتوقف تعيين نواب الرئيس علي ترشيح واختيار جمعيتها العمومية».
٥- إن ضم أعضاء بالاختيار لمجلس القضاء الأعلي ليس بدعاً ننفرد به فالكثير من التشريعات تأخذ بهذا المبدأ، ففي إيطاليا يشترك في مجلس القضاء الأعلي بها الرئيس الأول لمحكمة النقض والنائب العام لدي محكمة النقض ويختار باقي أعضاء المجلس بطريق الانتخاب بنسبة الثلثين من بين جميع رجال القضاء بمختلف فئاتهم «المادة ١٠٥ من الدستور الإيطالي»، وفي تركيا يتألف مجلس القضاء الأعلي من ثمانية عشر قاضياً أصلياً وخمسة قضاة احتياطيين وينتخب ستة من هؤلاء الأعضاء من قبل الدوائر المجتمعة لمحكمة النقض وستة آخرون يختارهم قضاة الدرجة الأولي من بينهم بالاقتراع السري.
وفي كاليفورنيا تم تعديل الدستور في عام ١٩٦٠ لإنشاء اللجنة المعنية بأداء السلطة القضائية بحيث يكون من أعضائهم خمسة قضاة تعينهم المحكمة العليا للولاية ووظيفتها الرئيسية هي مراقبة سلوك القضاة والتخلص من القضاة غير الصالحين وهي تسعي إلي تحسين مستويات السلوك القضائي وممارسة تأثير إصلاحي «تشريعات السلطة القضائية للمستشار يحيي الرفاعي ص٨٤».
٦- جري قانون السلطة القضائية ومنذ عهود خلت علي تقرير حق الاختيار لشغل بعض الوظائف القضائية التي تؤهل لعضوية مجلس القضاء الأعلي - حتي ولو لم يصب الاختيار الأقدم - لرئيس الجمهورية ومن ذلك تعيين رئيس محكمة النقض من بين نواب الرئيس علي اطلاق ذلك «المادة ٤٤» وتعيين النائب العام من بين نواب رؤساء محاكم الاستئناف أو مستشاري محكمة النقض أو المحامين العامين الأول علي الأقل «المادة ١١٩» وأنه وإن كان واقع الحال قد جري علي عدم تجاوز الأقدم بالنسبة لتعيين رئيس محكمة النقض إلا في حالات نادرة كان مرجعها لمرض الأقدم، إلا أن ذات واقع الحال أفصح عن أن قاعدة الأقدمية قد تم تجاوزها مرات عدة بالنسبة لمنصب النائب العام، فإذا كان هذا الحق قد تقرر علي هذا النحو فماذا يمنع أن يتقرر لمصلحة القضاة أنفسهم الذين يقوم مجلس القضاء الأعلي علي إدارة أخص شؤونهم.
7- إن المنحي الذي نحا إليه مشروع القانون قد جمع بين قاعدتي الأقدمية والاختيار، فلم يفرط في واحدة علي حساب الأخري، كما لم يعصف بأيهما انتصاراً لندها فأبقي رئاسة المجلس كما أبقي لرئيس محكمة النقض المختار من بين أقدم خمسة نواب، كما أبقي علي عضويته وفقاً للأقدمية المطلقة لرئيس محكمة استئناف القاهرة، كما أبقي علي عضوية النائب العام - وهو ما لا يخضع اختياره للأقدمية كما سلف - وأضاف بعد ذلك أربعة أعضاء منتخبين من قبل محكمة النقض ومحكمة استئناف القاهرة اللتين تحظيان بسبق النشأة ورفيع المقام وتضمان الأقدم من قضاة المحاكم.
٨- ولعلي أضيف في هذا المقام اقتراحاً مقتضاه - أقدمه لرفع كل شبهة أو تقول حول هذا التعديل - بأن يحمل مشروع القانون حكماً انتقالياً ينصرف أثره إلي أعضاء مجلس القضاء الأعلي الحالي بأن يبقي هذا المجلس بتشكيله القائم حتي تنتهي ولايته وولاية آخر أعضائه الأقدم، فإذا كان ذلك إذا بالتعديل وقد صار نافذاً محققاً الغاية الخالصة لوجه الله ونافياً أي فرية قد تجول بخيال مريض .
( مقال منشور بجريدة المصرى اليوم 2/5/2006 )
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
الانتقال السريع
|
|
|
عدد الزوار 1212 / عدد الاعضاء 62 |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|