اود ان اشكر بداية الاستاذ رشيد بومريم على اهتمامه . و ان اخبره كذلك ان هذا البحث في اصله هو بحث في مرجعية مدونة الاسرة ككل و المرجعية الدولية هي جزء فقط من هذا البحث و عموما هذا هو نص المرجعية الدولية لمدونة الاسرة كاملا :
المطلب الثاني: المرجعية الدولية.
أمام مصادقة المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الدولية – سواء العامة منها التي تنظم مجال حقوق الإنسان ككل أو الخاصة كالاتفاقيات التي تهدف إلى النهوض بأوضاع المرأة والطفل - فإن المغرب بمصادقته تلك يصبح ملزما بها، وفاءا بتعهده الدستوري، ومن ثم يصبح واجبا عليه أن يلائم تشريعه الوطني مع هذه الاتفاقيات.
وهذا ما شكل هاجسا حقيقيا للمشرع في صياغة نصوص مدونة الأسرة، والذي حاول إلى أبعد ما يسمح به الوضع أن يلائم نصوص مدونة الأسرة مع الاتفاقيات الدولية.
وسنحاول من خلال هذا المبحث أن نبين الحد الذي بلغه المشرع في ملائمة نصوص مدونة الأسرة مع عدة اتفاقيات دولية تهتم بالنهوض بوضعية الطفل والمرأة، من خلال مطلبين: في الأول سنعالج وضعية المرأة في مدونة الأسرة، على أن نعالج في المطلب الثاني وضعية حقوق الطفل في هذه المدونة.
الفقرة الأولى: الوضعية القانونية للمرأة في مدونة الأسرة.
سنحاول في هذه الفقرة رصد مختلف المجالات التي تأثرت فيها مدونة الأسرة بالاتفاقيات الدولية وذلك من خلال الآتي: في الأول نبحث وضعية المرأة عند إنشاء وقيام العلاقة الزوجية، ثم وضعية المرأة بعد إنهاء الرابطة الزوجية.
أولا : الوضعية القانونية للمرأة عند قيام الرابطة الزوجية.
1- مبدأ المساواة بين الزوجين.
عانت المرأة في ظل مدونة الأحوال الشخصية من أشكال غير مقبولة من التمييز تتجلى على مستوى عدة مواضيع، فهذه المدونة كانت تجعل من الرجل السلطة الأعلى في الأسرة وما المرأة إلا تابعة له، وهذا يتنافى مع الدور الحقيقي الذي تضطلع به المرأة داخل الأسرة.
- فعلى مستوى تعريف الزواج، كانت عبارة "تحت رعاية الزوج" تكرس استمرارية مفهوم الأسرة الأبيسية التقليدي، وترجح كفة الرجل داخل الأسرة على حساب المرأة. فهو الآمر الناهي وهي التابع المطيع، ولقد أصبح هذا الوضع منتقدا جدا ومتجـاوزا في الوقت الحالي أمام التحولات التي عرفتها الأسرة المغربية ووعي المرأة بوضعيتها داخل المجتمع إذ انتقلت من الأمية المطبقة إلى أرقى الدرجات ثقافيا واقتصاديا وسياسيا.
إلى جانب تعريف الزواج نظمت مدونة الأحوال الشخصية عدة مقتضيات، اعتبرت مجسدة لأوضاع أخرى منتقدة بشدة، ومن أهمها ما يتعلق بالحقوق المشتركة بين الزوجين وخاصة حقوق الرجل على المرأة المنصوص عليها في المادة 36 من مدونة الأحوال الشخصية.
فالفقرة الأولى من هذه المادة تنص على أن حقوق الزوج على زوجته:" 1- صيانة الزوجة نفسها وإحصانها" والملاحظ أن هذا النص يجعل هذا الحق لصالح طرف واحد وهو الزوج، كأننا بالمشرع يفترض سوء النية في الزوجة، وأنها وحدها التي يمكن أن تقع في المزالق، والواقع أن هذا الحق يتعين أن يكون حقا مشتركا بين الزوجين.
في ما يتعلق دائما بمظاهر التمييز التي تجسدها المادة 36 من مدونة الأحوال الشخصية، ما تضمنته الفقرة الثانية من هذه المادة والتي تجعل من حقوق الزوج، طاعة الزوجة له بالمعروف وذلك استنادا على مبدأ القوامة.
وفي الواقع فقد أثار هذا المبدأ نقاشات عدة، خاصة فيما يتعلق بالتناقض بين مفهومه الشرعي الحقيقي والمدلول الاجتماعي الذي فهم به ومورس على أساسه، حيث أن هذا المبدأ في معناه الاجتماعي، يهدم مبدأ المساواة من أساسه، ويبرز بدله أفضلية متوهمة للرجل، مقابل دونية مؤكدة للمرأة، ومن ثم فإن للأول السيادة والرئاسة، وعلى الثانية الخضوع والانقياد والطاعة.
وأمام هذا الوضع، اعتبرت مدونة الأحوال الشخصية، مكرسة للمقتضيات الأكثر تمييزا في الحقوق بين الرجل والمرأة، ومجسدة للامساواة بينهما، وأنها متسمة بالطابع الرجولي وتكرس دونية المرأة.
مما يعد انتهاكا صارخا لحقوق المرأة، ومخالف للمبادئ التي أرستها العديد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وسنعرض لهذه المبادئ في بعض الاتفاقيات الدولية حسب التسلسل الزمني لصدورها.
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ينص في المادة 16: ".... وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج، وخلال قيام الزواج....."
والميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية ينص في المادة 23 الفقرة الرابعة: " 1 ... 2 .... 3..... 4- على الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية، اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق والمسؤوليات عند الزواج وأثناء القيام به...".
وكذلك المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تنص: " تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة: أ: نفس الحق في عقد الزواج...... . ج – نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج...".
وتجدر الإشارة ونحن بصدد هذه المادة، أن المغرب كان قد تحفظ على مقتضياتها على اعتبار أن المساواة التي تقررها تعتبر منافية للشريعة الإسلامية التي تضمن لكل من الزوجين حقوق ومسؤوليات في إطار من التوازن والتكامل، وذلك حفاظا على الرباط المقدس للزواج.
وهذا التحفظ وإن كان يجيز من أحد الأوجه على تشبت المغرب بقيمه الدينية ومحافظته على خصوصياته الثقافية، فإنه من جهة أخرى يكرس وضعا لا تقبله أبدا الشريعة الإسلامية المتشبعة بقيم المساواة.
لذلك وإيمانا بقيم المساواة وتحقيقا للعدل جاءت مدونة الأسرة، لترد الاعتبار إلى المرأة ولتدعم مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، دون الخروج عن المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، ذلك أن الدين الإسلامي هو أول دين أعلن المساواة بين البشر كافة، وألغى الفوارق والكراهية بين الناس.
وعلى أساس ذلك فقد تضمنت مدونة الأسرة مجموعة من المقتضيات التي تؤكد على أن الفلسفة العامة لهذه المدونة مبنية على أساس مبدأ المساواة بين الزوجين، وأن صورة الأسرة التي ترسمها هي الأسرة القائمة على المسؤولية المشتركة بين الزوجين، حسب ما تضمنته المادة 4 المتعلقة بتعريف الزواج وكذلك ما أقرته المادة 51 من هذه المدونة، التي تنص على الحقوق المشتركة بينهما، وقد جاء فيها: "الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين: " 1 – المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجية...... 2- تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال. 3- التشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة والأطفال وتنظيم النسل....".
وبهذا يكون المشرع قد خطى خطوة مهمة في سبيل ملائمة مقتضيات مدونة الأسرة مع الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب، وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.
مع ملاحظة أن الرجل ما زال ملزما بأداء المهر وبالنفقة، وعند التطليق بأداء المستحقات، ولو كان التطليق وقع بسبب تعسف الزوجة.
2- حرية المرأة في الزواج واختيار الزوج.
لم تكن المرأة في ظل مدونة الأحوال الشخصية مؤهلة لتزويج نفسها بنفسها، بل لا بد من وسيط ذكر يقوم مقامها للتعبير عن موافقتها في مجلس عقد الزواج، وهذا الوسيط هو الولي.
ولقد كانت صلاحيات الولي قبل التعديلات التي طالت مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993. تسمح له بإمكانية إجبار المولى عليها على الزواج إذا خيف عليها من العنت، لكن بعد هذه التعديلات تم إلغاء ولاية الإجبار، وتم السماح لليتيمة من جهة الأب الراشدة إبرام عقد زواجها بنفسها، أما الراشدة ذات الأب فقد بقيت الولاية شرط صحة في زواجها، مع إعطائها حق قبول الزواج من عدمه، لكن مع ذلك بقيت للولي سلطة الإجبار السلبي، برفض الزواج إذا لم يكن كفئا للزوجة، وكذلك إذا لم يمنح لها صداق المثل.
لذلك فإن الولاية بهذا المفهوم، اعتبرت متناقضة مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي تكرس المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، وتؤكد على ضرورة تمتع المرأة بكامل حريتها وراضا في الزواج.
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص في الفقرة الثانية من المادة 16 على أن: " لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءا كاملا، لا إكراه فيه".
كما نصت الفقرة الثالثة من المادة 23 من الميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية على أنه: " لا يتم زواج دون الرضاء الكامل والحر للأطراف المقبلة عليه".
ونفس المقتضى نصت عليه المادة 10 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وأمام هذا الوضع غير المقبول أصبح التغيير حتميا، لذلك جاءت مدونة الأسرة بمقتضيات جديدة تجسد حرية المرأة ورضاها الكامل في الزواج، وذلك بإلغاء الولاية على الرشيدة، كما جاء في المادة 24 من هذه المدونة التي تنص على أن الولاية حق للمرأة تمارسه الرشيدة حسب اختيارها ومصلحتها، والمادة 25 التي تنص على أن للرشيدة أن تعقد زواجها بنفسها أو تفوض ذلك لأبيها أو أحد أقاربها.
وبهذا تكون المدونة قد صححت الوضع الذي كان قائما وحققت الانسجام مع الاتفاقيات الدولية فيما يخص هذا الموضوع، فأصبح الزواج، عقدا لا يتم إلا بالرضا الكامل لطرفيه.
3 – التعدد:
يعد التعدد من المواضيع الحساسة والخطيرة التي تجسد التعارض الذي يمكن أن يحصل بين مرجعيتين، المرجعية الإسلامية والمرجعية الدولية.
فالتعدد من جهة، هو نظام أصيل في الشريعة الإسلامية، مشروع ومباح بغض النظر عن القيود التي يمكن أن ترد عليه، بينما هو في الاتفاقيات الدولية يشكل خرقا لحقوق المرأة التي يجب أن تكون متساوية مع حقوق الرجل.
بهذا يكو ن "التعدد" مجسدا بحق لإشكالية عويصة جدا، أثارت نقاشات عديدة، وهي إشكالية الخصوصية في مقابل الكونية، ودون الخوض في الأبعاد الفكرية لهذا الموضوع، فإن ما يهمنا هو موقف المشرع منه، وكيف خرج من هذا المأزق- وسميناه بالمأزق لأن المشرع يقع فيه بين أمرين، فهو متطلع إلى تحرير المرأة ومواكبة متطلبات الواقع والوفاء بعهوده الدولية.
وفي نفس الوقت هو مقيد بعدم الخروج عما تقتضيه خصوصياته، ونقصد بالأساس خصوصياته الدينية- لذلك يصبح التوفيق والملائمة التامة في موضوع كموضوع التعدد مع الاتفاقيات الدولية صعبا.
ولاستجلاء حقيقة موقف المشرع من التعدد كان لا بد من استعراض تطوره التشريعي من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة مع توضيح وجه التعارض مع الاتفاقيات الدولية.
ففي مدونة الأحوال الشخصية وقبل تعديلات 1993. لم يكن يرد على التعدد أي قيد أو مانع يحول دون لجوء الزوج إليه، اللهم اشتراط العدل بين الزوجات، ويبقى هذا القيد قيدا أخلاقيا لا يمكن ضبطه من الناحية الواقعية.
وقد كان نص المادة 30 التي تنظم التعدد على الشكل التالي:" 1- إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لم يجز التعدد. 2 – للمتزوج عليها إذا لم تكن اشترطت الخيار أن ترفع أمرها للقاضي لينظر في الضرر الحاصل لها، ولا يعقد على الثانية إلا بعد إطلاعها على أن مريد الزواج منها متزوج يغيرها".
لكن هذا الوضع لم يكن مقبولا أبدا على اعتبار أنه يلحق حيفا كبيرا بالمرأة ويشكل مصدر قلق للأسرة يهدد استقرارها باستمرار، لذلك كان منع التعدد من المطالب الأساسية للحركات النسائية لإصلاح الوضع القائم، خصوصا وأنه يتعارض مع جميع الاتفاقيات الدولية التي تتبنى المساواة بين الرجل والمرأة، إطارا للعلاقة بينهما.
بعد الإصلاح التشريعي الذي طال مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993 تم تعديل المادة 30، وإقرار قيدين على التعدد، فاشترط المشرع على الزوج ضرورة إخبار الزوجة الأولى برغبته في الزواج عليها، وأهم مستجد في هذه المادة يتمثل في أن التعدد في كل الأحوال، لا يمكن أن يتم إلا بعد الحصول على إذن القاضي بذلك.
والملاحظ أن هذه التعديلات لم تذهب لحد منع التعدد كما كانت تنتظر العديد من الجهات المدافعة عن حقوق الطفل والمرأة، كما لم تمنح المرأة أية إمكانية حقيقية للحيلولة دون حصول التعدد، رغم اشتراط إذن القاضي فإن هذا الأمر يبقى مرتبطا بالتكوين الفكري والثقافي للقاضي وقناعاته.
ولهذا فإن هذه التعديلات بقيت محدودة ولم تعكس طموحات المرأة المغربية وتصورها الجديد للبناء الأسروي الحديث القائم على إلغاء الحيف والتمييز بين الجنسين. وبقي هذا الموضوع بذلك متعارضا تعارضا تاما مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي تكرس مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة، خاصة منها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي طالبت بشجب كل أشكال التمييز ضد المرأة وطالبت الدول الأطراف بإدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في تشريعاتها الوطنية، واتخاذ جميع التدابير المناسبة لتغيير القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييز ضد المرأة (المادة الثانية) وأن تضمن المساواة التامة بين الرجل والمرأة في نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج (المادة 16).
وعلى أساس هذه المبادئ، تمت من جديد المطالبة بمنع التعدد بصفة نهائية لا أن يقيد بشروط فقط كما جاء في خطة إدماج المرأة في التنمية.
لكن الأمر ليس بالسهولة المتصورة، فالتعدد نظام إسلامي أصيل – إباحته ثابتة بالكتاب- كما قلنا بغض النظر عن القيود التي يمكن أن ترد عليه، لذلك فإن المشرع في إطار مدونة الأسرة لم يمنع التعدد من حيث المبدأ، لكنه ضيق من دائرتة وأخضع شروطه لإذن المحكمة مع تطبيق عدة إجراءات مسطرية جعلت ممارسته شبه مستحيلة.
ومن أهم المستجدات ما جاءت به المادة 41 من مدونة الأسرة التي أعطت للمحكمة صلاحية منح الإذن بالتعدد ومراقبة توفر شروطه، خاصة شرط توفر المبرر الموضوعي والاستثنائي.
وبهذا تكون المدونة قد خطت خطوة مهمة في سبيل ملائمة التشريع الوطني في موضوع التعدد مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، بالقدر الذي تسمح به الخصوصية الدينية لذا فقد تم إقرار نوع من المساواة بين الرجل والمرأة في هذا الموضوع، حيث يمنع التعدد إلا في حالات استثنائية جدا والتي تبيح فيها الضرورة ما حظر.
ثانيا: وضعية المرأة بعد إنهاء العلاقة الزوجية .
" الطلاق هو حل عقدة النكاح بإيقاع من الزوج أو وكيله أو من فوض له ذلك، أو الزوجة إن ملكت هذا الحق أو القاضي" الفصل 44 من مدونة الأحوال الشخصية.
هكذا كانت مدونة الأحوال الشخصية تعرف الطلاق، والملاحظ من هذه الصيغة أن الطلاق يقع من جانب واحد، وبإرادة واحدة هي الإرادة المتفردة للزوج، وبذلك تكون المدونة قد خولت للرجل وحده الحق في تقرير مصير مؤسسة الزواج، وغالبا ما يقدم الرجل على حل هذه الرابطة رغما عن إرادة الزوجة ومن ثم إجبارها على قبول واقع شاركت في بنائه وأجبرت بإرادة الزوج المنفردة على إنهائه سواء بمبرر أو بدونه.
وفي المقابل فإن سلطة المرأة في إنهاء العلاقة الزوجية ظلت محدودة، إذا ما قورنت بالسلطات الممنوحة للرجل، حيث لا يسمح لها سوى بطلب التطليق أمام القاضي في حالات معدودة على سبيل الحصر، وحتى في ظل هذه الحالات كانت المرأة تعاني بطء مسطرة التطليق التي تتطلب الكثير من الوثائق المثبتة للضرر الذي قد يستحيل على الزوجة الراغبة في الطلاق في الحصول عليها.
ولم تكن المرأة تعاني على مستوى الحق في الطلاق فقط، بل حتى على مستوى آثاره، حيث كانت تحرم من الحصول على تعويض منصف عن الطلاق التعسفي الذي يوقعه الزوج، وتحرم من حقها في مستحقات عادلة تحقق لها شروط العيش الكريم، وحرمت في الكثير من الأحيان من حقها في السكنى.
وأمام هذا الوضع المتدني الذي كانت تعيشه المرأة والذي يتعارض جملة وتفصيلا مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، ليس فقط التي تكرس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، بل والتي تكرس مبادئ حقوق الإنسان بصفة عامة وحقه في العيش الكريم، لذا كان لزاما على المشرع التدخل لتصحيح الوضع وإعادة الأمور إلى نصابها.
لذلك جاءت تعديلات مدونة الأسرة في هذا السياق وتبنت مبادئ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، كإطار للعلاقة بينهما، فأقرت مجموعة من المقتضيات الجديدة في سبيل تحقيق التوازن بين حقوق الرجل والمرأة انسجاما مع مقتضيات هذه الاتفاقيات الدولية، ومع مبادئ العدالة، فالعقد الذي تبرمه إرادتان لا تبطله الإرادة الواحدة.
وهكذا على مستوى الحق في إنهاء الرابطة الزوجية تم إخضاع مسطرة الطلاق والتطليق لشروط وإجراءات قضائية جديدة من شأنها حماية الزوجة من كل تعسف من قبل الزوج في ممارسته، حيث تم إخضاع الطلاق لرقابة من القضاء، وتمت تقليص إرادة الزوج في إنهاء الرابطة الزوجية، وتوسيع مجال هذه الإرادة لفائدة الزوجة بتوسيع حالات وأسباب التطليق، حيث شملت بالإضافة إلى الحالات الواردة في مدونة الأحوال الشخصية.
حالة التطليق بسبب الإخلال بأحد الشروط التي تم الاتفاق عليها في العقد، وحالة التطليق للشقاق، وحالة التطليق الاتفاقي.
أما على مستوى آثار الطلاق، فقد تم إقرار مجموعة من المقتضيات التي تضمن حصول المرأة على مستحقات منصفة، وفي وقتها، بحيث لا يقع الطلاق إلا بعد إيداع المستحقات، وتم الإقرار بحق المسكن كحق مستقل عن النفقة، ومن بين أهم المقتضيات، ما جاءت به المادة 97 والمادة 101 والمتعلقتان بالتعويض عن الضرر، الذي يمكن أن ينجم عن الطلاق مع مراعاة مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق.
وبهذا تكون مدونة الأسرة قد حققت نوعا من الانسجام مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي أكدت على أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل، وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة.
ومع هذا تبقى بعض الملاحظات على مدونة الأسرة في هذا الموضوع، لأن تحقيق المساواة لا يعني تغليب حقوق طرف على الآخر، بقدر ما هو تحقيق التوازن بين الأطراف في هذه الحقوق.
وهذا ما لا تلاحظه في تكليف الرجل بأداء المستحقات في جميع الأحوال، فإذا كان هذا التكليف قد يجد له مكانا عند إيقاع الطلاق من طرف الزوج، فإنه غير قابل للتفسير إذا كان طلب التطليق من الزوجة، خاصة عندما تكون متعسفة في طلبه، فالرجل مكلف بالمهر والإنفاق على زوجته، وعند التطليق ولو كانت الزوجة متعسفة فإنها تستحق النفقة والسكن والمتعة.
وارتباطا بهذا الموضوع وعلى صعيد الاجتهاد القضائي، فقد حكمت المحكمة الابتدائية بقلعة السراغنة، في حكم لها في قضية تطليق للشقاق، للزوج بمبلغ 3000 درهم تعويضا له عن الضرر الذي لحقه جراء انفصام العلاقة الزوجية، وبتحميل الزوجة الصائر، وهذا دليل على ثبوت تعسف الزوجة في التطليق، لأنه لا محل لتعويض الزوج لولا ثبوت مسؤولية الزوجة عن الضرر الذي أوجب التعويض. لكن في المقابل حكمت للزوجة بمستحقات مضاعفة لهذا المبلغ، فمبلغ المتعة بلغ dh 15000 .
لذا يصبح التساؤل عن مدى تكريس المدونة لمبدأ المساواة مشروعا.