في الحقيقة , ان مادفعني الى كتابة هذه السطور , و طرح هذا الموضوع للنقاش و تجاذب الحديث عن هذه
الطريقة في الاثبات و و ضعها في قوانين الاحوال الشخصية العربية. هو قرار حديث صدر عن المجلس الاعلى المغربي يستبعد فيه
الاعتراف بدور هذه الخبرة , و يركن الى الوسائل الشرعية متجاهلا تماما القوة الثبوتية لهذه الوسيلة .
و تتخلص وقائع الدعوى التي بت فيها المجلس الاعلى في : ان شخصا يدعى " بلخديم " مغربي يحمل جنسية مزدوجة (مغربية فرنسية) - القانون المغربي يسمح بازدواجية الجنسية - متزوج من امراة مزدوجة الجنسية كذلك , رفعت عليه الزوجة دعوى تطليق امام محكمة فرنسية طالبت فيها بالتطليق و نفقة ابنت. بالنسبة للتطليق لم يطرح اشكالا , لكن بالنسبة لنفقة البنت فقد دفع المدعى عليه بنفي نسب البنت و طالب باجراء خبرة طبية. و قد جاءت نتائج الخبرة الطبية لصالح المدعى عليه و اكدت انه يستحيل ان تكون هذه البنت من صلبه , و على اساسها حكمت المحكمة الفرنسي بنفي النسب و اخلاء المدعى علية من كل مسؤولية تجاه البنت.
و لان نفي النسب لم يكن في صالح المدعية فقد رفعت دعوى اثبات النسب امام محكمة ابتدائية مغربية حكمت لصالحها على اساس ان وسائل الاثبات الشرعية متوفرة .(الفراش و شروطه خاصة مدة الحمل)
استانف المدعى عليه الحكم و دفع بنفي النسب مدليا بنتائج الخبرة الطبية و انه يستحيل ان يكون ابا لهذه البنت . و المشكلة الكبرى ان المحكمة تجاهلت تماما نتيجة الخبرة و ايدت الحكم الابتدائي و بنت قرارها على اساس ان الخبرة الطبية ليست من الوسائل الشرعية في الاثبات, و حكمت على المدعى عليه بمستحقات البنت .
بعد ذلك رفع الرجل دعوى امام المجلس الاعلى مطالبا بنقض قرار محكمة الاستئناف على اساس ان قرارها غير مرتكز على اساس قانوني لكن المجلس الاعلى و للاسف ايد قرار محكمة الاستئناف و رفض طلب المدعي .
من هذا الموجز لوقائع الدعوى نلاحظ ان المحاكم المغربية على مختلف درجاتها اعتبرت ان الخبرة الطبية ( البصمة الوراثية) ليست من الوسائل الشرعية لاثبات النسب و هذا الاجتهاد في الحقيقة دام ردحا من الزمن متجذرا في احكام و قراراات المحاكم المغربية .
و قد لاقى استهجانا كبيرا من طرف فقهاء القانون المغاربة على اساس انه لا يساير ابدا العصر الذي نعيش فيه و يعتبر خرقا صارخا لمبادئ العدل الذي يقوم عليها القضاءا, بل و قد يعطي صورة سيئة عن المجتمعات الاسلامية و كاننا نعيش في العصور الوسطى.
و من الناحية الشرعية و القانونية فقد ثبت ان كبار الائمة قد عملوا ب "القيافة" و كذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم
و هي وسيلة تقوم على الحدس و الفراسة و امكانية التشبيه فما بالنا بخبرة يقينية.