الديمقراطية وحقوق الإنسان من وجهة النظر الأمريكية
ما تريده الولايات المتحدة من دعم الظاهرة الديمقراطية في الوطن العربي إنما هو أعادة تشكيل النخب السياسية فيه بما يتيح توثيق ارتباط الاقتصاد والسياسة العربية بأمريكا في سياق نشر ثقافة سياسية بديلة .
وإعادة تشكيل النخب السياسية في الوطن العربي بشكل يفسح المجال أمام توثيق ارتباط الأقتصاد والسياسة العربية بالولايات المتحدة ولكي تتم إعادة تشكيل النخب لابد من نشر ثقافة سياسية بديلة نقوم على تمجيد قيم اقتصادات السوق والحرية السياسية ...............الخ
وقد أدركت الولايات المتحدة بعد الثورة الإيرانية أن النخب السياسية المغلقة تؤدي على المدى البعيد إلى احتقان سياسي ولا سيما مع اتساع قاعدة التعليم وتزايد التكنوقراطيين في المجتمع العربي المعاصر , وسعي النخب الجديدة إاى المشاركة في الحياة السياسية ولا سيما أن نسبة مهمة من عناصر النخبة السياسية الصاعدة هم من خريجي الجامعات الغربية .
فقد بلغ عدد الطلاب في الجامعات الأمريكية في خلال العام الدراسي 1997/1998 ما مجموعه 30962 طالبا
ولكي لا تحدث المفاجأة , ويتم التغيير السياسي من خلال العنف على الطريقة الإيرانية , أو الانقلاب المفاجىء كما كان يجري في الوطن العربي أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية , فلا بد من تسريب نخب معينة ذات توجهات معينة قريبة من القيم السياسية الأمريكية إلى الجسد السياسي في القطر العربي بشكل يحول دون الاحتقان من ناحية , ويتبنى المشروع الأمريكي من ناحية ثانية .
ومن خلال تعميم هذه الثقافة عبر مراكز الدراسات التي تمولها الولايات المتحدة يتحول المشروع من مستوى تبني النخبة الصاعدة إلى إيجاد قواعد ارتكاز اجتماعية داخل المجتمع تساند هذه النخبة في عمليات الاقتراع.
كما تساهم الثقافة السياسية الجديدة في إعادة صياغة التوجهات العربية الأستراتيجية من خلال استبدال ثقافة الصراع بثقافة التسوية بشكل يضفي قدرا من الترابط بين السلوك الداخلي على مستوى القطرالواحد , والتماسك بين النخب الصاعدة على المستوى العربي ككل.
وهنا يجب التوقف أمام الهيئات الأمريكية التي تمول مراكز (الثقافة الجديدة)في المجتمع العربي.
إن أبرز المؤسسات الأمريكية في هذا الجانب هو الصندوق القومي للديمقراطية الذي تأسس عام 1983, ويعمل عدد من الهيئات المتخصصة بالتعاون مع هذا الصندوق.
ومن أبرز الهيئات العاملة في الوطن العربي المعهد الدولي الجمهوري المرتبط بقوة بالحزب الجمهوري . أما مهمة هذا المعهد فهي : إنجاز تقارير عن تطور التحول الديمقراطيفي الوطن العربي وسرعته , وتمويل مراكز عربية تنشر مثل هذه الثقافة , وعقد الندوات لتدريب أحزاب المعارضة ( المقبولة من أمريكا ) على تنظيم الحملات الانتخابية والدعاية ...................الخ
أما الأموال المقدمة إلى المراكز العربية فتوزع من خلال لجنة أمريكية تضم شخصيات عامة وقيادات اقتصادية أمريكية , ويقوم المعهد الأمريكي بالحصول على الأموال من الصندوق القومي للديمقراطية الذي تموله الحكومة الأمريكية , وهكذا يتم الفصل بين الحكومة الأمريكية والمتلقي العربي من خلال تمرير هذه الأموال إلى المعهد .
وتشير أحدى الدراسات العربية إلى أن الأنظمة العربية السياسية تشجع هذه العلاقات , بل تلح عليها أحيانا , ولا سيما أن المعهد على الرغم من عدم تعريفه للأحزاب المعارضة إلا أنه كثيرا ما استثنى القوة الإسلامية والأحزاب المعادية للسياسة الأمريكية ( حزب المقاومة اللبنانية - حزب البعث )
على الرغم من ذلك فإن الأنظمة العربية لا تذهب بعيدا في هذا الاتجاه ففي إحدى الدول العربية وعلى سبيل المثال وبعد الأتفاق بين الحكومة العربية والمعهد الأمريكي على عقد ثلاث ورشات عمل تحت عنوان التطور الديمقراطي وبعد عقد الجولة الأولى وتكرار زيارات السفير الأمريكي للقاء المعارضة في هذه الدولة العربية
قامت الحكومة بوقف مسار الحلقات النقاشية المتبقية نتيجة إحساسها بأن الأمور وصلت إلى نقطة حرجة .
ولو أردنا رصد حجم نشاطات المعهد أو الصندوق الأمريكي للديمقراطية في الوطن العربي ( قدم حوالي 5000 منحة على المستوى العالمي في خلال الفترة من عام 1990-1998 ) وسنجد النتائج التالية في خلال الفترة المذكورة سنجد من حيث الموضوعات 827 منحة موزعة على النحو التالي :
الموضوع عدد المنح
الاقتصاد والتجارة 329
الأحزاب السياسية 116
التعليم 74
القانون 70
المرأة 66
حقوق الإنسان 48
الانتخابات 41
السياسة العامة 21
حقوق العمل 17
تسوية المنازعات 16
البرلمان 14
الشباب 13
ورشات العمل 2
ويكفي إعطاء بعض النماذج عن نتائج هذه العلاقات بين الصندوق ومؤسسات المجتمع المدني العربية :
1-مجلات تتلقى الدعم : مجلة الرواق العربي في مصر , مجلة برولوغ في المغرب , صوت الشعب في فلسطين مجلة المشرق في الأردن
2- يقول أحد التقارير ( لقد استخدم المعهد القومي الديمقراطي للشؤون الدولية اعتمادات مالية لأجل إعداد نساء محتملات كمرشحات في الأردن لانتخابات عام 1997 البرلمانية)
3-التأثير في النصوص القانونية : فقد ساهمت دراسة ل : International Private Enterprise Center Forفي وضع قانون ضريبة الدخل الفلسطينية
4-الاتصال المستمر مع بعض الأكاديميين أو الشخصيات العامة
5-مواجهة بعض السياساتالحكومية :
- المغرب: برنامج لمدة 8 شهور لتدريب البرلمانيين حول كيفية بناء التحالفات داخل البرلمان .
- مصر : حشد جمعيات لعرقلة قانون حكومي خاص بجمعيات المجتمع المدني .
- الأردن : تنظيم الصندوق القومي حملة يديرها صحفيون وبرلمانيون ومحامون لمواجهة قانون الصحافة .
- لبنان إنشاء مكاتب استعلامات داخل بعض المؤسسات والجامعات .
- فلسطين : المساعدة على إنشاء مراكز أبحاث مثل المركز الفلسطيني للمساعدة على حل النزاعات .
ويكفي لأي معني بهذا الموضوع أن يعود إلى الموقع التالي في الإنترنت www.NED.ORG: ثم يفتح قاعدة المعلومات الخاصة بهذا الموقع
ومعلوم أن اعتناء الجامعات الأمريكية ومراكز البحوث بالوطن العربي بدأ بشكل أساسي ومتخصص عام 1946
من خلال البرنامج التدريبي للإدارة الدولية الذي بدأته جامعة كولومبيا , ثم أتبعه بمعهد الشرق الأوسط , وتلتها جامعة بزنستون عام 1947 , وارتفع عدد المراكز ليصل إلى ثمانية , وتوالى الاهتمام إلى الحد الذي أصبحت معه الجا معات الحكومية الأمريكية تعاني نقصا يصل إلى 36 بالمئة من المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط , بينما تصل النسبة في الجامعات الخاصة إلى 27 بالمئة وهنا نسأل : هل هناك دليل على أن هذه الثقافة حملت معها تنامي العلاقات العربية الأمريكية في بعدها الاقتصادي ؟
1- إن تشجيع الديمقراطية في الوطن العربي يستهدف تعزيز مكانة القطاع الخاص في العملية الإنتاجية , وكلما تعززت مكانة القطاع الخاص في الإنتاج القومي وتنامي دوره في تكييف السياسات الداخلية والخارجية تزايدت احتمالات ربط اقتصاد الدولة بالنظام الرأسمالي بشكل أكبر .
إن جدول المنح المشار له سابقا يدل على أن المنح الخاصة بقطاع الاقتصاد والتجارة هي 329 أي ما يعادل 39.8% من مجموع المنح
2-السيطرة على الأوضاع الناجمة عن اختفاء أو اعتلال الحاكم العربي : من الطبيعي أن يثير اعتلال الحاكم احتمالات عديدة , فلا بد في الحالة هذه من إحلال سلطوي يحول دون الاضطراب أو صعود قوى سياسية لا تتبنى المشروع الأمريكي , ويكفي أن نشير في هذا المجال إلى الدراسة التي أعدت بطلب من حكومة الولايات المتحدة عام 1985 , وتركز الدراسة على ما إذا كان رحيل الحكام المتسلطين يفضي إلى غياب الاستقرار السياسي
التحليل
1- حيث إن المصالح الأمريكية مرتبطة بالتسوية السياسية أكثر من ارتباطها بالديمقراطية فإن الحل هو الاستمرار في التسوية السياسية أكثر من الديمقراطية شرط الا يؤدي التطوير الديمقراطي إلى تغيير التركيبية السياسية بشكل يخل بموازيين القوى الداخلية لغير صالح التسوية مع إسرائيل
2- وقد أدت سياسات الخصخصة والانفتاح التي تساندها الولايات المتحدة إلى تآكل الطبقة الوسطى في الوطن العربي والعالم أجمع , والحقيقة أن الخصخصة تؤدي إلى ثلاث نتائج في نطاق الاقتصاد السياسي :
(1) تحويل السلطة من يد النخبة السياسية إلى يد النخبة الا اقتصادية
(2) إن القطاع العام لايمكن أن يشتريه إلا الطبقة الثرية في المجتمع , مما يعزز تكدس رؤوس المال وتركز السلطة .
(3) إن تقويم ممتلكات شركات القطاع العام ينتهي إلى تقدير أقل من قيمتها الحقيقية , مما يعود بأرباح طائلة على الطبقات الثرية . ولكي ندلل على هذا التآكل يكفي الوقوف أمام مؤشرات البنك الدولي عام 1999 : 1- استمرار اتساع قاعدة الفقر في الوطن العربي خلال عام 1999
2-إن الفترة الممتدة بين عامي 1985-1994 تشير إلى تآكل الطبقة الوسطى بنسبة 13%
وبالرغم من ذلك تعتبر المنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تفوق فيها المساعدات الأمريكية العسكرية حجم المساعدات الاقتصادية . ويقول تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية إن نسبة المساعدات العسكرية الأمريكية إلى الشرق الأوسط تصل إلى نسبة 78%بالمئة مقابل 22% مساعدات اقتصادية . بينما في أفريقيا تصل نسبة المساعدات العسكرية إلى الاقتصادية إلى 5% ودول الكو منولث المستقلة 9% , وأمريكا اللاتينية 9% فهل من تفسير لدى مراكز الثقافة الجديدة ؟
وهل يمكن أن نسأل إلى أي مدى يمكن أن تتماشى الديمقراطية الأمريكية مع عسكرة المنطقة وما يعزز العسكرة هو أن نسبة عالية من العقود التجارية للأسلحة في المنطقة تسيطر عليها الولايات المتحدة ( 44 % للسعودية و67% مصر و 56% للكويت و 35 % الإمارات العربية المتحدة )
هذا يعني اننا ننفق قياسا إلى اجمالي الناتج القومي أربعة أضعاف إنفاق الإقليم الذي يلينا حسب احصائية مجلة بزنس أند تكنولوجي الصادرة في تشرين الثاني عام 1999
وعلى الرغم من أن إسرائيل تحتل المرتبة 16 عالميا من حيث معدل الدخل الفردي وعلى الرغم من أن النظام السياسي يصنف أمريكيا بأنه ديمقراطي فإن المساعدات الاقتصادية إلى إسرائيل تصل إلى 40% من إجمالي المساعدات الأمريكية أما في الشرق الأوسط فإن إسرائيل تحظى بنسبة 54% ومصر بنسبة 38 % .
لكن لو لاحظنا نسبة المساعدات إلى مصر وربطناها بنسبة العقود التجارية للأسلحة لوجدنا أن ما تعطيه أمريكا باليمين من مساعدات لمصر تأخذه منها بالشمال كعقود تجارية لشراء أسلحة مما يعني أن المساعدات تنتهي إلى أسلحة لا إلى طبقة وسطى تعزز قاعدة الديمقراطية !!!!!!!!!!!!
ونخلص إلى القول أن الديمقراطية التي تسعى إليها الولايات المتحدة الأمريكية هي ديمقراطية تخدم مصالحها التي تحددها شركات الأسلحة وشركات النفط وهذه الديمقراطية ستؤدي إلى ذوبان تدريجي للمنظمات السرية في الوطن العربي سواء من خلال إيهامها بأن الفرصة أمامها مفتوحة لتحقيق ذاتها أو من خلال التنسيق الأمني بين الأنظمة العربية والولايات المتحدة
وقد يظن البعض أن تقلص التنظيمات السرية تطور مهم , إلا أن هذا اتجاه مخطط إلى امتصاص النزوع للإنتماء السياسي وتوجيهه نحو تنظيمات المجتمع المدني ويؤدي بالتالي إلى خدمة المجتمع المدني بشكل يؤدي إلى خدمة المشروع الديمقراطي الأمريكي بالشكل الذي سبقت إليه الإشارة