يسرني أن أضع بين أيديكم نص المحاضرة التي ألقيتها حول موضوع ( جرائم الشرف ) وتتضمن دراسة لهذه الظاهرة في المجتمع العربي ، وأسبابها ، وكيفية تعامل القانون والقضاء معها.
وسنكتشف معا ، أن القانون عندنا ، ينصاع للعادات والتقاليد أكثر مما ينصاع لمبادئ العدالة والمساواة.
كما أننا سنكتشف أن سيف اسمه ( العادات والتقاليد ) قد جرى تسخيره لضرب كل طموح نحو التجديد والحداثة والعدالة .. العادات والتقاليد تطحننا ، والعربي ، ينزف منها ، وهو يقول : هذه عاداتنا وتقاليدنا.
قبل الدخول ، في الموضوع ، وتقديمه ، أحب أن أقول : أن ليس كل شيء دخل فيما يسمى ( العادات والتقاليد ) يعني أصبح مقدسا وعصيا على التغيير. فالمجتمعات التي تطورت وتقدمت هي التي قامت بعملية مراجعة شاملة لكل القيم التي حكمت وتحكمت في حياتها في السابق.
بل إن العادات والتقاليد ، هي حجة ، كمن قالوا : ( هذا ما وجدنا عليه آباءنا ) وهي حجة مرفوضة.
فوأد البنات كان من ضمن العادات والتقاليد العربية ، والاحتفاء بالذكر دون الأنثى كذلك ، وكثير من الأنكحة والعادات ، غيرتها الرسالات السماوية ، ولم يمنعها أنها من ضمن العادات والتقاليد.
ولكن مصيبة المجتمع العربي ، حاليا ، أنه خاضع للعادات والتقاليد ، أكثر من خضوعه للقانون ومبادئ العدالة.
بل ، ورغم وحشية وخطأ بعض تلك العادات والتقاليد ، فإن المواطن العربي ، يخضع لها ، ولها سطوة عليه أكثر من سطوة القانون. وهذا ما سماه أحد علماء الاجتماع ، بتحكم العادة في السلوك.
والمثل العربي يقول : العادة سلطان.
بل كثيرا ما سألت قضاة عن قضائهم في دعاوى معينة ، على نحو واحد معين ( خاطئ ) فأجابوني : يا أخي كل المحاكم هيك عم تقضي!!!!
والآن أترككم مع نص المحاضرة
المرأة من القهر إلى القتل
جرائم الشرف في قانون العقوبات السوري
المادة (548) عقوبات : إجازة قانونية بالقتل
المادة (192) عقوبات : إسباغ الشرف على قاتل بلا شرف
المرأة : بين مطرقة القانون ، وسندان التخلف.
* بقلم المحامي : موسى شناني :
* مقـدمة :
تعتبر جرائم الشرف من الموضوعات الملحة التي تطرح نفسها على الساحات القانونية والثقافية والدينيةفي المجتمعات العربية والإسلامية ، باعتبارها جرائم تجدما يسوغها من بيئة ثقافية معينة تغذي سلوكيات العنف والقهر ضد المرأة ، وثقافةشائعة في صورة ( قوانين غير مكتوبة ) هي عادات وتقاليد تتضمن تبخيسا واختزالا لوجودالمرأة وكيانها. وجعلها تحت الوصاية في جميع أدوار حياتها.
إن أهمية هذه الحملة ، ليس فقط في رفع الحيف عن المرأة ، وليس فقط في إعادة القانون إلى نصاب العدالة ، بل أيضا في ضرورة إزالة وتنظيف الثقافة مما رسخ بها من عادات وتقاليد أصبحت لها سطوة على العقل العربي ، أكثر من سطوة القانون ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة.
يجب أن نعترف أن مفهوم الشرف السائد في مجتمعنا الشرقي هو مفهوم مشوه ،يناسب إنسانا مشوها. وهو مفهوم يعبر بشكل فاضح عن العجزوالقهر والحرمان وغاية التعويض عن كل ذلك. فمعروف أن الإنسان المقهور، الفاشل في تحقيق الذات والإنجاز ، يعوض عن ذلك بالتفاخر بالإنجاب وبشرف مصطنع يتضخم في مخيلته كي يعوضه عن الشرف الحقيقي الضائع والعاجز عن تحقيقه . لذلك ، نشدد في هذا السياق ، على أن اعتبارات الشرف الحقيقي هي: الكفاءة ، الإنجاز ، والنزاهة وحسن السلوك والأخلاق الوطنية ، إتقان العمل ،الصدق ، احترام المواعيد واحترام الآخر .... هذه هي مكونات الشرف الحقيقي.
نقطة ثانية : أريد أن أقف عندها حول تشوه مفهوم الشرف لدى المجتمع الشرقي ، وهي النظرة البدائية إلى الشرف على أنه مفهوم مشاعي. أي أن هناك وصايةعليه من قبل العائلة والقبيلة . وبالتالي، نرى قبيلة بأكملها تحمل فتاة صغيرة فيها مسؤولية حفظ شرف القبيلة .
إن هذه النظرة المشاعية – القبلية للشرف هي التي تبرر أن يقتل الأخ أخته أو الأب ابنته أو ابن العم بنت عمه ،تحت ذريعة أن شرفه متعلق بها ، متجاهلين أن المسؤولية شخصية ، وأن الشرف أمر شخصي، وأن كل نفس بما كسبت رهينة.
وبالتالي ، يصح أن نقول أن الثقافة الحاملة والمبررة لجرائم الشرف وقتل النساء ليس فيها ما يدعو لفخر الرجال ، بل هي تعبير فاضح عن العجزوالقهر الذي أصاب الرجل قبل أن يصيب المرأة . لأن هذه الثقافة بحد ذاتها ، تعبير عن عجز الرجل وتعويض عجزه في قهر المرأة .
وبالتالي ، يغدو من الضرورة بمكان ، تصحيح هذه الثقافة وإعادةتأهيلها وتخليصها مما شابها من عادات وتقاليد هي تعبير عن أمراض وأزمات وجودية ،أكثر مما هي تعبير عن وعي جمعي وعدالة وإنسانية.
هذا ، وإن تعبير جريمة الشرف ، هو تعبير متناقض في حد ذاته.فهو يجمع نقيضين لا يصح جمعهما في مصطلح واحد ، وهذاالتناقض اللغوي نفسه ، يعبر عن مدى تناقض فكرة جريمة الشرف في ذاتها وتناقض العقلية التي تحملها ( أمثلة : فهي كأن تقول المرتشي النزيه .. أو كأن تقول السارق الشريف .. أو كأن تقول الدكتاتور الفاشي الرحيم .. أو كأن تقول الداعرة التقية ...أو المستبد العادل مثلا ..) .
لاشك أن المرأة في المجتمع العربي تعيش وضعية قهر وحرمان وتبعية ،ويتناسب القهر الذي يفرض على المرأة مع درجة القهر الذي يخضع له الرجل في المجتمع.
إن المرأة في المجتمعات المتخلفة تتعرض لحالات من الاستلاب أهمهاالاستلاب الاقتصادي والاستلاب الجنسي والاستلاب العقائدي. ( قانون القيم ) الذي يجعل المرأة تخضع لمنظومة قيم القهر والحرمان والتبعية وتشريعات قمعية تفرض عليهاوتتقبلها على أنها ثقافة أو خطاب لا قبل لها بمناقشته أو نقده وبالتالي ترضخ له وتربي بناتها على أنه من المقدسات ومن لزوميات الأنوثة . حيث يستعمل القانون هنا أيضا كسلاح وقوة في يد الرجل لضبط المرأة على إيقاع أهوائه ومتعه ونظرته القاصرة المشوهة لها .
إن قانون القيم يفعل فعله في المجتمع ، عبر صياغة القيم ، بحسب النظرة إليها. وبحسب الثقافة السائدة. فحتى الرجل ،قيمته في الشرق ، ليست كقيمته في الغرب . بحسب ما يتمتع به من حقوق وحريات وبحسب نظرة التشريعات والقانون والدولة والمجتمع له.
إن قانون قهر المرأة الذي يفرضه المجتمع , منقوش منذ الطفولة على جسد المرأة في حركية هذا الجسد , وتعبيراته , ورغباته في كل مراحل حياتها. وممايدل على ظلم المرأة ، والثقافة الحاملة والمبررة لهذاالظلم ، هو نظرة المجتمع للمرأة في كل حالاتها. فهي متهمة إن لم تتزوج ومتهمة إن تزوجت ولم تنجب ، ومتهمة إن أنجبت الإناث دون الذكور ،ومتهمة إن لم تلب رغبات الزوج كما يريد ، ومتهمة إن طلقت ، ومتهمة إن خرجت ،ومتهمة حتى إن استعملت حقوقها القانونية ، وهي خارجة عن العادات والتقاليد إن طالبت بحقوقها الإرثية في بيئات كثيرة.
** في مفهوم جرائم الشرف قانونيا :
إن جرائم الشرف هي جرائم القتل والإيذاء التي يرتكبها أشخاص بحق إناث قريبات لهم بصلة زوجيةأو قرابة محرمية ، لعلة ارتكابهن الزنا أو صلات جنسيةغير مشروعة مع الغير.
وتشير بعض الإحصاءات حول جرائم الشرف ، ولو كانت غير دقيقة ، بسبب عدم الإبلاغ أو معرفة كل الجرائم التي تقع بدافع الشرف ، تشير إلى وقوع ضحايا كثربسبب هذه الجرائم ، ففي اليمن مثلا هناك (500) امرأة ضحية سنويا ، وفي الأردن هناك أكثر من (40) امرأة وفي تركيا (200) امرأة تقتل سنويا على مذبح الشرف. وفي الباكستان عدد قريب من ذلك ، وفي سوريا ( الخامسة دوليافي جرائم الشرف ) يقدر العدد بأربعين حالة سنويا ، وليس لدينا في سوريا إحصائيات دقيقة حول هذا الموضوع ، بسبب أن علم الإحصاء ، لم يأخذ دوره في تشخيص هذه المشكلةوغيرها ، وإننا نرى في إدارة الأمن الجنائي ، إحصائية ( عددية – صماء ) لعدد جرائم القتل التي وقعت خلال السنة مثلا ، ولكن دون فرز ما بين أنواع وأسباب تلك الجرائم: كأن يتم فرزها : القتل بدافع الشرف ، القتل أثناء اغتصاب ، القتل أثناء عمليةسلب وسرقة ، القتل أخذا بالثأر . وهكذا..
والحقيقة أن مفهوم الشرف نسبي يختلف ضيقا وانفراجا بين بيئة وأخرى ،حيث نرى جرائم شرف ارتكبت لمجرد وقوف الفتاة مع شخص غريب أو محادثته ، ونجد جرائم ارتكبت لمجرد وقوف فتاة على نافذة البيت ، وهناك رجل قتل زوجته بسبب ذهابها إلىالسينما مع صديقة بينما قد لا يعتبر ذلك سببا للقتل في أوساط اجتماعية أخرى ، وأكثر أسباب القتل بدافع الشرف شيوعا هي زواج الفتاة من شخص غريب ( من خارج الطائفة ) بغير موافقة الأهل . أو ارتكابها الزنا أوممارستها الدعارة أو خروجها على إرادة الأهل . وقد وقفناعلى جرائم ارتكبت لمجرد رجوع الفتاة في ساعة متأخرة ، أوالحديث مطولا مع بائع المتجر ، وهناك فتاة قتلت في كردستان تركيا لمجرد قيام شاب بإهدائها أغنية في الإذاعة ، وهناك جرائم قتل ارتكبت لمجرد اكتشاف علاقة حب ،وهناك حالات تم فيها قتل الأم لمنعها من الزواج بعد وفاة الأب ، وهناك حالات تخفي طمعا بالإرث ، وهناك امرأة في باكستان قتلت رجما وهي حامل ، رغم زواجها من الشخص ،وذلك بسبب الشك في سلوكها حينما كانت مطلقة .
وتترافق جريمة الشرف مع مظاهر مختلفة تدل على تجذر رغبة التشفي والانتقام من الضحية : فكثيرا ما يرفض الأهل استلام جثة الضحية ، ورفض إقامةمجلس عزاء أو حداد لها ، أو الصلاة عليها ( رغم أن الرسول الكريم صلى على امرأة رجمت بالزنا) وهناك حالات قتل ترافقت مع التهاليل والزغردة والاحتفاء بغسل العار ، وكثيرا ما نلاحظ التباهي في ارتكاب مثل هذه الجرائم . ويلاحظ أن أهل الضحية سرعان ما يقدمون على إسقاط حقهم الشخصي عن القاتل. مما يساعد في تخفيف العقاب عنه.
ولدى جولتناعلى طرق وأساليب القتل ، لاحظنا أنها تتوزع ما بين القتل بإطلاق الرصاص ، أو الذبح أو الطعن بالسكين ، أو الخنق( إيمان الحمصية ) أو تهشيم الرأس بحجر أو بقضيب حديد (كما حصل مع الأب الفلسطيني المسيحي ! حين قتل ابنته لرغبتها في الزواج من مسلم ) أوإجبار الضحية على تجرع السم. مثلما فعل شاب فلسطيني مع ثلاث شقيقات له حيث قتل اثنتين وأجبر الثالثة على تناول السم فماتت.
والحقيقةالتي لا بد من مواجهتها هنا هي أن القاتل هو نتاج ثقافة تحرض على القتل وعلى هدردم المرأة في حال خرجت على الضوابط التي وضعها المجتمع الذكوري لها، فإن لم تستتر في حياتها وفق رغبات الذكر ، فالموت يسترها.
فالقاتل في حقيقة الأمر ، الذي ينساق إلى ارتكاب مثل هذه الجريمةبحق أخته أو أمه أو زوجته هو إنسان مريض نفسيا ، وعاجز ومقهور ، ويعبر عن ذلك في تحميل المرأة مسؤولية صيانة شرف العائلة ،ويعتبر أي مساس بهذا الشرف ، هو إلغاء وتعرض لوجوده بالذات. وليس أدل على ذلك من الحالات التي تم فيها قتل نساء بعد تعرضهن للاغتصاب !!!. أي أن المرأة هنا لم ترتكب الزنا برضاها ، فهي ضحية اعتداء ، ومع ذلك ، يتم قتلهن في حالات كثيرة ، وتم تسجيل أكثر من حالة في فلسطين وباكستان وحالات في العراق بعد خروج بعض النساء من سجن أبو غريب الشهير.
المشكلة في جرائم الشرف هو وجود ثقافة حاملة يتم تسويقها زورا تحت اسم الدين والشرف والأخلاق ، بينما هي تخالف كل ما ذكر في حقيقة الأمر.
وقد وقعت جريمة قتل بدافع الشرف في ألمانيا حيث قام أب مسلم من أصل تركي بقتل ابنته لرغبتهافي الزواج من ألماني ، ولدى طرح الموضوع على التلاميذالأتراك في المدارس لوحظ تأييد وتقبل لهذه الجريمة ، الأمر الذي دعا السياسيين الألمان للنظر والتساؤل في مدى قدرة الأتراك المسلمين على الاندماج في المجتمع الألماني .
إن جريمة الشرف في سوريا ،تأخذ بعدها القانوني من نص المادتين (192) و(548) من قانون العقوبات السوري.
المادة (192)تتعلق بالدافع الشريف ، وقد نص القانون السوري علىاعتباره سببا مخففا قانونيا في حال توافر لدى الفاعل . إلا أن القانون لم يعرف الدافع الشريف ولكن القضاء السوري عرفه بما يلي : (( هو كل عاطفة نفسية جامحة تقود الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه ..)).
والقانون السوري أخذ بفكرة الدافع في النظر إلى الخطورة الجرمية للمجرم. وقد اعتبر الدافع سببا مخففا أحيانا ومشددا أحيانا أخرى .
ففي قانون العقوبات السوري ثمانية أنواع من الدافع :
الدافع الشريف وهو سبب مخفف قانوني (192) والدافع الشائن وهو سبب مشدد قانوني (193) ودافع الكسب يوجب فرض الغرامة على المجرم(194) ودافع أناني دنيء (195/2) ودافع سافل (534/1) ودافع الشفقة وهو أحد تطبيقات الدافع الشريف(538) ودافع اتقاء العار أيضا (537)والدافع السياسي . (195). مع العلم أن الدافع الشريف غير محصور بدرجة قرابة محددة كما هوالحال في المادة (548). إذ يستفيد منه ابن العم مثلا أو الخال والعم.
- ويصح أن يعتبر من تطبيقات الدافع الشريف التي نص عليها قانون العقوبات ، وحدد عقوبة مرتكبيها وفق مايلي :
1- قتل شخص بدافع الشفقة عليه وبناءا على إلحاحه بالطب ( المادة 538). وتكون العقوبة الاعتقال عشرسنوات على الأكثر.( القتل الرحيم ).
2- الأم التي تقتل وليدها الذي حملت به سفاحا لاتقاء العار ( المادة 537) . حيث تكون العقوبةالاعتقال المؤقت ، وخمس سنوات إذا تم الفعل عمدا.
3- الدافع في تخفيف عقوبة الخطف. فالخطف بقصد الزواج عقوبته الحبس ثلاث سنوات ،والخطف بقصد ارتكاب الفجور عقوبته تسع سنوات أشغال شاقة. وإذا تم الفجور فلا تنقص العقوبة عن إحدى وعشرين سنة. المادتان (500)و(501) من قانون العقوبات.
4- أية جريمة أخرىيجد القاضي أن الفاعل ارتكبها بدافع شريف .
وبالرغم من أن النص السوري منقول عن القانون اللبناني ،إلا أننا نجد القضاء اللبناني أخذ يضيق شيئا فشيئا من مفهوم الدافع الشريف ، وعدم منح القاتل في جريمة الشرف التخفيف القانوني ، واستعمل سلطته التقديرية في ذلك :
* فمن أحكام محكمة التمييز اللبنانية ما يلي:
1- لا يعد دافعا شريفااستياء الفاعل من تصرف شقيقته بوقوفها مع شاب على الطريق العام، ذلك التصرف الذي اعتبره مخلا بالآداب وماسا بكرامة عائلته لأن الدافع الشريف يجب أن يكون منزها عن الحقد والانتقام والاقتصاص والثأر , وعن كل ما فيه مصلحة أو عاطفة أو غاية شخصية .
2- ولا يتوافر الدافع الشريف في وضع الخال أو النسيب الذي يقدم على قتل ابنة أخته الراشدة انتقاما منهالسوء سلوكها ، إذ يكون عمله بالواقع انتقاما لما يعتبره في هذا السلوك من انعكاس على سمعته الشخصية وسمعة عائلته ، هذا فضلا عن أن القانون لا يعتبر تصرفات المغدورة هذه بعد طلاقها عملا يستحق المؤاخذة .
3- الدافع الشريف هوالدافع الذي يخلو من كل أنانية وفردية ، ليكون من الأمورالمجردة والعامة التي تشمل المجتمع بأكمله وتعنى بها بيئة بكاملها. وهو من هذه الناحية يختلف عما جرت العادة على تسميتها بجرائم الشرف أو جرائم الانتقام دفاعا عن الشرف .
4- يجب أن يكون الدافع الشريف متسما أيضا بطابع الشهامة . . لذلك لا يعتبر الدافع شريفا إذا قتل المتهم أخته تحت تأثير العوامل الشخصية ، بالنظر إلى سوء سلوكها
وفيما يلي نقف على بعض الأمثلة من أحكام القضاء السوري في موضوع الدافع الشريف أو جرائم القتل بدافع شريف :
1- الدافع الشريف هوعاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه . ولذلك فإن واضع القانون قد لحظ هذا الدافع ولم يترك تقديره للقاضي وقناعته بل نص على اعتباره سببا مخففا قانونيا لا بد من تطبيقه .
2- إن الحوادث التي لها مساس بالعرض تشمل الأقارب ولا ينحصر تأثيرها على المحارم ،لأنها من الأمور التي تتعلق بالشعور والإحساس وتختلف باختلاف الأشخاص والبيئةوالثقافة المحيطة والقرابة من جهة العصبات أو الأصهار ذات تأثير واحد على نفس المجرم وتدفعه إلى ستر الفضيحة وغسل العار . ولا مانع يحول بين الفاعل واستفادته من الدافع الشريف بعد أن تبينت قرابته من المغدورة .
3- الوالد الذي يقتل ابنته إثر مشاهدته عليها علائم الحمل سفاحا ، لا يستفيدمن العذر المحل أو المخفف . وإنما يستفيد من الدافع الشريف.
الملاحظات على تطبيق الدافع الشريف في القضاء السوري :
- عدم النظر إلى أحكام المادة (534) من قانون العقوبات. مثل حالة التعذيب التي ترافق عمليات القتل عادة والتمثيل بالجثة ، إذ يعتبر سببا مشددا للعقوبة.
- اعتبار قتل الأب لابنته منطبقا علىحكم المادة (533) وليس حكم المادة (535) من قانون العقوبات.
- ماذا إذا تبين أن شك القاتل ظهر فيغير محله؟!.
- ماذا إذا تبين عذرية البنت الضحية المقتولة؟!.
- ماذا عن شرف القاتل نفسه وسلوكه وسمعته ؟!.
- ( تحكم العادة في السلوك ...العادة سلطان ) قضاء بحسب العادات!!!
* في شروط العذر المحل ، المادة (548) ع.ع.
تنص المادة(548) من قانون العقوبات السوري على ما يلي :
(( 1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أوفروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم علىقتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد .
2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحدأصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر . )).
وإذا أمعناالنظر مليا في أحكام المادة 548 المعدلة تبين لنا أنها تشتمل على نوعين من الأعذار :
1- العذر المحل : ويقضي بالإعفاء من كل عقاب ,وقد نصت عليه الفقرة الأولى من المادة المشار إليها .
2- العذر المخفف : ويقضي بتخفيف العقوبة على النحوالوارد في المادة 241 من قانون العقوبات السوري , وقد نصت عليه الفقرة الثانية منالمادة 548 ذاتها .
وغني عن البيان بأن شرائط منح العذر المحل لاتختلف عن شرائط منح العذر المخفف في هذا الصدد اللهم إلا من حيث الظرف الذي ترتكب فيه جريمة القتل أو الإيذاء . .
فالعذر المحل لا يمنح لمرتكب القتل أو الإيذاء إلا إذا فاجأ المجني عليه يرتكب جرم الزنا . . أو أي اتصال آخر غير مشروع .بينما يمنح العذر المخفف لمرتكب القتل أو الإيذاء . .إذا فاجأ المجني عليه في حالة مريبة فقط .
وقد وضع الشارع شروطا لمنح العذر المحل والعذر المخفف , وهي كما يلي :
- الشرط الأول : في الجاني : أن يكون الجاني متمتعا بالصفة الزوجية أو بدرجةالقرابة المذكورة في المادة المشار إليها . ولابد من الإشارةبأن العذر الوارد في المادة 548 هو من الأعذار الشخصية ,ولذلك فلا يتناول مفعوله إلا الشخص الذي يتوافر فيه عملا بأحكام المادة (215) من قانون العقوبات السوري . فإذا تعدد الجناة , وانضم إلىالزوج مثلا أشخاص آخرون من غير الذين ذكرتهم المادة 548 فإن حكم العذر يسري علىالزوج فقط فاعلا كان . . أم شريكا , أم متدخلا وتطبق علىالأشخاص الآخرين العقوبات الواردة في المواد الخاصة بجرم القتل المقصود . وبالتالي ، فإن الأشخاص الذين يستفيدون من العذر المحل هذاهم : الزوج + الزوجة + الأصول + الفروع + الأخوة . ويشترط في استفادة الأصول والفروع والأخوة من العذر المحل والمخفف هو أن يكون الضحية المجني عليها أنثى . أي أن الأخ يستفيد إن قتل أخته ،ولكن العكس غير صحيح ، والابن يستفيد إن قتل أمه ولكن العكس غير صحيح. وهكذا.
- الشرط الثاني : في المجني عليه : يتطلب تحقق هذا الشرط قبل كل شيء أن يكون الشخص الذي يرتكب الزنا المشهود ممن عددتهم المادة 548 حصرا وهم :الزوج أو الزوجة أو الأخت أو الأنثى من الأصول أو الفروع .
- التساؤل حول الطلاق الرجعي : اعتبر د. محمد الفاضل أن القتل إذا وقع أثناء عدة الطلاق الرجعي فإن القاتل يستفيد ، لأن الطلاق الرجعي لا ينهي الحياة الزوجية .
- الشرط الثالث : حالة التلبس بالزنا أو الفحشاء : يستلزم تحقق هذا الشرط أن يضبط هؤلاءالأشخاص ملتبسا بجرم الزنا . . أو بأي اتصال جنسي أخر غير مشروع . وبمعنى أوضح أن يشاهد الشخص حال ارتكاب جرم الزنا , أو مباشرته الاتصال الجنسي غيرالمشروع مع شخص آخر . فإن لم تتوفر حالة التلبس أو مشهودية الجرم وكانت الظروف تدعو إلى الريبة والاشتباه فقط , فلا يجوز أن يمنح الجاني العذر المحل من العقاب , وإنما يمنح العذر المخفف وفقا لأحكام الفقرة الثانية من المادة 548 عقوبات سوري لاالفقرة الأولى . ومثال الحالة المريبة كأن يضبط أب ابنته في شقة يتعاطى فيها الدعارة.
- والأمر بهذه الحالة يملك تقديره قاضي الموضوع متى بين في حكمه الوقائع التي استظهر منها حالة التلبس .
- تساؤل حول الصلات الجنسية الفحشاء : هل تشمل السحاق مثلا ؟!!.
- الشرط الرابع : ( عنصر المفاجأة ) أن يفاجأ الجاني بما شاهده فيقدم على القتل أو الإيذاء في الحال وبلا عمد أو تخطيط مسبق أو سبق إصرار .
والجدير بالذكر أن العذر المحل ، كمؤسسة قانونية ، طبقه المشرع السوري على حالات أخرى مثل : شاهد الزور الذي يرجع عن شهادته قبل الحكم. والأب الذي يخفي ابنه المجرم الفار من وجه العدالة ، وكذلك المزور الذي يقر بالتزوير قبل الاستعمال والملاحقة ، والمتآمر على أمن الدولة الذي يكشف أمر المؤامرة ... وهكذا. حيث لا يعاقب هؤلاء رغم تورطهم في الجريمة.
* الملاحظات :
1- عدم المساواة بين المرأة والرجل في الاستفادة من العذر. ( تمييز ضد المرأة مثل النص الوارد في جريمة الزنا ) . والحقيقةهنا نحن لا نطالب بالمساواة وإنما نطالب بإلغاء هذه المادة من أصلها.
2- مخالفة المادة لمبدأالمساواة الدستوري ولحقوق المرأة وحرياتها الأساسية والمنصوص عليها في الدستورالسوري بالمواد (25 و26 و27 و45) هذه المواد التي أقرت مبدأ المساواة في الحقوق والحريات والواجبات بين المواطنين رجالا ونساءا دون أي تمييز .وحماية حقوق المرأة والعمل على إزالة كافة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في عملية التنمية . وبالتالي فإن هذه المادة فيها مخالفة صريحة للدستور السوري ولمبادئه العامة.
3- مخالفة المادةللمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها سوريا ،ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، واتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضدالمرأة المعروفة اختصارا باسم ( سيداو ) الصادرة عن الأمم المتحدة في العام 1979 ،حيث انضمت إليها سوريا وصادقت عليها في العام 2002 ، ولكن بتحفظات كثيرة قللت من فائدة التوقيع على هذه الاتفاقية . ( تحفظت سوريا على البنود المتعلقة بالجنسيةوالحركة والتنقل وإلغاء النصوص القانونية والتدابير التي تتضمن تمييزا ضد المرأةوتحقيق المساواة ..)
- والجدير ذكره أن هذه الاتفاقية ( سيداو ) وقعت عليها (171) دولة منها (17) دولة عربية بينها سوريا ولبنان وتونس وليبيا ومصرواليمن والسعودية والكويت والمغرب والجزائر والبحرين والعراق. وكانت هذه الدول قدتحفظت على أكثر مواد هذه الاتفاقية أهمية مما أفقدها أهميتها وجدواها. وكانت أكثر الدول العربية تحفظا هي سوريا وأقلها هي اليمن !!.
واتفاقية سيداو تنص على إلغاء كل تمييزتشريعي ضد المرأة . وجاءت تتويجا لجهود مضنية بدأت في العام 1967 بإعلان صادر عن الأمم المتحدة بالقضاء على التمييز ضد المرأة وقد عرفت المادة الأولى من اتفاقية سيداو التمييز واعتبرته ينطبق على كل تمييز وكل تفرقة أواختلاف في المعاملة بحق النساء أو كل استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره التعرض لحق المساواة أو المس بالحقوق والحريات الأساسية للمرأة ( ولاشك أن حق الحياة هو أولى هذه الحقوق ).
4- مخالفة المادة للشريعة الإسلامية كمصدر من مصادر التشريع. وكذلك مخالفتها للشريعة المسيحية أيضا . وفقا لما أكده الكثير من علماء الدين المسلمين والمسيحيين
5- مخالفة المادة المذكور لمبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية الصادرة بهذاالشأن.
* الخاتمة والمقترحات :
في النهاية نريد أن نوضح بأن هناك عدة حلول لوضع حد لجرائم الشرف واقتضاء العقاب العادل بحق مرتكب تلك الجرائم ، ونعترف أيضا بأن الموضوع يحتاج إلىتغيير جذري في الثقافة السائدة والنظرة تجاه المرأة ، ولكن القانون يعتبر أحد أهم أدوات التغيير في المجتمع ، فالقانون ليس نصوصا صماء ، ولكنه أيضا أداة لضبط وتوجيه المجتمع وتغييره. ولذلك هناك علم يسمى علم السياسة الجنائية إضافة إلى علم العقاب ،والسياسة الجنائية تعنى في بحث طرق تطوير التشريع الجزائي بالتوازي مع تطورالمجتمع بكل فعالياته.
مثال : قانون الجزاء العثماني كان يجيز ضرب الزوجات ، إلا أن قانون العقوبات السوري ألغى هذا الجواز وبالتالي فإن ضرب الزوجة يعتبر جرما!!! كماألغى مفهوم بيت الطاعة أيضا كما هو معروف.
إن القانون يجب أن ينأى بنفسه عن تكريس وحماية عادات وتقاليد ظالمة ومجافية للعدالة والمساواةوتكرس وضعية الظلم والقهر والحرمان بحق المرأة .فالقانون يجب أن يكون أداة لرفع الظلم وألا ينقاد إلى العادات والتقاليد الظالمة ، بل على العكس يجب أن يقود هذه العادات والتقاليد إلىالتمدن والعدالة والمساواة .
ونذكر هنا بعض الاقتراحات التي نراها ضرورية ومقبولة في إيجاد حل لمشكلة جرائم الشرف ، وهي :
1- إلغاء نص المادة (548) من قانون العقوبات.
2- أو استبداله بالتخفيف القانوني مثل مصر ولبنان.
3- إلغاء منح التخفيف القانوني لعلة الدافع الشريف ( م: 192) في جرائم القتل وعدم اعتبار القتل هنا بدافع شريف. وإيقاع عقوبة القتل الأساسية الواردة في متن المادة (533) ومابعدها من قانون العقوبات. ( تونس تعاقب بالإعدام وتركيا رفعت العقوبة إلى 21 سنة ..).
4- إصدار اجتهاد عن الهيئة العامة لمحكمة النقض ، يقضي بعدم التخفيف القانوني في جرائم الشرف. واعتبارالنص الوارد في متن المادة (192) عقوبات ، هو تغيير فينوع العقوبة فقط ، وليس في مدتها.
5- إصدار تشريع أو مذكرةمن قبل مجلس الشعب.
6- العمل على نشر ثقافة بديلة تقوم على شخصيةمفهوم الشرف ، وعدم الوصاية على المرأة ، واحترامها كإنسان كامل الحقوق واحترام حرياتها الأساسية وصياغة مفهوم للشرف يقوم على الإنجازالحقيقي والاعتبارات الحقيقية بعيدا عن جسد المرأة وتحميله ما لا يحتمل. وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني والهيئات الاجتماعية والثقافيةفي العمل على نشر هذه الثقافة وفي الدفاع عن حقوق المرأة وتحقيق العدل والمساواة.
سوريا
المحامي
موسى شناني