العولمة القانونية هل هي نعمة ....أم نغمة علينا
يعتبر مبدأ سيادة الدول على إقليمها من المبادي القانونية الراسخة في القانون الدولي ... حيث تمارس الدول سيادتها الكاملة على أراضيها من حيث تطبيق القانون الوطنى ... وسن التشريعات التي تحفظ الأمن والإستقرار .. وتضبط كافة حركة مواطنيها.... الذين يحملون جنسيتها بل كانت تمتد السيادة الوطنية ....أحيانا الى خارج حدود الدولة حيث تنتقل بحركة الطيران وداخل مبنى سفاراتها في الخارج ... أي أن للدولة السلطة المطلقة على كافة الأفعال.... التي تقع داخل حدود إقليمها الذي تمارس عليه سيادتها كركن من أركان تحقيق الدولة بمعناه القانوني... والمعنوي رمزا للسيادة الوطنية .. وعنوانا للإستقلال السياسي .. وتحقيقا للذات الوطنية نجد كثير من المبادى القانونية كمبدأ إقليمية الجريمة الذي تنص عليه كثير من الدساتير الوطنية ... ومبدأ وطنية التشريعات التي تطبق داخل إقليم الدولية وضبط قواعد الإسناد الدولية.... حين تطل إشكالية تنازع القوانيين ، مع مراعاة وإحترام القانون الدولي .. والإتفاقيات الدولية.. حيث نجد أن كثير من الدول ....إحتراما لمبدأ سيادتها ترفض تطبيق القانون الإجنبي ....الذي لا يتلائم مع خصوصيتها الوطنية والقانونية كما ترفض محاكمة أي من مواطنييها أو إستجوابهم خارج حظيرة الأنظمة السائدة داخل البلاد .
ولكن اليوم وفي ظل النظام العالمي الجديد الذي تشكلت ملامحه في الأفق .. نجد ان كثير من المبادي القانونية الدولية ... قد بدأ بريقها يخبو وينطفي .. كما نلاحظ أن مبدأ سيادة الدول على أراضيها قد كاد يتقاصر ظله وينحسر واصبح لا يستر عورات كثير من الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها بعض الحكومات في حق مواطنيها ... وأن السلطة المطلقة للسلطان .. أصبحت محاصرة دوليا وعالميا .. والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :-
1- محاكمة الرئيس الشيلي بونشيه :-
وذلك لإتهامه بجرائم حرب ضد معارضيه وإرتكاب جرائم ضد ألإنسانية منذ بداية السبعينات فلم يشفع له مبدأ تقادم الجريمة حيث أعتبرت الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب جرائم لا تعرف التقادم .. كما أن عمره تجاوز السبعين عاما ومازال تطارده جحافل العدالة من وراء الحدود.
2- محاكمة الرئيس الصربي ومساعديه في جرائم التطهير العرقي .. في البوسنة والهرسك .. حيث كلفت قوة حفظ السلام الدولية بالقبض عليه وإرساله إلى لاهاي للمحاكمة .
3- محاكمة مجرمي الحرب والتطهير العرقي في رواندا كجرائم ضد الإنسانية .. لشعب الهوتو .
4- مراقبي حقوق الإنسان الدوليين ومالهم من سلطات لتقصي الحقائق ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الدول التي تفوح منها رائحة الإنتهاكات ولهؤلاء سلطات حتما تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية المتعارف عليه.
5- لجان التحقيق في الجرائم السياسية كلجنة مليس التس تحقق في إغتيال الحريري حيث بلغت بها الجرأة الدولية إلى إستجواب أو كما يقولن الإستماع للرئيس اللبناني لمدة 6 ساعات كما جاء في وسائل الإعلام . والآن تطالب بأسماء سورية رفيعة للتحقيق معهم خرج سلطة الدولة السورية.
6- المحكمة الدولية الجنائية التي تمت الموافقة أخيرا على تفعليها لمحاسبة الجرائم التى وقعت في إقليم درافور ، حيث أن سلطات هذه المحكمة ممتدة لا تعرف الحدود ولا يحول دونها سيادة أو وطن ولها حق القبض على أي متهم في جرائم ضد الإنسانية ، كما أن تحريك هذه القضايا يمكن أن يكون من أي كائن بشري أو منظمة كما هو الحال الأن في منظمة هيومن راتس التي قامت بفتح بلاغات ضد المسوؤلين السودانيين.
7- قيام دولة بلجيكا بفتح بلاغات ضد رئيس تشاد السابق ومطاردته عبر الدول للقبض عليه وتقديمه للعدالة ، ليس لجريمة أرتكبها ضد مواطنيها ولا على أرضها بل جرائم ضد الإنسانية.
8- الإجراءات الإخيرة لكثير من البنوك الأوربية برفع السرية عن الحسابات المصرفية التي تفوح منها رائحة الفساد السياسي وسرقة أموال الشعوب بواسطة الحكام كما هو الحال في إعادة أكثر من 140 مليون دولار لنيجيريا كان قد إختلسها حاكمه السابق .
كل هذه الإجراءات هل تعتبر إنجازا يحسب لتطور البشرية .. والفكر القانوني الإنساني نحو تحقيق أفق أوسع لعدالة دولية لا تغيب شمسها الحدود .. ولا تحول بينها سلطات سلطان إستنادا للحصانات المزعومة بوجب دساتير وقوانيين فصلها طلاب السلطة وترزية التشريعات الذين يعرفون مقاسات السلطان جيدا .. وكذلك لا ننسى برلمانات التأييد والتصفيق .. التي لاترد للحاكم طلبا .. ولا ترفض له أمرا .
ولكن هناك من يقول أن هذا الحراك الدولي القانوني ماهو إلا مداخل للإستعمار بهيئته الجديدة .. وقناع يلبسه المستعمرون الجدد أو الصلبيين الجدد ..لإستنزاف موارد الشعوب .. ومخاطبة أمانيها العطشى .. للعدالة وقيم الحق .. وإستغلال هذه الشعارات البراقة لطمس هوية الشعوب الثقافية والقانونية ،، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هناك حصانة وطنية ضد هذا السيل الجارف ؟؟ وهل لدينا ما يروي غليلنا من عدالة وطنية نزيهة .. وحقوق للإنسان مصانة ... أم تقتلنا أسوار الخوف .. ويحيط بنا الحيف .... والظلم.... والضياع الحقوقي ....والقانوني لهذا سنصبح فريسة لكل قادم من وراء الحدود يلوح بقيم الحق والعدالة ، كل هذه الإسئلة تورق مضاجع المستقبل القادم ، وقد تبشر بإستعمار جديد وعالم بلا حدود ،،ويبقى فجر العدالة أسير التماسك والأنفعال.
جمال عمر مصطفى المحامي - السودان