مصر الشجرة الأزلية قبل كل الأشجار، تضرب بجذورها في عمق التاريخ الإنساني، مصر أقوى من الزمن، وأقوى من كل الآفات، وكل الرياح الصفراء، كل هذه تخمد وتزوي، وتبقى مصر شامخة، حتى وإن اعتراها أعراض وهن وقتي. نقول لمن يعرف الشعب المصري ولمن لا يعرفه، أن التخلف والكراهية السوداء والفساد وإن كان قد استشرى، إلا أن الباقي الصحيح المعافي من الجسد المصري كبير وجدير بالاعتبار، أنساه أنا وينساه الكثيرون في غمرة درامية الأحداث، لكن بالقليل من التروي، والقليل من الثقة في حتمية انتصار الحياة على الموت، وانتصار التقدم على التخلف، وانتصار المستقبل على الماضي الكئيب، القليل من الثقة والإخلاص يجعلنا نتجه إلى قاعدة عريضة من الشعب الصامت والطيب، والذي ينتظر في صبر من يقوده في طريق الخير والنماء، لا طريق الدمار والتخلف والكراهية. ملايين العائلات تريد مستقبلاً أفضل لأبنائها، ولا تجد من صفوتها وحكامها من يحبها حباً حقيقياً، ولا تجد من يقدم لها غذاء ثقافياً نقياً بناء، يفتح لها آفاق مستقبل واعد . . ملايين تنظر بحيرة لنخبها الثقافية وحكامها وهم يتاجرون بمستقبلها، نظير بضعة دولارات نفطية، ونخب استهانت بتراب مصر ونيلها، تلعب على أوتار العاطفة الدينية لشعب عبد الإله الواحد قبل كل الشعوب، ملا يين العائلات ترى أبناءها يختطفون من قبل ذئاب تدعي الإيمان، ليحولونهم إلى قنابل متفجرة، لتطاردهم كل الأمم كما تطارد العقارب والثعابين. كم شاهدنا من أمهات على شاشات التليفزين، يبكين بالدم بل الدموع، على أبنائهن المسجونين هنا أو هناك، شباب في عمر الزهور قد تكون قوى الظلام قد اختطفتهم، وقد يكونون قد أخذوا بالشبهة وقد أصبحنا كلنا أمة في موضع الشبهة، وصار دخولنا إلى الدول أمراً عسيراً، صرنا غير مرحب بنا في أي مكان، نعم صار المصريون، أول البنائين وأول الزراع، صرنا مسجلين خطر لدى جميع الشعوب. مصر التي كانت سلة القمح للإمبراطورية الرومانية، صارت تستجدي رغيف العيش من هنا ومن هناك، وصرنا على عكس ما وعدنا قادتنا الميامين، نستورد بعرقنا ودمائنا كل شيء، من الإبرة إلى الصاروخ، وصارت أقدم وأقوى دولة مركزية عرفها التاريخ، يتحكم البلطجية والمسجلين خطر في شوارعها، ويحمون رجال أعمالها ومرشحيها في مجلس الشعب (سيد قراره). مصر الملايين من الطيبين محبي الحياة تنتظر الأحرار من أبنائها، وهم كثيرون، نعم الأحرار في مثقفي مصر وصفوتها كثيرون، هم فقط متفرقون لكنهم موجودون، صوتهم واثق ومنطقهم قوي، لكنه منخفض النبرة وسط النباح والنعيق الذي يملأ الساحة. لقد قال أحد شعرائنا: أجل إن ذا يوماً لمن يبتغي مصر فمصر هي المحراب والقبلة الكبرى الأحرار في مصر الآن يتجمعون. يتعارفون. يتضامنون. يدافعون عن بلدهم، فهي كل ما يمتلكون. يدافعون عن مستقبل أولادهم وأحفادهم. الأحرار في مصر الآن في مواجهة الديكتاتورية والفساد والمتاجرة بالدين. سيدافع أحرار مصر عن تقدمها. عن سلامها وأمنها. سيدافعون عن وحدتها الوطنية، وعن شجرة الحب الأزلية بين جميع أبنائها. على الصامتين أن يتكلموا. على المتفرقين أن يتجمعوا. علينا أن نثبت للعالم أجمع أننا شعب قادر على أن يصنع مستقبله بيديه القويتين، وببذور الحضارة المتأصلة في أعماقه. اعتادت الصفوة أن تنعت الشعب بكل ما هو سلبي. اعتادت أن تسند فشلها وعجزها، إلى الجموع التي تذوق المر لتدبر لقمة عيشها وعيش أولادها. صفوة الأحرار اعتادت أن تكتفي بالاستعلاء والسفسطة، والاسترخاء في الغرف المكيفة. ترفعت بنفسها عن النزول إلى الساحة، حتى لا يضيع صوتها وسط نباح ونعيق المتاجرين بالقومية وبالدين، فكان أن حكمت بنفسها على نفسها بالشطب أو التهميش. صفوة الأحرار وهي الفئة الوحيدة المتسلحة بالعلم، لم تجرب أن تصنع لنفسها كيانها الخاص والفعال، كيان يربطها بالجماهير الغفيرة التي ملت من طول انتظارها ليوم الخلاص. لكن، إلى هنا وكفى. لن يسمح الأحرار أن تضيع مصر الحبيبة. لن يخذل الأحرار الجماهير التي خرجوا منها. فالأحرار الآن يتجمعون. ينتظمون. الأحرار قادمون.
الانتقال السريع اختــــار