ثانيا: متى تخرج زكاة الفطر ؟
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : وكان هديه صلى الله عليه وسلم إخراج هذه الصدقة قبل صلاة العيد ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد لقول ابن عباس رضى الله عنهما : فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات . انظر زاد المعاد (1/21) . ويجوز تقديمها بيوم أو يومين لما صح عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذى تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة . (انظر الإرواء للألباني (3/335)
ثالثاً: زكاة الفطر لا تجوز مالا أو قيمة إلا لضرورة :
1- سئل أحمد ابن حنبل – يعنى فى صدقة الفطر – فقال : لا يعطى قيمتها ، قيل له قوم يقولون : عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة ، فقال ابن حنبل يَدَعُون قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون قال فلان ؟! قال ابن عمر (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) ، وقال الله تعالى (أطيعو الله وأطيعوا الرسول) ، وقال قوم يَردّون السنن : قال فلان : قال فلان . انظر المغني (2/671)
2- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى – عن صدقة الفطر – (أوجبها الله طعاما ، كما أوجب الكفارة طعاما)
3- قال النووي –فقه شافعي- : لأنه ذكر أشياء قيمتها مختلفة ، وأوجب فى كل نوع منها صاعاً ، فدل على أن المعتبر صاع ولا نظر إلى قيمته ، وقال أيضا : ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة ... ، وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر. انظر صحيح مسلم – كتاب الزكاة – بشرح النووي (4/69)
4- قال أبو جعفر الهندواني –حنفي -: دفع الحنطة أى القمح أفضل فى الأحوال كلها لأن فيه موافقة للسنة واظهارا للشريعة.
5- وكان أبو بكر الأعمش – فقه حنفي – يقول: أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة لأنه أقرب إلى امتثال الأمر ، وأبعد عن اختلاف العلماء ، فكان الإحتياط فيه.
رابعاً : الرد على الشبهات القائلة بإخراج القيمة :
1- زعم بعض الناس أن ذلك أنفع للفقراء ، فالقائل لهذا قد جهل حِكَم الزكاة ، والحِكَمُ كثيرة ، فرغم أنها مواساة للفقراء فهي تعبدية على المكلف ، ولا اجتهاد مع النص ، فلا يجوز العدول عن المنصوص بالإستحسان والهوى.
2- قول بعض الناس أن النقود لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا القول غلط وجهل لقوله تعالى عن يوسف عليه السلام (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) الآية ، فالنقود موجودة فى عهد يوسف فمن باب أولى وجودها فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أما من زعم أن أبا حنيفة قال : إن الأفضل القيمة ، فهذا خطأ من الناقل لأن أبا حنيفة قال بالجواز فقط ، وكان يقول (إذا صح الحديث فهو مذهبي) ولذلك بعد وفاته خالفه صاحباه (أبو يوسف ومحمد) فى كثير من المذهب وعندهم فى الفقه الحنفي – أى فى هذه المسألة– تضاربت آراؤهم إلى أربعة أقوال أولها جواز القيمة وثانيها أفضلية القيمة وثالثها فَصَّلَ فى الأمر ورابعها وهو أفضلية إخراج الحبوب لا النقود –عندهم- وهو الراجح بالدليل ، وهو قول جمهور العلماء.
4- استدلال البعض هداهم الله بحديث (أغنوهم عن الطلب فى هذا اليوم) حديث ضعيف – انظر الإرواء للشيخ الألباني فى (3/332) والفتح للحافظ ابن حجر (3/439).
- - -
والذى لفت نظرى فى هذا الموضوع هو الشق الاخير منه والذى يتحدث عن أن زكاة الفطر يجب ألا تخرج مالا . ومن المعروف أن زكاة الفطر هى صاع من شعير ولكن جرى العمل على اخراجها بقيمتها ماليا وكل عام فى نهاية رمضان تحدد دار الافتاء بالأزهر قيمة الزكاة لهذا العام وهو ما جعلنا نعتقد أن اخراجها مالا أمر طبيعى بدليل أن الازهر يحدد قيمتها المالية . فهل فعلا لابد أن تخرج صاعه من شعير ولا يجوز أن نخرجها مالا . وهل يكون مجدى للفقراء الآن أن نعطيهم صاع من شعير أم الأفضل لهم المال أم انه أمر واجب دون النظر للمجدى فيه .