أصبحت ثقافة حقوق الإنسان ومهمة نشرها والوعي بها من الأهمية بمكان في وقتنا الحاضر، وتكتسب هذه الأهمية من منطلق أن ثقافة حقوق الإنسان لم تعد ترفا نأخذ به أو لا نأخذ به كما أنها لم تعد قاصرة علي النخبة المثقفة أو فئة بعينها معنية أو مهتمة بالأمر بل بالعكس أصبحت ضرورة إجتماعية وسياسية وقانونية ، وأصبح رجل الشارع والمواطن العادي محتكا بهذه الثقافة الجديدة في حياته اليومية وفي حاجة أن يعرف ويلم بها ولو في خطوطها العريضة .
وثقافة حقوق الإنسان باديء ذي بدء تستند إلي مرجعية محددة ألا وهي المواثيق الدولية والإتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة تتضمن أحكاما خاصة بتأكيد وحماية حقوق الإنسان في شتي المجالات .
وهذه المرجعية بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرورا بكافة المواثيق والعهود والإتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صدرت .. ويبقي السؤال .. كيف نتعامل في مجتمعاتنا العربية مع هذه المواثيق الدولية ؟ وما هي القيمة القانونية التي تكتسبها هذه الأحكام الدولية ؟ وهل تتمتع بصفة الإلزام ؟ وهل يمكن للقضاء الوطني أن يطبق هذه المواثيق الدولية في الشأن الداخلي ؟ وهل لها قيمة عملية في واقعنا العربي الداخلي ؟ أم أنها مجرد شعارات براقة نرفعها ونأمل في تطبيقها ؟
مؤكد كلها تساؤلات مشروعة ومطروحة وهنا نحاول أن نضع لها إجابات علها تشكل ورقة تفتح الباب لنقاشات وتلقي أراء ورؤي حول المسألة التي لازالت تحتاج إلي جهود مخلصة وإبتداع أشكال وآليات جديدة للتعامل معها .
وجدير بالذكر أن نؤكد علي أهمية تشجيع مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في مجال حقوق الإنسان في مجتمعاتنا العربية كمنظمات أهلية وغير حكومية ويقع عليها العبء الأكبر في مجال نشر وتنمية ثقافة حقوق الإنسان عبر آليات التدريب والتطبيق والرصد والتوثيق ... الخ
ولا بد من السعي نحو مناخ يتوفر فيه حرية تأسيس هذه المؤسسات ودعم إستقلاليتها لا قيود في الحركة أو تلقي التمويل اللازم لتنفيذ برامجها المختلفة في إطار من الشفافيه التامه حتي تستطيع أن تقوم بدورها المنوط بها .
ولابد أن نذّكر علي أهمية تخصصات مؤسسات المجتمع المدني العاملة في ميدان حقوق الإنسان ، فالمجال متسع وكبير ولم يعد مجديا أن تنشأ مؤسسة تؤدي جميع الأدوار في كل النطاقات المطروحة ، فهناك مؤسسات مختصة بإستقلال القضاء والمحاماه ، وكذا بالرصد والتوثيق لإنتهاكات حقوق الإنسان ، وفي مجال المساعدة القانونية والقضائية ، وضمان حريات الرأي والتعبير ، والحق في الإعتقاد أو ما يسمي حرية العقيدة ، والحق في المحاكمة العادلة ، وحقوق السجناء ، فضلا عن حقوق الطفل ، وحقوق المرأة ، وحقوق السجناء ، ناهيك عن الحقوق الإجتماعية والإقتصادية ، والعمل في ميدان تعزيز وتنمية المشاركة الديمقراطية .........الخ
وكلما كانت المؤسسة متخصصة في مجال بعينه في منظومة حقوق الإنسان كان أدائها علي مستوي أعلي من الكفاءة والتقدم ، وهكذا نكتشف الخريطة الشاملة وحاجة المجتمع الماسة للكثير من المؤسسات الحقوقية التي تعني بها وتغطي جوانبها ، وبين المدي الواسع للخريطة الحقوقية وحاجتنا الماسة للمؤسسات الحقوقية يبقي السؤال .. كيف ؟
كيف يعي ويدرك المجتمع بأفراده ومؤسساته هذه الحقيقة ؟ وكيف يسعي لرأب هذا الصدع وسد الفجوة الهائلة بين ما هو مقرر من حقوق وهذا الكم الهائل من حجم الإنتهاكات اليومية المتكررة لهذه الحقوق أو مصادرة تلك الحقوق بالمرة ؟
هل نكون غارقين في الحلم إذا ما حاولنا أن تكون قضية حقوق الإنسان هي في المقام الأول قضية شعبية وليست قضية النخبة ؟
هي بالفعل مسألة مطروحة علي رجل الشارع وعامة الناس بطريق الحتم واللزوم بما أن عامة الناس بشكل أو بآخر هم ضحايا الإنتهاكات وهم المطحونين برحي الإستبداد والتسلط ، هم المصادره أحلامهم في أن يتمتعوا بالحد الأدني من الحقوق .
تبقي الحلقة المفقودة بين النخبة المعنية بقضايا حقوق الإنسان وبين عامة الشعب ، وتلك لن تكتمل إلا ببناء جسر من التواصل الحقيقي المدروس والمنظم بإعداد جيل جديد من الناشطين في هذا الحقل محققا توسعا رأسيا وأفقيا ونوعيا في خريطة العمل علي تعزيز هذه الحقوق وتنمية الوعي بها ونشرها .
من هنا تأتي أهمية التدريب .. علي فهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتوكيد الحقوق الواردة بها ، مقارنة بنصوص التشريعات الوطنية الداخلية وبيان عوار هذه التشريعات الداخلية ونقاط تناقضها مع أحكام المواثيق والعهود والمعاهدات والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان .
ولنفهم أولا ما هو الفارق بين كل هذه المصطلحات في فقه القانون الدولي ، وما هي آليات العمل للسير في طريق تنفيذ هذه القواعد ، ووضع حدا لمخالفتها إنتهاكا وإهدارا ، ووسائل الضغط المدني والقانوني والدستوري لتصبح التشريعات الوطنية في حالة إنسجام مع منظومة حقوق الإنسان الدولية .
كيف نؤسس المؤسسة المدنية العاملة في مجال حقوق الإنسان ؟
ما هي الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها لإنشاء المؤسسة وفق القانون الوطني مقارنا بالقانون الدولي ؟
كيفية بناء هيكل إداري لهذه المؤسسة ؟ وما هي الوحدات الإدارية الواجب إنشاءها لتفي بالغرض ؟
ما هي البرامج التي تنفذها المؤسسة في مجال معين من المنظومة الحقوقية ؟
ما هي وسائل وآليات تحقيق هذه الأهداف والبرامج ؟
وكيفية إدارة المؤسسة المدنية ؟
ذلك كان مدخلا ضروريا ومكملا قبل الحديث بإستفاضة عن التدريب في حقل قضايا حقوق الإنسان ، وهو ما نتناوله في المقالات القادمة .