قسم الدراسات العليا
دبلوم العلوم الجنائية |
|
جامعة دمشق
كلية الحقوق |
عذر الإثارة الناتجة عن المفاجأة بالزنا
بحث علمي قانوني مقدم لنيل درجة الدبلوم في العلوم الجنائية
إعداد
محمد ياسين صلاح القزاز
بإشراف
الدكتور عماد عبيد
1997 ـ 1998
بسم الله الرحمن الرحيم
المقد مة
لايكفي أن يحدد القانون سلفاً نوع الجزء المقرر لكل جريمة ومقداره حتى يضمن بلوغ الغاية المرجوة من مباشرة الجزاء وانما ينبغي أن يحاول جعل الجزاء ملائماً لحالة كل مجرم وظروفه الخاصة على قدر الامكان ذلك لأن المجرم تختلف حالته باختلاف درجة أهليته للاختيار والخطأ من جهة وتحمل المسؤولية من جهة وباختلاف درجة خطورته الاجرامية من جهة أخرى، وهذا مايعرف بنظرية تفريد العقاب التي كان للمدرسة التقليدية الجديدة الفضل في وضع أسسها والتي تبنتها معظم التشريعات الجزائية وأصبحت اليوم من أهم موضوعات علم العقاب والشغل الشاغل لعلماء القانون الجنائي وهذه النظرية ترى أن شخصية المجرم يجب أن يكون لها المكان الأول في القانون الجزائي وأن العقوبة يجب أن تكون ملائمة لهذه الشخصية فكل شخص يرتكب فعلاً جرمياً لابد أن يكون في حقيقة الأمر مدفوعاً بعوامل متعددة وهذه الحقيقة تتطلب أن تكون العقوبة من حيث نوعها ومقدارها ملائمة لحالته وللتمكن من اصلاحه واعادته إنساناً سوياً إلى المجتمع.
ومن وسائل تفريد العقاب التي اعتمدتها معظم التشريعات الجزائية الاعفاء من العقوبة أو تخفيفها بشكل وجوبي و هي محصورة ومحددة في القانون ويطلق عليها الأعذار المحلة أو الأعذار المخففة ومبرراتها تقدير المشرع أن منفعة المجتمع بعدم العقاب في حالات معينة أجدى له من اقتفاء العقاب فيقرر استبعاد العقاب أو تخفيفه مراعاة للمنفعة الاجتماعية.
وتختلف أنواع هذه الأعذار وطبيعتها تبعاً لاختلاف السياسة الجنائية من دولة إلى أخرى وفي الدولة الواحدة من زمن إلى آخر، فالسياسة الجنائية هي مجموع المبادئ التي ترسم لمجتمع ما في مكان وزمان معينين اتجاهاته الأساسية في مكافحة ظاهرة الجريمة والوقاية منها وعلاج السلوك الإجرامي.
وغالباً ماتقسم الأعذار إلى أعذار عامة يتسع نطاقها لجميع الجرائم وأغلبها، وأعذار خاصة ينحصر نطاقها في جريمة أو فئة محدودة من الجرائم.
وبحثنا هذا يقتصر على العذر الناشئ عن المفاجأة بالزنا والذي نصت عليه أغلب التشريعات الجزائية وتأرجح بين مؤيد ومعارض إلى فترة طويلة حتى قامت السياسة الجنائية وتطوراتها في كل دولة على حدى بحسم هذا الخلاف سواء بالغاء هذا العذر أو تقريره.
وقد جاء تقرير هذا العذر في القانون لاعتبارات عائلية وشخصية تتصل بدرجة الاثارة التي تتوافر في شخص الجاني عندما يقدم على فعل يشكل بطبيعته جرماً معاقب عليه الا أن اقدامه على هذا الفعل كان نتيجة مفاجأته لشخص وثيق الصلة به في وضع تأباه القيم الاجتماعية والدينية والخلقية ويثير الاشمئزاز ويهدم العلاقات العائلية والأسروية التي يزخر بها مجتمعنا العربي ويحرص عليها ديننا الاسلامي كما تحرص عليها وعلى استمرارها أغلب المجتمعات تلك العلاقات التي يجب أن تكون متلاحمة وثيقة في الأسرة الواحدة والتي هي الخلية الأولى في المجتمع فيشتد أزر المجتمع بتلاحمها ويتفكك بانهيارها حيث يتحول عندئذ إلى تجمع تحكمه العلاقات المادية البحتة دون اعتبار للقيم والتقاليد التي يتميز بها المجتمع الانساني.
ولقد تباينت الحلول التي اتبعتها المجتمعات والقوانين في هذه الحالة عبر التاريخ فلقد عرفت المجتمعات على قدم العصور مشكلة الزنا ونبذتها كما قررت العقوبات المناسبة لها، ومنذ القديم في المجتمعات البدائية لم ينتظر الشخص العقاب الاجتماعي لجريمة زوجته أو قريبته المتمثلة بالزنا فسارع إلى الانتقام لنفسه والاقتصاص منها جراء فعلتها التي تمس بشرفه و كرامته وذلك بدافع غريزي بعيد كل البعد عن الوعي والادراك والموازنة بين فعله ورد الفعل الاجتماعي عليه حيث تسقط أمام هذا المشهد جميع مظاهر الحضارة والمدنية ويتصرف الانسان في أي عصر كانسان بدائي مدفوعاً بثورة الأعصاب وهول المفاجأة وقد كانت المجتمعات البدائية تنصّب من الزوج قاضياً للعائلة يحكم وينفذ الحكم على زوجته الزانية بدون أي رقابة، أما القانون الروماني على اختلاف تطوراته فقد أعطىالحق للزوج بقتل زوجته الزانية، إلا أنه فيما بعد أوجد عدد من البدائل التي يستطيع فيها الزوج الاستغناء عن القتل كايذاء الزوجة أو الحكم عليها من قبل القاضي ولقد رفضت التشريعات الشريعة المسيحية هذا العقاب الدنيوي من قبل الزوج على زوجته واكتفت بالجزاءات الدينية والمدنية.
أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد تباينت نظرتهم إلى هذه المشكلة فمنهم من قال بحق الزوج بقتل زوجته الزانية تأديباً لها ومنهم من لم يعترف له بهذا الحق وبالمقابل لم يعترف للزاني والزانية بالدفاع عن نفسهما في حالة اعتداء الزوج عليهما ومنهم من يقيد هذا الحق بوجود من له الحق بالقصاص.
أما في التشريعات الجزائية الوضعية فلقد أخذ القانون الفرنسي بهذا العذر في البدء مستجيباً لدواعي الطبيعة الانسانية الا أن تطور الحياة في فرنسا وانقلاب العلاقات الاجتماعية إلى علاقات مادية والسماح للأزواج بالطلاق خلق عرفاً يسود المجتمع الفرنسي اليوم ويقضي بوجود خليلة للرجل بالاضافة إلى زوجته مما قضى بالغاء النصوص التي تجرم فعل الزنا وبالتالي الغاء العذر الناشء عن المفاجأة بالزنا حيث لم يعد له أساساً يبنى عليه.
أما التشريع السوري فلقد نص على هذا العذر في المادة (548) من قانون العقوبات موفقاً بذلك بين الأخلاق الاجتماعية والقوانين ومؤكداً أن القوانين ليست الا تعبيراً عن ارادة المجتمعات.
وتنبع أهمية البحث في هذا العذر من الواقعة التي تتضمن المفاجأة بوضع شاذ غير مألوف من قبل الزوج أو القريب، حيث يقدم الشخص على قتل أو ايذاء قريبته بشكل مقصود وذلك بسبب إخلالها بحرمة العلاقات الزوجية أو العائلية مدفوعاً بثورة غضب شديدة تؤثر في حرية اختياره الامر الذي يستدعي تخفيف عقابه أو إلغائه تمشياً مع العادات والتقاليد الاجتماعية ومبادئ المسؤولية الجنائية التي تقوم على حرية الاختيار، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان هناك مشاكل هامة وعديدة تعترض تطبيق هذا العذر عملياً وترتبط بشروط الاستفادة منه سواء ماتعلق منها بالأشخاص المستفيدين من العذر أو الواقعة التي يستفاد بها منه، ومن هذه المشاكل تحديد وقت الاستفادة من العذر بناء على أنواع الزواج أو الطلاق ومشكلة قصر نطاق العذر على بعض الأشخاص دون غيرهم كالزوج مثلاً دون الزوجة والأقارب، ومساهمة بعض الأشخاص في هذه الجريمة دون أن تكون لهم صفة فيها كما أن عنصر المفاجأة والذي يمثل الحكمة من هذا العذر يقتضي تحديد ماهيته والشخص الذي يجب أن يقع عليه وصفه فعل الاعتداء الواقع.
كما ترد مشكلة التفريق بين الأوضاع الحصرية التي حددتها المادة (548) عقوبات لما ينبني على ذلك من منح العذر المحل أو المخفف ودراسة أثر العذر على الجريمة والعقوبة.
وأخيراً ترد مشكلة قانونية ومنطقية في الدفاع الشرعي الذي يصدر من الزانية وشريكها ضد الزوج أو القريب الذي يهم بالاعتداء عليهما.
هذه المشكلات ومشكلات أخرى فرعية سنتصدى لها في هذا البحث من خلال بحث تفاصيل تطبيق هذا العذر في ضوء الحكمة التي قصدها المشرع من احداثه مع المقارنة بين التشريعات العربية والأجنبية التي أخذت بهذا العذر والوقوف على اتجاهات الاجتهادات القضائية عندما تدعو الحاجة.
آملين بذلك أن نستطيع الوقوف على أدق تفاصيل تطبيق هذا العذر والاجابة على جميع التساؤلات التي تطرح بصدد الاستفادة منه.
خطة البحث:
فصل تمهيدي
المبحث الأول: التطور التاريخي
المبحث الثاني: فلسفة العذر.
الفصل الأول: الشروط المتعلقة بأطراف العذر
المبحث الأول: علاقة الزوجية.
المبحث الثاني: علاقة القرابة.
الفصل الثاني: الشروط المتعلقة بالواقعة
المبحث الأول: عنصر المفاجأة
المبحث الثاني: فعل الاعتداء.
والله ولي التوفيق . . .
فصل تمهيدي
ان العلاقات غير المشروعة بين الرجل والمرأة قديمة قدم التاريخ، تلك العلاقات التي تتعارض مع مؤسسة الزواج ومؤسسة القرابة، فقد عرفت المجتمعات والقوانين المتلاحقة على مر العصور هذه الجريمة البشعة ونبذتها مقتدية في ذلك بالمعايير الأخلاقية والدينية التي ترفض هذا النوع من العلاقات والتي تمتد آثارها السلبية إلى المجتمع بأسره فتعيث فيه فساداً أخلاقياً وتعبث بحرمة العلاقات الاجتماعية فيه.
أما الشخص الذي يعاني من هذه الجريمة بشكل خاص هو الزوج أو القريب المخدوع المثلوم في شرفه والذي يفاجأ بمثل هذا النوع من العلاقات غير المشروعة فيقدم على الاعتداء على زوجه أو قريبته تحت تأثير مشاعر النخوة والشرف والاثارة.
تلك المشاعر التي لحظتها معظم المجتمعات والقوانين فأخذت بها لاعفاء الجاني من العقاب أو التخفيف عنه نتيجة لفلسفة وجود العذر لدى الجاني عندما يندفع نحو الاعتداء، وعلى ذلك سوف نبحث في هذا الفصل مبحثين:
المبحث الأول: التطور التاريخي.
المبحث الثاني: فلسفة العذر.
المبحث الأول: التطور التاريخي
لقد عرفت المجتمعات والقوانين والديانات السماوية منذ القدم جرم الزنا وعاقبته بعقوبات مختلفة ومتنوعة تعكس المفاهيم السائدة للعقوبة لديها.
كما اختلفت الحلول التي قدمتها تلك المجتمعات والقوانين والديانات بشأن حالة قصاص الزوج أو القريب بنفسه من زوجه أو قريبته الزانية دون انتظار حكم المجتمع عليها مدفوعاً بذلك الاستفزاز الذي ملأ صدره.
ونحن في هذا المبحث سوف نرصد التطور التاريخي لهذه الحلول في المطالب التالية:
المطلب الثالث: في الشرائع السماوية |
المطلب الأول: في المجتمعات البدائية |
المطلب الرابع: في التشريعات الوضعية |
المطلب الثاني: في القانون الروماني |
المطلب الأول: في المجتمعات البدائية:
كان الزوج هو مالك زوجته، لهذا كان يعد زنا الزوجة بمثابة اعتداء منها ومن عشيقها على مال الزوج لاعلى شرفه وكرامته، أ ي كانت تعتبر في حقيقتها جريمة سرقة.
وكان يحق للزوج في هذه الحالة قتل زوجته بل كان هذا العقاب هو العقاب المعتاد لزنا الزوجة لدى القبائل الجرمانية وقبائل الغال والفرنك سواء أكان الزنا في حالة تلبس أم لا، وسواء أكانت المرأة الزانية زوجة أو خليلة للرجل.
ومع تطور العادات والأخلاق اختفت فكرة اعتبار الزنا اعتداء على حق ملكية الزوج لتحل محلها فكرة أخرى وهي الاعتداء على العرض، ولكن الأساس بعي هو الاعتداء على العرض.
ولم يكن يُسمح للزوجة الزانية بدخول المعابد وكان من حق جميع المواطنين إذا دخلت أن يطردوها بالقوة وكانوا ينـزعون شعرها ويضعون على رأسها جمرات النار.
كذلك لم يكن يُسمح لها أن تظهر في المجتمعات بزينتها وإلا كان من حق أي فرد من الشعب أن يمزق هذه الملابس وينزع عنها زينتها ويضربها ويصل في إيذائها إلى أقصى الدرجات بشرط أن لايصل إلى حد القتل.
المطلب الثاني: في القانون الروماني:
لقد كان السائد في ظل القانون الروماني قبل صدور تشريع جوليا المبدأ الآتي بيانه:
«اقتلها بدون حكم فلن تعاقب».
ولقد كان أساس هذا المبدأ محض ديني، ولكن بعد صدور قانون داركون أصبح هذا الأساس قانوني، وبذلك كان قتل المرأة مثل زناها يعتبر من المسائل العائلية التي لادخل للمجتمع فيها، وكان الزوج بمثابة قاضي للعائلة وليس خصماً في البت في قضية زنا زوجته.
وكان يحق للزوج أن يطلق زوجته بدلاً من أن يقتلها ولقد تقرر له هذا الحق بموجب الدعوى التي تعرف باسم:
Action de moribus.
وكان له الحق في التصرف في الدوطة التي قدمتها له بمناسبة الزواج بل كان يحق للزوج تشويه جمال زوجته أو الاضرار بها أو فضحها أمام الكافة أو أن يقودها إلى القاضي ليحكم عليها وفقاً للشريعة السائدة أو العرف المتبع، وكان يحق للزوج كذلك قتل عشيق زوجته، وفي وقت لاحق منحت الزوجة المخدوعة الدعوى المعروفة باسم: I’action de moribus. التي كانت مقررة للزوج المخدوع والتي بموجبها يحق لها طلب الطلاق واسترداد الدوطة التي تكون قد دفعتها لزوجها عند ابرام عقد الزواج.
كما أن قانون Augusto الروماني كان يعترف للأب بحق قتل ابنته التي تفاجأ في حالة زنا في بيتها أو في بيت زوجها.
وبعد صدور تشريع جوليا لم يعد من حق الزوج المخدوع قتل زوجته الزانية حتى إذا فاجأها متلبسة بالزنا وأصبح يعامل معاملة القاتل العادي، ولكن ظل الزوج محتفظاً بحقه في قتل عشيق زوجته إذا تحققت شروط معينة، وأصبح من الواجب على الزوج أن يطلق زوجته الزانية والا تعرض لعقاب معين شريطة أن يوضح خلال ثلاثة أيام شخصية عشيق زوجته ومكان وقوع الزنا الذي ضبطها فيه، ولكن هذا التطور لم يمس المركز الأعلى للزوج على الزوجة.
المطلب الثالث: في الشرائع السماوية:
لقد عرفت الشرائع السماوية جريمة الزنا وحالة اقتصاص الزوج أو القريب من زوجته أو قريبته الزانية دون انتظار حكم أحد، الا أن التشريعات السماوية نزلت بالترتيب فكانت الشريعة اليهودية ثم الشريعة المسيحية ثم الشريعة الاسلامية، وهي خاتمة الشرائع، وكانت القاعدة في سياسة العقاب في الشرائع السماوية أن يأتي الحكم عاماً في شريعة قديمة ثم تأتي بعدها الشريعة الثانية فتفصل في الحكم ثم تزيده إلى أن يتبلور الحكم بصورته النهائية في خاتمة الشرائع السماوية وهي الشريعة الاسلامية، ومن ثم سوف نتبع في هذا المطلب أحكام الشرائع السماوية حسب ترتيب نزولها.
أولاً: الشريعة اليهودية:
لقد كان لدى الشريعة اليهودية أمانة متبادلة مفروضة على الزوجين وقد ذهب اليهود الأقدمين إلى اشتراط الأمانة الزوجية لافي الزوجة فحسب ولكن في الخطيبة أيضاً.
الا أن الفقرات التي عالجت هذا الموضوع تناقضها فقرات أخرى أكثر وضوحاً منها وفي نفس الكتب وهي تقضي بأنه لم يكن لدى الاسرائيليين أي مساواة بين الرجل والمرأة وهذه التفرقة كانت قائمة على الفكرة التي كانت سائدة عندهم عن الزواج، فقد كان هدفهم هو التناسل والاكثار من الأفراد وكان الزواج نظام أول مايقصد به هو تحقيق هذا الغرض لكي يصبح المجتمع قوياً يستطيع الدفاع عن نفسه أو لكي تسمح له كثر العدد بالقيام بأعمال ضخمة، وهذه الفكرة حملت اليهود القدماء على الاعتراف بشرعية زنا الزوج.
ثم جاءت الشريعة اليهودية لتحرم الزنا وتفرض عليه عقوبة الرجم أو الجلد بالاضافة إلى أنه كان للزوج الذي تخونه زوجته الحق في أن يستولي على الدوطة منها وكانت هي علاوة على ذلك تفقد جميع حقوقها المالية الناشئة عن الزواج.
أما عن عقوبة الرجم أو الجلد ففي حديث أن يهوديين زنياً ورفع الأمر إلى علمائهم فقال بعضهم لبعض نذهب إلى ذلك النبي فانه جاء بالتخفيف فان أفتانا بالتخفيف قبلنا حكمه واحتججنا عند الله بأنها فتوى نبيك، وان جاء بالرجم لم نقبل منه، فرفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «إني أحكم بينكم بحكم الله الذي عندكم في التوراة».
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتي بيهودي ويهودية قد زنيا فانطلق حتى جاء يهود فقال: «ماتجدون في التوراة على من زنا»، قالوا: «تسود وجوههما وعملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما».
قال: «فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين» فجاؤا فقرأوها حتى إذا مر بأيه الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ مابين يديها وماورائها، فقال له عبد الله بن سلام وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم: «مره يارسول الله فليرفع يده». فرفع يده ف إذا تحتها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمهما.
ثانياً: في الشريعة المسيحية:
عندما ظهرت المسيحية بدأ مع ظهورها التحدث عن المساواة بين الزوج والزوجة في الواجبات والحقوق وبالذات فيما يتعلق بالإخلاص الزوجي.
ورغم أن تعاليم السيد المسيح كانت مثالية وأخلاقية الا أن وجود التزامات زوجية مثل عدم قابلية الزواج للانحلال بالطلاق والاخلاص الزوجي المتبادل اقتضى وجود عقاب دنيوي ضد الزنا وغيره من الانتهاكات الصارخة لالتزامات عقد الزواج المسيحي.
ولقد رفضت المسيحية من حيث المبدأ إقرار حق الانتقام الخاص للزوج أو للزوجة إذا ماتعرض أحدهما لخيانة شريك حياته، ولاأدل على ذلك من قول المسيح عليه السلام: «من كان منكم بلاخطيئة فليرجمها بالحجر».
ولكن هذا القول لم يكن له تطبيق في الحياة العملية إذ لم يلبث أن تضاءل تأثير الكنيسة بعد وقت قصير.
كما وأن جزاءات الكنيسة حيال الزنا لم تكن عقوبات دنيوية محسوسة وإنما كانت جزاءات دينية محضة تمثلت بالغفران والتكفير بالتوبة في أحد الأديرة ولم ترى في ذلك مخالفة لأحكام الدين المسيحي.
كما قبلت بعض الطوائف المسيحية فكرة الجزاء المدني كجزاء للزنا، وتمثل هذا الجزاء المدني في الانفصال الجسدي بين الزوجين وفقد الدوطة التي تدفعها المرأة بمناسبة عقد الزواج، وبهذه الوسائل حاولت الكنيسة منع جريمة القتل بين الأزواج بسبب زنا أحد الزوجين.
ثالثاً: في الشريعة الاسلامية:
في الفقه الاسلامي هناك عدة آراء نستعرضها فيمايلي:
1. الرأي الأول:
يميل أنصار هذا الرأي إلى القول بأن في حالة مفاجأة الزوج لزوجته بالزنا فان اقدامه على قتلها إنما يباشر بموجبه حقه في التأديب.
ووفقاً لهذا الرأي يميل أنصاره إلى القول بجواز قتل الزوجة الزانية ولو من شخص غير زوجها، كشقيقها أو والدها، وقد تبنى هذا الرأي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
فقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يوماً يتغذى اذ جاءه رجل يعدو وسيفه ملطخ بالدماء ووراءه قوم يعدون من خلفه حتى وصل مجلس عمر فجلس وجاء الآخرون يقولون لعمر: ياأمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا، فقال له عمر: م إذا تقول؟. فقال: ياأمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي، فان كان بينهما أحد فقد قتلته، فرد عليه عمر: ماتقولون؟.
قالوا: ياأمير المؤمنين إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفخذ المرأة.
فأخذ عمر سيفه فهزه ثم دفعه إليه وقال: إن عادوا فعادوا من حيث أتوا.
ولكن يؤخذ على هذا الرأي أن حق التأديب له حدود ولايصل إلى درجة القتل كما أن عقاب الزانية هو الرجم لاالقتل.
2. الرأي الثاني:
يميل أنصار هذا الرأي إلى أن الاسلام لايعترف ولايقرر بعذر الاستفزاز في الزنا لكن الشريعة الإسلامية تهدر دم الزاني عندما يقتله الزوج ولاتعترف بدفاع شرعي يصدر من زانية وشريكها.
ويعتمدون في ذلك على حجج مستقاة من القرآن الكريم والسنة النبوية وقضاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أ ـ الحجج المستقاة من القرآن الكريم:
تتمثل هذه الحجج في أنه لايوجد أي حكم خاص بحل هذه المسألة في مقام سرد أحكام القتل في النصوص القرآنية.
ويعتبر أنصار هذه الرأي أن عدم تحدث القرآن الكريم عن أثر الزنا في ارتكاب جريمة القتل إنما يدل على رغبة الاسلام في عدم الأخذ بعين الاعتبار بالغضب في تخفيف عقوبة الزوج المخدوع إذا قتل زوجته، فالقرآن يحبذ ضبط النفس والبعد عن الغضب باعتباره غريزة انسانية بغيضة لذا فلا يتصور أن يؤيد القرآن تخفيف عقاب القاتل بحجة انفعاله وغضبه.
ب ـ الحجج المستقاة من السنة النبوية:
ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاب على من سأله في شأن ضبط زوجته متلبسة بحالة الزنا هل ينتظر حتى يأتي بأربعة شهود، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن رد عليه بالايجاب، وهذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته قاضياً لم يأمر بقتل الزوجة حال تلبسها بالزنا بل تطلب إثبات الحالة بشهادة أربعة شهود للحكم عليها بالرجم لابالقتل.
ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر يوصي بتوبيخ الزوجة الزانية، لخظة مفاجأتها بالتلبس بالزنا، بالكلام لابالضرب أو القتل.
وبعد ذلك يحق للرجل المخدوع اللجوء إلى اللعان إذا استمرت الزوجة الزانية على خيانتها رغم توبيخها، كما أنه يحق للزوج المخدوع أن يقتل عشيقها لاأن يقتلها هي مالم يثبت انغماسها في الزنا رغم توبيخه فله أن يقتلها كذلك.
ج ـ قضاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
فقد روي عن الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قضى في امرأة متزوجة فلما كان ليلة زفافها أدخلت صديقها للحجرة سراً وجاء الزوج فدخل الحجرة فوثب عليه الصديق فاقتتلا، فقتل الزوج الصديق وقتلت المرأة الزوج، فقضى علي بقتل المرأة بالزوج ولم يعتبرها مدافعة عن نفسها أو عن غيرها.
3. الرأي الثالث:
ويميل أنصار هذا الرأي إلى التفريق بين حالتين:
ـ الحالة الأولى: إذا كان هناك أولاد ناجمين عن الزواج:
في هذه الحالة لايجب القود من الزوج إذا ماقتل زوجته الزانية لأن حق القود يتقرر لأولاده ولايعترف الاسلام للأولاد بحق قتل آبائهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك».
ـ الحالة الثانية: إذا لم يكن بين الزوجين أولاد:
ففي هذه الحالة يجب القود من الزوج إذا ماقتل زوجته الزانية.
المطلب الرابع: في التشريعات الوضعية:
لقد بحثت التشريعات الوضعية أيضاً في هذا العذر ونحن هنا نستعرض من التشريعات الوضعية مايتصل فقط بالتطور التاريخي للعذر، فنبحث على ذلك في هذا المطلب القانون الفرنسي والقانون السوري.
أولاً: في القانون الفرنسي:
في عصر القانون القديم الذي كان قائماً قبل قيام الثورة الفرنسية مباشرة عاد للزوج مكانته السامية على الزوجة وبالتالي أصبح من جديد فعل الزنا بمثابة اعتداء على حقوق الزوج فحسب ومن ثم كان للزوج أن يقتل زوجته التي يفاجئها في حالة تلبس بالزنا، ومن باب أولى كان من حقه أن يصفح عن زوجته ولو أحيل الأمر إلى القضاء.
ولقد ظل هذا الوضع سائداً حتى بعد أن تحررت المرأة المتزوجة من سيطرة الزوج.
ولكن شيئاً فشيئاً لم يعد للزوج القاتل أي حجة أو ستار قانوني ليحول دون عقابه جنائياً ومع ذلك فلقد كان هذا العقاب الجنائي بمثابة عقاب نظري بسبب حصول الزوج على خطابات عفو بعد ادانته جنائياً إذا ماقتل زوجته حال تلبسها بالزنا.
وفي الواقع كان يُقضى بنفي الزوج القاتل لمدة تتراوح بين خمس وسبع سنوات حسب العادات والأعراف الجارية حينذاك وفي بعض الحالات كان يُقضى عليه بالغرامة، ولكن هذا التخفيف العقابي لم يكن يطبق على الزوجة المخدوعة إذا قتلت زوجها حال تلبسه بالزنا.
ومن ثم نصت المادة 324/2 على تقرير عذر للاستفزاز الناشئ عن حالة الزنا حيث نصت على أن: «إلا أنه في حالة الزنا المنصوص عنها في المادة 336، فان القتل الواقع من قبل الزوج على زوجته وعلى شريكها في لحظة مفاجأته لهما بالجرم المشهود في المنزل الزوجي يستفيد من العذر المخفف».
الا أن هذا العذر تأرجح بين مؤيد ومعارض، وأخيراً حسم المشرع الفرنسي هذا الخلاف بالغاء عذر الاستفزاز في عام 1975 مؤيداً بذلك رأي الأغلبية الذي اعتمدوا على الحجتين التاليتين:
1. إن الزوج ليس من حقه الانتقام الخاص كما في العهود الهمجية والبدائية وبالتالي فليس من المعقول أن يحميه القانون الجنائي في قتله لزوجته الزانية وأنه من الأحرى أن يُترك تقدير حالة الانفعال التي يوجد فيها الزوج المخدوع لحظة مفاجأته لزوجته متلبسة بالزنا للقاضي الجنائي لاللمشرع الجنائي.
2. ان الأخلاق العامة في فرنسا لم تعد تقبل السماح للزوج بأن يقتل زوجته الزانية حال تلبسها بجرم الزنا طالما أنه يستطيع أن يطلقها وفقاً للتشريع الفرنسي.
ثانياً: القانون السوري:
نص قانون العقوبات السوري على تقرير عذر محل من العقاب لمن يفاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع فيقدم على قتل أحدهما أو كلاهما أو إيذائه بغير عمد، وعلى تقرير عذر مخفف لمن يفاجأ نفس الأشخاص في حالة مريبة مع شخص آخر فيقدم على قتل أحدهما أو كلاهما أو إيذائه بغير عمد، وذلك في نص المادة 548 من قانون العقوبات.
الا أن هذه المادة لم تبقى على نصها الأصلي إنما طرأ عليها بعض التعديل، فلقد كانت في الاصل تنص على مايلي:
«1. يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع فأقدم على قتل أحدهما أو إيذائه بغير عمد.
2. يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر».
والتعديل الذي أحدثه المشرع السوري، بمقتضى المرسوم التشريعي رقم 85 الصادر في 28/9/1953 اقتصر على الفقرة الأولى من المادة 548 والتي أصبحت بعد التعديل:
«1. يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقد على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد».
وقد ورد في الأسباب الموجبة لاصدار المرسوم التشريعي رقم 85 المشار إليه سابقاً بصدد المادة 548 من قانون العقوبات مايلي:
«لما كانت عبارة (في جرم الزنا المشهود) وعبارة (في حالة الجماع غير المشروع) الواردتان في المادة 548 لاتدلان على حالتين مختلفتين، بل أنهما تدلان على حالة واحدة، الأمر الذي لم يقصده واضع القانون لذلك أبدلت العبارة الثانية بعبارة [في صلات جنسية فحشاء] والمقصود بها: الحالات التي يمكن وصفها بالجماع أو الزنا كخلو المرأة وهي عارية من ثيابها مع رجل أجنبي وماشابه ذلك من الأوضاع الفاحشة».
كما أنه من الأسباب التي دعت إلى تعديل هذه الفقرة أن استعمال عبارة «أقدم على قتل أحدهما أو إيذائه» يوهم القارئ أن الجاني لايستفيد من العذر المحل إذا هو أقدم على قتل الاثنين معاً أي الزوجة الخائنة وشريكها مثلاً مما اقتضى تعديل هذه العبارة لتصبح: «أقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما».
المبحث الثاني: فلسفة العذر
لقد نصت التشريعات الجزائية الوضعية على هذا العذر وقد اختلفت فيما بينها من حيث الأشخاص المستفيدين منه ومن حيث شروط تطبيقه، إلا أن هذه التشريعات لم تقرر هذا العذر بشكل اعتباطي إنما جاء تقريره نتيجة حكمة ارتأتها تلك التشريعات في تطبيقه ومنحه للجاني هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد جاء هذا العذر وبشكل خاص في القانون السوري نتيجة تطبيق للقواعد العامة للقانون الجزائي حيث افترض المشرع وجود الاثارة لدى الجاني عند اقدامه على القتل أو الايذاء في تلك الحالة وعلى هذا سوف نبحث في هذا المبحث مطلبين:
المطلب الأول: الحكمة من العذر. المطلب الثاني: الافتراض القانوني للاثارة.
المطلب الأول: الحكمة من العذر:
ان الحكمة من هذا العذر واحدة في جميع التشريعات الجزائية الوضعية وتتمثل في الحالة التي يوجد فيها الجاني عند اقدامه على ارتكاب فعل القتل أو الايذاء، فالوضع الذي يفاجأ الجاني به زوجته أو قريبته وضع حساس ومثير يبعث في نفس الجاني الغضب الشديد والاثارة نتيجة هذا المشهد الذي لم يتوقعه الجاني، فمفاجأه الجاني لزوجته أو قريبته في وضع الزنا يبعث في نفسه الاثارة الشديدة والغضب العارم مما يصح معه القول بأن الجاني قد دفُع دفعاً إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير الغضب وهول المفاجأة التي سيطرت على نفسه فأنقصت من قوة ارادته وحرية اختياره أو أعدمتها فأحالته إلى انسان بدائي يتصرف وفق غريزته دون التفكير بعواقب فعله ورد الفعل الاجتماعي عليه، وهذا ماينقص من مسؤوليته الجزائية التي تقوم أصلاً على الادراك وحرية الاختيار.
كما أننا إذا نظرنا إلى هذا الجاني من وجهة نظر علم الاجرام نرى بأنه لم يعبر عن خطورة اجرامية حين إقدامه على ارتكاب الجريمة مما يُستبعد معه فرض عقوبات شديدة على هذا الجاني حيث أقدم على جريمته بشكل عفوي وغريزي بعيد عن التنظيم والتخطيط الذي يعبر عن الخطورة الاجرامية لدى الجاني.
وبذلك نرى أن الأساس الذي يقوم عليه العذر هو الاستفزاز العنيف الذي يبعث الاثارة في نفس الفاعل، ولكن ينبغي أن يكون مفهوماً أن القانون لم يمنح الحق أو يبيح للشخص القتل أو الايذاء وانزال العقاب بالمجني عليه جراء الفعل الذي اقترفه، فيغدو الجاني بذلك خصماً وحكماً يحكم ويقتص بنفسه من خصمه مما يجعل العذر أمراً مخالفاً للمصلحة العامة والعدالة كما يرى البعض.
فالقتل أو الايذاء ليس حقاً للجاني وهو غير مباح إنما مُنح العذر للجاني فقط جراء المفاجأة المفجعة التي قللت إلى حد كبير من ارادته وربما أنهتها بشكل تام نتيجة فعل تأباه القيم والتقاليد وترفضه جميع الأديان السماوية، وليس أدل على عدم اباحة فعل الاعتداء من أن هذا الفعل وان استفاد من العذر الا أن ذلك لايسلخ عنه الصفة الجرمية بل يبقى هذا الفعل يشكل جريمة على ماسنراه لاحقاً.
المطلب الثاني:الافتراض القانوني للاثارة:
كما أن لهذا العذر حكمة في وجوده كذلك فإن تطبيق هذا العذر لايشكل استثناءً على القواعد العامة في المسؤولية الجنائية ذلك لأن هذه المسؤولية تقوم على الادراك وحرية الاختيار وماأن يتأثر أحد هذين المبدأين بظروف تنقصهما أو تعدمهما حتى تغدو المسؤولية الجنائية ناقصة، مما يستوجب تخفيف العقاب، أو معدومة، فينتفي العقاب.
ويُلاحظ أن المشرع السوري فرق في المادة 548 عقوبات الناصة على هذا العذر بين حالتين:
1. الحالة الأولى: حالة من يفاجئ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر.
2. الحالة الثانية: حالة من يفاجئ زوجه أو احد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع شخص آخر.
ففي الحالة الأولى يُمنح مرتكب القتل أو الأذى حق الاستفادة من العذر المحل، في حين يُمنح في الحالة الثانية حق الاستفادة من العذر المخفف فقط.
والمعيار الذي أخذ به المشرع السوري للتفريق بين هاتين الحالتين هو الواقعة التي يفاجأ بها المجني عليه، أما الحكمة في اعطاء العذر المحل للحالة الأولى والمخفف للحالة الثانية هي مقدار الاثارة التي توافرت لدى الجاني.
والواقع أن المشرع السوري قد افترض في الحالة الأولى بقرينة قانونية قاطعة لاتقبل اثبات العكس أن الشخص الذي اقترف القتل أو الايذاء في هذه الحالة وضمن الشروط التي حددتها المادة 548 عقوبات قد اعترته حالة من حالات الانفعال الشديد أفقدته وعيه وسلبته إرادته مما يقتضي اعفائه من كل عقاب طبقاً للمادة 227 عقوبات والتي تنص على أن:
«1. ان المهابة وحالات الانفعال والهوى ليست مانعة للعقاب.
2. على أنه إذا أفرط فاعل الجريمة في ممارسة حق الدفاع المشروع لايعاقب إذا أقدم على الفعل في سورة انفعال شديد انعدمت معها قوة وعيه أو إرادته».
أما في الحالة الثانية فيفترض المشرع السوري بقرينة قانونية قاطعة لاتقبل إثبات العكس أن الفاعل أقدم على ارتكاب فعله بثورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه مما يقتضي معه تخفيف العقاب عنه طبقاً للمادة 242 عقوبات والتي تنص على أن:
«يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه».
ومما يترتب على هذا الافتراض القانوني أن مجرد توافر شروط تطبيق العذر في حالة الجاني يفيده من هذا العذر دون البحث عن النقص الحاصل في قوة ارادته بشكل واقعي وليس لأحد عند توافر شروط العذر أن يدّعي بأن الجاني رغم توافر هذه الشروط فانه لم يفقد قوة ارادته ولم يصبها أي نقص.
وكذلك فانه في حالة فقدان شروط تطبيق هذا العذر فان الجاني لايستفيد من القرينة القانونية القاطعة التي أتى بها نص المادة 548 عقوبات، الا أن الجاني هنا يبقى له الاستفادة من العذر المخفف إذا أثبت النقص الحاصل في قوة ارادته والاثارة التي توافرت لديه بموجب القواعد العامة.
ففقدان أحد شروط تطبيق العذر تسقط القرينة المقررة لصالح الجاني ويبقى له الاستفادة من الأعذار القانونية الأخرى إذا توافرت شروطها.
الفصل الأول:
الشروط المتعلقة بأطراف العذر
لقد تطلب المشرع السوري لتطبيق المادة 548 عقوبات شروطاً خاصة بأطراف العذر وهذه الشروط تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه ومدى أهمية وجود هذه العلاقة في الحكمة من تطبيق العذر.
فلقد اشترطت المادة 548 عقوبات سوري وجود علاقة الزوجية أو علاقة القرابة بين أطراف العذر، وحددت الأشخاص المستفيدين من العذر وشخص المجني عليه بصورة حصرية لايمكن التوسع فيها ولاالقياس عليها.
والأشخاص المستفيدين من العذر إما أن يكونوا من المستفيدين بشكل مؤقت حيث ينقضي حقهم في الاستفادة من العذر بانقضاء صفتهم وعلاقتهم بالمجني عليه كعلاقة الزوجية.
وإما أن يكونوا من المستفيدين بشكل دائم تبعاً لعلاقتهم بالمجني عليه التي لاتنقضي وتظل مستمرة كعلاقة القرابة.
وعلى ذلك سوف نبحث في هذا الفصل المبحثين التالييين:
المبحث الأول: علاقة الزوجية. المبحث الثاني: علاقة القرابة.
المبحث الأول: علاقة الزوجية
ان علاقة الزوجية من العلاقات المؤقتة التي تبدأ في وقت محدد وتنتهي في وقت محدد أيضاً، ولايستفيد الشخص من العذر موضوع البحث الا أثناء قيام هذه العلاقة لاقبل ولابعد، ومن ثم كان من المتعين أن نبيّن الوقت الذي تبدأ فيه هذه العلاقة ووقت انتهائها حتى نستطيع الوقوف على معرفة وقت الاستفادة من العذر والأشخاص المستفيدين منه في هذه العلاقة ونبحث أخيراً في المرجع المختص في إثبات علاقة الزوجية وذلك في المطالب التالية:
المطلب الثالث: الأشخاص المستفيدين من العذر في علاقة الزوجية. |
المطلب الأول: بدء قيام علاقة الزوجية. |
المطلب الرابع: المرجع المختص في إثبات علاقة الزوجية. |
المطلب الثاني: انتهاء علاقة الزوجية. |
المطلب الأول: بدء قيام علاقة الزوجية:
يبدء قيام علاقة الزوجية بعقد الزواج الصحيح بين الرجل والمرأة التي تحل له شرعاً.
والزواج لغة: هو الاقتران، أما اصطلاحاً: فهو عقد يفيد حل استمتاع الزوجين بعضهما ببعض على الوجه المشروع ويجعل لكل منهما حقوقاً وواجبات تجاه الآخر.
وقد عرّف قانون الأحوال الشخصية السوري الزواج في المادة الأولى منه بالقول:
«الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل».
والزواج المشترط قيامه بصدد تطبيق المادة 548 عقوبات هو الزواج الشرعي الذي استوفى كافة أركان انعقاده، أما العلاقة التي تقوم بين رجل وامرأة دون عقد زواج «العلاقة الإباحية» فلايستفيد بموجبها الجاني من العذر حتى لو اتخذت هذه العلاقة الاتصال الجنسي والعيش المشترك وانجاب الأولاد طالما أن هذه العلاقة غير شرعية، فالعشيق الذي يفاجأ عشيقته بجرم الزنا المشهود مع شخص آخر ويقدم على قتلها أو إيذائها لايستفيد من هذه العذر.
والمرجع في تحديد الصفة الزوجية هو قانون الأحوال الشخصية السوري بالنسبة للسوريين المسلمين وغير المسلمين، الا أن قانون الأحوال الشخصية استثنى بعض المسائل بالنسبة إلى الطوائف المسيحية واليهودية وذلك في المادة 308 منه والتي تنص على أن «يطبق بالنسبة إلى الطوائف المسيحية واليهودية مالدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية تتعلق في الخطبة وشروطه الزواج وعقده والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه وفي البائنة الدوطة والحضانة».
وبذلك يمكن القول بأن مواضيع الأحوال الشخصية للطوائف غير المسلمة تعرض أمام المحاكم الطائفية فيما نصت عليه المادة 308، كما تعرض أمام المحاكم الشرعية بموجب المادة 535 من قانون أصول المحاكمات القضايا الأخرى المتعلقة بالأسرة.
أما بالنسبة للأجانب غير السوريين فيرجع في الشروط الموضوعة لصحة الزواج إلى قانون كلا من الزوجين م 13مدني، أما الطلاق فيسري عليه قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت رفع الدعوى م14 مدني.
أما إذا كان أحد الزوجين سورياً وقت انعقاد الزواج فيسري القانون السوري وحده على شروط الزواج والطلاق عدا شرط الأهلية للزواج م 15 مدني.
والحقيقة أن البحث في قيام علاقة الزواج بالنسبة للشريعة الإسلامية يثير عدد من المشاكل التي يدق فيها البحث حول بدء قيام علاقة الزوجية وصحة قيامها ومدى استفادة الجاني فيها من العذر المقرر في المادة 548 عقوبات وهذه المشاكل هي:
الخطبة ـ الزواج العرفي ـ الزواج الباطل ـ الزواج الفاسد ـ الزواج الموقوف ـ الزواج غير اللازم. والتي سوف نستعرضها تباعاً فيمايلي:
أولاً: الخطبة:
الخطبة هي طلب الرجل الزواج بامرأة معينة وذلك بأن يتقدم إليها أو إلى أهلها بطلب الزواج منها، والخطبة بعد تمامها لاتعتبر عقد ولازواج ولايترتب عليها شيء من الالتزام باتمام العقد فهي وعد بالزواج لأن للزواج أركان وشروط لايتحقق بدونها وكل ماكان قبل توافر هذه الأركان والشروط لايعتبر زواجاً بل مقدمة للزواج، وذلك مانصت عليه المادة الثانية من قانون الأحوال الشخصية حيث قالت: «الخطبة والوعد بالزواج وقراءة الفاتحة وقبض المهر وقبول الهدية لاتكون زواجاً».
وعلى ذلك فان الخطيب الذي يفاجأ خطيبته في جرم الزنا المشهود ثم يقتلها أو يؤذيها لايستفيد من العذر المحل المنصوص عنه في المادة 548/1 عقوبات طالما أن هذه المرأة لم تصبح زوجته بعد بحكم الشرع والقانون.
ثانياً: الزواج العرفي:
الزواج العرفي هو زواج عادي استوفى جميع أركانه ومقوماته الا أنه لم يسجل رسمياً في دوائر الدولة فظل أمره مقتصراً على ورقة عقد الزواج التي تثبت قيامه بين الطرفين.
ويلجأ البعض إلى هذا الأمر للحفاظ على سرية عقد الزواج وهذه السرية لاتقدح في قيام عقد الزواج وعلانيته طالما أن العلانية تحققت بشهادة الشهود على العقد.
ويرى البعض أنه لامجال لمن يتزوج زواجاً عرفياً للافادة من هذا العذر لعدم الاعتراف به من قبل الشرع الاسلامي.
الا أن هذا القول فيه شيء من التشدد، فإذا تأملنا تعريف عقد الزواج وكونه عقداً رضائياً نجد أن هذا التعريف لم يفرق بين ما إذا كان الزواج عقد مكتوب أم غير مكتوب، موثق أم غير موثق، رسمي أم عرفي، لذلك فقد اتفق الفقه على أنه لافرق بين تعريف الزواج العرفي أو الزواج الرسمي الموثق نظراً لكون عقد الزواج عقداً رضائياً ينعقد بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، لهذا فان التوثيق غير لازم لشرعية العقد أو لنفاذه أو صحته فانه بمجرد تلاقي الايجاب والقبول يحق للزوجين التمتع ببعضهما على الوجه المشروع.
كما أن الزواج العرفي يتم تثبيته في المحكمة في أي وقت يطلب فيه أحد أطراف العقد ذلك ويتم التسجيل بأثر مستند من وقت عقد الزواج لامن وقت طلب التسجيل وهذا يثبت بأن العقد كان قائماً بشكل صحيح في المدة السابقة لدعوى التثبيت.
ولايترتب على عدم تنظيم عقد الزواج بالشكل الرسمي وتسجيله في دوائر الدولة سوى غرامة نقدية من مائة إلى مائتي وخمسين ليرة سورية حسب المادة 470 عقوبات، وهذه الغرامة هي جزاء لعدم تسجيل العقد ولاتعني بطلان هذ العقد.
وبالنتيجة فان المتزوج زواجاً عرفياً يستفيد من العذر إذا فاجأ زوجه في إحدى الأوضاع التي نصت عليها الماد 548 عقوبات فأقدم على قتلها أو إيذائها.
ثالثاً: الزواج الباطل:
الزواج الباطل هو كل عقد فقد ركناً من أركان انعقاده، والحقيقة أنه لايترتب على العقد الباطل أي أثر سواء كان ذلك قبل الدخول أم بعد الدخول، ومما ينبني على ذلك أنه إذا تزوجت المرأة من رجل زواج باطل تستطيع أن تتزوج شخصاً آخر لأنها لم ترتبط بأي رباط مع الرجل الأول في العقد الباطل، وتعتبر الصلة بين الرجل والمرأة في العقد الباطل صلة غير مشروعة ولايعترف الشرع والقانون على أي أثر نشأ عن هذه الصلة غير المشروعة.
وعلى ذلك فإنه لامجال لمن يتزوج زواجاً باطلاً للإفادة من هذا العذر، فالرجل الذي يتزوج إحدى محارمه أو يعقد على امرأة غير مميزة أو يتزوج من امرأة بالإكراه ثم يفاجأها بجرم الزنا المشهود فيقدم على قتلها أو إيذائها لايستفيد من العذر المقرر في المادة 548 عقوبات لعدم قيام رابطة الزوجية بينه وبينها والمشترط وجودها من أجل تطبيق هذا العذر.
رابعاً: الزواج الفاسد:
الزواج الفاسد هو عقد توافرت فيه جميع أركان الانعقاد ولكن وجد فيه خلل في أمر من الأمور التي تعتبر خارجة عن ماهية العقد لأنها ليست جزءاً منه.
وقد عرّفته المادة 48/1 من قانون الأحوال الشخصية السوري بالقول: «كل زواج تم ركنه بالإيجاب والقبول واختل بعض شرائطه فهو فاسد».
ولقد بيّنت المادة 51 من قانون الأحوال الشخصية السوري حكم الزواج الفاسد والآثار التي تترتب عليه بعد الدخول حيث نصت على أن:
«1. الزواج الفاسد قبل الدخول في حكم الباطل.
2. ويترتب على الوطء فيه النتائج التالية:
أ ـ المهر في الحد الأقل من مهر المثل والمهر المسمى.
ب ـ نسب الأولاد بنتائجه المبينة في المادة 133 من هذا القانون.
ج ـ حرمة المصاهرة.
د ـ عدة الفراق في حالتي المفارقة أو موت الزوج ونفقة العدة دون التوارث بين الزوجين.
3. تستحق الزوجة النفقة الزوجية مادامت جاهلة فساد النكاح».
ولا خلاف في أن الزوج لايستفيد من العذر في الزواج الفاسد قبل الدخول حيث يكون حكمه بحكم الزواج الباطل كما بيّنت المادة 21/1 السابق ذكرها.
لكن السؤال الذي يطرح هنا: هل يستفيد الزوج من العذر في الزواج الفاسد بعد الدخول؟.
يرى البعض بأنه إذا كان الزواج فاسداً فإن الزوج لايستفيد من العذر مطلقاً لأنه لايعد زوجاً في نظر الشارع ولاالقانون.
غير أننا نفرق في هذا الوضع بين حالتين:
1.الحالة الأولى:
إذا ارتكبت الزوجة جرم الزنا أو وجدت في حالة مريبة مع شخص آخر وقتلها الزوج أو آذاها تبعاً لمفاجأتها في هذا الوضع في الوقت بعد الدخول وبعد فسخ عقد الزواج فانه لايستفيد من العذر طالما أن الزواج انفضى بالفسخ وانتهت رابطة الزوجية المشترطة بمقتضى المادة 548 عقوبات.
2.الحالة الثانية:
إذا ارتكبت الزوجة جرم الزنا أو وجدت في حالة مريبة مع شخص آخر وقتلها الزوج أو آذاها تبعاً لمفاجأتها في هذا الوضع في الوقت بعد الدخول وقبل فسخ عقد الزواج فإننا نميل في هذه الحالة إلى إفادة الزوج من العذر وذلك لأن الزواج الفاسد في هذا الوقت ينتج بعض الآثار التي أشارت إليها المادة 51/2 أحوال شخصية.
كما أن جزاء العقد الفاسد هو فسخه والتفريق بين الزوجين ولو لم يكن القانون يعترف بصحة الزواج الفاسد في هذه الفترة لما رتب عليه تلك الآثار، ولما أوجب التفريق بين الزوجين.
فالقانون يعترف بالزواج الفاسد في هذه الفترة وإن كان هذا الاعتراف نسبياً في بعض الآثار ثم أن الحكمة من العذر تتوافر لدى الزوج لاسيما أن الفرض أنه لايعلم بفساد زواجه أما إذا كان عالماً من قبل بفساد زواجه فلايستفيد من العذر مطلقاً.
ومهما يكن من أمر فإن الزواج الفاسد بعد الدخول وقبل الفسخ هو في مرتبة بين الزواج الباطل وبين الزواج الصحيح مما نرجح معه استفادة الزوج من العذر في هذه الحالة.
خامساً: الزواج الموقوف:
الزواج الموقوف هو الزواج الصحيح الذي تتوقف آثاره على إجازة من له الولاية بإجازة هذا العقد وذلك كزواج الصبي المميز.
والزواج الموقوف لايجوز فيه الدخول قبل الإجازة، وحكمه يتوقف على إجازة صاحب الشأن فإن أجازه نفذ وأخذ حكم العقد الصحيح أما إذا لم يجزه فيأخذ العقد حكم العقد الباطل قبل الدخول وحكم العقد الفاسد بعد الدخول.
وعلى ذلك فإن الزوج يستفيد من العذر المقرر في المادة 548 عقوبات في الزواج الموقوف في حالتين:
الحالة الأولى:
إذا أجاز صاحب الشأن العقد الموقوف قبل وقوع القتل أو الإيذاء نتيجة المفاجأة بالزنا أو الحالة المريبة، حيث أن العقد بالإجازة يعتبر صحيحاً تترتب عليه آثار العقد الصحيح.
الحالة الثانية:
إذا لم يجز صاحب الشأن العقد الموقوف بشرط أن يقع رفض الإجازة بعد الدخول، حيث أن العقد هنا يأخذ حكم العقد الفاسد بعد الدخول، والذي رجحنا فيه استفادة الزوج من العذر كما سبق القول.
سادساً: الزواج غير اللازم:
الزواج غير اللازم هو العقد الصحيح الذي يملك أحد طرفيه أو الولي حق الفسخ بعد أن استوفى شرائط الصحة والنفاذ ولكنه لم يستوف شرائط اللزوم وذلك كما إذا رافق عقد الزواج تغرير من جانب أحد الزوجين أو إذا وجد عيب أو مرض من الأمراض التي تجيز الفسخ لأحد الزوجين.
والفرق بين العقد الموقوف والعقد غير اللازم في الزواج هو:
أن الفسخ في عقد الزواج غير اللازم لايقضي بعدم وجود العقد أصلاً إنما العقد في هذه الحالة كان موجوداً بشكل صحيح ومرتباً لجميع آثاره إلا أنه بالحكم بفسخه انقضت تلك الآثار أما رفض الإجازة في العقد الموقوف يلغي وجود العقد من الأصل وهناك لايوجد عقد ابتداءاً قبل الدخول.[21]
وعلى ذلك فإن الزوج يظل يستفيد من العذر في الزواج غير اللازم طالما أنه لم يصدر حكم من القاضي بفسخ زواجه غير اللازم، إذ قبل صدور الحكم فإن زواجه كان قائماً بشكل صحيح ولم تنته رابطة الزوجية إلا بصدور حكم من القاضي بفسخ عقد الزواج.
والسؤال الذي يطرح هنا: إذا حدثت الواقعة المتمثلة بارتكاب الزوجة الزنا وقتلها أو إيذائها من قبل الزوج بعد رفع دعوى فسخ عقد الزواج وقبل صدور الحكم بالفسخ فهل يستفيد الزوج من العذر؟.
إن رفع الدعوى لايعني فسخ عقد الزواج حتى ولو حكم في نهاية الدعوى بالفسخ، فبالحكم القضائي لابرفع الدعوى يفسخ عقد الزواج، ذلك أن الحكم هنا هو منشئ للحق وليس كاشفاً له وبالتالي فإن الزوج يستفيد من العذر ولو بعد رفع دعوى الفسخ طالما أنه لم يصدر بعد حكم قضائي بالفسخ.
المطلب الثاني: انتهاء علاقة الزوجية:
تنتهي العلاقة الزوجية بأحد أسباب ثلاثة هي: الموت أو الفسخ أو الطلاق.
· أما الموت فهو ينهي العلاقة الزوجية عندما يقع على أحد الزوجين، وفي هذه الحالة لايكون هناك مجال للبحث في العذر الذي يفترض أن يكون الزوجين على قيد الحياة حيث يقدم أحدهما على قتل الآخر أو إيذائه حال مفاجأته بالزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.
· وأما الفسخ فهو ينهي العلاقة الزوجية في الحال بصدور حكم قضائي يقضي بالفسخ، والفسخ هنا لايثير أي مشكلة طالما أنه ينهي العلاقة الزوجية في الحال دون أي تأخير.
· أما الطلاق فهو ينهي العلاقة الزوجية إلا أنه في الطلاق قد يتراخى انقضاء العلاقة الزوجية تبعاً لنوع الطلاق فيما إذا كان رجعياً أم بائناً، وأثناء هذا التراخي قد تقع حادثة القتل أو الإيذاء نتيجة المفاجأة بالزنا أو الحالة المريبة، مما يثير مشكلة معرفة الوقت الذي تنتهي فيه العلاقة الزوجية بالطلاق وهذا الوقت يتحدد حسب نوع الطلاق الواقع وعليه سوف نبحث في أنواع الطلاق تباعاً فيمايلي وهي الطلاق الرجعي والطلاق البائن:
أولاً: الطلاق الرجعي:
الطلاق الرجعي هو الطلاق الذي يملك فيه الزوج مراجعة زوجته مادامت في العدة بأي عبارة تدل على ذلك دون الحاجة إلى عقد جديد، فإذا مضت العدة ولم يراجعها أصبح الطلاق بائناً أي لايستطيع الزوج عندها مراجعة زوجته دون عقد جديد.[22]
ويكون الطلاق رجعياً إذا طلق الزوج زوجته للمرة الأولى والثانية.
فالطلاق الرجعي لاينهي العلاقة الزوجية بمجرد وقوعه إنما يتوقف انتهاء العلاقة الزوجية على انقضاء فترة العدة أما قبل ذلك فإن العلاقة الزوجية تظل قائمة.
والنتيجة هي أن الطلاق الرجعي لاينهي العلاقة الزوجية ولايزيل الملك ولاالحل، وعلى ذلك فلاشبهة في أن الزوج يستفيد من العذر المقرر في المادة 548 عقوبات في عدة الطلاق الرجعي ولاينقضي حقه في الاستفادة من هذا العذر إلا بانقضاء فترة العدة في الطلاق الرجعي.[23]
ثانياً: الطلاق البائن:
تنص المادة 94 من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه:
«كل طلاق رجعياً إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول والطلاق على بدل ومانص على كونه بائناً في هذا القانون».
وبالرجوع إلى بقية مواد قانون الأحوال الشخصية يتبين لنا أن حالات الطلاق البائن هي خمس:
3. الطلاق على بدل. |
2.الطلاق قبل الدخول. |
1. الطلاق المكمل للثلاث. |
|
5. التفريق للشقاق والضرر. |
4. التفريق للعلل والأمراض. |
كذلك فإن الطلاق الرجعي يغدو بائناً عند انقضاء فترة العدة وقد بُحث سابقاً، أما الأنواع الخمسة للطلاق البائن تنهي علاقة الزوجية بمجرد وقوعها دون حاجة إلى انقضاء فترة العدة، والطلاق البائن نوعان:
لاق بائن بينونة صغرى: و هو يزيل الملك فيزيل الزوجية منذ وقوعه ولايملك الزوج فيه مراجعة زوجته بدون عقد جديد.
طلاق بائن بينونة كبرى: وهو يزيل الملك والحل فيزيل الزوجية منذ وقوعه ولايملك الزوج فيه مراجعة زوجته ولو بعقد جديد إلا إذا تزوجت زوجاً غيره زواجاً شرعياً غير مؤقت ثم طلقها طلاقاً شرعياً دون إكراه.
وعلى ذلك فإن الطلاق البائن بنوعيه ينهي العلاقة الزوجية بمجرد وقوعه ولايحتاج إلى فترة زمنية لإنهائها كما في الطلاق الرجعي مما يجعل الزوج الذي يطلق زوجته طلاقاً بائناً غير مستفيد من العذر الوارد في المادة 548 عقوبات لانقضاء رابطة الزوجية بمجرد وقوع الطلاق، ولوحدثت الواقعة في فترة العدة.
والسؤال الذي يطرح هنا: ماهو الحكم لو أن الطلاق البائن وقع باطلاً؟.
إن الطلاق الذي يزيل الملك هو الطلاق الصحيح، أما الطلاق الباطل، كطلاق السكران والمدهوش والمكره، فهو طلاق غير صحيح وغير منتج لآثار الطلاق وذلك بدلالة المادة 89 من قانون الأحوال الشخصية التي تنص على أن:
«لايقع طلاق السكران ولاالمدهوش ولاالمكره».
وبالتالي فإن طلاق أحد هؤلاء الأشخاص، وهو طلاق باطل، لاينهي علاقة الزوجية ويبقى الزوج معه مستفيداً من أحكام المادة 548 عقوبات.
المطلب الثالث: الأشخاص المستفيدين من العذر في علاقة الزوجية:
لايكفي أن نحدد ماهية العلاقة الزوجية ووقت بدئها وانتهائها، إنما يجب أيضاً أن نحدد من هم الأشخاص المستفيدين من العذر في علاقة الزوجية.
إن منطق الأمور يقتضي أن كلا طرفي علاقة الزواج «الزوج والزوجة» يستفيدان من هذا العذر إذا أقدم أحدهما على قتل أو إيذاء الآخر حال مفاجأته بجرم الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة، غير أن مشكلة قصر منح العذر على الزوج دون الزوجة واختلاف التشريعات في ذلك اقتضى التفصيل في البحث على النحو التالي:
أولاً: الزوج:
لقد اتفقت جميع التشريعات الجزائية التي أخذت بهذا العذر على استفادة الزوج منه فمنها ماجعلت الزوج هو المستفيد الحصري من العذر كقانون العقوبات المصري ومنها التي مدت حق الاستفادة من العذر إلى الزوجة أيضاً كقانون العقوبات الجزائري ومنها التي توسعت في العذر فمنحته للزوج والزوجة والأصول والفروع والأخوة كقانون العقوبات السوري.
فالزوج في قانون العقوبات السوري يستفيد من العذر إذا فاجأ زوجته في إحدى الأوضاع التي ذكرتها المادة 548 عقوبات و لايشترط وجود أي شروط خاصة بشخص الزوج سوى تمتعه برابطة الزوجية بشكل شرعي وقانوني أثناء حدوث الواقعة.
ثانياً: الزوجة:
لقد سبق القول أن القانون المصري جعل الزوج هو المستفيد الحصري من العذر حيث نصت المادة 237 عقوبات مصري على أن:
«من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هو ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234 ـ 237».
وواضح من هذا النص بأنه لايستفيد من تخفيف العقاب إلا الزوج ولا تستفيد الزوجة من هذا التخفيف إذا فاجأت زوجها متلبساً بالزنا فقتلته، إذا جاءت عبارة القانون مقتصرة على «من فاجأ زوجته» ودلاله هذا التعبير لاتنصرف لغير الزوج.
ومن التشريعات التي حذت حذو المشرع المصري في عدم إفادة الزوجة من العذر الناشئ عن الزنا م 153 عقوبات كويتي، الفصل 207 عقوبات تونسي، الفصل 418 عقوبات مغربي، م 340 عقوبات أردني، م 375 عقوبات ليبي، م 324/2 عقوبات فرنسي الملغاة.
وقد انتقد أغلب الفقهاء هذا الموقف المتشدد في عدم إفادة الزوجة من هذا العذر ونستعرض فيمايلي هذه الانتقادات:
ـ يقول الدكتور رؤوف عبيد: «وهي تفرقة ظالمة منتقدة تعلل بالمصدر التاريخي للعذر».[24]
ـ كما يقول الدكتور محمود نجيب حسني «خطة الشارع في حصر نطاق الاستفادة من العذر في الزوج معيبة، ف إذا كانت علة التخفيف هي الاستفزاز الراجع إلى الإهانة وخدش الشرف الذي يشعر به الزوج المخدوع فإن هذه العلة تتوافر لدى الزوجة كذلك إذا صادفت ذات الظروف، ولذلك كان منطق التشريع مقتضياً المساواة بينهما: ولايعترض على ذلك بأن زنا الزوجة أكثر خطورة على العائلة من زنا الزوج فهذا الاعتبار قد يبرر الاختلاف في العقوبة بين جريمتيهما، ولكنه لايبرر التفرقة بينهما من حيث الاستفادة من العذر طالما كانت علته متوافرة لديهما بذات المقدار، بل إنه من المنطقي أن يتسع نطاق العذر للأقربين من أهل الزوجة كأصولها وفروعها وإخوتها إذ تتوافر علة العذر لديهم حينما يفاجأون بتلبس الزوجة بالزنا».[25]
ويقول الدكتور كامل السعيد «وهو تهج منتقد، لأنه إذا كانت على الإعفاء هي الاستفزاز الراجع إلى الإهانة فإن هذه العلة تتوافر لدى الزوجة بغض النظر عن أن زنا الزوجة أكثر خطورة وجسامة من الناحية الاجتماعية في بلادنا على العائلة من زنا الزوج».
ـ ويقول الدكتور جلال ثروت «وهذا النص (أي الماد 237 عقوبات مصري) يمثل قصوراً في هذه الناحية فلايفهم لماذا يقتصر هذا العذر على الزوج وحده ولاتفيد منه الزوجة أو أخوها أو أبوها».
ـ كما يقول الدكتور محمود محمود مصطفى «ولامحل للتفرقة في المعاملة بين الزوجين فالحكمة من التخفيف واحدة بالنسبة لكليهما».
ـ ويقول كلاً من الدكتور محمد زكي أبو عامر والدكتور علي عبد القادر القهوجي: «بل إن الزوجة في تفرقة سخيفة ومنتقدة لاتستفيد بهذا العذر حتى ولو فاجأت زوجها متلبساً بالزنا في فراشها أو بتعبير القانون في منزل الزوجية ويبدو أن المشرع المصري يستبعد إمكانية إحساس المرأة بالاستفزاز أو بالإهانة وهو موقف ينبغي أن يرجع عنه المشرع في أقرب وقت».[29]
ـ ويقول الدكتور عماد عبيد في معرض نقده للمادة 237 عقوبات مصري:
«برأينا أن هذا التمييز منتقد بشدة، لم إذا نعطي الحق للزوج بعقاب زوجته بالموت في حالة الزنا المشهود وحرمان المرأة من هذا الحق؟ هل زنا الزوج أقل إهانة للزوجة من زنا الزوجة بالنسبة للزوج؟. هل الاعتداء الواقع على حرمة العلاقة الزوجية من قبل الزوج أقل خطراً من ذلك الواقع من قبل الزوجة؟. هل غضب الزوج في هذه الحالة مباح وغضب الزوجة غير مباح؟. هل أثر عنصر الإثارة والاستفزاز يختلف بين رجل وامرأة؟. في الواقع إن التمييز هنا لصالح الزوج بين زنا الرجل وزنا المرأة يستحق المناقشة والنقد وإن رفض إعطاء حق الاستفادة من العذر يشكل برأينا ظلم واضح».[30]
والواقع أن هذا الانتقاد الواسع من قبل الفقهاء قد لاقى صدى له من قبل المشرع المصري حيث وسّع مشروع قانون العقوبات المصري الجديد نطاق الاستفادة من العذر ليشمل إلى جانب الزوج الزوجة والأصول والفروع والأخوة وذلك مانصت عليه م 394 من مشروع قانون العقوبات المصري الجديد لعام 1966 حيث قالت:
«يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجه متلبساً بجريمة الزنا فقتله وشريكه في الحال أو اعتدى عليهما اعتداءً أفضى إلى موت أو عاهة ويسري هذا الحكم على من فاجأ إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا».[31]
وبعد أن استعرضنا موقف القانون المصري والقوانين التي قصرت حق الاستفادة من العذر على الزوج دون الزوجة والانتقادات التي تعرضت لها تلك القوانين ننتقل لنبين ماهو موقف المشرع السوري من هذه المشكلة:
لقد كانت المادة 548 عقوبات سوري والتي نصت على هذا العذر واضحة وصريحة في هذا الصدد حيث تنص على استفادة الزوج والزوجة من هذا العذر على حد سواء ولم تفرق بينهما من هذه الناحية.[32]
وهذا الموقف الذي أخذ به المشرع السوري موقف يسلم من الانتقادات التي واجهتها التشريعات التي قصرت حق الاستفادة من العذر على الزوج دون الزوجة، وقد ساير المشرع السوري بهذا الموقف أغلب التشريعات التي أعطت هذا العذر للزوجة أيضاً ومنها:
م 587 عقوبات إيطالي، م 413 عقوبات بلجيكي، م 372 عقوبات برتغالي، م 428 من قانون عقوبات إمارة موناكو، م 206 عقوبات عراقي، م 279 عقوبات جزائري.
ورغم صراحة نص المادة 548 عقوبات سوري في إعطاء العذر للزوجة إلا أن هناك بعض الفقهاء يرى بأن نص هذه المادة ينصرف إلى الزوج دون الزوجة، فالزوجة التي تفاجأ زوجها بجرم الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة ثم تقدم على قتله أو إيذائه لاينطبق عليها نص المادة 548 عقوبات سوري ولاتستفيد من العذر لأن نص المادة لايشملها[33]، وفي استطلاع للرأي وجدنا أن أغلب الذين يقولون بعدم شمول العذر للزوجة يعتمدون على الحجج التالية:
1. لم يعط المشرع السوري حق الاستفادة من العذر للزوجة لأنه من الممكن أن تكون المرأة الثانية التي شاهدتها الزوجة مع زوجها في حالة الزنا هي زوجة ثانية له سراً دون أن تعلم الزوجة الأولى بهذا الزواج، طالما أن الزوج يحق له أن يتزوج من أربعة نساء وفق الشرع والقانون، وبالتالي فإن المواقعة بين الزوجين لاتشكل جرم زنا إنماهي حق لهما ومن ثم فإن الاعتداء الواقع من الزوجة الأولى على زوجها لايوجد مايبرره أو يعفي أو يخفف من عقابه بخلاف الزوجة التي لايمكن أن تتزوج إلا رجلاً واحداً، وبالتالي فإن مشاهدتها مع رجل آخر في حالة الزنا لايمكن الافتراض معه بأن هذا الرجل هو زوج ثاني للزوجة.
2.إن النص الفرنسي الذي استمد منه المشرع السوري نص المادة 548 يعطي العذر للزوج دون الزوجة.
3. إن زنا الزوجة هو أكثر خطورة على العائلة من زنا الزوج، حيث يكون أثر فعل الزوجة إلحاق ابن الزنا بزوجها على خلاف مايجري بالنسبة لزنا الزوج.
4. تستطيع الزوجة أن تطلب الطلاق أو ترفع دعوى تفريق بينها وبين زوجها كما أن لها أن ترفع عليه دعوى بجرم الزنا دون أن تقدم على ارتكاب جريمة.
5. إن المشرع السوري قد أضاف في المادة 548 عقوبات عبارة «أو أخته» مما يستفاد معها بأن الشخص المخاطب أو المستفيد لايكون إلا ذكراً حيث يكون الضمير الدال عليه هو «الذي» ويصبح نص المادة 548 تقديراً:
«يستفيد من العذر المحل «الذي» يفاجأ زوجته…. أو أخته». وبالتالي لايمكن أن تستفيد من العذر الزوجة في حال مفاجأتها لزوجها.
ورغم وجاهة الحجج التي يوردها أنصار الرأي السابق، إلا أننا نرى أن الزوجة تستفيد من العذر سواء مع الزوج بموجب المادة 548 عقوبات سوري، ونرد على هذه الحجج السابقة بمايلي:
1. بالنسبة للحجة الأولى فهي تقوم على افتراض واحتمال بأن المرأة التي شاهدتها الزوجة مع زوجها هي زوجة ثانية له في السر، ونحن نرى بأنه لايمكن أن نشرّع القوانين الجزائية ونؤسس عذراً أو نلغيه تبعاً للافتراضات والاحتمالات إنما يجب أن يكون النص على هذه الأعذار مطابقاً للواقع ولحكمة النص لا للافتراضات والاحتمالات.
ولو سلمنا جدلاً بأن هذا الافتراض مقبول، فإن هذا الافتراض موجود بصورة أوضح في حالة قتل الأخ لأخته حال مشاهدتها بإحدى الأوضاع التي قررتها المادة 548 عقوبات سوري، أفلا يصح الافتراض هنا أيضاً بأن الرجل الذي شاهده الأخ مع أخته هو زوج شرعي لها دون علم أخيها؟، خاصة وأن القانون يعترف لها بحق الزواج دون علم أحد طالما أنها بالغة راشدة، ومع ذلك فإن المادة 548 عقوبات سوري لم تسلخ حق الاستفادة من العذر عن الأخ تبعاً لهذا الافتراض.
كما أنه إذا قتلت الزوجة زوجها حال مفاجئته بالزنا ثم تبين بعد ذلك بأن هذه المرأة هي زوجة ثانية للرجل، فهناك نص قانون يكفل معالجة هذه الحالة وأمثالها وهو نص المادة 223 عقوبات سوري الخاص بحالة الغلط المادي.
2. أما بالنسبة للحجة الثانية فإن النص الذي استمد منه المشرع السوري هذا العذر ليس نص م 324/2 عقوبات فرنسي الملغاة إنما هو النص اللبناني الموضوع باللغة الفرنسية وهو يورد عبارة وهذه العبارة تحمل كلا المعنيين «الزوج والزوجة» ولاتقتصر على أحدهما[35]، كما أن عبارة «زوجه» في اللغة العربية تطلق على الزوج أو الزوجة على حد سواء.
فضلاً عن أن المشرع السوري لو أراد قصر حق الاستفادة من العذر على الزوج دون الزوجة لكان ذكر بصراحة عبارة «زوجته» بدل عبارة «زوجه» على نحو مافعل المشرع المصري في المادة 237 عقوبات.
ومما يؤيد قصد المشرع السوري في انصراف العذر للزوجة أيضاً اتجاه المشرع المصري، بعد الانتقادات التي واجهها في خطته على قصر العذر على الزوج فقط، إلى تدارك هذا الموقف في مشروع قانون العقوبات المصري الجديد لعام 1966 في المادة 394 منه حيث نص على استفادة الزوجة من العذر إلى جانب الزوج واستعمل في ذلك عبارة «زوجه» للدلالة على الزوج والزوجة معاً.
3. أما الحجة الثالثة فهي وإن كانت تبرر اختلاف عقوبة زنا الزوج عن عقوبة زنا الزوجة على نحو ماهو مقرر في المادتين 473و474 عقوبات سوري، إلا أنها لاتبرر التفرقة بينهما من حيث الاستفادة من العذر ذلك أن الحكمة من النص على هذا العذر لاتكمن في مقدار جسامة الجريمة أو نتائجها إنما تكمن في مقدار الاستفزاز الذي يتوافر لدى الجاني عند مشاهدة ذلك المنظر البشع فيؤدي إلى نقص إرادته أو إعدامها حيث يقدم على الجريمة تحت تأثير الغضب الشديد وهذا مايتوافر لدى الزوج والزوجة على حد سواء.
ثم إن هذا الاعتبار كيف له أن يستقيم فيما إذا كانت الزوجة عاقراً لاتنجب أولاداً؟.
4. وبالنسبة للحجة الرابعة فنرد على من يقول بها بالقول:
لم إذا لانطلب ذلك من الزوج؟ لاسيما أن الطلاق على الأغلب يكون في يده أما الزوجة فلاتملك الطلاق إلا في حالات استثنائية.
كذلك فإن الزوج يملك أيضاً حق رفع دعوى بجرم الزنا على زوجته ولعل ذلك يكون أسهل للزوج من الزوجة، ذلك أن الزوجة تعاقب دائماً على زناها أما الزوج فلايعاقب إلا في أحوال محددة هي إذا ارتكب الزنا في البيت الزوجي أو اتخذ له خليلة جهاراً م 474 عقوبات سوري.
فضلاً عن أن الزوج يملك حق رفع دعوى اللعان التي يستطيع بها أن ينفي نسب ولد الزنا عنه حسب المادة 129/3 من قانون الأحوال الشخصية السوري، وهذا مالاتملكه الزوجة.
5. أما بالنسبة للحجة الخامسة فنعتقد بأن المشرع السوري عندما ذكر كلمة «أخته» في نص المادة 548 عقوبات لم يكن قصده متجهاً إلى عدم منح العذر إلى الزوجة إنما قصد بذلك عدم إفادة الأخت من العذر عندما تفاجأ أختها بالزنا المشهود أو الحالة المريبة.
المطلب الرابع: المرجع في إثبات علاقة الزوجية:
لابد لنا في نهاية البحث في العلاقة الزوجية من أن نستعرض المرجع المختص في إثبات هذه العلاقة، وبمعنى آخر، عندما ترتكب جريمة قتل من قبل زوج على زوجته التي فاجأها في جرم الزنا المشهود وتعرض هذه القضية على المحكمة الجزائية المختصة بالنظر فيها، فما هو المرجع المختص في إثبات علاقة الزوجية وماهي طرق الإثبات الواجب اتباعها في إثبات هذه العلاقة؟.
هذا ماسوف نبحثه هنا حيث نبيّن ماهو المرجع في إثبات علاقة الزوجية من حيث الاختصاص ومن حيث طرق الإثبات.
أولاً: من حيث الاختصاص:
إن مسألة قيام علاقة الزوجية من عدم قيامها مسألة فرعية والفصل فيها لازماً للفصل في الدعوى الجزائية إلا أن هذه المسألة لايفصل فيها القاضي الجزائي إنما تفصل فيها المحكمة الشرعية وذلك لصعوبة الفصل فيها من قبل القضاء الجزائي، ف إذا دفع الجاني بأن من قتلها هي زوجته وليست خليلة له فيكون إثبات وجود عقد الزواج من اختصاص المحكمة الشرعية باعتبارها مسألة فرعية والفصل فيها لازماً للفصل في الدعوى الجزائية.
وبالتالي إذا أثير نزاع حول وجود أو انتهاء علاقة الزوجية يتوقف الفصل في الدعوى الجزائية حتى يتم الفصل في قيام أو عدم قيام علاقة الزوجية.
ثانياً: من حيث طرق الإثبات:
إن إثبات قيام علاقة الزوجية أو انتهائها يخضع لقواعد الإثبات الخاصة بها، ولاينطبق عليها مبدأ حرية الإثبات في الأمور الجزائية، ذلك أنها مسألة مدنية وهي عنصراً من عناصر العذر ويتوقف الفصل في الواقعة الجزائية على الفصل فيها وذلك حسب مانصت عليه المادة 177 من قانون أصول المحاكمات الجزائية « إذا كان وجود الجريمة مرتبطاً بوجود حق شخصي وجب على القاضي اتباع قواعد الإثبات الخاصة به».
وبالتالي فإن المحكمة الشرعية تطبق القواعد الخاصة بإثبات قيام عقد الزواج أو الطلاق.
المبحث الثاني: علاقة القرابة
لقد توسع المشرع السوري في منح هذا العذر فلم يقتصر على منحه للأشخاص المتمتعين بعلاقة الزوجية فحسب، وإنما مد نطاقه إلى درجة قرابة حددها على سبيل الحصر بالأصول والفروع والأخوة منتهجاً بذلك نهج القانون الإيطالي في المادة 587 عقوبات، وذلك على عكس المادة 237 عقوبات مصري التي لم تعطي هذا العذر إلا للزوج فقط ولم تمنحه إلى الأقارب من الأصول والفروع، لكن المادة 394 من مشروع العقوبات المصري الجديد لعام 1966 تداركت هذا الوضع حيث نصت على إفادة الأصول والفروع والأخوة من هذا العذر إضافة إلى الزوج والزوجة الأمر الذي يوضح صحة ماذهب إليه المشرع السوري من توسيع رقعة العذر ليشمل هؤلاء الأشخاص الذين لاتقل درجة استفزازهم في هذا الموقف عن درجة استفزاز الزوج أو الزوجة وذلك نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربط بينهم وبين المجني عليه والتي قد تفوق علاقة الزوجية قرباً في بعض الأحيان.
وعلى ذلك سوف نبحث في هذا المبحث المطالب التالية:
المطلب الأول: ماهية علاقة القرابة.
المطلب الثاني: الأشخاص المستفيدين من العذر في علاقة القرابة.
المطلب الثالث: صفة المجني عليه.
المطلب الرابع: المرجع في إثبات علاقة القرابة.
المطلب الخامس: الاشتراك الجرمي لغير ذوي القرابة.
المطلب الأول: ماهية علاقة القرابة:
إن المشرع السوري لم يمنح هذا العذر لجميع علاقات القرابة إنما نص على درجة قرابة حصرية في نص المادة 548 عقوبات واشترط وجودها دون غيرها من علاقات القرابة للاستفادة من العذر وسوف نبحث هنا في مفهوم علاقة القرابة بشكل عام ثم ننتقل لبيان درجة القرابة المشترطة للاستفادة من العذر.
أولاً: مفهوم علاقة القرابة:
تنص المادة 36/1 من القانون المدني على أن «أسرة الشخص تتكون من ذوى قرباه».
والقرابة تنقسم إلى قسمين:
1.قرابة النسب.
2.قرابة المصاهرة.
قرابة النسب:
تقوم قرابة النسب على وجود صلة دموية بين أقرباء النسب ناتجة عن اشتراكهم في أصل واحد مشترك وتقضي المادة 36/2 مدني بأن «يعتبر من ذوي القربى كل من يجمعهم أصل مشترك».
وقرابة النسب إما أن تكون مباشرة أو قرابة حواشي.
والقرابة المباشرة هي الصلة مابين الأصول والفروع م37/1 مدني، كالصلة بين الجد والأب والإبن، ويستوي في ذلك أن يكون التفرع عن طريق الذكور أو عن طريق الإناث.
أما قرابة الحواشي فهي الرابطة مابين أشخاص يجمعهم أصل مشترك دون أن يكون أحدهم فرعاً للآخر م 37/2 مدني، من ذلك قرابة الأخ لأخيه.
قرابة المصاهرة:
وهي القرابة التي تحصل نتيجة الزواج وتقوم بين أحد الزوجين وأقارب الزوج الآخر ويقضي القانون بأن: «أقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر» م 39مدني.
وبناء على ذلك فإن شقيق الزوج يعتبر قريباً للزوجة من الدرجة الثانية وذلك لأن شقيق الزوج يقاربها نسباً بالدرجة الثانية.
ثانياً: درجة القرابة المشترطة في المادة 548 عقوبات:
إن المشرع السوري لم يأخذ في المادة 548 عقوبات بكافة أنواع القرابة، إنما اشترط للاستفادة من العذر صلة قرابة معينة ومحددة على سبيل الحصر وهي قرابة النسب المباشرة أي بين الأصول والفروع كما أخذ من قرابة الحواشي بقرابة الأخوة فقط.
أما بالنسبة لقرابة المصاهرة المنصوص عنها في المادة 39 مدني فلايصلح توافرها للاستفادة من العذر ذلك أن هذه القرابة لاأثر لها إلا في حساب درجات القرابة أما في نص المادة 548 عقوبات فقد عدد المشرع الأشخاص المستفيدين من العذر على سبيل الحصر دون أن يذكر درجة القرابة.
«فلم ينص مثلاً على أن يستفيد من العذر من يفاجأ أقاربه حتى الدرجة الثانية» مما يخرج قرابة المصاهرة من نطاق تطبيق هذه المادة.
كذلك فإن قرابة الرضاع لايصلح توافرها للاستفادة من هذا العذر ذلك أن هذه القرابة لاأثر لها إلا في تحريم الزواج حسب المادة 35/1 من قانون الأحوال الشخصية والتي تنص على أن: «يحرم من الرضاع مايحرم من النسب إلا ماقرر الفقهاء الحنفية استثناءه».
فالقرابة المشترطة إذن تطبيق نص المادة 548 عقوبات هي القرابة الدموية النسبية بين الأصول والفروع وبين الأخوة.
المطلب الثاني: الأشخاص المستفيدين من العذر في علاقة القرابة:
لقد حددت المادة 548 عقوبات الأشخاص المستفيدين من العذر في علاقة القرابة بصورة حصرية فهي لم تحدد درجة القرابة إنما حددت الأشخاص المستفيدين وذلك رغبة من المشرع لمنع أي التباس قد يقوم بهذا الصدد، والأشخاص المستفيدين من العذر في علاقة القرابة هم الأصول والفروع والأخوة.
أولاً: الأصول والفروع:
يستفيد من هذا العذر الأصول والفروع سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، وذلك لإطلاق نص المادة 548 عقوبات حيث ذكرت عبارة «أصوله وفروعه» بشكل عام مطلق وبالتالي فإن هذا العذر يشمل الآباء والأمهات والجدود والجدات مهما علوا ومهما علون وكذلك الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات مهما نزلوا ومهما نزلن.
والذي يعتد به لثبوت النسب طبقاً للشريعة الإسلامية هو الاتصال الجنسي بناءً على عقد زواج صحيح أو فاسد أو شبهة بالنسبة للرجل والولادة بالنسبة للمرأة وذلك بتوافر شرطين حددتهما المادة 129 من قانون الأحوال الشخصية هما:
1.أن يمضي على عقد الزواج عند الولادة أقل مدة الحمل وهي مائة وثمانون يوماً.
2.أن لايثبت عدم التلاقي بين الزوجين بصورة محسوسة، كما لو كان أحد الزوجين سجيناً أو غائباً في بلد معين أكثر من مدة الحمل.
ثانياً: الأخوة:
يستفيد من هذا العذر أيضاً الأخوة الذكور فقط دون الأخوات الإناث، ذلك لأن نص المادة 548 عقوبات جاءت بعبارة «أخته» بين أشخاص المجني عليهم وبالتالي وجب أن يكون الجاني هو ذكر وليس أنثى أي أخاً لاأختاً.
بخلاف الأصول والفروع الذي ذكرتهم المادة 548 عقوبات بشكل مطلق دون تحديد جنسهم مما يجعل القاعدة الفقهية التي تقول: «المطلق يجري على إطلاقه» واجبة التطبيق بهذا الصدد.
ويستوي في الأخوة أن يكونوا أشقاء أم غير أشقاء والمهم في ذلك أن تكون قرابتهم قرابة نسبية لاقرابة رضاع ومصاهرة.
المطلب الثالث: صفة المجني عليه:
إن التعديل الذي أسبغه المشرع السوري على نص المادة 548 عقوبات شمل مايتعلق بصفة المجني عليه حيث كان نص المادة قبل التعديل «يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع فأقدم على قتل أحدهما أو إيذائه بغير عمد».
وممايلاحظ على هذا النص أنه أغفل عبارة «مع شخص آخر» كما أن استعمال عبارة «فأقدم على قتل أحدهما أو إيذائه» تدل على أن الجاني لايستفيد من العذر إذا هو أقدم على قتل الاثنين معاً أو إيذائهما.
وهذا ماتداركه المشرع في التعديل الذي أحدثه بالمرسوم التشريعي رقم: 85 تاريخ: 28/9/1953، حيث أصبح النص فيما يتعلق بصفة المجني عليه يقول:
«يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه مع شخص آخر… فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما».
ومن ذلك يتبين لنا أن المجني عليه قد يكون شخصاً واحداً أو شخصين بشرط أن يتمتع أحدهما بإحدى صفتين هما:
1.صفة الزوجية أو القرابة.
2. صفة الشريك.
أولاً: صفة الزوجية أو القرابة:
قد يكون المجني عليه من المتمتعين بصفة الزوجية وهم الزوج أو الزوجة عندما يفاجأ زوجه الآخر بإحدى الأوضاع التي حددتها المادة 548 عقوبات، ومن الممكن هنا أن يكون المجني عليه أكثر من شخص واحد وذلك في حال كونه زوجة ذلك أن الجاني هنا وهو الزوج قد يكون متزوجاً من عدة نساء ففي حال مفاجأته لزوجاته معاً مع شخص آخر وإقدامه على قتلهن أو إيذائهن تبعاً لذلك فإنه يستفيد من هذا العذر.
وقد يكون المجني عليه من المتمتعين بصفة القرابة المشترطة في المادة 548 عقوبات وهم الأصول أو الفروع أو الأخت ولايصلح أن يكون الأخ هو المجني عليه طالما أن النص قيد ذلك بعبارة «أو أخته» ويوحي نص المادة 548 عقوبات بأن المجني عليه من الأصول أو الفروع يمكن أن يكون أنثى، كالأم أو الجدة مهما علون أو البنت أو بنت البنت مهما نزلن، كما يمكن أن يكون من الذكور كالأب أو الجد مهما علوا أو الإبن أو إبن الإبن مهما نزلوا، وذلك نظراً لإطلاق نص المادة في عبارة «أحد أصوله أو فروعه».
بيد أن الأصل الفرنسي لهذا النص قاطع الدلالة في أن المجني عليه من الأصول أو الفروع لابد أن يكون من الإناث كما أن مصدر النص هو القانون الإيطالي وهو واضح في أنه قاصر على الأصول والفروع من الإناث دون الذكور.
وبتقديرنا أن النص السوري قد وقع في خطأ عندما نص على عبارة «أو أحد أصوله أو فروعه» ذلك أن هذه العبارة تشير إلى الذكور والإناث على حد سواء.
وكان الأجدر والأقرب إلى الدقة، برأينا، أن يذكر بدلاً عنها عبارة «أو إحدى أصوله أو فروعه» ذلك أن هذه العبارة تشير إلى الإناث فقط دون الذكور.
وهذا ماتداركته بعض التشريعات ومنها المادة 340 عقوبات أردني حيث نصت على أن: «يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه حال التلبس بالزنا……». وكذلك المادة 394 من مشروع قانون العقوبات المصري حيث نصت على: «….. ويسري هذا الحكم على من فاجأ إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا».
كما أن النص السوري قد وقع في خطأ آخر عندما نص على عبارة «أو أخته» حيث يوهم النص بأن الأخ إذا شاهد أختيه مثلاً في جرم الزنا المشهود فأقدم على قتلهن أو إيذائهن لايستفيد من العذر وهذا ماتداركته المادة 394 من مشروع قانون العقوبات المصري سابقة الذكر والتي قالت «أو أخواته».
والنتيجة أن المجني عليه في صفة القرابة هي أنثى في جميع الأحوال، ويستوي أن تكون واحدة أو أكثر بشرط أن تكون إحدى الأصول أو الفروع أو الأخوات.
ثانياً: صفة الشريك:
الشريك هو الشخص الذي يساهم مع غيره بارتكاب جريمة بأن يأتي فعلاً مكوناً لها، أو فعل يساهم مباشرة في تنفيذها، أو أن يدير أو ينظم أو المساهمة فيها.
فالشريك هنا هو الشخص الذي يأتي مع الزوج أو الزوجة أو إحدى الأصول أو الفروع أو الأخوات فعل الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء أو بوجد مع أحدهم أو إحداهن في حالة مريبة.
وقد يكون هذا الشريك قريباً للجاني كما قد يكون غريباً عنه، وقد يكون ذكراً أو أنثى فلا عبرة بعلاقته بالجاني كما لاعبرة بجنسه ولايشترط فيه أي شروط أخرى سوى أن ينطبق عليه وصف الشريك بأن يضبط في إحدى الأوضاع المقررة في المادة 548 عقوبات مع أحد الأشخاص المذكورين في المادة نفسها.
وسواء تم فعل الاعتداء على الشريك وحده أم على الزوج أو الزوجة أو القريبة وحدها أم على كلاهما، فإن الجاني يستفيد من العذر، فليس يشترط مثلاً أن يقع فعل الاعتداء على الشريك حتى يستفيد الجاني من العذر.
المطلب الرابع: المرجع في إثبات علاقة القرابة:
إن علاقة القرابة تثور أمام المحاكم الجزائية عند تطبيق المادة 548 عقوبات وذلك يستدعي تحديد المرجع في إثبات هذه العلاقة وذلك من حيث الاختصاص ومن حيث طرق الإثبات.
أولاً: من حيث الاختصاص:
إن مسألة قيام علاقة القرابة من عدمه هي مسألة أولية يتوقف الفصل في الدعوى الجزائية على الفصل فيها وهذه المسألة تنظر فيها المحاكم الجنائية تبعاً للدعوى الجنائية «على خلاف علاقة الزوجية» ذلك لأنها دفوع لايصعب على القضاء الجزائي حلها.
وعلى ذلك فإنه لايتوجب على القضاء الجزائي، إذا ماأثير أمامه النزاع حول كون الجاني أحد أصول أو فروع المجني عليها أو أخاها، التخلي عن الفصل في هذه المسألة الفرعية أو إحالتها إلى مرجع قضائي آخر، وإن كانت المحكمة الشرعية هي في الأصل صاحبة الولاية للحكم في قضايا النسب، فالمحكمة الجزائية هي ذات اختصاص للفصل في مثل هذه الدفوع التي تثار أمامها والتي لايجوز أن تؤلف قضاياً مستأخرة.
ثانياً: من حيث طرق الإثبات:
الأصل أنه يجب أن يتبع في إثبات قيام علاقة القرابة طرق الإثبات المقررة في القانون الخاص بها باعتبارها مسائل غير جزائية على نحو مانصت عليه المادة 177 من قانون أصول المحاكمات الجزائية: « إذا كان وجود الجريمة مرتبطاً بوجود حق شخصي وجب على القاضي اتباع طرق الإثبات الخاصة به».
إلا أن هناك رأي يميل إلى اعتبار توافر صلة القرابة بين الجاني والمجني عليه أو عدم توافرها من مسائل الواقع التي ينبغي أن نطلق للمحاكم الجزائية الحرية التامة لقبول جميع أنواع البيانات توصلاً إلى نفيها أو إثباتها دون أن تكون مقيدة بقاعدة معينة من قواعد الإثبات، وذلك لأن الأبوة والبنوة الحقيقية قد تختلف في بعض الحالات عن الأبوة أو البنوة القانونية.
المطلب الخامس: الاشتراك الجرمي لغير ذوي القرابة:
إن الأعذار القانونية لها طبيعة قانونية تتمثل في عينيتها أو شخصيتها فإما أن تكون عينية حيث تطال كل من ساهم في الجريمة وإما أن تكون شخصية بحيث لايستفيد منها إلا الشخص الذي توافرت فيه، وهذه الطبيعة القانونية للعذر يجب تحديدها في حالة مساهمة أشخاص آخرين مع الجاني المستفيد من العذر في الاعتداء على المجني عليه وتحديد مدى استفادة هؤلاء الأشخاص من العذر تبعاً لاستفادة الجاني.
وبعبارة أخرى هل العذر المنصوص عليه في المادة 548 عقوبات هو من الأعذار العينية التي تطال كل من ساهم في الجريمة أم من الأعذار الشخصية التي لايستفيد منها إلا الشخص الذي توافرت لديه؟
سبق أن بينا أن المشرع عندما نص على هذا العذر افترض بقرينة قانونية قاطعة لاتقبل إثبات العكس أن المستفيد من هذا العذر قام بفعله وهو في حالة انفعال شديد أفقدته وعيه وإرادته أو أنقصتهما إلى حد كبير وهذا الاعتبار هو اعتبار شخصي بحت يمثل الحكمة من العذر وعلة وجوده وهو لايمس في شيء موضوع الجريمة ومادياتها، لذا كان الاتجاه الغالب بين الفقهاء، والذي نؤيده بدورنا، هو اعتبار هذا العذر بنوعيه «المحل والمخفف» عذراً شخصياً لاصلة له بالأحوال المادية للجريمة.
ويترتب على اعتبار هذا العذر من الأعذار الشخصية أن مفعوله لايتناول إلا الشخص الذي يتوافر فيه عملاً بأحكام المادة 215 عقوبات. ف إذا تعدد الجناة وانضم إلى الزوج مثلاً أشخاص آخرون من غير الذين ذكرتهم المادة 548 عقوبات فإن حكم العذر يسري على الزوج فقط فاعلاً كان أم شريكاً أم متدخلاً، وتطبق على الأشخاص الآخرين العقوبات الواردة في المواد الخاصة بجرائم القتل أو الإيذاء المقصودين ولايفيدون من العذر المنصوص عليه في المادة 548 عقوبات سواء انضموا إلى الزوج مثلاً بصفة فاعلين أم شركاء أم متدخلين.
ولكن هل يسري هذا العذر المتوافر في الفاعل أو الشريك أو المتدخل على المحرضِّ أو بالعكس؟.
لقد نصت المادة 216/2 عقوبات على أن: «تبعة المحِّرض مستقلة عن تبعة المحرَّض».
أي أنها رفضت مذهب الاستعارة الجرمية فجريمة المحرِّض مستقلة عن جريمة المحرَّض فالمحرِّض لايستعير إجرامه من المحرَّض، كما أن المادة 215 عقوبات لاتتحدث إلا عن «الشركاء والمتدخلين»،لذلك فإن جميع الأسباب المادية والشخصية والمزدوجة سواء أكانت مشددة أم مخففة للعقاب وسواء سهلت اقتراف الجريمة أم لا فهي لاتسري من المحرِّض إلى المحرَّض أو العكس.
الفصل الثاني
الشروط المتعلقة بالواقعة
لقد تطلب المشرع بالإضافة إلى الشروط المتعلقة بأطراف العذر، شروط أخرى متعلقة بالواقعة الحاصلة بين أطراف العذر، وهذه الواقعة لها وجهان، فالوجه الأول هو الفعل الذي يرتكبه المجني عليه ويفاجئه به الجاني فتثور ثائرته ويقدم على الاعتداء عليه ويتمثل هذا الفعل بالزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة مع شخص آخر.
أما الوجه الثاني للواقعة فهو فعل الاعتداء الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجئته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال السابقة، ويتمثل فعل الاعتداء هنا بالإيذاء أو القتل والحقيقة أن كلاً من هذين الوجهين له مفهوم محدد وشروط يجب أن تنطبق عليه حتى يغدو مستفيداً من العذر.
وعلى ذلك سوف نقسم البحث في هذا الفصل إلى مبحثين:
المبحث الأول: عنصر المفاجأة.
المبحث الثاني: فعل الاعتداء.
المبحث الأول: عنصر المفاجأة
إن المفاجأة هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها العذر وفي حال انتفائها تنتفي الحكمة من هذا العذر، ولقد حدد المشرع الحالات الحصرية التي يجب أن يفاجأ بها المجني عليه وهي الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة لمريبة.
ولكن ماهي المفاجأة التي تطلبها المشرع وعلى من يجب أن تقع؟… وما مفهوم الزنا المشهود والصلات الجنسية الفحشاء والحالة المريبة ومعيار التمييز بينهم؟..
سنتصدى لشرح ذلك في هذا المبحث من خلال المطالب التالية:
المطلب الثالث: المفاجأة بالصلات الجنسية الفحشاء. |
المطلب الأول: ماهية المفاجأة. |
المطلب الرابع: المفاجأة بالحالة المريبة. |
المطلب الثاني: المفاجأة بالزنا المشهود. |
المطلب الأول: ماهية المفاجأة:
تعني المفاجأة اختلافاً بين ماكان المستفيد من العذر يعتقده في شأن سلوك المجني عليه وماتحقق له فيما شاهده متلبساً بالزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة فالمفاجأة هي اختلاف بين العقيدة والواقع.
ولقد تباينت الآراء الفقهية في تحديد معنى المفاجأة مما يقتضي عرض هذه الآراء وبيان موقف التشريع الوضعي من هذه المسألة ثم بيان اتجاه الاجتهاد القضائي.
أولاً: الآراء الفقهية في تحديد معنى المفاجأة:
لقد انقسم الفقهاء والشراح في تحديد معنى المفاجأة إلى ثلاثة آراء:
الرأي الأول:
ويقول أصحابه أن الجاني لايستفيد من العذر إلا إذا كان اكتشاف الخطيئة التي وقع فيها الزوج أو القريبة مفاجأة للجاني نفسه، وبعبارة أخرى: لايستفيد من العذر الجاني الذي يقتل عمداً أو مع سبق الإصرار، ويرتكز أصحاب هذا الرأي على حجتين:
إن الإعفاء أو التخفيف مقرر لأن الزوج الذي يفاجأ بمشاهدة خيانة زوجته مثلاً يباغت بمالم يكن في حسبانه فيهوله الأمر فلايعود قادراً على امتلاك زمام نفسه فيثور ويقتل، أما الذي يكون عالماً بهذه الخيانة من ذي قبل فيصمم على القتل ويدبر في هدوء فلايعود ثمة معنى لاستفادته من العذر لأنه لايستطيع أن يدعي أنه لم يكن هادئ الأعصاب .
أما الحجة الثانية تستند إلى النص التشريعي الذي يشترط المفاجأة باللفظ الحرفي.
الرأي الثاني:
يفرق أصحابه وفي طليعتهم العلامة غارو بين حالتين:
الحالة الأولى: حالة الجاني الذي يكون واثقاً من خيانة زوجته أو قريبته فيدبر الأمر بضبطها متلبسة بخطيئتها، كأن يتظاهر بأنه سيغيب عن المنزل ثم يكمن فيه ويقتل الآثمين متلبسين بالخطيئة ومثل هذا الزوج لايستفيد من العذر لانتفاء الحكمة من ذلك.
الحالة الثانية: حالة الجاني الذي يكون مرتاباً فقط في سلوك زوجته أو أخته مثلاً فيراقبها حتى إذا شاهدها ترتكب الإثم استحال شكه إلى يقين فثار وقتلها وهذا الجاني لايستفيد ولاريب من العذر.
الرأي الثالث:
وهو الرأي الذي يأخذ يه العلامة غارسون ويقضي باستفادة الجاني من العذر في جميع الأحوال سواء ارتكب جريمة القتل قصداً أو عمداً، وسواء أكان واثقاً من سلوك الآثمة أو عالماً به من ذي قبل أم لم يكن.
ويرتكز أصحاب هذا الرأي على الاعتبارات التالية:
إن طبيعة العذر نفسه تدعو لهذا القول والقول بغير ذلك معناه تجاهل الطبيعة القانونية لهذا العذر، فالشارع يجعل منح العذر منوطاً بتوافر شروط موضوعية لاعلاقة لها ببحث نفسية الجاني ولابوقت تكوين قصده الجرمي إذ أنه يمنح الجاني حق الاستفادة من العذر دون أن يسأل أن يقيم الدليل على أنه غضب وثار لرؤيته ارتكاب الإثم، ذلك أن الشارع يفترض ذلك بقرينة قانونية قاطعة ومن شأن القرائن القانونية القاطعة أنها تطبق دون حاجة إلى إثبات علة تقريرها بل أنه لايباح للنيابة أن تقيم الدليل على انتفاء هذه العلة أو أن تثبت العكس، ولعل الحكمة في إحداث مثل هذه القرينة القانونية القاطعة تتجلى في تفادي الخوض في بحث الحالة العصبية التي كان عليها الجاني وقت القتل أو الإيذاء.
لأن سبق الإصرار لايمنع من مفاجأة الزوجة مثلاً متلبسة بالزنا، وهو ماتتطلبه المادة الناصة على هذا العذر، دون أن تتطلب أن يفاجأ الزوج باكتشاف خيانة زوجته له.
ثانياً: موقف الشريع الوضعي:
لقد اشترطت التشريعات الوضعية الجزائية توافر عنصر المفاجأة بشكل صريح ضمن النصوص التي نصت على هذا العذر، ولكن من هو الشخص الذي يجب أن تقع عليه المفاجأة؟؟..
إن ظاهر النصوص يوحي بأن الشخص الذي يجب أن يفاجئ بالمشهد هو المجني عليه فقط دون الجاني، فلقد أوردت المادة 237 عقوبات مصري عبارة «من فاجأ زوجته» كما أوردت المادة 548 عقوبات سوري عبارة «من فاجأ زوجه» ولم تورد أي من المادتين عبارة «من فوجئ بزوجته».
والحقيقة أن هذا القول فيه تمسك بظاهر النصوص، لأن ضبط المرأة متلبسة بالزنا هو مفاجأة لها في جميع الأحوال، وبرأينا أنه يجب أن تقع المفاجأة على الجاني بالإضافة إلى المجني عليه وذلك لأن علم الجاني بشكل يقيني بزنا زوجته مثلاً وعدم توافر عنصر المفاجأة بالنسبة له «كما يوحي ظاهر النص» لايجعله مستفيداً من العذر طالما أن علة العذر التي تكمن في الإثارة التي تدفع الجاني نتيجة المفاجأة إلى الاعتداء على المجني عليه لاتكون متوافرة فضلاً عن أن المادة 548 عقوبات سوري اشترطت أن يكون الجاني قد «أقدم على القتل أو الإيذاء بغير عمد» وهذا مالايتوافر في حالة العلم اليقيني حيث يقدم الجاني على فعله بعد تفكير هادئ وعميق بعيداً عن الانفعال والغضب.
وبذلك يكون التشريع الوضعي قد أخذ بالرأي الأول، وحبذا لو أن المشرع السوري عند صياغة المادة 548 عقوبات أبدل عبارة «من فاجأ زوجته….» بعبارة «من فوجئ بزوجته…» لكان الوضع أقرب إلى الدقة والوضوح، وهذا ماتداركته بعض التشريعات مثل المادة 375 عقوبات ليبي، حيث نصت على أن: «من فوجئ بمشاهدة زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه في حال تلبس بالزنى أو في حالة جماع غير مشروع….».
هذا بالنسبة للشخص الذي يجب أن تقع عليه المفاجأة، أما بالنسبة لعلم الجاني المسبق بسلوك زوجته أو قريبته فإننا نميل إلى الأخذ بالرأي الثاني والذي يفرق في درجات العلم على النحو التالي:
الغفلة: وفيها يكون الجاني غافل تماماً عن سلوك زوجته أو قريبته وليس لديه أي شك في سلامته وتعتبر مشاهدته لها في إحدى الأوضاع الثلاثة المحددة في المادة 548 عقوبات مفاجأة له بكل معنى الكلمة مما يجعله مستفيداً من هذا العذر في حال الاعتداء عليها.
اليقين: وفيه يتيقن الجاني من خيانة زوجه أو قريبته فيقدم على قتلها أو إيذائها مصطنعاً المفاجأة ومدبراً بطريق الاحتيال وجود المجني عليها في وضع الزنا حتى يستفيد من العذر وهنا لايستفيد الجاني من العذر طالما انتفى لديه عنصر المفاجأة الذي يخلق لديه الاستفزاز والغضب اللذان يدفعانه إلى ارتكاب الجريمة كما أنه في أغلب الأحوال يتعمد الاعتداء بدافع الانتقام.
الارتياب: وهذه المرحلة بين الغفلة واليقين وتتمثل في ارتياب الجاني بسلوك زوجته أو قريبته دون التيقن بذلك وهذا الارتياب والشك لايبرر عدم استفادة الجاني من العذر ذلك أنه يقوم على الاحتمال فضلاً عن أن هذا الشك لاينفي عنصر المفاجأة الذي يتحقق طالما أن احتمال الخيانة لدى الجاني يقابله احتمال عدم الخيانة.
وقد قال بهذا الرأي أكثر الفقهاء
والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل يتحقق عنصر المفاجأة إذا سبق للمستفيد من العذر أن فاجأ أحد المذكورين في المادة 548 عقوبات في حالة الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة لكنه غفر لها تماماً متأكداً بكامل الثقة من أنها لن تعود إلى فعلتها ولكنه يفاجأ بها مرة أخرى من جديد بنفس الواقعة؟…
يبدو أنه في هذه الحالة يتحقق عنصر المفاجأة وتطبق أحكام العذر ذلك لأن الجاني لم يتيقن عودة المجني عليها لارتكاب ماأقنعته بأنها تابت عن ارتكابه ووقوع الفعل بالتالي من جديد أصبح مفاجأة له.
ثالثاً: موقف الاجتهاد القضائي:
لقد اعتبر القضاء أن الشخص الذي يجب أن تقع عليه المفاجأة هو الجاني وليس المجني عليه وهذا مايستفاد ضمناً من قرار لمحكمة التمييز اللبنانية يقول:
«المفاجأة بالمشاهدة تنتفي بعلم الجاني السابق بالخطيئة وحيث… أن المتهم… أقدم قصداً على قتل شقيقته وخاطفها… وحيث أن تذرع جهة الدفاع بالعذر المحل …. هو في غير محله القانوني باعتبار أن المتهم كان على علم بوجود شقيقته مع المغدور في غرفة واحدة في بيت والده «بانتظار عقد القران» وقد قبل بهذا الواقع».
والحقيقة أن هذا القرار يستفاد منه أن الشخص الذي يجب أن تقع عليه المفاجأة هو الجاني لأنه نفى عنصر المفاجأة في حالة علم الجاني السابق بالخطيئة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا القرار ينفي المفاجأة في حالة العلم اليقين السابق للجاني بالواقعة.
كما اتجه القضاء إلى أن الارتياب في سلوك المجني عليه لاينفي المفاجأة طالما أن الارتياب لم يصل إلى درجة العلم اليقين فجاء في قرار لمحكمة النقض المصرية مايلي:
« إذا أحس الجاني بوجود علاقة آثمة بين المقتول وزوجته وأراد أن يقف على جلية الأمر فتظاهر بالذهاب إلى السوق وكمن في منزله حتى إذا حضر المقتول واختلى بزوجته، برز الزوج من مكمنه وانهال على المقتول طعناً بالسكين حتى قتله فإن المادة 237 تكون واجبة التطبيق».
وقد اعتبر القضاء أيضاً أن التصميم على القتل في حالة الارتياب بسلوك المجني عليه لاينفي عنصر المفاجأة، أي أن الجاني إذا ارتاب بسلوك المجني عليه فصمم على قتله إذ تيقن من خيانته فإن ذلك لاينفي عنصر المفاجأة، وهذا ماقالت به محكمة التمييز الأردنية في قرار لها يقول:
«أنه وإذا ثبت أن المتهم كان مصمماً على قتل المجني عليه إذ هو راود زوجته، غير أن مفاجأة المتهم عندما تحول شكه إلى يقين واكتشافه فظاعة المشهد غضب غضباً شديداً نتيجة لهذا العمل غير المحق الذي أتاه المجني عليه».
المطلب الثاني: المفاجأة بالزنا المشهود:
إن أول الأوضاع التي يستفيد بها الجاني من العذر عندما يقدم على الاعتداء على المجني عليه نتيجة المفاجأة بها هي الزنا المشهود…
لكن ماهو مفهوم الزنا وأركانه والأفعال التي تدخل في نطاق الزنا والأفعال التي لاتشكل الزنا؟… وماهو مفهوم مشهودية الزنا؟..
سنتصدى في هذا المطلب لبيان ذلك فنحدد أولاً تعريف الزنا وأركانه ثم نبين مفهوم الزنا المشهود.
أولاً: تعريف الزنا وأركانه:
تعريف الزنا:
الزنا في اللغة والشرع بمعنى واحد وهو وطئ الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهته، وقد ذكر فقهاء الحنفية تعريفاً مطولاً بيَّـن ضوابط الزنا الموجب للحد في الشريعة الإسلامية فقالوا:
هو الوطئ الحرام في قبل المرأة الحية المشتهاة في حالة الاختيار في دار العدل ممن التزم أحكام الإسلام الخالي عن حقيقة الملك وحقيقة النكاح وعن شبهة الملك وعن شبهة النكاح وعن شبهة الاشتباه في موضع الاشتباه في الملك والنكاح جميعاً.
أركان جريمة الزنا:
يتضح من التعريف السابق أركان جريمة الزنا، ونقتصر هنا على بيان هذه الأركان في القانون السوري:
أ ـ الركن المادي:
وهو «فعل الوطئ» فلابد في جريمة الزنا أن يقع الوطئ بين رجل وامرأة بصورة غير مشروعة، أما دون ذلك من أفعال مخلة بالحياء كالضم أو التقبيل أو المفاخذة أو الصلات الجنسية غير الطبيعية مابين أنثى وأنثى «المساحقة» أوما بين رجل ورجل «اللواطة» أو وطئ الرجل للمرأة في دبرها لاتشكل الوطئ المكون لجريمة الزنا.
كما أنه يجب أن يتم الوطئ بين رجل وامرأة حية، أما إتيان امرأة ميتة فلايعتبر زنا، كذلك فإن المرأة التي تمكّن حيواناً منها لاترتكب جرم الزنا.
ب ـ الركن المعنوي:
جريمة الزنا من الجرائم المقصودة التي لابد من توافر القصد الجرمي فيها ويكفي هنا توافر القصد الجرمي العام أي العلم بالفعل غير المشروع وإرادة ذلك الفعل.
ويعتبر القصد الجرمي متوافراً لدى الزاني إذا كان عالماً أنه متزوج وأنه يجامع امرأة غير زوجته في بيت الزوجية أو أنه اتخذها خليلة جهاراً، كما يعتبر القصد الجرمي متوافراً لدى الزانية إذا كانت عالمة أنها تجامع رجلاً لاتحل لها مجامعته واتجهت إرادتها إلى ذلك الفعل.
وتطرح هنا مشكلة الاغتصاب؟.
فإذا أكرهت امرأة على الاتصال الجنسي من رجل أجنبي عنها فلايتوافر القصد الجرمي لديها وبالتالي فهي لاترتكب جرم الزنا، لكن هل يستفيد زوجها هنا من العذر إذا أقدم على قتلها هي وشريكها أو إيذائهما عند مفاجأته بهذا الوضع؟..
نفرق هنا بين حالتين:
ـ الحالة الأولى: إذا كان الزوج يعلم بأن زوجته تغتصب اغتصاباً ولاترتكب جرم الزنا بإرادتها فإن القانون وإن أباح له قتل مغتصبها على أساس توافر حالة الدفاع الشرعي بموجب المادة 183 عقوبات، فإنه لايباح له قتلها طالما هي مكرهة على ذلك وبالتالي فإن قتلها أو الاعتداء عليها يخضع للقواعد العامة ولايستفيد الجاني هنا من العذر.
ـ الحالة الثانية: إذا كان الزوج لايعلم بأن زوجته تغتصب اغتصاباً، بأن فاجأها مع المغتصب واعتقد بأنها ترتكب جرم الزنا بإرادتها ثم أقدم على الاعتداء عليها وعلى شريكها فهنا يكون الزوج قد وقع في غلط مادي حيث اعتقد على خلاف الحقيقة بأن اعتدائه بنصب على زوجته التي تقترف جرم الزنا لا على زوجته التي تغتصب اغتصاباً وبالتالي فإنه يستفيد من هذا العذر وذلك تطبيقاً لأحكام الغلط المادي المنصوص عنه في المادة 223 عقوبات.
ج ـ الركن المفترض:
الركن المفترض هنا نوعين: نوع خاص بزنا المرأة، ونوع خاص بزنا الرجل.
فالركن المفترض الخاص بزنا المرأة هو أن تكون المرأة مرتبطة بعلاقة الزوجية، أما إذا كانت غير متزوجة فتتوقف ملاحقتها على شكوى الولي على عمود النسب واتخاذه صفة المدعي الشخصي م 475عقوبات، ف إذا كانت المرأة غير متزوجة ولايوجد لها ولي على عمود النسب أو أن هذا الولي لم يتخذ صفة المدعي الشخصي فلايسمى فعلها زنا مالم تكن شريكة فيه.
أما الركن المفترض الخاص بزنا الرجل فهو أن يكون الرجل متزوجاً وأن يقع الزنا في بيت الزوجية أو أن يتخذ خليلة جهاراً م 474عقوبات.
وبدون توافر صفة الزوجية أو إحدى الحالتين السابقتين لايعد فعل الرجل زنا لأنها بالمعنى القانوني.
والجدير بالذكر أن المشرع السوري لم يشترط في المادة 458 عقوبات أي صفة خاصة في المكان الذي يفاجأ الجاني فيه زوجه أو قريبته وشريكها في جرم الزنا المشهود حتى يستطيع الاستفادة من العذر، وذلك على خلاف المادة 324 عقوبات فرنسي الملغاة التي كانت تشترط أن يكون الزنا قد وقع في منزل الزوجية، ولذا فإن المكان كما يمكن أن يكون منزلاً يمكن أن يكون سيارة أو في الغابة أو على شاطئ البحر أو أي مكان آخر.
ثانياً: مفهوم الزنا المشهود:
لقد عرّفت المادة 28 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الجرم المشهود وحددت حالاته بقولها:
«1. الجرم المشهود هو الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه أو عند الانتهاء من ارتكابه.
2.ويلحق به أيضاً الجرائم التي يقبض على مرتكبيها بناءً على صراخ الناس أو يضبط معهم أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها على أنهم فاعلوا الجرم وذلك في الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم».
فهل مفهوم الجرم المشهود الوارد في المادة 28 أصول جزائية هو الذي ينصرف إلى مفهوم جرم الزنا المشهود في معرض تطبيق أحكام المادة 548 عقوبات؟.
إن الجرم المشهود الوارد في المادة 28 أصول جزائية قد ورد بالمعنى الضيق وليس هو المقصود في معرض تطبيق أحكام المادة 548 عقوبات، وذلك لأن مفهوم التلبس والمشاهدة في المادة 28 أصول جزائية يؤدي إلى التضييق في نطاق الزنا المشهود في المادة 548 عقوبات، فطبيعة الاستفزاز الذي يحدث للجاني تقتضي السماح بالتوسع قليلاً في تفسيره لأن الحكمة من قبوله هو الغضب الشديد الذي يحدثه المشهد في نفس الجاني، فضلاً عن أن المادة 28 أصول جزائية حددت حالات الجرم المشهود مستهدفة بذلك اعتبارات إجرائية لاشأن لها بسبب الإعفاء أو التخفيف.
فليس المقصود إذن في معرض تطبيق أحكام المادة 548 عقوبات أن يشاهد الزوج زوجه أو قريبته في لحظة ارتكاب فعل الزنا نفسه بحيث تصبح الخيانة من الناحية الواقعية حقيقة ثابتة، بل المقصود أن تكون فكرة الخيانة من الناحية التصورية ماثلة أمام الجاني ومعنى ذلك أن تؤدي جميع الملابسات إلى هذه الفكرة وتجعلها مقبولة عقلاً، فيكفي أن يشاهد المجني عليه في ظروف لاتترك مجالاً للشك عقلاً في أن الزنا قد وقع أو أنه وشيك الوقوع.
وقد ساقت المادة 473 عقوبات أدلة معينة على سبيل الحصر وجعلتها مقبولة وحدها في إثبات جريمة الزنا بالنسبة لشريك الزوجة وهي: الإقرار القضائي والجنحة المشهودة والرسائل والوثائق الخطية التي كتبها الشريك، إلا أن هذه الأدلة وضعت لتقييد القاضي في بناء اقتناعه بقيام جريمة الزنا من قبل شريك الزوجة الزانية وهي لاتقيد الزوج في نطاق عذر الاستفزاز بل إن من حق هذا الأخير أن يقتنع بتلبس زوجته بالزنا بأية قرائن مقبولة ومؤدية إلى الاقتناع بشرط أن تتم حالة المفاجأة بمشاهدة هذه القرائن من قبل الجاني، فالمشاهدة أمر ضروري للاستفادة من العذر على نحو ماقررته محكمة التمييز اللبنانية في قرار لها يقول: «المفاجأة بالمشاهدة عنصر من عناصر العذر المحل المنصوص عنه في المادة 562/1 عقوبات لايقوم بدونه».
وكون الزنا مشهود أم غير مشهود هو من الأمور التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع، ومتى بين الحكم الوقائع التي استظهر منها حالة التلبس وكانت هذه الوقائع كافية بالفعل وصالحة لأن يفهم منها هذا المعنى فلاوجه للطعن أو الاعتراض عليه.
ولقد أخذت محكمة النقض السورية بفكرة اختلاف الجرم المشهود في المادة 28 أصول جزائية عن الزنا المشهود في المادة 548 عقوبات، كما رفضت فكرة الزنا الفعلي واكتفت بتوافر القرائن الدالة على ذلك في قرار لها ينص على:
«إن الجنحة المشهودة المعتبرة دليلاً على الشريك في الزنا إنما يقصد بها أن يُشاهد الشريك والزوجة في ظروف لاتدع مجالاً للشك عقلاً في أن الزنا قد وقع وهي تختلف عن الجرم المشهود المعرف في المادة 28 أصول جزائية التي قصد بها بيان الحالات الخاصة التي يتمتع بها رجال الضابطة العدلية بصلاحيات خاصة… وإن وصف الظروف المحيطة بالجريمة للفعل فيما إذا كانت مشهودة أم لا أمر موكول إلى محكمة الموضوع مادامت الأسباب التي استندت إليها لها أصول في الأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي رُتبت عليها…. ومن حيث أنه لايشترط في الأدلة على الزنا أن تكون مؤدية مباشرة إلى ثبوت الزنا بل للمحاكم أن تستعين بالعقل والمنطق لتستخلص من الدليل الأمور التي تؤدي إليها ويبرهن عليها وهذا من اختصاص المحاكم الجزائية التي تتميز بها ولاتصح عندئذ مناقشة القاضي في قناعته متى اطمأن إلى وقوع الزنا على هذا النحو من أدلة مباشرة أو غير مباشرة…».
كما قضت محكمة النقض المصرية في قرار لها بأنه: «لايشترط في التلبس الدال على الزنا أن يشاهد وقت ارتكاب الفعل أو عقب ارتكابه ببرهة يسيرة بل يكفي لقيام حالة التلبس أن يثبت أن الزانية وشريكها قد شوهدا في ظروف لاتجعل مجالاً للشك عقلاً في أن الجريمة قد ارتكبت فعلاً».
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض السورية بقيام حالة الزنا المشهود في حالة وجود الزوجة وشريكها في غرفة مغلقة وانفرادهما معاً في وقت متأخر من الليل.
وكذلك قضت محمكة النقض المصرية بتوافر العذر إذا دخل الزوج غرفة النوم فوجد فيها المتهم مختفياً تحت السرير و كان خالعاً حذائه وكانت الزوجة عند قدومها في حالة ارتباك شديد ولايسترها شيء غير جلابية النوم، أو دخل المنزل فوجد زوجته وعشيقها بغير سراويل وقد وضعت ملابسهما الداخلية بعضهما بجوار بعض، أو دخل المنزل فلاحظ وجود حركة تحت السرير وبرفعه الملائة وجد المتهم ونصفه الأسفل عار وهو يمسك بملابسه.
ومن أحكام القضاء الفرنسي في هذا الصدد ماحكم به من قيام حالة التلبس إذا ضبطت الزوجة تنام إلى جوار عشيقها في فراش واحد أو إذا ضبطت الزوجة في غرفة مغلقة لمدة ثلاثة أرباع الساعة مع رفضها فتح بابها حتى تم اقتحام الغرفة بالقوة.
وأخيراً فإنه يجب أن يشاهد الشخص المستفيد من العذر حالة التلبس بنفسه، فلايكفي أن يخبره الغير بأنه شاهد المجني عليها في هذا الوضع، ذلك أن الاستفزاز الذي يبرر قيام العذر لايتوافر إلا بهذا الشرط، ولايكفي أيضاً أن يسمع عن سوء سلوك المجني عليها فيسألها عن صحة ماسمعه فتجيب بالإيجاب فيقدم على قتلها أو إيذائها ذلك أنه لم يشاهد بنفسه جرم الزنا ولم يتحقق لديه عنصر المفاجأة، وبذلك قضت محكمة النقض السورية في قرار لها يقول:
«إن المادة 548 عقوبات اشترطت لعد القاتل معذوراً مفاجأته إحدى محارمه المذكورات في نص المادة مع أجنبي بصورة مريبة فيخرج عن ذلك مايتصل عن طريق إحداهن بطريق السماع لما بين المباغتة ومابين السماع من فرق في درجة التأثير على المشاهد والسامع، وإن حالة السمع المذكورة لاتدخل فيما أشارت إليه م242 عقوبات التي اشترطت للمعذرة حصول الجرم عند غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه، فالسمع عن سلوك المجني عليها لاينطوي على معنى شدة الخطورة ا لواردة في النص».
المطلب الثالث: المفاجأة بالصلات الجنسية الفحشاء:
لقد استحدثت هذه العبارة بعد تعديل المادة 548 عقوبات بالمرسوم التشريعي رقم 85 وقد كان يقوم مقامها على عبارة «في حالة الجماع غير المشروع» وقد جاء في الأسباب الموجبة لاصدار المرسوم التشريعي رقم 85 مايلي:
«لما كانت عبارة «في جرم الزنا المشهود» وعبارة «في حالة الجماع غير المشروع» الواردتان في المادة 548 لاتدلان على حالتين مختلفتين، بل إنهما تدلان على حالة واحدة الأمر الذي لم يقصده واضع القانون لذلك أبدلت العبارة الثانية بعبارة «في صلات جنسية فحشاء» والمقصود بها: الحالات التي يمكن وصفها بالجماع أو الزنا كخلوة الإمرأة وهي عارية من ثيابها مع رجل أجنبي وماشابه ذلك من الأوضاع الفاحشة».
ويرى الدكتور محمد الفاضل: «أن السبب الحقيقي لإيراد عبارتي «الزنا» و«الصلات الجنسية الفحشاء غير المشروعة» جنباً إلى جنب في النص التشريعي هو أن الزنا جريمة لاترتكب إلا في حال قيام الزوجية ولاتقع إلا إذا حصل الوطئ فعلاً بالطريق الطبيعي، والشارع في المادة 548 لم يشأ أن يقصر العذر المحل على ذوي القرابة الزوجية، وإنما شمل أيضاً الأصول والفروع والأخوة، وكذلك لم يشأ أن يتخذ من الوطئ وحده سبباً لإعفاء مرتكب القتل أو الإيذاء من كل عقاب، وإنما اعتبر كل اتصال جنسي غير مشروع عذراً يجعل مرتكب القتل أو الإيذاء في حل من كل عقاب».
والحقيقة إن إيراد عبارة «الصلات الجنسية الفحشاء» ماهو إلا نتيجة لخطة المشرع السوري في توسيع نطاق العذر المحل من حيث الأشخاص ومن حيث الواقعة التي يرتكب المجني عليه على التفصيل الآتي:
من حيث الأشخاص:
إن عبارة «جرم الزنا المشهود» تقصر حق الاستفادة من العذر على ذوي القرابة الزوجية «الزوج أو الزوجة» ذلك أن جرم الزنا في القانون السوري لايقع إلا من شخص مرتبط برابطة الزوجية وهذا مايتناقض مع إعطاء حق الاستفادة من العذر للأصول والفروع والأخوة إذا كانت المجني عليها غير متزوجة.
وبالتالي فإن إيراد عبارة «صلات جنسية فحشاء» يجعل الأصول والفروع والأخوة مستفيدين من العذر في حال كانت المجني عليها غير متزوجة وجامعت شخص آخر حيث أن فعلها لايشكل جرم الزنا ولكنه يشكل صلات جنسية غير مشروعة.
من حيث الواقعة التي يرتكبها المجني عليه:
إن عبارة «جرم الزنا المشهود» تقصر حق الاستفادة من العذر على الشخص الذي يفاجأ زوجه أو قريبته ترتكب جرم الزنا دون الأفعال الجنسية الأخرى غير المشروعة التي لاتعتبر زنا، فجريمة الزنا لاتقوم إلا إذا حصل وطئ الرجل للمرأة في القبل في غير الملك وشبهته، وبذلك لايعتبر زنا بالنسبة للمرأة التي تمكن من نفسها حيواناً أو امرأة أخرى لأن اختلاف الجنسين شرط جوهري لقيام الجرم كذلك لايعتبر زنا اللواط بين رجلين.
كما أن وطئ الرجل للمرأة في الدبر أو المداعبات بين الرجل والمرأة التي لاتصل إلى درجة الوطئ في القبل وتكون أكثر من حالة مريبة لاتعتبر جرم زنا.
فهذه الأفعال وغيرها والتي لاتشكل جرم الزنا إنما تشكل صلات جنسية غير مشروعة والتي سماها القانون السوري «الفحشاء» أو «الأفعال المنافية للحشمة» م 493 عقوبات، وبديهي أن الحكمة من العذر المحل تتوافر في الصلات الجنسية الفحشاء بشكل مساوي لجرم الزنا مما يقتضي اشتراكهما في الحكم.
وبذلك يكون قصد المشرع من إيراد عبارة «صلات جنسية فحشاء» توسيع نطاق العذر ليشمل الأصول والفروع والأخوة من جهة، والأفعال المنافية للحشمة التي لاتؤلف جرم الزنا من جهة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة المعروفة بالصلات الجنسية الفحشاء غير معذورة في القانون المصري حيث اقتصرت المادة 237 عقوبات مصري على المفاجأة بالتلبس بالزنا فقط، كما أن بعض القوانين منحت لهذه الحالة عذر مخفف فقط لامحل ومنها المادة 340 عقوبات أردني التي منحت العذر المخفف لمن يفاجأ زوجته أو إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته مع آخر على فراش غير مشروع.
المطلب الرابع: المفاجأة بالحالة المريبة:
يكاد القانون السوري ينفرد بإيراد مثل هذه الحالة والتي يستفيد بها مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف فقط ولقد أشرنا سابقاً إلى أنه إذا وجدت الزوجة أو من في حكمها في ظروف لاتدع مجالاً للشك عقلاً في أن الزنا قد وقع أو في سبيله إلى الوقوع فإن هذا يعتبر زنا مشهود وذلك كمشاهدة المجني عليها مع رجل أجنبي في الفراش وهما يرتديان الملابس الداخلية.
أما الحالة المريبة فلاتعني مفاجأة المجني عليها في ظروف لاتدع مجال للشك بوقوع الزنا أو في سبيله إلى الوقوع إنما تعني الحالة التي تثير الشك ويرتاب معها بحدوث الزنا أي أن هذه الحالة تكون غير مألوفة في المجرى العادي للأمور ويعتقد معها بوقوع الزنا أو في سبيله إلى الوقوع.
وقد اعتبرت محكمة النقض السورية في قرار لها أن:
[1]«الوالد الذي يقتل ابنته في بيت عشيقها الذي يقيم معه ويتعاطى معها الزنا والفجور في أي وقت، يستفيد من العذر المخفف، لأنها أوجدت نفسها في حالة مريبة وعلى فراش غير مشروع».
وقد اعتبرت في نفس القرار بأن «المرأة التي تقيم في منزل قد أعد لارتكاب الفجور بها بصورة سرية أو علنية وأعدت نفسها لتلقي الجماع في أي وقت كان قد أصبحت في حالة مريبة وعلى فراش غير مشروع وجعلت الاعتداء عليها مقترناً بالعذر المخفف وفقاً للمادة 548، وعليه فإقدام الطاعن على قتل شقيقته المومس في دار عشيقها يجعله مستفيداً من العذر المخفف».
ففي الحالة المريبة لم يشاهد الجاني فعل الزنا الفعلي ولم تكن الظروف قاطعة على وجه اليقين بوقوع الزنا إنما شاهد حالة تدعو الظروف فيها إلى الارتياب بوقوع الزنا، والظروف التي تدعو إلى الشك هي الظروف المحيطة بالحالة سواء أكانت ظروف موضوعية أم شخصية.
وقد قضت محكمة التمييز اللبنانية في قرار لها بأن: «الحالة المريبة في العذر المخفف تقوم بالوضع المادي المولد للشك في حصول الإثم أو توقع مباشرته، وبما… أن المتهم عندما وصل إلى السطح فوجئ بالمغدور بتمسك بقضبان حديد الشباك الذي تنام ابنته بقربه فوجد في ذلك موقفاً مريباً بين المغدور و«ابنته» بالنظر للعلاقة التي كان سبق له ولاحظها وبالنظر للظرف الزمني وهو وجود المغدور بالذات بعد منتصف الليل على نافذة الغرفة التي تنام فيها الابنة نفسها في بيت منعزل واقع في الخلوات، في حين أن المغدور هو من قرية أخرى، وبما أنه على ضوء ماتقدم… يكون قد أقدم على إطلاق النار بقصد القتل على من شاهده في وضع وموقف مريب مع ابنته فهو يستفيد والحالة هذه من العذر المخفف المنصوص عنه في الفقرة الثانية من المادة 562 من قانون العقوبات…».
ولاتعتبر الحالة المريبة متوافرة إذا كانت الظروف المحيطة بالواقعة معتادة بين الزوجة والشخص الذي فاجأها الزوج معه حسب العادات والتقاليد المتعارفة وذلك كوجود الزوجة مع أحد أقاربها كأبوها أو أخوها، أو كانت طبيعة عملها تستدعي وجودها في تلك الحالة كالطبيبة عندما تكشف على المريض، أو أن الواقعة التي فوجئت بها معتادة بينها وبين المغدور في حضور زوجها أو غيابه.
وعلى ذلك قضت محكمة التمييز اللبنانية في قرار لها بأن: «وجود المغدور في منزل المتهم عند زوجته لم يقترن بأعمال تدعو إلى الريبة لأن هذا الوجود يجب أن يقترن بأعمال تدعو إلى الريبة الأمر الغير متوفر…. خصوصاً وأن المغدور هو نسيب زوجة المتهم وكان قد اعتاد التردد عليها بحضور زوجها وبغيابه لغسل ثيابه».
كما أن الحالة المريبة لاتعتبر متوافرة إذا كان المتهم قد رأى المجني عليها في وضع تأباه التقاليد ولكنه لايثير الشك في قيام الصلة الجنسية غير المشروعة بينها وبين آخر أو توقع قيامها كمشاهدة المجني عليها في الطريق العام مع شخص غريب أو تجلس في منتدى أو مصادفة رجل في بيته لم يكن في مظهره أو مسلكه مايدعو إلى الريبة خاصة إذا كان صهر زوجته وكان قد اعتاد التردد على البيت في حضور المتهم وفي غيبته لأسباب بريئة.
والسؤال الذي يطرح هنا: هل تتوافر الحالة المريبة في حالة مشاهدة آثار الزنا على الزوجة أو من في حكمها كمشاهدة الحمل أو الإجهاض؟.
لقد اتجه القضاء السوري إلى استبعاد توافر الحالة المريبة عند الشخص الذي يشاهد نتيجة الزنا فقط دون أن يشاهد الفعل أو الحالة المريبة، فقد قضت محكمة النقض السورية في قرار لها بالتالي:
«إن الطاعن لم يفاجأ ابنته المغدورة في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر أو في حالة مريبة وإنما شاهد عليها علائم الحمل سفاحاً مما يجعل أمر استفادته من العذر المحل أو المخفف غير وارد».
ولكن محكمة النقض السورية قررت إفادة الجاني في مثل هذه الحالة من الدافع الشريف في حال قتله إحدى محارمه بمجرد علمه بأنها حامل منذ تسعة أشهر سفاحاً وذلك دون أن يراها في حالة مريبة مع شخص آخر.
كما أن محكمة النقض السورية لم تعتبر سماع الجاني بإجهاض المجني عليها التي حملت سفاحاً حالة مريبة تستوجب منحه العذر المخفف وذلك في قرار لها يقول: «إن من يقتل شقيقته بعد أن يترامى إليه خبر إجهاضها نفسها وإسقاط جنينها الذي حملت به سفاحاً وظهرت عليه آثاره لايكون في حالة العذر المخفف لامتداد الزمن وانتفاء عنصر المفاجأة».
وأخيراً فإن الحالة المريبة هي من الأمور الواقعية التي يملك قاضي الموضوع حق تقديرها واستخلاصها من ظروف القضية وقرائنها وملابساتها.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون العقوبات المصري الجديد لم ير محلاً لإيراد حكم الفقرة الثانية من المادة 548 عقوبات سوري، وعللت لجنة وضع المشروع ذلك بأنه:
«في كثير من الظروف هذه الحالة قد تتوافر بها حالة التلبس قانوناً كما إذا كانت لاحقة لفعل الزنا، أما إذا كانت فترة الريبة سابقة على ارتكاب الزنا فهي حالة لاتبرر القتل قانوناً وإنما يكفي فيها تقدير القاضي وإعماله الظروف المخففة».
المبحث الثاني: فعل الاعتداء
إن الوجه الثاني للواقعة التي تحدث بعد تطبيق هذا العذر هو فعل الاعتداء الذي يصدر من الجاني على المجني عليه، والحقيقة أنه بدون هذا الفعل لايوجد جريمة في الأساس فالجريمة هنا تقوم بهذا الفعل، وفعل الاعتداء له نطاق محدد حيث أنه ليست جميع أفعال الاعتداء تصلح لأن تستفيد من هذا العذر فهناك أفعال تشكل اعتداء إلا أنها لاتستفيد من هذا العذر وذلك لأن المشرع نص على استفادة أفعال اعتداء محددة حصراً بموجب نص المادة 548 عقوبات.
كما أن أغلب التشريعات الوضعية لم تقبل بمنح العذر لفعل الاعتداء بشكل مطلق إنما اشترطت توافر صفة معينة في هذا الفعل حتى يستفيد من العذر وعند توافر هذه الشروط يصبح فعل الاعتداء معذوراً، ولكن هناك مشكلة عملية حقيقية يثيرها الحق في الوجود والحق في الحياة وتتمثل في إمكان أو عدم إمكان الدفاع تجاه فعل الاعتداء الذي يصدر من الجاني.
وبعد معرفة الجواب على هذه المسألة نبين أثر هذا العذر سواء على الصفة الجرمية للفعل أو على العقوبة.
وعلى ذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى المطالب التالية:
المطلب الثالث: رد فعل الاعتداء بالدفاع الشرعي. |
المطلب الأول: نطاق فعل الاعتداء. |
المطلب الرابع: أثر العذر على فعل الاعتداء. |
المطلب الثاني: صفة فعل الاعتداء. |
المطلب الأول: نطاق فعل الاعتداء.
ليست جميع الاعتداءات الواقعة من الجاني على المجني عليه مشمولة بالعذر حسب المادة 548 عقوبات إنما جاء نص هذه المادة قاصراً على بعض أفعال الاعتداء وخاصة الأفعال الماسة بسلامة المجني عليه شأنها في ذلك شأن أغلب التشريعات التي حددت أفعال الاعتداء التي يستفيد بها الجاني من العذر، فالمادة 237 عقوبات مصري حددت هذه الأفعال وحصرتها بجريمة القتل أو الضرب المفضي للموت ويرى بعض الفقهاء أن العذر يمنح أيضاً للأفعال الأقل خطورة من ذلك من باب أولى كالأشكال الأخرى للضرب والجرح.
أما في القانون السوري فالعذر يشمل جريمة القتل المقصود وجريمة الإيذاء المقصود بمختلف صورها الجنحية والجنائية «الإيذاء المفضي إلى التعطيل عن العمل لمدة لاتزيد عن عشرة أيام م 540 عقوبات، والإيذاء المفضي إلى التعطيل عن العمل لمدة تزيد عن عشرين يوم م 542 عقوبات والإيذاء المفضي إلى عاهة دائمة م 543 عقوبات، والإيذاء المفضي إلى الإجهاض م 544 عقوبات، والإيذاء المفضي إلى الموت م 536 عقوبات» .
والأركان التي يتوجب توافرها في فعل الاعتداء هي الأركان العامة، فيجب أن يكون محل الجريمة هو الإنسان الحي وأن يكون من الأشخاص المحددين حصراً في المادة 548 عقوبات كالزوجة وشريكها أو من في حكمهما، كما يجب أن يتوافر الركن المادي والمتمثل في فعل الاعتداء المميت في جريمة القتل والعلاقة السببية بينهما أو الفعل الماس بسلامة الجسم في جريمة الإيذاء وحدوث النتيجة في جريمة الإيذاء المفضي إلى الموت أو إلى الإجهاض.
أما غير هذه الأفعال فلايستفيد مرتكبها من العذر، فالعذر هنا لايشمل جرائم الاعتداء على الأموال، كأن يقدم الجاني على إتلاف أموال المجني عليه، أو هتك عرض شريك الزانية أو اغتصاب إحدى محارمه وما إلى ذلك من اعتداءات غير جريمتي القتل والإيذاء.
ويستوي في فعل الاعتداء أن يقع بأي وسيلة كانت كالسكين أو المسدس أو العصا أو الأيدي فقط..إلخ..
ويجب أن يتوافر في فعل الاعتداء أيضاً الركن المعنوي المتمثل بالقصد ويكتفى هنا بالقصد العام أي قصد إزهاق روح المجني عليه أو المساس بسلامته، ولايشترط توافر قصد خاص لدى الجاني كأن يقتل أو يؤذي حفاظاً للشرف والعرض، وذلك على عكس ماتتطلبه بعض التشريعات مثل المادة 375 عقوبات ليبي والتي تشترط أن يتوافر قصد خاص لدى الجاني في فعل الاعتداء قوامه ارتكاب القتل حفظاً للعرض.
المطلب الثاني: صفة فعل الاعتداء:
إن أغلب التشريعات التي نصت على هذا العذر اشترطت صفة معينة في الاعتداء، فالقانون السوري اشترط في المادة 548 عقوبات أن يقع القتل أو الإيذاء بغير عمد أي بالصورة البسيطة للفعل، ذلك لأن الذي يبرر الإعفاء أو التخفيف من العقوبة هو شدة الانفعال النفسي الذي يستبد بالجاني ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة، فإن انتفى هذا الانفعال لدى الجاني كما في حالة القتل العمد فلاتتحقق هذه الحكمة حيث أن الجاني في حالة العمد يقدم على ارتكاب جريمته بعيداً عن الانفعال والغضب وبعد أن أخذ الوقت الكافي من التفكير الهادئ والتصميم على ارتكاب جريمته.
وهذا الشرط عبرت عنه المادة 237 عقوبات مصري ضمناً باشتراطها ارتكاب القتل في الحال أي حال مشاهدة حالة التلبس بالزنا ذلك أن ارتكاب القتل في الحال، من وجهة نظر المشرع المصري، يعني أن الفاعل ظل تحت تأثير المفاجأة التي دفعته إلى الاعتداء نتيجة الانفعال الشديد دون التفكير بالهدوء والروية اللتان يتطلبهما توافر عنصر العمد حيث لم يتح للجاني الوقت الكافي لهذا التفكير.
والحقيقة أن المشرع السوري قد أحسن باشتراط وقوع فعل الاعتداء بدون عمد وكان موقفه هذا أكثر دقة من موقف المشرع المصري الذي اشترط وقوع فعل الاعتداء في الحال.
والفارق بين الموقفين هو أن المشرع السوري أخذ بمعيار موضوعي للإفادة من العذر وهو العمد الذي ينتج عن التفكير والروية اللتان تتوافران لدى الجاني يقتضيان بطبيعة الحال مضي فترة زمنية كافية حتى يمكن أن يقال أن الجاني تحرر من الانفعال وأقدم على اقتراف جريمته بعد أن قلّب الأمور على وجهها واختار أفضل الحلول بالنسبة له.
أما المشرع المصري فأخذ بمعيار زمني مؤداه تقدير الوقت الذي فصل بين المفاجأة وفعل الاعتداء، وهذا الوقت في حقيقته عنصر من عناصر العمد إلا أنه غير كافي وحده لتوفر العمد في حين أن توافر التفكير و الروية وحدهما يكفي لتوافر العمد بغض النظر عن طول المدة الزمنية وكأنما المشرع المصري افترض بقرينة قانونية قاطعة أن مضى الفترة الزمنية دليل على توافر العمد في حين أن شرط المدة غير مطلوب بذاته في توافر عنصر العمد إنما هو ضروري كقرينة دالة على هدوء النفس والبعد عن الانفعال المتطلبان لقيام عنصر العمد.
وقد أخذت محكمة النقض السورية بهذا الاتجاه واعتبرت مضي الزمن قرينة على توافر العمد وذلك في قرار لها يقول: «يجب أن ينقضي يوم كامل على الأقل على سورة غضب الجاني منذ علمه أن إحدى محارمه حامل سفاحاً ليمكن زوال هذه السورة، ف إذا مرت هذه المدة اعتبر الفتل عمداً لوقوعه مع التصور والتصميم».
كما قضت في قرار آخر لها بأنه: « إذا فاجأ الفاعل أخته بحالة مريبة مع عشيقها ولم يقدم على قتلها فور المفاجأة بل انتظر فترة من الزمن كانت كافية لهدوء نفسه واستعادة وعيه ثم أقدم على قتلها فلايستفيد من العذر المخفف».
فلايصح إذن الافتراض بقرينة قاطعة أن مرور الفترة الزمنية دليل على توافر العمد، ذلك أن الجاني قد يفاجأ زوجه أو قريبته فيشل تفكيره وحركته ولايقدم على القتل إلا بعد فترة زمنية ظل فيها الانفعال مسيطر عليه ولم تسعفه هذه الفترة بالتفكير المتزن والمقارنة بين فعله ونتائجه ومع ذلك لايقبل منه الادعاء بالانفعال الشديد الذي قاده إلى ارتكاب جريمته نتيجة مرور الزمن والذي يشكل قرينة قاطعة على العمد، حيث تسقط القرينة القانونية الدالة على الانفعال ويتوجب عليه إثبات انفعاله ليستفيد فقط من العذر المخفف حسب المادة 242 عقوبات سوري.
وكذلك الأمر بالنسبة للجاني الذي يفاجأ زوجه أو قريبته ثم يسقط مغمياً عليه من هول المفاجأة حتى إذا استعاد وعيه وتذكر الموقف أقدم على قتلها.
وبناء على ذلك فإن المعيار الموضوعي الذي أخذ به المشرع السوري هو أقرب إلى العدالة وإلى حكمة النص من المعيار الزمني، حيث أن عنصر العمد مفهوم متحول ونسبي يختلف من شخص لآخر فقد يتوافر لدى شخص في بضعة ساعات بينما يحتاج شخص آخر إلى أيام ليصمم على الاعتداء.
ولقد اتجه الفقه المصري إلى الأخذ بالمعيار الموضوعي المتمثل بدرجة الانفعال النفسي لدى الجاني لتوسيع نطاق الاستفادة من العذر حيث يرى أن شرط ارتكاب القتل في الحال لايعني أن يرتكب القتل في ذات لحظة المشاهدة إذ القول بذلك يضيق من نطاق العذر ويؤدي إلى نفيه على الرغم من توافر علته، ف إذا ارتكب القتل بعد وقت قصير من مفاجأة الزوجة ولكن نفس الزوج لم تكن هدأت بعد كما لو قتلها بعد وقت استغرقه في البحث عن سلاح في غرفة مجاورة فهو يستفيد من العذر أما إذا مضى بين المفاجأة والقتل وقت طويل نسبياً تردد خلاله وقلب الأمور على أوجهها أو عدل عن القتل ثم صمم عليه فإنه لايستفيد من العذر.
كما أن محكمة التمييز الأردنية قد اتجهت هذا الاتجاه حيث قضت في قرار لها:
«أن حالة التلبس الواردة في المادة 340 لاتعني وجوب ارتكاب القتل في اللحظة التي جرت فيها المفاجأة وإنما يقصد منها أن يقع القتل قبل أن ينقضي زمن كاف لزوال أثر الدهشة والغضب الناتجين من الإهانة الآنية التي لحقت بشرفه وتقدير الزمن الكافي لتهدئة ثائرة القتل مسألة متروك أمر تقديرها للمحاكم».
ولايتوافر عنصر العمد في حالة ما إذا فاجأ الزوج زوجته مثلاً في جرم الزنا المشهود فذهب إلى الغرفة المجاورة بحثاً عن السلاح ذلك أن العمد لايتوافر إلا عندما يفكر الجاني تفكير هادئ بجريمته وبعيداً عن الانفعال والغضب.
أما إذا أعرض الفاعل عن فكرة القتل حال مفاجأة المجني عليها، واستعاد توازنه وفكر بالأمر ملياً، ثم عاد وقتلها بعد فترة فإنه لايستفيد من العذر لأن القتل في هذه الحالة تم عمداً.
وكذلك الأمر بالنسبة للجاني الذي يستدرج زوجه أو قريبته بعد علمه بخيانتها إلى مكان ما ثم يتآمر على قتلها ويخطط لذلك فإنه أيضاً لايستفيد من العذر لتوافر عنصر العمد وقد قضت محكمة النقض السورية في قرار لها بالقول:
«إن المشرع بعد أن نص على العذر المخفف في المادة 242 من قانون العقوبات عاد في المادة 548 يضع له القيود بالنسب للجرائم المتصلة بالأعراض حتى يتجنب جموح الأهواء وإساءة الاستعمال والتوسع في التفسير وذلك لاتساع ميدانها بسبب اتصالها بعواطف الناس وشرفهم فنص على أن يستفيد من العذر المخفف مرتكب القتل أو الأذى إذا فاجأ أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر، أما إذا فقد عنصر المفاجأة أو انحسر تأثيرها أو لم تكن قريبة الجاني من المعدودات حصراً وعليه إن الطاعن بعد أن أحضر ابنته إلى دمشق ومكث معها في بيت واحد أياًماً تآمرا خلالها مع بقية المحكومين على قتلها لأنه سبق لها أن استسلمت لهواها في لبنان ثم اشترك معهم في قتلها وفق خطة مرسومة لايستفيد من العذر المنصوص عنه في المادة 548 من قانون العقوبات لانتفاء المفاجأة عندما ارتكب فعله كما أنه لايستفيد من العذر المنصوص عنه بالمادة 242 لأنه بعد أن وضع الخطة وأبعد أسباب الشبهة عنه أقدم على القتل عمداً بروية وحذر وهذا لايمكن أن يكون قد تم إلا بعد أن برد الغضب في حال وجوده وانكسرت حدته وزالت سورته ذلك لأن التصميم على القتل ومايتطلبه من إعداد وتفكير ليس له مكان في النفس المحتدمة بعنفوان الغضب ولأن القتل العمد وسورة الغضب الشديد لايستقران معاً في نفس واحدة».
أما الجاني الذي لم يقدم على القتل أو الإيذاء إلا بعد أن فشلت مفاوضاته التي بدأها عقب اكتشاف الخطيئة للحصول على تعويض مقابل ستره الفضيحة وسكوته عليها فهو ليس جديراً بأن يمنح هذا العذر لأن القتل في مثل هذه الحالة يكون انتقاماً بارداً لافعلاً دفعت إليه النخوة أو المروءة أو الانفعال الشديد.
والسؤال الذي يطرح هنا: هل يوجد تعارض بين توافر عنصر المفاجأة وتوافر العمد؟.
وبعبارة أخرى هل وجود عنصر المفاجأة ينفي قيام العمد؟.
سبق أن أشرنا في معرض بحثنا في عنصر المفاجأة إلى أن ارتياب الزوج بسلوك زوجته لاينفي عنصر المفاجأة طالما أن الزوج لم يتيقن بخيانة زوجته، فإذا ارتاب الزوج بسلوك زوجته ثم صمم على قتلها وقتل شريكها إذا تيقن من خيانتها ثم جهز أداة القتل وراقب زوجته حتى إذا فاجأها أقدم على قتلها هي وشريكها فهل يعتبر القتل الواقع على الزوجة وشريكها قتل عمد؟.
إن المفاجأة هنا وإن لم تنتفي إلا أن القتل الذي وقع على الزوجة وشريكها هو قتل عمد لايستفيد به الجاني من العذر، ذلك أنه لايشترط في ظرف العمد أن يكون محدداً بل يتحقق العمد ولو كان غرض الجاني القضاء على حياة شخص غير معين إذ يكفي أن يُبيت الجاني النية على إزهاق روح أي إنسان يفاجئه مع زوجته في جرم الزنا، كما أن العمد يعد متوافراً ولو كان ارتكاب جريمة القتل موقوفاً على حدوث أمر أو معلق على شرط وهذا الشرط هنا هو ارتكاب زوجته جرم الزنا مع شخص آخر.
وفي هذه الحالة يتبين لنا الفارق بين المعيار الموضوعي الذي أخذ به المشرع السوري والمعيار الزمني الذي أخذ به المشرع المصري، فالقتل هنا هو عمد ولايستفيد من العذر في القانون السوري في حين أنه يمكن أن يستفيد من العذر في القانون المصري إذا قام الزوج بالقتل في الحال ذلك أن القتل في الحال الذي يشترطه القانون المصري لايتعارض مع سبق التصميم الواقع قبل المفاجأة في حين أنه يتعارض مع العمد الذي اشترط القانون السوري عدم توافره.
المطلب الثالث: رد فعل الاعتداء بالدفاع الشرعي:
الدفاع الشرعي هو حق يستعمله شخص لدفع اعتداء غير محق ولامثار على نفسه أو ماله أو عن نفس غيره أو ماله.
فهل يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي من جانب الزوجة أو القريبة وشريكها لدفع اعتداء المستفيد من العذر حال مفاجأتهما بالزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء؟؟..
إن عدداً من الفقهاء الفرنسيين يرون أن لهما هذا الحق ويعللون هذا الرأي بأن القانون منح الزوج القاتل العذر فقط ولم يعتبر إقدامه على القتل مباحاً فهو إذا لايستعمل حق القتل فالعذر المحل أو المخفف يرفع عن الجريمة جزاؤها أو يخففه فقط ولكنه لايرفع عنها الوصف الجرمي و إذا مااعتُبر إقدام الزوج على القتل جريمة كان للآخرين الحق في مقاومته.
كما أن المادة 237 عقوبات مصري والمادة 340 عقوبات أردني تسيران في هذا الاتجاه وعلى هذا ف إذا كان الهجوم غير مبرر وغير محق كان للآخرين الحق في الرد عليه.
وهذا الحل منسجم مع منطق القانون في فرنسا ومصر والأردن حيث أنه يُشترط في الدفاع الشرعي أن يكون الاعتداء غير محق وهذا مايتوافر في الاعتداء الواقع من الزوج أو من في حكمه على زوجه أو قريبته حال مفاجأتهما بالزنا، ذلك أن الاعتداء يكون غير محق عندما يصدر من شخص يستفيد من عذر محل أو عذر مخفف.
غير أن الوضع يختلف في التشريع السوري، حيث أن المادة 183 عقوبات والخاصة بالدفاع الشرعي أضافت شرط آخر بالنسبة للاعتداء وهو أن لايكون الاعتداء مثاراً، ويقصد بهذا الشرط ألا يأتي المعتدى عليه قولاً أو فعلاً يحمل المعتدي على استعمال العنف نحوه.
وفي فرضنا هذا نجد أن الزانيين هما اللذان دفعا بالجاني إلى الإثارة بعمل غير محق أتياه مما ينفي شرط عدم الإثارة من بين شروط الاعتداء الذي يحق رده بالدفاع الشرعي وبالتالي فلاقيام لحالة الدفاع الشرعي ولايوجد حق مشروع للزانيين بالرد على الزوج المهان لأنهما فقدا حق الدفاع المشروع بإثارتهما للمعتدي.
فالعذر القانوني لايعطل الدفاع الشرعي إنما الذي يعطله هو الإثارة التي يأتيها المعتدى عليه، وتطبيقاً لفكرة الإثارة التي تحجب الدفاع الشرعي فإنه لايحق للزانيين الدفاع حتى لو كان المعتدي شخصاً غير مستفيد من العذر كأخ الزوج مثلاً طالما أن حق الدفاع الشرعي لم يحجب تبعاً لشخص المعتدي إنما حجب نتيجة الإثارة التي أحدثها الزانيان في نفس المعتدي مما دفعه إلى الاعتداء عليهما بشرط أن تكون هذه الإثارة على درجة كافية من الأهمية والخطورة بما يتناسب مع رد فعل المعتدي عليها.
وفي جميع الأحوال فإن قاضي الموضوع هو الذي يقدر درجة الإثارة وأهميتها في الظروف الشخصية والموضوعية التي تحدث فيها ويرى ما إذا كانت كافية لحرمان المعتدى عليه من حقه في الدفاع الشرعي.
ـ وهناك رأي مخالف للدكتور مصطفى العوجي يقول في شرط الإثارة:
«يجب التمييز هنا بين إثارة الاعتداء والتسبب بالاعتداء نتيجة لخطأ المعتدى عليه، فالإثارة تفترض أن التعدي حصل نتيجة لقيام المعتدى عليه بتصرف قصدي معين حمل المعتدي على الاعتداء كأن تستهوي امرأة شاباً حتى إذا أقدم عليها طعنته بسكين بحجة الدفاع عن نفسها ففي هذه الحالة لايمكن لهذه المرأة أن تتذرع بالدفاع عن النفس تبريراً للطعن لأنها هي التي استجلبت الشاب نحوها فلم يكن لها أن تدفعه عنها بطعنه بالسكين فتلاحق بجرم الإيذاء قصداً، هذا الأمر يختلف عن وضع الزوجة التي تفاجأ مع عشيقها من قبل زوجها فيقدم هذا الأخير على طعنها فتدافع عن نفسها وعن عشيقها بأن تقتل زوجها ففي هذه الحالة وإن حدث طعن الزوج بسبب خطأ ارتكبته الزوجة إلا أن هذا الخطأ لايعني تجريد الزوجة أو عشيقها من حق الحفاظ على حياتهما لأن الخيانة الزوجية لاتجرد المرأة من حقها في الحياة ويبقى لها بالتالي أن تدافع عن نفسها لاأن تستسلم للقتل لخطأ ارتكبته، فطعن الزوج لزوجته وإن شكل عملاً مشمولاً بالعذر المحل إلا أن الصفة الجرمية تبقى ملازمة له، ومامُنع العقاب عن الزوج إلا بسبب ثورته لكرامته وخروجه عن طوره العادي وليس بسبب نزع الصفة الجرمية عن فعله».
وبرأينا أن هذا القبول لايوجد له سند في القانون فالمادة 183 عقوبات والخاصة بالدفاع الشرعي لم تفرق بين الإثارة المقصودة وغير المقصودة، إنما هناك فرق في درجة الإثارة ومدى أهميتها وكفايتها لحرمان المعتدى عليه من حقه في الدفاع الشرعي وهذا الأمر يعود تقديره إلى قاضي الموضوع في ظل الظروف الشخصية والموضوعية التي تحدث فيها الإثارة.
كما أن وصف فعل الزوجة هنا بالخطأ فيه خروج عن مفهوم الخطأ الذي يتمثل بالإخلال بواجب الحيطة والحذر وعدم توقع النتيجة الجرمية مع إمكان توقعها وواجب توقعها والحيلولة دون وقوعها أو توقع النتيجة الجرمية وعدم إرادة الجاني لها واعتماده على مهارته في إمكانية تجنب حدوثها وهكذا فإن جريمة الزنا من الجرائم المقصودة والتي لايمكن أن يأخذ ركنها المعنوي صورة الخطأ.
ثم إن الحكمة في اشتراط عدم الإثارة في الدفاع الشرعي هي الغضب الشديد الذي يحدثه المعتدى عليه في نفس المعتدي فيقدم هذا الأخير على فعل الاعتداء مدفوعاً بالإثارة وهذه الحكمة تتوافر سواء كانت الإثارة مقصودة أم غير مقصودة.
وبالمقارنة بين موقف المشرع المصري وبين موقف المشرع السوري من هذه الناحية يتضح لنا جلياً صحة ماذهب إليه المشرع السوري في اشتراط عدم الإثارة كشرط من شروط الدفاع الشرعي حيث أنه وفقاً للتشريع المصري يستفيد الزاني من حق الدفاع الشرعي في حال معاجلته للزوج بالقتل وهذا مايبرر اعتداء الزاني على الزوج وعدم معاقبته على جرم القتل كما يجعل عقاب الزاني والزانية على جرم الزنا أمر مستبعد حيث أن هذا الجرم لاتحرك به الدعوى العامة إلا بناء على شكوى الزوج وهو في فرضنا هذا قد قُتل مما يتعارض مع منطق العدالة.
المطلب الرابع: أثر العذر على فعل الاعتداء:
عندما تتوافر شروط الاستفادة من هذا العذر سواء ماتعلق منها بأطراف العذر أو بالواقعة، فإن هذا العذر سوف ينتج الآثار المترتبة على تطبيقه وهذه الآثار تختلف بين العذر المحل والعذر المخفف من ناحية العقوبة إلا أن الآثار تظل نفسها بالنسبة للصفة الجرمية للفعل، وعلى ذلك نبين في هذا المطلب أثر العذر بالنسبة للصفة الجرمية وكذلك أثره بالنسبة للعقوبة.
أولاً: أثر العذر على الصفة الجرمية للفعل:
إن العذر بنوعيه «المحل والمخفف» لايؤثر على الصفة الجرمية للفعل التي تبقى موجودة بالرغم من رفع العقوبة أو تخفيفها، فالقانون لم يمنح العذر للجاني إلا نتيجة الحالة النفسية التي وجد فيها، ولم يعتبر إقدامه على القتل أو الإيذاء مباحاً فهو إذا لايستعمل حقاً له يجعل فعله مبرراً إنما هو يستفيد فقط من رفع العقوبة أو تخفيفها، فالأعذار القانونية لاتمحو الجرم ولاترفع المسؤولية الجزائية وإنما تعفي أو تخفف من العقاب فقط.
ثانياً: أثر العذر على العقوبة:
ونفرق هنا بين أثر العذر المحل وأثر العذر المخفف:
أثر العذر المحل:
إن العذر المحل من شأنه أن يعفي الجاني من العقوبة وحدها دون سائر الآثار القانونية ولهذا فمن الممكن توقيع التدابير الاحترازية والتدابير الإصلاحية عليه عدا العزلة م 240 عقوبات كما أن المستفيد من العذر المحل ملزم بكافة الالتزامات المدنية المذكورة في المادة 129 عقوبات وهذه الالتزامات هي التعويض للمضرور ونفقات المحاكمة والرد، ذلك لأنه إذا كان من حق المجتمع أن يتخلى عن حقه في المعاقبة فإنه لايستطيع أن يتصرف بحقوق الأفراد.
أثر العذر المخفف:
عندما ينص القانون على عذر مخفف فإنه في العادة يحدد مفعوله ويذكر مقدار التخفيف ولكن إذا سكت عن التخفيف وذكر وجود العذر المخفف فإنه يحيل بذلك على نص ا لمادة 241 عقوبات باعتبارها النص العام. وهذا النص هو مايجب تطبيقه هنا حيث أن المشرع سكت عن مقدار التخفيف، وبحسب نص المادة 241 عقوبات يكون التخفيف على الشكل التالي:
أ ـ إذا كان الفعل جناية تستحق الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد حولت العقوبة إلى الحبس سنة على الأقل، أما الجنايات الأخرى فيعاقب فاعلها بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
ب ـ إذا كان الفعل جنحة عوقب الفاعل بالحبس مدة أقصاها ستة أشهر ويمكن تحويلها إلى عقوبة تكديرية.
ج ـ إذا كان الفعل مخالفة أمكن القاضي تخفيف عقوبتها التكديرية إلى النصف.
لكن ماهو تأثير العذر المخفف على الالتزامات المدنية؟.
لقد نص قانون العقوبات في المادة 138/2 منه على وجوب هذه الالتزامات على فاعل الجريمة الذي استفاد من أحد أسباب الإعفاء، إلا أنه سكت عن أثر العذر المخفف على الالتزامات المدنية وهناك رأي يذهب إلى أنه تجب الإلزامات المدنية على الفاعل المستفيد من العذر المخفف على أن تؤخذ خطيئة المعتدى عليه بعين الاعتبار لتخفيف الإلزام المدني، ذلك لأن التعويض لاعلاقة له بجسامة الجريمة أو اعتدالها وهو يجب على الفاعل ولو كان الفعل الذي أحدثه لايتسم بالصفة الجزائية كالخطأ المدني مثلاً، فمن باب أولى إذا ثبت وجود الخطأ الجزائي المتمثل بالجريمة أن يلزم الفاعل بالتعويض ولو استفاد من عذر مخفف.
والسؤال الذي يطرح هنا: ماهو تأثير العذر المخفف على طبيعة الجريمة؟ وبعبارة أخرى هل يتغير وصف لجريمة من جناية إلى جنحة ومن جنحة إلى مخالفة؟ أم يبقى للجرم وصفه القانوني ويكتفى بتخفيف العقوبة؟.
إن وجود العذر يغير وصف الجريمة من جناية إلى جنحة ومن جنحة إلى مخالفة، والسبب في ذلك أن القانون عاقب الجناية المعذورة بالحبس وهي عقوبة جنحية، كما أجاز تحويل العقوبة الجنحية المعذورة إلى عقوبة تكديرية، ومن المعلوم أن الوصف القانوني للجريمة يحدد حسبما يعاقب عليها بعقوبة جنائية أو جنحية أو تكديرية م 178/1 عقوبات.
وهذا ماأكدته محكمة النقض السورية في قرار لها يقول: «….. من المتفق عليه فقهاً وقضاءاً أن التخفيف لعلة قانونية يبدل طبيعة الجرم حسب العقوبة التي يستحقها المجرم، فإن كان الوصف جناية وفرضت عليه عقوبة جنحية لصغر سنة أو لمعذرة قانونية فإن الجرم يصبح من نوع الجنحة حسب عقوبته الأخيرة، أما إذا كان التخفيف لأسباب تقديرية فان ذلك لايؤثر في وصف الجرم».
وقد أخذت محكمة النقض المصرية بهذا الاتجاه في قرار لها يقول: «إن الطريقة التي اتبعها القانون المصري تثبت بوضوح، إن كان هناك حاجة إلى الوضوح، أن القتل المقترن بهذا العذر في اعتبار الشرع المصري يكون جريمة مستقلة في حد ذاتها، وأن المعاقبة عليها بعقوبة الجنحة البسيطة يعطيها صفة الجنحة بلا أدنى ريب».
ويترتب على تغيير وصف الجريمة من جناية إلى جنحة:
أ ـ يجب على قاضي التحقيق وقاضي الإحالة إحالة الفاعل إلى المحكمة المختصة بمحاكمة الجرم بوصفه الجديد كمحكمة البداية أو الصلح حسب نوع الجريمة، أما إذا كان هناك مساهمين مع الفاعل المعذور وكانت الجريمة من نوع الجناية فإن المساهمين تبقى جريمتهم جناية حيث أنهم لايستفيدون من العذر وبالتالي تحال الدعوى برمتها إلى محكمة الجنايات باعتبار فعل المستفيد من العذر جنحة متلازمة مع الجناية حسب المادة 174 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
ب ـ تطبق على الجرم جميع أحكام الجنح أو المخالفات حسب وصفه الجديد، ومن هذه الأحكام:
ـ مانصت عليه م 201/1 عقوبات: «لايعاقب على الشروع في الجنحة وعلى الجنحة الناقصة إلا في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة» فشروع الزوج مثلاً في قتل أو إيذاء زوجته عند مفاجأتها في حالة مريبة مع آخر غير معاقب عليه طالما انه سيتحول إلى جنحة أو مخالفة بسبب العذر المخفف وطالما أن القانون لم يورد نص خاص يعاقب فيه على هذه الجنحة.
ـ إذا وقعت جناية قتل تأهباً لارتكاب جريمة مقترنة بهذا العذر أو لتسهيلها أو تنفيذاً لها أو تسهيلاً لفرار المحرضين عليها أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب فيجب القول بقيام ظرف ارتباط القتل بالجنحة طبقاً لنص المادة 534/2 عقوبات لا ظرف اقترانه بجناية طبقاً لنص المادة 535/2 عقوبات المتعلق بظرف ارتباط القتل بجناية.
ـ تسري على الجرم المقترن بهذا العذر المدة اللازمة لتقادم الدعوى العامة على الجرم بوصفه الجديد «جنحة أو مخالفة» م 438 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وللعقوبة الصادرة فيها م 163 عقوبات.
ـ يجب أن يشمل الجرم بالعفو العام إذا كان قانون العفو العام يشمله حينما تتغير طبيعته بتأثير العذر المخفف.
الخاتمة
تلك هي المشكلة حساسة ومثيرة خاصة في مجتمع شرقي كمجتمعاتنا حيث التربية والدين والعادات والتقاليد تلعب دوراً هاماً وحاسماً في توسيع أو تضييق نطاق الاستفادة من هذا العذر، بخلاف ذلك نلاحظ أنه في المجتمعات الغربية لم يعد هذا الموضوع في أغلب الدول الأوربية يمثل مشكلة تحتاج إلى نص، فالعذر في هذا الموضوع ضُيق إلى أبعد الحدود لدى أغلب الدول الأوربية حتى أن بعض التشريعات الغربية عمدت إلى إلغاء النصوص المتعلقة بهذا العذر وبالتالي أصبح القاتل لزوجته في حالة الزنا يعامل معاملة القاتل العادي دون أي التفات إلى الظروف التي رافقت ارتكابه لجريمته.
وللوهلة الأولى نجد أن هناك تناقضاً بين إلغاء هذا العذر لدى عدة دول وبين مناداة هذه الدول بتطبيق النظريات الحديثة للقانون الجنائي والتي تهتم بشخصية المجرم في الأساس، إلا أن هذا التناقض نجد له تفسيراً عندما نعلم بأن هذه الدول لم تعد تعتبر الزنا جريمة معاقباً عليها بل اعتبرته أمراً متعلقاً بحرية الأفراد ولايمس المجتمع أو الأفراد الآخرين بأي صورة.
إلا أن تسليط الضوء على هذا العذر يتيح لنا معرفة حقيقة وجوده، هذا الوجود الذي يتسم بطابع ديني وأخلاقي واجتماعي ونفسي.
فلقد رفضت جميع الأديان السماوية فعل الزنا وعاقبت عليه حيث أنه يشكل انتهاكاً صارخاً للقيم الاجتماعية والعلاقات الأسروية داخل المجتمع ويعيدنا إلى العصور القديمة والبدائية حيث كانت المشاعية الجنسية سائدة بجميع الآثار السلبية المترتبة عليها.
و إذا كان هناك قانون مكتوب تضعه السلطة التشريعية لتضمن به السلوك الصحيح للأفراد، فهناك قانون اجتماعي وأخلاقي يفرضه المجتمع ويجب أن يشكل الأساس الذي يقوم عليه القانون الوضعي وهو يرفض فكرة الزنا.
و إذا كان الأساس الذي يقوم عليه إباحة الزنا هو حرية الأفراد فان هذه الحرية يجب أن تبقى ضمن حدود مشروعة وغير ضارة بالمجتمع، فالقول بحرية الأفراد بارتكاب الزنا والاتصال الجنسي بدون أي قيود أو قوانين هو قول مرفوض يتسع بالحرية ويسير بها على غير الطريق الذي يجب أن تبقى ضمن إطاره.
فالمجتمع يرفض ويستنكر الزنا وذلك لأنه يبتعد بمؤسسة الزواج بشكل خاص ومؤسسة القرابة بشكل عام عن الأهداف التي يجب أن تحققها والتي وجدت هذه المؤسسات أصلاً من أجل تحقيقها ولسنا هنا بصدد استعراض الآثار السلبية التي تنجم عن الزنا إنما جميعنا يعلم بهذه الآثار على جميع الأصعدة الأخلاقية والاجتماعية والصحية..إلخ.
فهل حرية الأفراد في هذا المضمار ترجح على هذه الآثار التي تمس البناء التحتي للمجتمع وتنسف العلاقات الأسروية من أساسها…
كما أننا إذا حاولنا الابتعاد عن القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية وقيّمنا هذا العذر من وجهة نظر موضوعية بحتة نجد أن لهذا العذر طابعاً نفسياً يتجلى في مقدار الإثارة التي تنجم عن مفاجأة الشخص لأقرب الناس إليه في وضع شاذ غير مألوف تأباه الطبيعة والفطرة الإنسانية السليمة ويخلق اضطراباً نفسياً لدى الجاني الذي يفاجأ بمثل هذا الوضع.
فذلك المشهد يسوق الجاني إلى الاعتداء على المجني عليه تحت وطأة الغضب الشديد الذي ينقص من مقدار حرية الاختيار لديه أو يعدمها وهي عنصر من عناصر المسؤولية الجنائية مما يستتبع القول بضرورة تخفيف عقابه أو الإعفاء منه طبقاً للمبادئ العامة في المسؤولية الجنائية حيث أن العقوبة يجب أن تفرض متناسبة مع مقدار حرية اختيار الجاني.
كما أنه من جهة أخرى فإننا نجد بأن الجاني في مثل هذه الحالة ليست لديه الخطورة الإجرامية التي تبرر فرض العقاب عليه لاسيما في ظل النظريات الحديثة للقانون الجنائي والتي تقيم لشخصية الجاني الوزن الأكبر في نوع ومقدار العقوبة المفروضة عليه وتبتعد عن الأخذ بمعيار نتائج الجريمة ومقدار جسامتها.
ثم إن العذر الناشئ عن الاعتداء في حالة الزنا ليس إلا تطبيقاً لعذر الإثارة في قانون العقوبات فهذا العذر ليس جديداً أو مستحدثاً إنما هو يشكل قرينة قانونية قاطعة على توافر الإثارة لدى الجاني وقت ارتكابه فعل الاعتداء وبناء على ذلك فان هذا العذر يوجد بصورة منطقية وهو يلائم القواعد العامة في القانون الجنائي والاتجاهات الحديثة في المسؤولية الجنائية ولايمكن الاستغناء عنه في ظل العادات والتقاليد التي يزخر بها مجتمعنا العربي.
وتتضح ضرورة وجود هذا العذر فيما إذا علمنا بأن الاعتداء الصادر من الجاني ليس حقاً له، فالقانون لم يعط الحق للجاني في القصاص من زوجته أو قريبته جراء ارتكاب فعل الزنا إنما هو يُعطى للجاني نتيجة الإثارة التي توافرت لديه.
والحقيقة أن غرض البحث في هذا العذر ليس إبراز الهفوات التي وقع فيها المشرع السوري عند صياغة النص فقط، إنما البحث أيضاً في الأمور التي كان المشرع السوري موفقاً فيها أكثر من غيره من التشريعات التي نصت على هذا العذر والتي لانجد بداً من الاعتراف بها في معرض الموازنة بين موقف المشرع السوري وموقف التشريعات الأخرى.
ولقد كان من هذه الأمور توسيع المشرع السوري لنطاق هذا العذر من حيث الأشخاص حيث أفاد الزوج والزوجة والأصول والفروع والأخوة من هذا العذر، في حين أن بعض التشريعات لم تفيد سوى الزوج فقط، ومن حيث الواقعة حيث لم يقتصر على واقعة الزنا بل اتسع بذلك فشمل الصلات الجنسية الفحشاء والحالة المريبة.
كما أن المشرع السوري أحسن في التفاوت الذي أحدثه في العذر حيث منح العذر المحل والعذر المخفف وكان الضابط في انتقاء أحد هذين العذرين هو طبيعة الواقعة التي يفاجأ الجاني بها ومقدار الإثارة التي تتولد لديه.
وقد أخذ المشرع السوري بالمعيار الموضوعي في انتفاء الإثارة وهو العمد في حين أخذت بعض التشريعات بالمعيار الزمني وهو القتل في الحال، مما يجعل موقف المشرع السوري أكثر وقوفاً على حقيقة الموقف وطبيعة العذر.
وممايزيد من نصيب المشرع السوري في الدقة والوضوح وبعد الرؤية اتجاه التشريع المصري للأخذ بأغلب ألفاظ النص السوري في مشروع قانون العقوبات المصري لعام 1966 مستبعداً بذلك الأخطاء التي وقع فيها المشرع المصري والتي نا لت النصيب الوافر من الانتقادات.
إلا أنه على الرغم من هذه الإنجازات بالنسبة للنص السوري فقد وقع في أخطاء في الصياغة نتمنى استبعادها حتى يصبح النص تام في الموضوع وفي الصياغة.
وعلى ذلك نقترح تعديل نص المادة 548 عقوبات سوري ليصبح على الشكل التالي:
«1. يستفيد من العذر المحل من فوجئ بزوجه أو بزوجته أو بإحدى أصوله أو فروعه أو إحدى اخواته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.
2. يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فوجئ بأحد الأشخاص المذكورين في الفقرة السابقة في حالة مريبة مع آخر».
ولعل من ينظر إلى هذا التعديل المقترج يجد أن إضافة كلمة «زوجته» هو اعتراف ضمني بقصور النص السوري على إفادة الزوج من العذر دون الزوجة إلا أننا نرى توضيح ورود هذه الكلمة حيث بينا في البحث بأن نص المادة 548 عقوبات في وضعه الحالي يفيد الزوج والزوجة على حد سواء.
لكننا رأينا إيراد هذه الكلمة في اقتراح التعديل وذلك لمنع أي التباس قد يقع في معرض تطبيق هذا العذر.
في النهاية...
وأخيراً فإني لأرجو أن أكون قد وفقت في عرضي لهذا البحث بالشكل المطلوب وأن أكون قد حملت الأمانة التي كُلفت بشرف حملها بإخلاص وتفاني من خلال هذا البحث المتواضع والذي أتمنى أن يكون رافداً جديداً للمكتبة القانونية، وأن أكون قد ساهمت في إسداء خدمة متواضعة للعلم أولاً ولهذا المجتمع ثانياً والذي نطمح جميعاً لأن يرتقي باستمرار نحو الأفضل ويكون محفوفاً بأجنحة العدالة دائماً.
وإني لأعتذر إن كان هناك بعض النقص أو القصور في شيء من المعلومات إذ الكمال لله عز وجل وحده، وصدق الله تعالى إذ قال:
»وما أوتيتم من العلم إلا قليلا«..
آية 85 الإسراء.
المحامي محمد ياسين صلاح القزاز
مراجع البحث
1. د. أحمد حافظ نور: جريمة الزنا في القانون المصري والمقارن ـ مطبعة نهضة مصر 1958 ـ مكتبة كلية الحقوق.
2. .د. أحمد فتحي سرور: قانون العقوبات الخاص ـ القسم الثاني ـ دار النهضة العربية 1968 ـ مكتبة كلية الحقوق.
3. د. جاك الحكيم ـ د. رياض الخاني: شرح قانون العقوبات ـ القسم الخاص ـ الجزء الثاني: جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال ـ الطبعة السادسة 1992 ـ 1993 ـ منشورات جامعة دمشق.
4. د. جلال ثروت: نظرية القسم الخاص ـ الجزء الأول: جرائم الاعتداء على الأشخاص ـ الدار الجامعية ـ بلاتاريخ ـ مكتبة الأسد.
5. د. رؤوف عبيد: جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال في القانون المصري ـ الطبعة الرابعة 1960 ـ مطبعة نهضة مصر ـ مكتبة الأسد.
6. د. سمير عالية:
ـ قانون العقوبات القسم العام ـ الطبعة الأولى 1993 ـ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع والإعلان.
ـ مجموعة اجتهادات محكمة التمييز اللبنانية بغرفتيها لعامي: 1974 ـ 1978، الجزء الثالث والرابع ـ الطبعة الأولى 1979 ـ مكتبة الأسد.
7. د. عبد الرحمن الصابوني: شرح قانون الأحوال الشخصية السوري ـ الجزء الأول والثاني ـ الطبعة السادسة 1992 ـ منشورات جامعة دمشق.
8. د. عبد الرحيم صدقي: جرائم الأسرة في الشريعة الإسلامية والقانون المصري والفرنسي ـ مكتبة نهضة الشرق 1986 ـ مكتبة الأسد.
9. د. عبد الوهاب حومد:
ـ أصول المحاكمات الجزائية ـ الطبعة الرابعة 1987 ـ المطبعة الجديدة.
ـ المفصل في شرح قانون العقوبات القسم العام 1990 ـ المطبعة الجديدة.
ـ القانون الجنائي المغربي القسم الخاص 1968 ـ مكتبة التومى ـ مكتبة الأسد.
10. د. عبود السراج: قانون العقوبات القسم العام ـ الطبعة الخامسة 1991 – 1992 ـ منشورات جامعة دمشق.
11. أ. عزة ضاحي: المبادئ القانونية التي قررتها الغرف الجزائية لمحكمة النقض السورية من عام: 1976-1988 ـ الجزء الثاني 1990 وزارة الإعلام ـ مكتبة الأسد.
12. د. عزت حسنين: جرائم القتل بين الشريعة والقانون ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب 1993 ـ مكتبة الأسد.
13. د. علي عبد القادر القهوجي: قانون العقوبات القسم العام 1994 ـ الدار الجامعية.
14. د. علي محمد جعفر: قانون العقوبات الخاص ـ الطبعة الأولى 1987 ـ المؤسسة الجامعية ـ مكتبة الأسد.
15. د. عماد عبيد: الترجمة العربية لأطروحة دكتوراه قدمت لكلية الحقوق في جامعة بواتييه بفرنسا عام 1990 ـ غير مطبوعة.
16. د. كامل السعيد: شرح قانون العقوبات الأردني ـ الجزء الأول: الجرائم الواقعة على الإنسان 1988 ـ دار الثقافة ـ مكتبة الأسد.
17. د. محمد الفاضل: الجرائم الواقعة على الأشخاص ـ الطبعة الثانية 1962 ـ منشورات جامعة دمشق.
18. د. محمد رمضان بارة: قانون العقوبات الليبي القسم الخاص: الجزء الأول: جرائم الاعتداء على الأشخاص ـ الطبعة الأولى 1988 ـ الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان ـ مكتبة الأسد.
19. د. محمد زكي أبو عامر ـ د. عبد القادر القهوجي: القانون الجنائي القسم الخاص ـ الدار الجامعية 1988 ـ مكتبة كلية الحقوق.
20. د. محمد عبد الله: المدخل إلى علم القانون ـ الطبعة الخامسة 1990 ـ 1991 ـ منشورات جامعة دمشق.
21. أ. محمد عطية راغب: الجرائم الجنسية في التشريع المصري ـ الطبعة الأولى 1957 ـ مكتبة النهضة المصرية ـ مكتبة كلية الحقوق.
22. د. محمود محمود مصطفى:
ـ شرح قانون العقوبات القسم الخاص ـ الطبعة السابعة 1975 ـ مطبعة جامعة القاهرة ـ مكتبة كلية الحقوق.
ـ نموذج لقانون العقوبات ـ الطبعة الأولى 1976 ـ مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي ـ مكتبة كلية الحقوق.
23. د. محمود نجيب حسني: شرح قانون العقوبات القسم الخاص 1992 ـ دار النهضة العربية ـ مكتبة الأسد.
24. د. مصطفى العوجي: القانون الجنائي العام ـ الجزء الثاني: المسؤولية الجنائية ـ الطبعة الأولى 1985 ـ مؤسسة نوفل ـ مكتبة الأسد.
25. أ. ممدوح عزمي: الزواج العرفي ـ دار الفكر الجامعي ـ بلاتاريخ ـ مكتبة كلية الحقوق.
26. د. وهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي ـ الطبعة الخامسة 1992-1993 ـ منشورات جامعة دمشق.
27. أ. ياسين الدركزلي ـ أديب استانبولي: المجموعة الجزائية لقرارات محكمة النقض السورية ـ الجزء الأول والثاني ـ الطبعة الثانية 1992 ـ المكتبة القانونية ـ مكتبة كلية الحقوق.
الفهرس
مقدمة 1
فصل تمهيدي....... 4
المبحث الأول: التطور التاريخي...... 4
المطلب الأول: في المجتمعات البدائية............. 4
المطلب الثاني: في القانون الروماني...... 5
المطلب الثالث: في الشرائع السماوية............. 5
أولاً: الشريعة اليهودية............. 6
ثانياً: الشريعة المسيحية............. 6
ثالثاً: الشريعة الإسلامية............. 7
المطلب الرابع: في التشريعات الوضعية...... 8
أولاً: القانون الفرنسي............. 8
ثانياً: القانون السوري 9
المبحث الثاني: فلسفة العذر....... 10
المطلب الأول: الحكمة من العذر ... 10
المطلب الثاني: الافتراض القانوني للإثارة............ 11
الفصل الأول: الشروط المتعلقة بأطراف العذر....... 13
المبحث الأول: علاقة الزوجية..... 13
المطلب الأول: بدء قيام علاقة الزوجية 13
أولاً: الخطبة...... 14
ثانياً: الزواج العرفي 14
ثالثاً: الزواج الباطل 15
رابعاً: الزواج الفاسد 15
خامساً: الزواج الموقوف............ 16
سادساً: الزواج غير اللازم............ 17
المطلب الثاني: انتهاء علاقة الزوجة 17
أولاً: الطلاق الرجعي............ 18
ثانياً: الطلاق البائن 18
المطلب الثالث: الأشخاص المستفيدين من العذر في علاقة الزوجية..... 19
أولاً: الزوج...... 19
ثانياً: الزوجة...... 19
المطلب الرابع: المرجع في إثبات علاقة الزوجية..... 23
أولاً: من حيث الاختصاص............ 23
ثانياً: من حيث طرق الإثبات..... 24
المبحث الثاني: علاقة القرابة...... 25
المطلب الأول: ماهية علاقة القرابة 25
أولاً: مفهوم علاقة القرابة...... 26
ثانياً: درجة القرابة المشترط في المادة 548 عقوبات............ 27
المطلب الثاني: الأشخاص المستفيدين من العذر في علاقة القرابة...... 27
أولاً: الأصول والفروع ............ 27
ثانياً: الأخوة...... 28
المطلب الثالث: صفة المجني عليه... 28
أولاً: صفة الزوجية أو القرابة...... 29
ثانياً: صفة الشريك 30
المطلب الرابع: المرجع في إثبات علاقة القرابة...... 30
أولاً: من حيث الاختصاص............ 30
ثانياً: من حيث طرق الإثبات .... 31
المطلب الخامس: الاشتراك الجرمي لغير ذوي القربة............ 31
الفصل الثاني: الشروط المتعلقة بالواقعة............ 33
المبحث الأول: عنصر المفاجأة..... 33
المطلب الأول: ماهية المفاجأة..... 33
أولاً: الآراء الفقهية في تحديد معنى المفاجأة..... 33
ثانياً: موقف التشريع الوضعي..... 34
ثالثاً: موقف الاجتهاد القضائي.... 36
المطلب الثاني: المفاجأة بالزنا المشهود 36
أولاً: تعريف الزنا وأركانه..... 37
ثانياً: مفهوم الزنا المشهود..... 38
المطلب الثالث: المفاجأة بالصلات الجنسية الفحشاء.... 40
المطلب الرابع: المفاجأة بالحالة المريبة. 42
المبحث الثاني: فعل الاعتداء..... 44
المطلب الأول: نطاق فعل الاعتداء..... 44
المطلب الثاني: صفة فعل الاعتداء..... 45
المطلب الثالث: رد فعل الاعتداء بالدفاع الشرعي..... 48
المطلب الرابع: أثر العذر على فعل الاعتداء............ 50
أولاً: أثر العذر على الصفة الجرمية للفعل....... 50
ثانياً: أثر العذر على العقوبة...... 50
الخاتمة............ 53
مراجع البحث...... 56
الفهرس............ 58