الاستاذ الكريم: مصطفى عمر
ردا على الجزئية المتعلقة بـأحقية المحاكم القضائية الامتناع عن تطبيق النصوص القانونية ، ودون حاجة الى إحالتها للمحكمة الدستورية العليا؟ الواردة في كتابتكم فأنني استميحك عذرا في نقل جزئية من بحث بعنوان (الأسس التاريخية لرقابة الامتناع في القضاء الليبي) للباحث الاستاذ عمر بن يونس. ومعلوم ان قضاة ليبيا الذين وضعوا التقاليد القضائية بعد الاستقلال كانوا من مصر وبريطانيا (بما في ذلك النائب العام الليبي كان مصري الجنسية) حتى العام 1969مع قلة من القضاة الليبيين. فلا مانع من الاستئناس بما هو مقرر في القضاء الليبي وببحوث السادة الليبيين. وارجو ان يكون في ذلك ردا على تساؤلكم يصلح للاستئناس به في القانون المقارن.
يقول الاستاذ عمر بن يونس في بحثه:
14 - قضاء الامتناع والقضاء الدستوري : ـ ومثار هذه الفقرة في الحقيقة يكمن فيما أثاره المبدأ المذكور من إنه ' ان المشرّع وإن نزع من المحكمة العليا اختصاصها في الرقابة على دستورية القوانين بالقانون رقم 6 / 1982 إلا إنه لم يمنع القاضي من النظر في الدفع بعدم صحة التشريع ..'.
ويبدو من هذا المبدأ إن القضاء هنا سلك مسلك التصريح بصلاحيته بالامتناع كنوع من الرد المؤسسي على قيام المؤسسة التشريعية بانتزاع الصلاحية بالرقابة القضائية على دستورية القوانين . وكنا فيما سلف قد رفضنا التعدي التشريعي على أعمال القضاء وبينا أساندينا أيضا، وهو الامر الذي كان قد وافق عليه القضاء . وما يهمنا فى هذه الفقرة هو البحث فيما إذا كان هناك مفارقة بين قضاء الامتناع والقضاء الدستوري ؟
والحقيقة إن جامع كل من الاثنين هو العملية القضائية ذاتها ، فقاضي الموضوع كما يملك صلاحية الامتناع يملك أيضا صلاحية الرقابة الدستورية . بل إنه يلتزم بالأخيرة تلقائيا ، وإذا كان ذلك هو الأصل المتعارف عليه في اطار الدور المضطلع به القضاء في الدولة فإن المشرّع الليبي خرج عن هذه القاعدة الاصلية مقررا مبدأ تخصص ( وليس اختصاص ) جهة قضائية معينة هى قمة الجهاز القضائي أي المحكمة العليا (كمحكمة دستورية) بالرقابة على دستورية القوانين .
حين إن الأمر فيما يتعلق بقضاء الامتناع فإنه لا يزال يدور فى فلك حريته - ودون تخصص قضائي فى شأنه - وإن كانت المحكمة العليا قد صدّرت التصريح بقاعدته بتضييق نطاق أعماله من حيث الموضوع .
وتأكيدا لما أسلفناه من قول جامع في إطار المفارقة بين الاتجاهين فإن الدفع بعدم الدستورية ، وهو يخضع لقاعدة التخصص وليس الاختصاص ، يعد أرقى من حيث الطبيعة الموضوعية او الفنية للدفوع القضائية . ولاجل ذلك يعد دفعا من النظام العام يمكن أثارته لأول مرة ، ليس أمام الدائرة الدستورية فقط ، وفقا لما قرره قانونها القديم لسنة 1953 والقانون رقم 17 / 1994 النافذ بشأن تعديل القانون رقم 6 / 1981 بإعادة تنظيم المحكمة العليا . وإنما أيضا أمام المحكمة العليا كمحكمة نقض في هذا الشأن ، وفى ذلك تقول المحكمة العليا ( محكمة النقض ) في أحد تطبيقات هذا الاتجاه ' وحيث إنه وإن كان الظاهر من الأوراق إن الطاعن لم يتمسك أمام المحكمة المطعون في حكمها بعدم دستورية المنشور رقم ( 8 ) الصادر في 11 / 11 / 1943 الصادر عن مونتجمري بوجوب عرض كل تصرف بالبيع على المستشار القانوني للحاكم (المارشال مونتجمري) لابداء الرأي بالموافقة على التصرف او بالرفض ، وكان مثل هذا الدفع من النظام العام فللطاعن أن يتمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض ' .
ولما كان هذا المبدأ يتسق مع مبدأ استقلالية الطابع المؤسسي للقضاء فقد سارعت المحكمة العليا الى تأكيده بالتقرير بأن ' ومن حيث إنه وإن كانت الدعوى الدستورية تستهدف الطعن في أي تشريع او اجراء او عمل يكون مخالفا للدستور ، وذلك بطلب إلغاء هذا التشريع او ذلك العمل او الاجراء بصفة أصلية عملا بنص المادة ( 16 ) من قانون المحكمة العليا لسنة 1953 ، غير إن هذا لا يمنع محكمة النقض من نظر الطعن إذا اشتمل دفاع الطاعن على مثالب تتعلق في جملتها او بعضها بعدم دستورية القوانين التي صدر الحكم المطعون فيه بالنقض تطبيقا لها ، سواء أكان ذلك الحكم مدنيا او جنائيا او في مسألة من مسائل الاحوال الشخصية ، إذا كان تشكيل المحكمة العليا (كمحكمة نقض) من جميع أعضائها بحيث لا يقل عددهم عن خمسة ، وألا يجلس فيها أكثر من مستشار مساعد واحد، ويرأسها رئيس المحكمة او من يقوم مقامه وفقا للقانون . ومتى كان يبين طلبات الشركة الطاعنة إنها تهدف بطعنها هذا الى إلغاء الحكم المطعون فيه تبعا لعدم دستورية القوانين التي بني عليها ذلك الحكم فإن الدفع بعدم اختصاص محكمة النقض بنظر الطعن الحالي يكون في غير محله متعينا رفضه'.
طعن مدني رقم 9 / 11 ق جلسة 6 / 11 / 1965
طعن مدني رق 25 / 10 ق جلسة 25 / 6 / 1966
المصدر
أكاكوس للدراسات الاستراتيجية
www.reallibya.org
باب : قانون : قانون نظام قضاء
|