المستشار محمد سعيد العشماوي
تحية ملؤها التقدير والإحترام إلي هذا الرجل
الإنسان القاضي المفكر
وبمناسبة ذكر سيرة المستشار محمد سعيد العشماوي ، أذكر أنني كتبت مقالا نشر في مجلة شباب المحاماه الناطقة آنذاك بلسان حال جماعة شباب المحاماة بالدقهلية ، وكنت أشرف برئاسة تحريرها ، نشر المقال في عددها الثالث الصادر شهر يونية 1990 ، إسمحوا لي أن أعيد نشر المقال في المنتدي .
براءة جميع المتهمين في قضية التنظيم الناصري
المحكمة تندد بالتعذيب الذي تعرض له المتهمون
وتقرر أن المطاعن تجاوزت محاضر الضبط إلي تحقيقات النيابة
المحكمة تطالب بضرورة تولي قضاة تحقيق قضايا الرأي ضمانا لحق المتهم
كان القفص الحديدي عن يميني بقاعة المحاكمات بمحكمة جنوب القاهرة يضم ستة عشر متهما من بينهم أستاذان جامعيان ومهندس وثمانية محامين وأربعة طلاب وموظف بأكاديمية الفنون وفلاح ، المتهمون في القضية رقم2830 جنايات عابدين لسنة 1986 فيما سمي بقضية التنظيم الناصري المسلح والتخابر مع ليبيا .
أحسست ساعتها أن هذا الشباب الناصري المناضل يدفع للوطن ضريبة تصديه للعمل العام، وإنني لم أحضر محاميا ومدافعا أو متضامنا في المقام الأول ، إنما دفاعا عني أيضا كمواطن وناصري ، عن حقي في ممارسة العمل السياسي العام وحرية الرأي والفكر والعقيدة كحق أصيل من حقوق الإنسان الطبيعية .
وإنتبهت فجأة علي صوت الحاجب وهو ينادي " محكمة " لتسكت همهمات الحاضرين وقد وقف الجميع حين دخلت هيئة المحكمة الموقرة برئاسة المستشار محمد سعيد العشماوي وعضوية المستشارين وصفي ناشد وأحمد أمين عبد الحافظ، كانت المرة الأولي التي أري فيها وجه المستشار سعيد العشماوي القاضي الإنسان، لكن سبق أن إلتقيت بفكره من خلال كتابه الإسلام السياسي فكر الفقيه المسلم المجتهد بحق الذي أزاح فيه الكثير من الرواسب التي علقت بالفكر السياسي للإسلام ونفض التراب عنه فقدمه في صورة بسيطة عاقلة صحيحة كفكر يقدم الخير والسلام والتقدم للبشرية، وتأكدت هذه الصورة بذهني من مجريات جلسات المحاكمة ومتابعة الهيئة لمرافعات الدفاع والنيابة ، .
وكان قد سبق الحكم في هذه القضية عام 1988 بمعاقبة المتهم الثالث جمال الدين منيب إبراهيم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وببراءة بقية المتهمين لعدم توافر الأركان القانونية للجريمة بحقهم وتم إيداع الحكم في مكتب الحاكم العسكري تمهيدا للتصديق عليه إلا أنه رفض التصديق وألغي الحكم وأحال القضية مرة أخري إلي المحاكمة في هذه الدورة .
أنظر إلي وجوه الشباب الناصري المناضل داخل القفص الحديدي فلا أجد في عيونهم إلا تصميما علي مبادئهم رغم التعذيب الذي تعرضوا له في محبسهم فيطمئن قلبي ، وبجلسة 11 فبراير 1990 أصدرت المحكمة حكمها ببراءة جميع المتهمين وأكدت أن جميع أدلة الدعوى قامت علي اعتراف المتهم الثالث في تحقيقات النيابة وقد أسقطت المحكمة هذا الاعتراف لأنه لم يصدر عن إرادة حرة واعية إنما كان نتيجة تعذيب وقع عليه كما وقع علي غيره من المتهمين ، وقد نددت المحكمة بالتعذيب باعتباره عدوانا علي الشرعية وإعتداءا علي حقوق الإنسان وناشدت المشرع وضع ضوابط تكفل حماية أشد للمتهمين من أي تعذيب بدني أو نفسي أو عقلي يتعرضون له وهم بين أيدي السلطة وفي حماية رجالها وفي رعاية الدستور ، وقالت المحكمة إن المطاعن التي كانت توجه إلي محاضر الضبط إستطالت حتي وصلت محاضر تحقيق النيابة الأمر الذي لابد أن يؤثر علي العمل القضائي بأكمله ما لم تقم بالمحققين وحدهم ضمانات تحقيق جرائم الرأي ، وأن يتيسر للمتهمين في القضايا ذات الطابع السياسي طلب ندب قاضي للتحقيق بحيث يبطل أي إجراء في التحقيق إذا تم دون إجابة المتهم ألي طلبه أو إذا وضعت عراقيل تحول دون تولي التحقيق احد القضاة .
ولم تكن فرحتنا ببراءتنا بقدر الفرحة بإدانة فعل التعذيب البغيض وإثبات وقوعه وتجريمه وبيان الحكم قصور نظام التحقيق الحالي .
كانت هذه كلمة المستشار العشماوي من فوق منصة القضاء وكان ذلك موقفه
مرة أخري تحية وإحتراما وتقديرا لهذا الرجل