سلطة بلا صلاحيات
الصحافة في مصر
دراسه قانونية اعداد
شادي عبد الكريم
محام بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان
مدخل
إن الإنسان يتطوق بطبيعته إلى معرفة الحقيقة وهو - بطبيعته أيضا- يميل إلى التصرف وفقا لما تتضمنه هذه الحقيقة فإذا ما أحجبنا رأياً عن الناس، فقد يكون في ذلك حجب للحقيقة حتى إذ كان الرأي خاطئاً فإنه قد يحمل أثر من الحقيقة يساعد في الوصول إليها.
وقد كافح الإنسان طويلا من أجل تأكيد حرياته الأساسية وناضل المفكرون قرونا ليضعوا الأسس النظرية لحريات الإنسان وحقوقه ونجح كفاح الإنسان في تحقيق الفوز لنضال المفكرين وتكلل هذا النصر الإنساني بتسجيل الحريات الأساسية للبشر في عهود ومواثيق خالدة كانت ولا تزال نبراسا لكل المجتمعات التي شاءت أن تسلك طريق الديمقراطية لكي تقتبس منها وتجعلها – تلك المواثيق والإعلانات - بعض مكونات تشريعاتها.
وكانت حرية الرأي والتعبير موضع تأكيد خاص في مختلف المواثيق التي سجلت حريات الإنسان ، لكونها حرية متميزة، فهي تدعم الحريات الأخرى وتحميها بل أن حرية الرأي والتعبير لها جانبا أخلاقياً عندما يتعلق الأمر بالفكر، فالإنسان الذي تؤرقه أو تشغله فكرة ما لا يرغب في التعبير عنها فحسب ، ولكن ينبغي أن يفعل ذلك .
ولعله من الجدير بالذكر أن نستعرض معاً لأهم النصوص والإعلانات التي مهدت للإنسانية طريقاً تخطو فيه كي يحقق الإنسان ذاته، ويظفر بحقوقه وممارسة حرياته.
* لذا فلنلقي نظرة خاطفة على كيفية تناول تلك الإعلانات لحرية الرأي والعبير
أولاً: إعلان الحقوق (1688) المملكة المتحدة.
و قد أكد هذا الإعلان على أن حرية التعبير عن الرأي وحرية المناقشة والجدل وكذلك حرية الكلام والحوار داخل البرلمان يجب ألا تمس أو تكون موضع مساءلة.
ثانياً: إعلان حقوق الإنسان والمواطن (1789) فرنسا.
يمثل الإعلان الفرنسي منظومة متكاملة لعدد من المبادئ التي تقوم على أساسها حكومة دستورية تؤمن بسيادة القانون.
ونصت المادة الحادية عشر من هذا الإعلان على أنه "لما كانت حرية بث الأفكار والآراء من أغلى حريات الإنسان ، فإن لكل مواطن الحق فى التعبير عن رأيه أو فكرة أو كتابته ونشره بحرية".
ثالثاً: إعلان الحقوق (1791) الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد نص في صدر مادته الأولي على أنه ليس للكونجرس أن يصدر تشريعاً يمس حرية الرأي والتعبير أو حرية الصحافة أو حق الناس أن يجتمعوا في سلام وأن يرفعوا صوتهم الى الحكومة للمطالبة برفع ظلم أو إقرار حقه.
رابعاً: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948م)
اكتسبت حرية الرأي والتعبير طابعها الدولي بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر1948 الذي شاركت مصر في وضعه ونصت م(19) منه على أن " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين ، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود" .
وفي أعقاب ذلك ، صدر العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966 والذي جاء في مادته (19) ما نصه :
1- لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2- لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3- تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
( أ ) احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.على أهمية حرية الرأي والتعبير وتناقل المعلومات والحصول عليها بشتى الصور وبكافة الطرق دون التقييد بحدود جغرافية أو دون وضع أية قيود عليها.
حقيقة الأمر أن المادة سالفة الذكر لا تختلف عن نظيرتها الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا فيما يتعلق بالفقرة الثالثة، والتي تخلص منها فكرة الحرية المسئولة ، حيث تكون المسئولية هي الوجه الآخر للحرية ، إذ أنه لا حرية مطلقة وإنما هناك حرية منضبطة بالمسؤولية ، حرية تواجهها مسئولية ،فالإنسان مسئول بقدر ما هو حر .
الدستور المصري وحرية الرأي والتعبير:0
أما بالنسبة للدستور المصري فقد نص في مادته (47) على أن "حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني ". ولكون حرية الصحافة رافداً من روافد حرية الرأي، فقد نصت المادة (48) من الدستور على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور، ويجوز استثناء في حالة الطوارئ أو زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، وذلك كله وفقاً للقانون ".
و يلاحظ أن نص المادة 48 تقترب أكثر من نص المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ونفس الأمر ينطبق على أحكام الفصل الثاني من الباب السابع من الدستور تحت عنوان "سلطة الصحافة"
وعليه فإننا نجد أن الدستور المصري لم يبتعد كثيراً عما أقرته المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان بل يمكننا القول – وبحق- بان المشرع الدستوري قد تأثر كثيراً بتلك المواثيق – يمكن رد هذا إلى عدده أسباب لعل أهمها هو اشتراك مصر في صياغة بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وصدور الدستور المصري عقب ظهور تلك المواثيق.
وهنا يثار تساؤل هام وهو إذ ما كان الدستور المصري يقترب كثيراً من المواثيق الدولية التي نظمت حرية الرأي والتعبير فما هي الأسباب التي أدت إلى انتكاس وانتهاك تلك الحرية أذن؟
وللإجابة على هذا التساؤل يجب علينا أن نردد سوياً نص م 47، 48 من الدستور.
فكل من المادتين وضعت عبارة أو أكثر كانت هي السبب في الوضع المتدهور الحالي لحرية الرأي والتعبير في مصر.
فقد قررت المادة 47 حرية الرأى والتعبير وكفلتهما لكل مواطن وأعقبت كل هذا بمقوله واحدة وهى" في حدود القانون" وأصبحت تلك الكلمة هي المفتاح السحري لانتهاكات حرية الرأي والتعبير في مصر. وتضافر معها عبارة أخري مطاطة تتسع لأي انتهاك وهي "ضمان سلام الوطن" تلك العبارتين كونا معاً المطرقة والسندان التي وضعت بينهما حرية الرأي والتعبير.
فبناء غليهما سن المشرع المصري العديد من القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير بحجة حماية سلامة وامن الوطن.وينطبق ذات القول على المادة 48 من الدستور المصري والتى كفلت حرية الصحافة والطباعة والنشر ثم حظرت الرقابة على الصحف أو إلغاؤها أو حتى وقفها ونأتي للعبارة التى هدمت كل تلك الحقوق وهي الاستثناء الوارد في ختام تلك المادة والتي أجازت وضع رقابة على الصحف وإصداراتها في حالة الطوارئ أو في زمن الحروب في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي وكل ذلك وفقا للقانون.
وباختصار شديد نخلص بأن أسباب تدهور حرية الرأي والتعبير في مصر يرجع لسببين لا ثالث لهما.
1- خول الدستور للمشرع العادي سن قوانين تنظيم حرية الرأي والتعبير وترك الأمر برمته بين يديه يقيد منها ما يشاء ويسمح بما يشاء فكان عيب الصياغة هذه وقصور النص الدستوري أحد أهم تلك الأسباب. وكان الاحرى بالمشرع الدستوري أن يحدد في متن ذات النص الأسباب التي يجوز فيها وضع بعض الضوابط لممارسته حرية الرأي والتعبير وان تكون تلك الضوابط على سبيل الحصر لا المثال وأن يترك للمشرع العادي طرق تنظيم التمتع بذلك الحق دون تقيده ويكون الأصل في التمتع وضوابطه هو النص الدستوري وليس النص التشريعي العادي.
2- استمرار حالة الطوارئ التي تجيز فرض رقابة على الصحف والتدخل في شئونها وإلغاؤها أو وقفها إلى أخر النص فتعد حالة الطوارئ تلك دوامة الحريات في مصر فعن طريقها قتلت كافة الحريات التي نص عليها الدستور المصري.
الفصل الاول
حــرية الــرأي والتعــبير مابين
القيود الوطنية و المواثيق الدولية
* الإطار التشريعي الذي يحكم حرية الرأي والتعبير في مصر
انتهينا في المدخل الخاص بتقريرنا هذا إلي نقطة غاية في الأهمية لا يمكن تجاوزها – حينما نتناول الجانب التشريعي المنظم لحرية الرأي والتعبير في مصر – حيث خلصنا بأن الدستور المصري لا يقف بعيداً عن المواثيق الدولية المنظمة لحرية الرأي والتعبير بل إننا ذهبنا إلى ما هو أبعد من ذلك حينما أكدنا بان الدستور المصري كان يمكن اعتباره نموذج مثالي في كفالته لحرية الري والتعبير وحرية الصحافة.
ولكن ما أخذ على الدستور المصري في هذا الشأن انه ترك تنظيم تلك الحرية للقانون دون أن يضع ضوابط هذا التنظيم أو معايير أساسية يلتزم بها المشرع العادي حينما ينظم هذا الحق.
و من هذا المنطلق فإننا سنتناول في هذا الفصل القيود الواردة في حرية الرأي والتعبير في التشريع المصري.
وبعدها سنتناول الحديث عن المواثيق الدولية المنظمة لحرية الرأي والتعبير.
وعقب هذا السرد نتقل إلى الحديث عن قانون الطوارئ واستمرار حالة الطوارئ طيلة خمسون عاماً واثر تلك الحالة في تدهور حرية الرأي والتعبير في مصر.
المبحث الأول:
القيود القانونية الواردة على حرية الرأي والتعبير في التشريع الوطني:
ان التشريع الجنائي هو المرأة الحقيقية لقياس ما يمتع به الافراد فى الدولة من حرية ويقاس عليه دائما مدى تقدم الامم وحضارتها بما تمنحه لمواطنيها من حرية رأى وتعبير والتشريع الجنائي أيضا يسجل بدقة إيقاعات الاحتكاك السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي القائم فى مجتمع معين فى زمن بين السلطة والأفراد والجماعات وتعطى سياسة التجريم للمشرع بشأن التجريم السياسي دلالة واضحة لمدى نزعته التسلطية ويبدو ذلك من كثرة ما يعد من الأفعال جرائم مخلة بأمن الدولة من الداخل أو الخارج و الاهتمام بالجرائم السياسية والوقوف منها موقفا مشوبا بالتشدد والتزايد والتوسع فى جرائم الرأي والصحافة فيوسع فيما يعد من صور التعبير عن الرأي غير مشروع فضلا عن ان المشرع يتعمد صياغة النص الجنائي من هذه الجرائم صياغة فضفاضة مرنه ومتميعة تجعل مبدأ الشرعية الإجرائية حبرا على ورق وتفتح سبيلا للتحكم والاستبداد ويعتنق المشرع المصري هذه السياسة التجريمية من نظرته للجرائم السياسية وحرية الرأي والتعبير ونزعته الاستبدادية في التضييق واحكام الخناق على هذه الجرائم مستمدا هذه الفلسفة فى التجريم من فلسفة الاستعمار البريطاني.
فالتشريع الجنائي المصري هو نتاج هذه التسلطية التى هى نتاج لسياسة المستعمر البريطاني الذي لم يكن يريد ـ شأنه شأن أي محتل ـ إلا تضيق حريات الافراد الاساسية و خنقها حتى تتوفر له مقومات بقائه واستمرار احتلاله للبلاد.
و عليه فان مبحثنا هذا سينقسم الى فرعين
· الفرع الأول: جرائم الرأي والتعبير في قانون العقوبات
· الفرع الثاني: المجلس الأعلى للصحافة قيداً على حرية الرأي والتعبير
الفرع الأول
جرائم الرأي والتعبير في قانون العقوبات
توسع قانون العقوبات في الأفعال التي تعتبر من جرائم الرأي والتعبير فقد حاصر – من خلال التشريعات المتلاحقة وخاصة في فترة التسعينات من القرن المنصرم- كافة طرق ووسائل التعبير عن الرأي .
ولعل الغريب في الأمر أن المشرع المصري لم يكتفي بالجرائم الخاصة بالرأي والتعبير الواردة في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات تحت مسمي الجنح والجنايات التى تقع بواسطة الصحافة وغيرها.
بل أننا نجد أن هناك العديد من النصوص التجريميه وردت في غير هذا الباب على الرغم من إنها تعتبر من قبيل جرائم الرأي والتعبير .
أولاً : جرائم الرأي والتعبير جرائم أمن دولة
تضمن الباب الثاني من الكتاب الثاني لقانون العقوبات العديد من التشريعات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وقد وردت تحديداً في الفصل الأول والثاني – مع العلم بأن الباب الثاني هذا يختص بجرائم أمن الدولة من جهة الداخل و تلك المواد هي م 86 مكرر ، 98(ب) ، 98(و) ، 102 ، 102 مكرر وسوف نتناول الشكل موجز لتلك الجرائم.
و لعله من الملاحظ في تلك المواد ان البعض منها جرم في مخالفة دستورية صريحة- الدعوى إلى تغيير الدستور (م 86/3 مكرر عقوبات) بصورة سلمية فقد عاقب المشرع بالسجن لكل من روج أو حبذ بالقول او الكتابة او باية طريقه أخري للدعوى بأي وسيله –حتى وإن كانت سلمية- إلي تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع أحدى مؤسسات الدولة أو أحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التى كفلها الدستور او الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي.
وفي حقيقة الأمر أن هذه المادة تقابل نص المادة 174 من قانون العقوبات والتى تعاقب على تحبيذ أو ترويج المذاهب التى ترمي الى تغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم السياسية.
وينحصر وجه الخلاف بينها في أن نص المادة الأخيرة تعاقب على فعل التحييذ أو الترويج متى كان مقترناً باستعمال القوة أو الإرهاب مما يدلل هذا التطابق ما بين النصيين على أن نص م 86 مكرر قد شرع خصيصاً للمعاقبة على الدعوى السلمية لتغير الدستور.
بل إننا نجد أن المشرع في نص م 86 مكرر عقوبات لا يشترط ركن العلانيه –والتي هي اصل التجريم في أفعال الترويج- في تلك الجريمة بل تقع الجريمة حتى لو كان التحبيذ والترويج قد تم في غير علانية -مع الوضع في الاعتبار أن الترويج لا يقع إلا متى توافر شرط العلانية كما أن التحبيز- الاستحسان – قد يقع دون علانية أي أن هذا النص يعاقب على النوايا .
أي أن مجرد الترويج لدعوى سلمية لتغيير الدستور أو تحبيذ طلب الامتناع عن تطبيق نصوص قانونية مخالفة للدستور أو حقوق الإنسان يقع بصاحبه تحت طائلة القانون وهو أمر يعد مصادرة لحرية الرأي والتعبير السلمي تحت شعار من الشعارات المرنة الفضفاضة التى ليس لها تعبير محدد او مفهوم دقيق وعلي ذات النهج وفي ذات الدرب سار المشرع في نص م (98ب) من قانون العقوبات عندما قرر الترويج الى فكرة تغير مبادئ الدستور بأية طريقه من الطرق او كل من حبذ بأية طريقه من الطرق لفكرة تغير مبادئ الدستور أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية.
ولا يخفي على أحد ان نص تلك المادة يتضافر مع ما سبق سرده ويضع أمام أعيينا صورة صريحة لما اضحى عليه الشعب المصري فأصبح لا يجوز لأي مواطن –سواء في السر أو العلن- مجرد المطالبة او التحبيذ- ويقصد بالتحبيذ هنا الاستحسان – لفكرة تغيير أو تعديل مبادئ الدستور او غيره من القوانين فإذ ما تجاسر وفعل ذلك فإنه اوقع نفسه تحت طائلة قانون لا يعترف له بحقوق . ومن ثم يكون مصيره معلوماً مقدماً. ولا يمكنناً أثناء عرضنا هذا أن نغفل نصوص المادتين 102 ، 102 مكرر من قانون العقوبات .
فالأولى قررت معاقبة كل من جهر بالصياح أو الغناء لإثارة الفتن- دون وضع تعريف محدداً لما هية الفتن- أما المادة 102 مكرر فقد عاقبت كل من أذاع أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة مغرضة وبث دعايات مثيرة من شانها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ونكتفي هنا بتعليق واحد وهو أن تلك المادة مستمدة من أحكام الأمر العسكري رقم 46 لسنه 52 الصادرة في 20 سبتمبر 1952.
ثانياً : الجرائم التى تقع بواسطة الصحف
يفرد قانون العقوبات المصري بابا خاصاً بجرائم النشر في الصحف يتضمن العديد من النصوص العقابية التى تعتبر في جوهرها إرهابا لكل من يتصدى للعمل بالصحافة والانشغال بالرأي.
وتتضمن تلك النصوص تجريماً لأي رأي قد يعتبر أو يعتقد -وذلك لعدم انضباط النصوص العقابية في التشريع الوطنى حيث يمتلئ النص بالعديد من العبارات المستطرقة التي تتيح أن يدخل في نطاق تجريمها أية أفعال – انه يشكل تحريضاً على كراهية نظام الحكم او إهانة السلطات أو الجيش أو تشكل دعاية مثيرة للرأي العام ، ولم يكتفي المشرع المصري بهذا فحسب بل انه قد حاصر كافة الوسائل التي يمكن للمرء أن يعبر بها عن نفسه ابتداء بالكتابة والتصوير مروراً بالرسم والغناء والصياح واختتمها بالإيماء (م171 ، 172 ، 174 ، 177)
أى أن المشرع المصري قد منع كافة سبل انتقاد نظام الحكم أو القوانين المعمول بها أو أداء نواب البرلمان بل أنه ذهب إلى ما هو ابعد من ذلك عندما جرم نشر أخبار كاذبة حتى وإن كانت منقولة عن صحف أو وكالات أنباء اجنبيه .
كذلك يجرم نشر الصور التى يمكن اعتبارها تضر بسمعه البلاد أو تبرز مظاهر غير لائقة فيها أي أن المشرع المصري قد جرم – منفردا عن كافة التشريعات المقارنة – نشر الحقيقة حتى ولو كانت صوراً تبرز مظاهر غير لائقة.
و يتلاحظ هنا مدى اتساع عبارة المظاهر غير اللائقة فمثلاً نجد أن صورة اعتداء أحد عساكر الأمن المركزي على أحد المتظاهرين قد تعد مظهراً غير لائق من وجه نظر احد الأشخاص في حين أنها من وجه نظر شخص أخر لا تعد هكذا بل تعتبر عكسا للحقيقة وينطبق ذات القول على عبارة تضر بسمعه البلاد"
العيب في الذات الملكية:0
كان العيب في الذات الملكية –قبل ثورة يوليو 1952 وتحول مصر الى النظام الجمهوري – احدى جرائم النشر في مرحلة ما قبل الخمسينات من القرن الماضي.
وكأن المشرع المصري لم يرد التخلص من تباعات الماضي – وليته اخذ من مميزاته- فاستبدل النص التجريمى الخاص بالعيب في الذات الملكية بنص م 179 عقوبات والتى تعاقب على اهانه رئيس الجمهورية.
والعيب في الذات الملكية لا تختلف إطلاقاً عن لفظه أهانه رئيس الجمهورية فالعيب والاهانه لفظين متطابقين تمام الانطباق وحقيقة الأمر أن عقوبة هذه الجريمة هي عقوبة السب والقذف وقد تكون من الأفضل – حتى لا تتعدد النصوص- ان تكون ضمن النصوص الخاصة بجرائم السب والقذف في حق سائر الأشخاص وأن يلغي من التشريع جريمة الاهانه أو العيب لأنها ألفاظ مرتبطة بجرائم العصور الوسطي و لأنه قد يسئ رجال السلطة التنفيذية استغلال هذه العبرات الغامضة (المستطرقة) للتنكيل بالخصوم السياسيين اعتماداً على مرونة اللفظ وغموضه.
فضلاً عن أن هذه الجريمة هي من الجرائم التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي وغلق الصحيفة ومصادرتها على الرغم من كونها جريمة في عداد الجنح.
مسالب التشريع الوطني المنظم لحرية الراي و التعبير .
لعله يمكن لنا ان نستخلص اهم مسالب التشريع الوطني لمنظم لحرية الراي و التعبير و لعل اهم تلك المسالب هي
- تجريم الشارع المصري للعديد من الافعال التى تسهدف الصالح العام و تلك التي تتم بحسن نية.
- المشرع المصري جرم افعال صحيحة ( في واقعه يتفرد بها المشرع المصري ) مثل الدعوى السلمية لتعديل احكام الدستور أو القوانين.
- كذلك جرم الشارع المصري افعال يعتقد في صحتها حتى لو كان هذا الاعتقاد بنى على اسباب معقولة
- افرط المشرع المصري في سن عقوبات سالبة للحرية في قضايا التعبير عن الراي.
الفرع الثاني
المجلس الأعلى للصحافة ... قيداً على حرية الرأي والعبير
يمثل الحق في إصدار الصحف معياراً كاشفا لمدى قناعه النخبة الحاكمة بالمفاهيم الديمقراطية بما تعنيه من احترام حقيقي للواقع التعددي للآراء في المجتمع ولجوهر مبدأ التعددية و مدى إيمان النظام الحاكم
بحق المواطنين في إدارة شئون وطنهم على مختلف الأصعدة ، ويرتبط هذا الحق ارتباط وثيقاً بمدى تحقق حرية الرأي والتعبير داخل المجتمع، وهو ما يرتبط بالضرورة بمدى تمتع الأفراد داخل المجتمع بحقهم في تبنى الآراء والأنباء والمعلومات .
مجمل القول انه لا يمكننا الحديث عن صحافة حرة مستقلة تمارس دورها بحياد وشفافية دون وجود إطار تشريعي يسمح للعاملين بالحقل الصحفي في ممارسة دورهم وحقهم في إصدار وتملك الصحف. وهذا لن يتأتى في ظل قانون الصحافة الحالي رقم 96 لسنه 1996م.
أولا
القيود الواردة على الحق في إصدار و تملك الصحف
القيد الأول: مصادرة حرية الأفراد في ملكية وإصدار الصحف
حرم القانون رقم 96 لسنه 1996 بشأن سلطة الصحافة الأشخاص الطبيعة من حقها في تملك وإصدار الصحف واقتصرت المادة (52) ملكية الصحف على الأحزاب السياسية و الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فقط بل اشترط القانون رقم 96 لسنه 1996 في الصحف التي تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة فيما عدا الأحزاب السياسية والنقابات والاتحاديات أن تتخذ شكل تعاونيات أو شركات مساهمة ، على أن تكون الأسهم جميعها في الحالتين أسهم اسميه مملوكة للمصريين وحدهم.
القيد الثاني : القيد المالي لإصدار الصحفد
قبل أن نتحدث عن القيد المالي الوارد بقانون الصحافة رقم 96لسنه 1996 وجب علينا أن ننوه الى أن مثل هذا القيد المالي هو بداية تاريخ قديم حاولت فيه السلطة الحاكمة (أي كان توجهاتها )إلي وضع مثل هذا القيد لتحجيم إصدار الصحف . فنجد مثلاً أن قانون المطبوعات الصادر في عام 1931 قد حدد قيدا مالياً سمي حينئذ بأنه تأمين نقدي وقد قدر هذا التأمين بمبلغ 300 جنيه عن كل جريدة تصدر ثلاث مرات أو أكثر في الأسبوع وبررت المذكرة الإيضاحية آنذاك هذا الأمر بأنه دلاله على جدية الجريدة التي يراد إصدارها.
وقد أثار أن هذا القيد المالي ثائرة العديد من الصحفيين ونواب البرلمان – على الرغم من أن البرلمان كان بأغلبية صاحقه لحكومة صدقي باشا ومتحالفاً مع عدد ضئيل من نواب الحزب الوطنى آنذاك- ولنتذكر سويا جلسة البرلمان في الأول من يوليو 1931 حينما وقف حافظ بك رمضان مخاطباً النواب قائلاً نحن نعلم أن الصحافة المصرية دخلها وتسلق على شجرتها الطيبة طفيليات خطرة وصلت إلى أحط الدرجات الفحش والى غاية درجات الافتراض الكذب.
ولكن وجود هذه الطفيليات ليس معناه أننا عندما نريد وضع تشريع صحيح أن نجتث هذه الشجرة من جزعها لأن لمسألة الصحافة علاقة مباشرة بحرية الرأي والكتابة وهى تاج الحريات جميعاً فإذا أردنا أن نضع قانونا وجب أن يكون متمشياً مع فكرة صحيحة هي أن نفصل الطفيليات لا نجتز الشجرة ،
فإذا بحثنا أول مادة من قانون المطبوعات وجدنا التزامات مالية قد تحتملها تلك الطفيليات ويعجز عنها الكثير من كرام الصحفيين ، بينما كان الأجدر أن تكون القيود الأدبية والفنية مقدمة على غيرها .
هذا هو حال مصر وبرلمانها عام 1931م ولنعود إلى حيث قانوننا الحالي 96لسنة 1996م فقد اشترط في الصحف التي تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة والتي – كما الزمها القانون – تتخذ شكل شركات مساهمة أن لا يقل رأسمال الشركة المدفوع عن مليون جنيه إذ كانت الجريدة يومية، ومائتين وخمسين ألف جنيه إذا كانت أسبوعية و مائه ألف جنية إذ كانت شهرية على أن يودع رأس المال بالكامل قبل إصدار الصحفية.
ويجوز للمجلس الأعلى للصحافة أن يستثنى من بعض الشروط .
وتأكيداً على حرمان الأشخاص الطبيعية من الحق في إصدار وتملك الصحف حظرت المادة 52 من ذات القانون من أن تزيد ملكية الشخص وأفراد أسرته وأقاربه حتى الدرجة الثانية من رأس مال الشركة على 10 % من رأس مالها.
القيد الثالث : الإذن المسبق
لم يشترط قانون الصحافة رقم 96 لسنه 1996 صراحة ضرورة الحصول على إذن مسبق لإصدار الصحف، فقد تحدثت م 46 من ذات القانون على أنه يجب على كل من يصدر صحيفة أن يقدم أخطار كتابياً الى المجلس الأعلى للصحافة موقعاً عليه من الممثل القانوني للصحيفة ثم حددت المادة مشتملات هذا الإخطار على سبيل الحصر.
إلي هنا فالأمر يقتصر على الإخطار فقط ، إلا أن المادة47 من ذات القانون قد حولت هذا الإخطار الى طلب السماح بإصدار صحيفة –فإننا نجد أن نص المادة47 تتحدث في فقرتها الأولى عن حق المجلس الاعلى للصحافة في إصدار قراره في شأن الإخطار المقدم بالقبول أو الرفض خلال مدة أربعين يوماً – وهنا يتعارض مع فكرة الإخطار- ثم تفاجئنا الفقرة الثانية من ذات المادة بانها تتحدث عن الترخيص وتنص على انه يجب أن يصدر قرار المجلس الأعلى للصحافة برفض الترخيص – يفترض انه الإخطار – بإصدار جريدة مسبباً.
ونعتقد أن الامر بات واضحا لا التباس فيه فقد أعتمد المشرع على فكرة الترخيص دون الإخطار وهو ما يمثل قيداً على الحق في إصدار الصحف.
ثانيا
*وصاية المجلس الأعلى للصحافة على الصحفيين والمؤسسات الصحفية:0
بداية نود ان نتفق على نقطة هامة وهى ان المجلس الأعلى للصحافة لا يعدو إلا جهة حكومية مسئولة عن الصحافة في مصر برئاسة رئيس مجلس الشورى.
ويشكل المجلس بناء على قرار صادر من رئيس الجمهورية وعلية فإنه بموجب تشكيل المجلس الأعلى للصحافة والاختصاصات المخولة له أصبح للمجلس سلطة وصاية وإشراف ورقابة على الصحفيين والمؤسسات الصحفية . فالمجلس يعد نموذجاً لعقد تأسيس الصحيفة التى تتخذ شكل مساهمة أو تعاونية أو توصية بالأسهم ونظامها الأساسي كما خول له (م70/1) مكنه من إبداء الرأي في كافة المشروعات المتعلقة بقوانين الصحافة .
كذلك أنيط بالمجلس –وحدة دون رقابة عليه- توفير مستلزمات الصحف(م70/7) وحصص الورق لدور الصحف بل وتحديد أسعار الصحف والمجلات وأيضا تحديد مساحات الإعلانات للحكومة والهيئات العامة والقطاع العام وقطاع الأعمال (م70/8)
ودعونا نذكر بما اتفقنا عليه بداية بأن المجلس الأعلى للصحافة –حسب تشكيله وسلطاته- هو جه حكومية –ولنا أن نتخيل كيف يمكن للمجلس الاعلي أن يتحكم بمصير الصحف فما بالنا أن هناك صحيفة (حزبية- مستقله) انتقدت دور الحكومة أو انتقدت أدائها هنا يظهر المجلس الأعلى للصحافة كقيداً على حرية التعبير في مصر.فيمكن للمجلس أن يقلص من حصص الورق للجريدة فيتقلص بيعها وتوزيع الجريدة.وكذلك يمكن له أن يقلل من حجم الإعلانات للحكومة والهيئات العامة بالجريدة فيقلل معها مصدراً هاماً لدخل الجريدة .
إذن يمكننا أن نخلص من هذا أن قانون الصحافة الحالي 96 لسنة 1996 جعل من المجلس الأعلي للصحافة – بما منحة له من صلاحيات وسلطات –سيفاً مسلطاً على رقاب الصحفيين في مصر . فأضحى قيداً على حرية الرأي والتعبير في مصر.
المبحث الثاني:
المواثيق الدولية المنظمة لحرية الرأي والتعبير
لقد رتبت المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان حماية ايجابية لحرية الرأي والتعبير، وتدفق المعلومات باعتبارها حجر الزاوية في بناء الحريات والحقوق الأخرى للإنسان الحديث.
فقد أكدت المادة التاسعة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) على الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث عن واستقبال وإرسال المعلومات والأفكار عبر أي وسيط وبعض النظر عن الحدود.
وكما سبق وأن واشرنا إلى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية قد صار على ذات درب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة التاسعة عشر من العهد لتؤكد على حق الأفراد المطلق في اعتناق الآراء والحق في التعبير وتلقى المعلومات وإرسالها.
وتتناول الفقرة الثانية من ذات المادة تحديد مفهوم الحق في التعبير بأنه الحق في البحث والحصول وإرسال معلومات وأفكار دونما التقيد بالحدود وبأي وسيله كانت سواء كتابة أو شفاهه أو من خلال وسيط.
ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل تناولت المادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ذات الأمر وكذلك المادة التاسعة من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان وإن كان يعاب عليها أن مصطلحاتها وتعبيراتها جاءت أقل وضوحاً من سابقتها.
المواثيق الدولية والتشريع الوطني:
لا يمكن لباحث أن يغفل – متى تحدث عن المواثيق الدولية – عن الدور الذي تلعبه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في البنية التشريعية الوطنية من حيث المكانة والسمو والتطبيق وتختلف الدول فيما بينها في هذا الشأن فمنها ما يعتبر تلك المواثيق الدولية مرجعاً لتفسير القانون الوطني وأخرى تعتبر المواثيق الدولية هي مصدراً عرفياً لقانونها المحلى.أما الفئة الثالثة – ومن بينها مصر – فإنها تعطى لهذه الاتفاقيات مكانة متميزة حيث تمنحها سمواً على غيرها من القوانين الوطنية .
وعلى الرغم من أن مصر تمنح الاتفاقيات والمعاهدات الدولية حظاً من السمو تجعلها تحظى – من الجانب النظري- بأولوية التطبيق أمام المحاكم المصرية.
إلا أن المشرع المصري بما يتصف به من خبرة وحنكة في مجال صياغة قواعد قانونية تتسم بالعبارات الفضفاضة والمطاطة – قد استغل الاستثناءات التي قد ترد على النصوص المقننة لحرية الرأي والتعبير ليتوسع بتلك الاستثناءات –الواردة في نص م 19 من العهد الدولى والخاص بالحقوق المدنية والسياسية – ليجعل منها الاصل – في ظل امتداد العمل بحالة الطوارئ – وتصبح حرية التعبير هى الاستثناء.
ويتضافر هذا الأمر مع نصوص قانون العقوبات المقيدة لحرية الرأي والتعبير ليشكلا معا حيثيات القضاء على حرية الرأي والتعبير في مصر ثم تأتى حالة الطوارئ لتهدم أية محاولة للإفلات من تلك الحيثيات .
لذا كان لزاما علينا ان نقوم بايضاح _ و بإجاز _ ماهية القيود التي يمكن ان تفرض على حرية الراي و التعبير _ بإعتبارها احدى الحريات القابلة للمساس _ في ضوء ما قررته المواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان .
و بمعنى ادق يمكننا القول بان تلك المواثيق الدولية قد و ضعت عدة ضوابط يمكن من خلالها ان نحدد ما اذ كانت القيود التي تفرضها الدول المخاطبة بتلك المواثيق هي قيود تتوافق مع تلك الضوابط من عدمة باعتبارها معيارا كاشفا لالتزام الدول المخاطبة ببنود تلك المواثيق من عدمه.
و اولى تلك المعاير الكاشفة هي ان ايه قيود تفرد على حرية الراي و التعبير لابد و ان يتم النص عليها في القانون الوطني .
و لا يمكن اعتبار المقصود بهذا المعيار هو ورود نص قانوني يفرض قيدا ما على حرية الراي و التعبير دونما النظر الى طبيعة هذا النص و تدرجه في البنية التشريعية لكل دولة فالنص الدستوري يختلف عن النص العادي عن ما يرد في اللوائح و اخيرا عما تقرره الاعراف.
ليس هذا فحسب بل ايضا لابد و النظر لهذا النص على انه استثناء فلا يجوز التوسع في تفسير القيد الذي يحدده النص القانوني و كذلك يجب الوضع في الاعتبار ان هذا النص القانوني لابد ان يبنى على اسباب لها وجاهتها و انه لابد و ان يكون هذا القيد الاستثنائي مرتبطا بحاله استثنائية طارئة (كحالة الحرب على سبيل المثال) و ان ترد تلك الحالات الاستثنائية في هذا النص التشريعي على سبيل الحصر لا المثال و لا يمكن التوسع فيه.
لذلك كان المعيار الكاشف الثاني متعلق بضرورة ان تكون تلك القيود تستهدف أي من الاغراض التي تم حصرها في الفقرتين ( أ ، ب ) من نص المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في فقرتها الثالثة.
كما اتخذ المعيار الثالث ضرورة كون هناك رقابة قضائية صارمة على السلطات التقديرية للدولة على انه في النظم الديموقراطية بخلاف خضوع السلطه التقديرية لرقابه قضائية صارمة فلابد و ان توضع التشريعات المنظمة للتمتع بالحقوق و الحريات و ما يفرض عليها من قيود لرقابة دستورية أي ان تصدر تلك التشريعات في اطار دستوري يتوافق بداهته مع ما تقرره النصوص الدولية المعنية بحقوق الانسان.
و عليه فاننا يمكن من خلال ما استعرضناه من التشريعات الوطنية المنظمة لحرية الراي و التعبير والمواثيق الدولية المعنية بذات الأمر و ما تقرره من طبيعه القيود التي يمكن ان تفرض على تلك الحرية و المعايير أو الضوابط التي وضعت لتلك القيود ان نكون قد توصلنا إلي مدى تجاوز التشريعات الوطنية لتلك الضوابط مما يدلل على وجود قصور تشريعي شديد و تعدد القيود الوارده على حرية الراي والتعبير من خلال تشريعات سالبة للحرية.
المبحث الثالث :
قانون الطوارئ دوامة تبتلع الحقوق
عرفت مصر الأحكام العرفية لأول مرة عام 1914 أبان الحرب العالمية الأولى لتنتهي في عام 1922، وتعلن مرة أخرى بسبب الحرب العالمية الثانية (سبتمبر 1939) ولكنها هذه المرة تفرض بمرسوم ملكي تنفيذاً لمعاهدة 1936 لتنتهي الحرب العالمية الثانية في مايو 1945 وترفع الأحكام العرفية عن مصر بعدها بأشهر.
ولم يمضى سوى سنوات ثلاث لتعلن حالة الطوارئ للمرة الثانية في مايو بمناسبة حرب فلسطين 1948، ليمر العام تلو الأخر وتأتى أخر وزارة وفدية برئاسة مصطفى النحاس ليعلن إنهاء الأحكام العرفية في عام 1950 ، لتعود مرة أخرى عام 1952 مع حريق القاهرة ولم تلبث هذه المرة سوى اشهر محددة لتنتهي الأحكام العرفية مع اندلاع ثورة يوليو 1952م فلم تكن الثورة بحاجة إلى هذه الأحكام لتامين نفسها وتحقيق أهدافها بعد أن ركزت الثورة السلطات جميعها في يد مجلس الثورة.وحلت الشرعية الثورية محل الشرعية الدستورية بعد إلغاء الدستور في العاشر من ديسمبر 1952م – بعد أقل من اربع أشهر من استيلاء الضباط الأحرار على مقاليد الأمور في مصر و ظلت مصر تحكم تحت مظله الشرعية الثورية الى أن حل عام 1956 ليدشن أول دستور لجمهورية مصر العربية في السادس من يناير من ذات العام.
وعقب ذلك بعامين يصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر القانون رقم 162 لسنه 1958 قانون الطوارئ ليطبق أول مرة في الخامس من يوليو 1967م بسبب حرب الأيام الستة أو ما عرف فيما بعد بنكسة 1967م.
لتستمر حالة الطوارئ ما يقرب من ثلاثة عشر عاما لتنتهي في الخامس من عشر من مايو عام 1980 إلا أن الشعب المصري لم يهنئ كثيراً، ففي أكتوبر 1981م يتم اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات ليتم إعلان حالة الطوارئ مجدداً بقرار من الرئيس المؤقت في ذلك الوقت د/ صوفي ابو طالب رئيس مجلس الشعب حينئذ لتستمر حالة الطوارئ حتى الأن وهى تعد أطول فترة عاشها الشعب المصري تحت مقصلة قانون الطوارئ في تاريخ مصر الحديث.
وعليه فقد أصبح قانون الطوارئ هو الأداة التي تستخدمها السلطة التنفيذية للعصف بالحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور المصري وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير بل أنه يمكننا القول بان قانون الطوارئ أصبح الدستور الحقيقي للبلاد.
فإذا ما كان الدستور المصري قد حظر رقابة أو وقف أو إلغاء الصحف إلا انه استثنى هذا الأمر وأجاز الرقابة والوقف متى أعلنت حالة الطوارئ.
وعليه فإننا نجد أن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنه 1958 بشأن حالة الطوارئ تقرر بأنه .
يجوز لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم ، وكافة وسائل التعبير والرعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ،ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن طبعها ، على ان تكون الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام مقصورة على الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي.
بداية وقبيل أن نتناول بالحديث عن الجوانب القانونية لذلك النص نود أن نتناول ملحوظة أوليه وهى اتساع نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة للقانون 162 لينه 1958 قانون الطوارئ والتي تحتوى –وحدها- على أربعون كلمة وهذا الإفراط الشديد يؤثر – دون شك- على سلامة النص من زاوية انضباط معانية وتجانسها ومحدودية ألفاظه وأحكامه.
ولعله من الملاحظ للقارئ العادي أن المشرع هدف إلى محاصرة كافة صور التعبير عن الرأي فقرر صراحة جواز الأمر بمراقبة كافة وسائل التعبير وضبطها ومصادرتها ومنعها ، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل فقد تزايد حينما قرر أن تقتصر الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام لأسباب تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي ،
أي انه يمكننا أن نخلص بأن المشرع المصري أجاز مراقبة أي من وسائل التعبير عن الرأي ومحاصرتها دون أبداء أسباب إلا في حالة الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام –وقد أتى بها المشرع على سبيل الحصر- وهكذا نجد أن الموهكذا نجد أن المل من المراقبة على وسائل التعبير عن الرأي دون وجود مبررات أو أسباب لتلك الرقابة هو الأصل ثم حصر حالات المراقبة التي تتطلب إبداء أسباب حيث جعلها كاستثناء في مخالفة صريحة لنص المادة48 من الدستور والذي فرض مراقبة –في حالات الطوارئ- على الصحف والمطبوعات ثم حصرا أسباب تلك المراقبة وقد قصد المشرع الدستورى بهذا الحصر عدم جواز فرض الرقابة على غيرهم من وسائل التعبير عن الرأي.
هذا فضلاً عن العديد من العبارات الفضفاضة والمطاطة التي اعتاد المشرع على استخدامها ، حتى عندما حدد أسباب الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام استخدم عبارتي السلامة العامة وأغراض الأمن القومي مما يتعذر معه تحديد ما المقصود بتلك العبارتين والذي يؤدى حتما إلى عدم إمكانية الطعن على قرارات المراقبة أو المصادرة.
بل أنه ذهب إلي ما هو أبعد حينما توسع في الاستثناء الذي منحه الدستور في حالات الحرب أو الطوارئ فقد قرر المشرع الدستوري جواز فرض رقابة محددة على الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي.
أي أن المشرع الدستوري لم يقصد من تلك المراقبة الاستثنائية الى الجريدة أو المطبوعة بذاتها بل أجاز المراقبة في الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي.
في حين أننا نجد المادة الثالثة في فقرتها الثانية من قانون الطوارئ توسعت في هذا الاستثناء – بما يخالف الدستور ويخالف المبدأ القانونى القائل بأنه لا يجوز التوسع في تفسير الاستثناء أو القياس عليه" فمنحت لرئيس الجمهورية إمكانية مصادرة الصحف وتعطيلها وإغلاق أماكن طبعها ، وعليه فإننا نجد أن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون الطوارئ قد أصابها العوار الدستوري في مجملها سواء في تحديد عبارتها –غير محدد المعانى- ودقة الفاظها وأحكامها أو في خروجها عن النطاق الذي رسمته المادة 48 من الدستور او في التوسع في الاستثناء الذي قرره الدستور .
هذا بخلاف ما يضعه قانون الطوارئ من قيود على حرية الأشخاص في الحق في الاجتماع والذي يعتبر أحد روافد حرية الرأي والتعبير التى لا يجوز تقييدها باعتبارها أحدى الحقوق الدستورية الثابته.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فقط بل جاءت الفقرة السادسة من ذات المادة لتقرر بأنه يجوز بقرار لرئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق التى يجوز تقيدها بل أنها أجازت أيضا على إمكانية اتخاذ التدابير المنصوص عليها في نص المادة الثالثة بمقتضى أوامر شفوية مما يحول معه الطعن على مدى صحة تلك التدابير من الناحية القانونية والإجرائية.
مما يجعلنا نؤكد وبحق بان قانون الطوارئ هو دوامة تبتلع الحقوق والحريات في مصر.
الفصــــل الثاني
صحفيون بـــلا حمـــاية
مقدمة:
في الثمانينات من القرن المنصرم أجري تعديل دستوري هام تقرر من خلاله اعتبار الصحافة كسلطة- رابعة- من سلطات الدولة، وفي ذات الفترة صدر القانون 148 لسنه 1980 وما بين هذا التعديل الدستوري وذاك القانون دارت العديد من الأبحاث القانونية تسعي جاهده للوصول الى هدف المشرع المصري ( او بمعنى اخر هدف السلطة _ و غايتها_ ) من تلك التعديلات.
وفي النصف الأخير من تسعينات ذات القرن صدر قانون الصحافة 96 لسنه 1996 والذي لم يختلف كثيراً عن سابقه 148 لسنه 1980 بل اتفقا كل منهما في تكوين المجلس الأعلى للصحافة وتبعيته هو والصحف القومية إلى مجلس الشورى.
ولعل أهم ما يلفت الانتباه في تلك التحركات التشريعية أن كل منهما لم يضع حداً لمعاناة العديد من الصحفيين الذين تلاحقهم أحكاماً سالبة للحرية في قضايا تتعلق بكتاباتهم لذلك فإن هذا الفصل سينقسم إلى ثلاث مباحث :-
المبحث الأول: بأمر الدستور الصحافة سلطة بلا صلاحيات0
المبحث الثاني: ثقوب في ثوب صاحبة الجلالة ( قانون الصحافة)
المبحث الأول
بأمر الدستور الصحافة سلطة بلا صلاحيات0
لا يمكن لباحث أن ينكر الدور الذى لعبته صحافة ما قبل 1952م في مواجهة الفساد السياسي، والذي كانت أغلاله تكبح أصوات الحرية في مصر . ولعل هذا الدور يتضح جلياً –على سبيل المثال لا الحصر- في العديد من المواقف التى صاحبت إلغاء دستور 1923م وإحلال دستور 1930م محله ، كذلك القوانين التى صاحبت هذا الدستور الجديد. ومن ضمنها قانون المطبوعات الصادر في عام 1931م حينما قادت الصحافة المصرية بمختلف توجهاتها حمله شرسة ضد هذا القانون وغيرها من المعارك التى خاضتها بهدف دعم الحريات والحقوق ، لذلك فإنه في أعقاب استيلاء الجيش على السلطة في عام 1952م زعم بضرورة تحرير الصحافة من سيطرة راس المال ومن هذا التاريخ دارت العديد من المحاولات لاحتواء الصحافة المصرية تارة بدعوى تنظيمها (1962) وتارة أخرى لتقنينها كسلطة من سلطات الدولة ففي أعقاب التعديل الدستوري الذي جرى عام 1980 أضيف إلى سلطات الدولة الثلاث سلطة رابعة وهى سلطة الصحافة .
في سابقة لا مثيل لها في كافة الدساتير المقارنة فقد استقر الفقه في كافة المدارس القانونية على أن سلطات الدولة ثلاث وهي التشريعية والقضائية وأخيرا التنفيذية .
على الرغم من تفرد المشرع الدستوري المصري في هذا الشأن إلا أن اصطلاح سلطة الصحافة كسلطة رابعة ليس بمصطلح مصريا خالصاً فيرجع العديد من الفقهاء هذا الاصطلاح إلى البرلمان الانجليزى في بدايات القرن التاسع عشر إلا أنه لم يكن يقصد بهذا المصطلح –حينئذ- تقنين سلطة الصحافة كسلطة رابعة بل كان يهدف إلى إبراز دور الصحافة وتأثيراها في المجتمع.
لكن إذ ما نظرنا الى نص م 206 من الدستور المصري والتى قررت بأن الصحافة سلطة شعبيه مستقله تمارس رسالتها على الوجه المبين في الدستور والقانون – لا تستطيع ان تحدد المفهوم الذي اراده المشرع الدستورى من اعتبار الصحافة سلطة شعبية فهل اراد هذا الاصطلاح تقنين الصحافة كسلطة رابعة. أم كان يهدف الى توضيح الدور الذي تلعبه الصحافة في مصر.
ولعل العديد يسارع بالإجابة بأنه لا يمكن أن يكون الهدف من المادة 206 من الدستور هي أبراز أهمية دور الصحافة في المجتمع المصري بل من المؤكد أن إرادة المشرع الدستوري قد اتجهت نحو اعتبار الصحافة سلطة رابعة بالفعل.
إلا أن هذه الإجابة تصطدم بحقائق أخرى تفندها ولعل من أهم تلك الحقائق هي ان المشرع الدستوري لم يمنح للصحافة قدراً من السيادة تتوافق مع السلطة الممنوحة إياها.
فالسلطة في اللغة القانونية هي مظهر من مظاهر السيادة لذلك فلكل سلطة القدرة على الأمر وفرض إرادتها على الإفراد والمجتمعات اى إنها تتمتع بقدر من سلطة الدولة كنشاط واختصاص فيه عنصر الاختيار والقدرة على اتخاذ القرار وإلزام الأفراد بتنفيذه.
إلا أن المتفحص لعمل الصحافة لا يجد ظلاً لهذه المظاهر في نشاطها وحتى إذ ما خولنا للصحافة هذه المظاهر أو بعض منها فعلى من ستمارسها؟
فلا يمكن ان تمارسها على الأفراد فالصحافة هي ضميرهم للتعبير عن آرائهم.
ولا يعقل كذلك أن نوجه تلك السلطة الى باقي السلطات حيث يمثل ذلك اعتداء على استقلال تلك السلطات ومخالفا لمبدأ هام استقرت عليه كافة الدساتير الحديثة هو الفصل ما بين السلطات.
إلا أننا بالنظر الى ما استقرت عليه محكمة القضاء الإداري حينما قررت"بأن قاعدة الفصل ما بين السلطات وفقا لما اجمع عليه فقهاء القانون العام في العصر الحديث وطبقاً لأسس النظام الديمقراطي والمبادئ الدستورية تقوم على عدم فصل السلطات فصلاً تاماً.وإنما هي تتمثل في فصل السلطات فصلاً محدداً بتعاونها وتساندها بحيث تتداخل الاختصاصات أحيانا بما يحققه الصالح العام .
وإن قادنا هذا التفسير الى اعتباران الصحافة سلطة رابعة أي انه يمكنها من فرض رقابتها على أداء السلطات الثلاث الرئيسية فانه يقابله –بالطبع- رقابة من قبل السلطات الثلاث لأداء الصحافة.
* ويمكن ان نتصور الحال حينما تقع في الاعتبار ان سلطة الصحافة هي سلطة رقابية دون ان يكون لها مظاهر السيادة التى تحميها من تدخل باقي السلطات في شئونها وعليه فإنها ستكون دائما وأبدا الطرف الأضعف المغلوب على أمره مع الوضع في الاعتبار ترسانة القوانين المقيدة -لحرية الراى والتعبير-
ويمكن أن نخلص من هذا بأن النص الدستوري باعتبار الصحافة سلطة رابعة لم يكن الغرض منه منحها سلطة حقيقية تعينها على استقلالها – لعدم منحها مظاهر هذه السلطة ولأستحالة منحها هذه المظاهر.
وكذلك لم يكن تقنين الصحافة مرجعه الشعور بأهميتها وإنما الرغبة في احتوائها وتقيد حريتها.
وعليه فأننا نخلص من كل ما سبق بأن المشرع الدستورى حينما وضع قواعد دستور 1971 – مع الوضع في الاعتبار طريقة اختيار اللجنة التى وضعت دستور 1971 وضع معه ميراث كبير من الفكر المقيد للحريات وقد حاول جاهداً ان يرسم حدود الدستور لتتوافق الى حد كبير مع القوانين السابقة عليه (سواء كان قانون العقوبات او الإجراءات الجنائية او غيرها من القوانين)
حتى حينما وضع من النصوص الدستورية التى تحدث فيها عن سلطة الصحافة فانه منحها سلطة وهمية لم يكن يهدف من هذا النص تحرير الصحافة بقدر ما كان يهدف الى احتوائها ولعل ابلغ دليل على ذلك – رغم ما سبق وان ذكرناه- هو قانوني سلطة الصحافة رقم 148 لسنه 1980م والقانون الحالي 96 لسنه 1966م وكل منهما أنشئ ما عرف بالمجلس الأعلى للصحافة واتبعه لمجلس الشورى الذي يعين فيه ثلث أعضائه من قبل السلطة التنفيذية هذا بخلاف إن الهدف الحقيقي من إنشاء مجلس الشورى هو إيجاد من يرث ملكية الصحف بعد إلغاء الاتحاد الاشتراكي فقد نص م 22 من قانون الصحافة رقم 148 لسنه 1980 م على اعتبار المؤسسات الصحفية القومية مملوكة ملكية خاصة للدولة ويمارس حقوق الملكية عليها مجلس الشورى.\ولتأكيد ذات المعنى جاء نص المادة 55 من القانون 96 لسنه 1996م بشأن تنظيم الصحافة في بابه الثالث في الفصل الأول حينما تحدث عن ملكية الصحف القومية ليؤكد على انه يقصد بالصحف القومية بأنها الصحف التى تصدر حالياً او مستقبلاً عن المؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء وشركات التوزيع التى تملكها الدولة ملكية خاصة ، ويمارس حقوق الملكية عليها مجلس الشورى.
هذا بخلاف ما منحه الشارع من صلاحيات وأسعه سبق وان تناولنها في الفصل الأول من تقريرنا هذا 0 للمجلس الأعلى للصحافة الذي مكنه من بسط يده على مقاليد الحياة الصحفية في مصر.
وعليه فأننا نجد – وبحق – أن الدستور المصري هو احد أسباب تدهور حرية الرأي والتعبير في مصر
المبحث الثاني
ثقوب في ثوب صاحبة الجلالة
( قانون الصحافة)
لقد تناولنا في المبحث الأول من هذا التقرير ولع الحكومات المتتالية – فيما بعد 1952م- بالصحافة، وقد أوضحنا أن هذا الولع لم يكن مصدره الاهتمام بها كمؤثر هام لأداء تلك الحكومات والمعبر الأول عن آراءه الجماهيرية بل كان مصدر هذا الاهتمام هو محاولة السيطرة عليها وتحويلها أبواق دعائية للحاكم
الفرع الأول :
لمحة تاريخية حول تطور قوانين تنظيم الصحافة
لا يمكن لنا ان نغفل محاولات تقييد حرية الصحافة فيما قبل 1952م فأمر اغتيال الصحافة المصرية لم يكن مقصوراً على حكومات ما بعد الثورة 0 بل أن الأمر يصل الى ما هو ابعد من هذا التاريخ بكثير .
فتعود أولى محاولات السيطرة على الصحافة في مصر الى عام 1827 م حينما أصدر محمد على أول صحيفة في مصر وسميت "جورنال الخديو" وعقب ذلك بعام صدرت جريدة الوقائع المصرية وخضعت هذه وتلك لرقابة صارمة من ديوان الخديو.
وظل أمر الرقابة هذه إلى أن صدر أول قانون للمطبوعات في 26 نوفمبر 1881م. والذي كان قد صدر في عهد الخديو توفيق وقد فرض العديد من القيود على المطبوعات مما أدى إلى وأد الصحف التى كانت تصدر.
ولم يقتصر الأمر عن هذا الحد بل زاد إلى ما هو أسوء في ظل الاحتلال الانجليزى والذي فطن –بعقلية المستعمر- إلى أهمية الصحافة وتأثير حرية الرأي في إشعال حركات المقاومة ضده .
ولم يمر عام 1883 إلا و كان المستعمر الانجليزى قد أصدر قانون العقوبات والذي سعي من خلاله إلى فرض سيطرته الرقابية –من خلال هذا القانون- على الصحافة في مصر.
وظل الحال على ما هو عليه من بطش للمستعمر لقمع الحريات وعلى رأسها حرية الراى والتعبير ومحاولات مضنيه من الشعب المصري الباحث عن حقوقه الضائعة فيهب الشعب المصري من ثباته العميق لتنطلق شرارة ثورة 1919م لتشمل كافة ربوع مصر. ويعلن الشعب المصري عن وحدته وتماسكه وأمام هذه الثورة وما صاحبها من تحركات للسياسيين المصريين بقيادة سعد زغلول ورفاقه ، ليخرج للنور أول دستور حقيقي للبلاد في عام 1923. والذي كان قد صدر على غرار الدستور البلجيكى – ومنذ هذا التاريخ عرفت مصر لأول مرة حظر الرقابة على الصحف او انذراها أو وقفها بالطريق الإداري وعليه فقد عاشت الصحافة المصرية في أعقاب دستور 1923م فترة يسيره من الحرية وباتت تتقلب من اليسر الى العسر طبقاً للصراعات السياسية التى كانت دائرة ما بين أحزاب الأغلبية والمعارضة من ناحية وما بين الوفد والعائلة المالكة من ناحية أخرى.
حتى قامت ثورة 23 يوليو لتبدأ الصحافة المصرية حقبه جديدة فى تاريخها ولعل أول ما يؤخذ على فترة ما بعد 1952م انه بعد ان تولي الضباط الأحرار الحكم وعقب أزمة مارس الشهير تعاملوا مع الشعب المصري بعقلية المستعمر ولعل ابلغ دليل على ذلك انه في خلال الفترة من 1952 وحتى صدور القانون رقم 156 لسنه 1960م عانت الصحافة المصرية من الكبت والرقابة ، وكثير من الإجراءات التعسفية مثل المصادرة واعتقال الصحفية ومصادرة أموالهم من هذا أن القانون 156 لسنه 1960 قد جاء ليكفل حرية الصحافة في مصر فالهدف المعلن من هذا القانون الصادر في 24 مايو 1960 هو تحرير الصحافة من سيطرة راس المال لذلك قرر في مادته الثالثة أيلولة ملكية الصحف القومية الى الاتحاد الاشتراكي.
وعقب أن تم الغاؤه تم إحالة ملكية الصحف القومية إلى مجلس الشورى ولعل أول ما ينتج من هذا القانون هو أيلولة ملكية الصحف – من الناحية الفعلية- لرئيس الجمهورية بوصفه رئيس الاتحاد الاشتراكي بعد أن كانت مملوكة لأفراد من عامة الشعب يعملون على النهوض بها ويكافحون في سبيل حريتها واستقلاليتها .
فباتت مقدرات الصحف ومصائر الصحفيين بيد رئيس الدولة فن يجرؤ حينئذ على توجيه اية انتقادات لنظام الحكم او كشف أي من صور الفساد في الدولة ؟!
بل ولم يكتف قانون 156 لسنه 1960 بهذا فقط بل تمادى في وضع العديد من العراقيل والقيود التى تحد من ممارسه العمل الصحفي.
ولم يختلف الحال كثيرا في ظل القانون رقم 148 لسنه 1980م بش\ا تنظيم الصحافة الا في نقاط قليلة- المقصود هنا من حيث القيود التي وضعها على العمل الصحفي- فعل سبيل المثال ارجع أيلولة الصحف القومية إلى مجلس الشورى وريث الاتحاد الاشتراكي حتى حينما تم اعتبار الصحافة سلطة رابعة فانه لم يكن المقصود من منحها هذا السلطة هو إعطائها قدر من السيادة بقدر ما كان يهدف إلى احتوائها .
و كانت الطامة الكبرى بصدور القانون رقم93 لسنة 1995 قانون اغتيال الصحافة و الذي صدر بشكل مباغت و سري إذ أحالت الحكومة مشروع القانون الى رئيس مجلس الشعب في 20 مايو 1995 و الذي أحاله بدوره الى لجنة الشئون التشريعية في 22/5/1995 و التي عقدت جلسة خاصة لمناقشته صباح يوم 27/5/1995 لتقرر عرضه في جلسة مسائية خاصة لم يحضرها سوى 45 عضوا من أعضاء المجلس البالغ عددهم 454 عضوا حيث اقر القانون بموافقة 33 عضوا يمثلون 8 % من إجمالي أعضاء مجلس الشعب و كان القانون 93 لسنة 1995 قد أثار ثائرة الصحفيين و المهتمين بحرية الراى و التعبير عامة وشئون الصحافة خاصة.
خاصة و أن التعديلات التي اقرها قانون اغتيال الصحافة تقضي بالحبس و الغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيها لكل من نشر أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو دعايات مثيرة.
كما رفعت الحد تلك التعديلات الغرامة في قضايا القذف و السب و التي كانت تبدأ من عشرين الى مأتي جنيها لتصبح خمسة آلاف جنيها.
كما أن تلك التعديلات أصبحت لا تعتد بحسن نية الصحفي حالة نشر و وقائع أو أخبار يعتقد صحتها حتى و ان كان لاعتقادة هذا اسباب مقبولة.
و الجدير بالذكر ان مجلس نقابة الصحفيين كان قد اصدر بيانا في 28/5/1995 م أعرب فيه عن رفضه لاصدار اية تشريعات تتعلق بالصحافة دون استطلاع راى الصحفيين و اخذ مشورتهم و هو الامر الذي طالبت به الجمعية العمومية للصحفيين.
و كانت الجمعية العمومية للصحفيين قد انعقدت في الاول من يونيو لعام 1995 و اكدت بالاجماع على موقف النقابة الرافض للقانون، كما عقد الصحفيين أعتصام احتجاجي في يوم 6/6/1995 م بمقر النقابة ،كما احتجبت صحف المعارضة عن الصدور لمدة يوم واحد.
الفرع الثاني
: ظلال سوداء في الثوب الأبيض
قانــون الصحـــــافة 96 لسنة 1996م
رأينا الأجزاء السابقة من تقريرنا هذا مدى المعاناة التي تتكبدها الصحافة في مصر والمهيمنة بشئونها إلا أنه لا يمكن لنا متى تحدثنا عن القانون رقم 96 لسنه 1996 ان نغفل الجوانب الايجابية في هذا القانون والذي –الى حد ما- افضل –من الناحية النظرية- من سلفه ، فنجد أن هذا القانون –الذي وافق عليه مجلس الشعب في يونيو 1996م –انطوى على عده نقاط ايجابية كان من شأنها إحداث انفراجه ملحوظة وان كانت ضيقه- في شأن تعزيز حرية الصحافة والرأي والتعبير ولعل أهم النقاط الايجابية هي
* عدم جواز الحبس الاحتياطي في جرائم النشر.
جاء نص م 41 من القانون 96 لسنه 1996م ليقرر بعدم جواز الحبس الاحتياطي في الجرائم التى تقع بواسطة الصحف إلا في الجرائم المنصوص عليها في المادة 179 من قانون العقوبات وهى الجريمة الخاصة بإهانة رئيس الجمهورية.
* مصادرة الصحف أو تعطيلها.
أكدت المادة الخامسة من هذا القانون على انه يحظر مصادرة الصحف آو تعطيلها أو إلغاء ترخيصها بالطريقة الإدارية، وإن كان هذا النص يصطدم – في حقيقة الأمر- مع حالة الطوارئ المفروضة في مصر فأصبح بموجب هذه الحالة مجمداً لا يتم تفعيلة.
حتى أن نص المادة الرابعة والتي حظرت مراقبة الصحف جاءت في فقرتها الثانية لتؤكد على جواز فرض تلك الرقابة في حالة إعلان الطوارئ او زمن الحرب 000الخ ويتضافر كل من النصين معاً لينسخا " متى أعلنت حالة الطوارئ"ذلك الحظر.
ورغم ما سبق وان ذكرناه من ان قانون 96 لسنه 1996م كان من شأن إحداث انفراجه –ولو قليله- في مجال حرية التعبير والصحافة إلا إن هذه الانفراجة قد جاءت جزئية وقاصرة
* سلبيات قانون الصحافة 96 لسنه 1996م
بداية قيد القانون في مادته السابعة حق الصحفي في إبداء الرأي فاستلزم أن تكون المعلومات التى يبدها صحيحة.
تقررت بأنه لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببا للماس بأمنه.
وهذا في حد ذاته نوع من القيد على حرية الصحفي في الخبر الذي ينشره – فغالبا ما تكون الأخبار التي يتناولها الصحفي قيد وصلت إليه عن الطريق الشفوي الذي الأمر الذي يجعله _ أي الصحفي _مابين خيارين احلاهم مر الأمر الاول هو ان يقوم بالكشف عن مصدر الخبر أو المعلومه مما يؤدي إلي فقدان الثقه من باقي المصادر الأمر الذي يتبعه توقف كافة اعمال في ظل الصعوبات التي يعاني منها الصحفيين في الوصول الى الاخبار و جمع المعلومات ، و ثانيهما ان لا يبوح بمصدره مما يعجزه عن اثبات صحة الخبر و مصدره مما يتبعه احالته الى المحاكمة الأمر الذي قد يذهب به الى خلف اسوار العزلة و الصمت.
أي أن هذه المادة في ظل القيود التي توضع على استيفاء المعلومات هى قيد تعجيزى جديد يتنافى وحرية الصحافة - في عمومها – و التي تقضى - بداهة- بألا تكون هناك قيود تحد من حرية الصحفي وتطالبه بالتحري عن كل خبر لإثبات صحته نشره وهو يتنافى أيضا مع بداهيات العمل الصحفي التى تقوم على سرعة تداول الخبر ونقله.
كما أن هذا القيد لا يجد ما يبرره فحتى مع الزعم بأن أسباب القيد هو مردود عليه بأن من نشر أخبار كاذبة – دون الوضع في الاعتبار حسن النية من عدمه- فأن هذا من خلال كفالته لحق الرد بذات الموضوع بالجريدة وبذات الحجم بل أنه عاقب المسئول عن عدم النشر إذ ما لم يتم نشر الرد في غضون ثلاثة أيام تالية لتاريخ استلام هذا الرد والتصحيح.
ونتحول إلى نص المادة 21 من قانون تنظيم الصحافة والتي وضعت قيوداً جديدة على تناول الصحفي لمسلك المشتغلين بالعمل العام أو من في حكمهم.
فقد خالفت هذه المادة ما استقر عليه الفقه القانوني من أن نقد الحياة الخاصة بالمشتغلين بالعمل العام أو من في حكمهم يعد أمراً طالما استهدف هذا النقد الصالح العام دونما اشتراط أن يكون هذا النقد وثيق الصلة بأعمالهم بل أن نص م (22) من ذات القانون فرضت معاقبة المخالف لأحكام م (21) بالحبس سنه أو غرامه لا تقل عن خمسة الآلاف جنيهاً ولا تزيد عن عشرة الآلاف جنيهاً.
هذا بخلاف ما سبق وان تحدثنا عنه –في الفصل الأول- من سلبيات إنشاء المجلس الأعلى للصحافة وفرض سطوته على الصحف وسيطرته على تقاليد الأمور بها وعليه فإننا نجد أن قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنه 1996م بعض الظواهر السلبية التى من شأنها الإخلال بمبدأ حرية الصحافة والنشر وحريات الرأي والتعبير ولعل أهمها هو مصادرة حق الأفراد في إصدار الصحف وتملكها وهيمنة الدولة على الصحف القومية وغلبه الطابع الحكومي على تشكيل المجلس الأعلى للصحافة.
ولم يتناول القانون أية محاولات لإلغاء العقوبات السالبة للحرية في مجال قضايا النشر بل انه قد شكل عقوبات إضافية جديدة (سواء كانت سالبه للحرية او غرامات مالية كبيرة ) لتتضافر مع مثيلاتها في قانون العقوبات ليشكلا معاً سوطاً ليلهب صاحبة الجلاله ولا يفوتنا هنا الحديث عن محاولات إلغاء تلك العقوبات السالبة للحيرة في قضايا النشر ونتذكر سوياً الوعد الذي قطعه رئيس الجمهورية في أثناء فاعليات المؤتمر العام الرابع لنقابة الصحفيين بإلغاء تلك العقوبات السالبة للحرية .وهو الوعد الذي لم يدخل حيز التنفيذ حتى وقت كتابة هذه السطور ولا يسعنا في هذا المقام سوى المطالبة بإدخال هذا الوعد طالما انتظره المهتمين والمهمومين بالعمل الصحفي في مصر الى حيز التنفيذ.