الزملاء الأفاضل /
أرجو التمهل في قراءة هذه المداخلة ودراستها من كل جوانبها .... ثم التعليق .
لقد طرحت فكرة الضرر باعتباره هو المناط به تقرير مسئوليه فاعله .... في صياغة جديدة ومبتكرة للمسئولية المدنية ، ولكن يبدو أن الفكرة لم تكن واضحة ولم تلفت نظركم بالقدر الكافي .
ولتوضيح هذه الفكرة أقول : إن الضرر له صفة واقعية وهو في حد ذاته كافٍ لتقرير مسئوليه من أحدثه أوتسبب فيه ( نلاحظ تأسيس الفقه للمسئولية المدنية على فكرة الخطأ وجعله قوامها وإجماعه على ذلك.... مع أن الخطأ يقوم على التصور .... فهو في الغالب تصور ذهني للفعل يعتمد في الأساس على المجهود الذهني ، فنحن لا ندرك أن هناك خطأ إلا إذا لمسنا النتيجة وهو الضرر والذي له أثر ظاهر في عالم الواقع ، ويبقى الخطأ ساكناً كامناً حتى مع وجوده طالما لم يقع الضرر .
كما أنه لو لم يتحقق الضرر ما سئل الشخص عن الخطأ وهنا خطأ في السياسة التشريعية ، لأنه طالما أن هناك خطأ ما فوجب المساءلة ، وهنا كذلك أختلف مع الفقه الذي يقول أن الضرر هو الركـن الثالث من أركان المسئولية لأنه عندما تكلم عن ذلك خلصت من كلامه إلى أن الضرر شرط وليس ركـن ، وكان هذا مدعاة لي في التفكير في الأمر فهل من المعقول أن يخطأ الفقه على هذا النحو ، وحاولت قدر الإمكان إعادة ترتيب الأمور لعلي لم أدرك شيئاً فوجدت أنه صحيح ما خلصت إليه ، وعليه فإنه لإعادة بناء نظرية في المسئولية المدنية يمكن القـول ، بأن الضرر هو ركنها الأوحد ، وأن الخطأ هو شرطا مبدئياً) .
هذه هي الجزئية الأولى ، وهي التي أؤسس عليها فكرة المسئولية المدنية .... فمن له اعتراضات ومآخذ فليبديها لنتناقش فيها سوياً ، فربما نخلص إلى نظرية جيدة ذات شأن .
الجزئية الثانية : أركان المسئولية المدنية وفقاً لنظريتي السابقة :-
1- وجود ضرر : وهو مسألة واقع كما ذكرت ، وهو الركن الوحيد وبدون تحققه لا تقوم المسئولية أصلاً .
2- شرط المسئولية : وهو نشاط إيجابي أو سلبي ، فلا يوجد ضرر دون نشاط يعتبر وجودة شرطاً للمساءلة .
3- سبب المسئولية : وهو توافر علة بين النشاط الإيجابي أو السلبي ، أو علاقة السببية كما يطلق عليها أكثر الفقهاء .
الجزئية الثالثة : قواعــد الإثبات وفقاً لنظريتي السابقة هي نفس قواعد الإثبات العامة وهي :-
1- إثبات المضرور حصول الضرر وهو واقع يمكن إثباته .
2- إثبات المضرور علاقة السببية بين نشاط الشخص المدعى عليه وبين الضرر الحاصل له .
إذا أراد الشخص أن ينفي مسئوليته عليه أن يدفع بعدم حصول الضرر فعلاً ، أو أن نشاطه ليس هو الوحيد المسبب لهذا الضرر إلى غير ذلك من الدفوع التي تنال من المسئولية أو تقلل منها والتي لا تخفى عليكم .
يلاحظ من خلال نظريتي السابقة أنه ليس مهماً أن يكون النشاط المسبب للضرر من جانب المدعى عليه موصوف بالخطأ ، لأنه ليس هناك معيار منضبط في ذلك ، ومن منكم قرأ أو لديه معلومة حول وجود معيار لكي يكون نشاط ما خطأ يبينه لي خاصة في نطاق المسئولية المدنية بعكس المسئولية الجنائية حيث تكفلت القاعدة الجنائية بذلك ، لأنه كما قلت الخطأ تصور ذهني ودائماً يعتمد في تقريره على النتيجة وهي الضرر وإذا أراد القانون أن يبينه فإن عليه أن يفرض جميع قواعد السلوك المدني الذي يتخذها الشخص أثناء حياته حتى ما إذا تصرف الشخص خلاف للنموذج المفروض عد مخطئاً .... وهذا مستحيل .
الجزئية الرابعة : أنه وفقاً لنظريتي السابقة ستنعدم الحاجة إلى تمييز المسئولية المدنية إلى مسئولية عقدية ومسئولية تقصيرية ، بل هناك مسئولية مدنية قوامها الضرر وليس الخطأ ، ذلك أن العقد في حد ذاته لا يرتب إلا التزامات شخصية ( نلاحظ هنا اقتراب المسئولية العقدية من المسئولية التقصيرية تمهيداً لمرحلة الاندماج التام حينما يتحول الالتزام العقدي إلى قاعدة سلوكية ، فالمسئولية التقصيرية تقوم إذا تصرف الشخص على غير النحو الواجب وفقاً لقاعدة السلوك التي يوجبها القانون وهذا من الفرضيات ) ، ومن ثم إذا حللنا المسئولية العقدية وفقاً لتسلسل قيامها سنجدها كالتالي :-
· ضرر حصل من عدم التزام الشخص بتنفيذ التزام شخصي
· التزام شخص بعمل أو بعمل أو بالامتناع
· عقد مولد لالتزام شخصي
أخيراً يبقى أن أشير إلى أن البعض قد يسأل أين المسئولية عن الأشياء أو عن فعل الغير من هذه النظرية ؟
أقول له : إن المسئولية عن فعل الغير وعن الأشياء ترتد إلى فكرة الضمان بكل ما تحمله هذه الفكرة من حلول عادلة للمسئولية عن فعل الغير وعن الأشياء ، بل بالعكس نظريتي السابقة والتي قوامها الضرر تعتبر مجردة بمعنى أنه يجب قيامها أولاً ، ثم قيام فكرة الضمان ثانية للمساءلة عن فعل الغير أو عن الأشياء ، وهذا ما يؤيد نظريتي السابقة بالابتعاد عن فكرة الخطأ في المسئولية المدنية ، لأنه في المسئولية عن فعل الغير وعن الأشياء ليس هناك خطأ حقيقي في جانب المسئول المدني ، ولكنه في رائي ضامن للمسئولية التي تترتب على تابعية أو على أشياءه ، مهما قيل في محاولات إثبات هذا الخطأ .
إن هذه النظرية الجديدة بالتأكيد تحتاج إلى مزيد من آرائكم وهي نواه لصياغة جديدة للمسئولية المدنية إذا كتب لها النجاح ، وإنشاء الله سأبحثها تفصيلاً وإذا قدر لي سأقدمها كورقة عمل في الندوات القانونية المتخصصة هذا بالتأكيد بعد ملاحظاتكم وآرائكم على الأقل ولو بشكل عام ، يبقى أن أشير إلى أنه على حجم النقض والمثالب التي ستوجهونها سيتقرر تبني هذه النظرية أم لا .... لذا فآرائكم مهمة على الأخص ما يبين العيوب .