دراسة ماجستير "محدودة" تقود إلى مشاركة سياسية في الخليج
بكلمات محدودة هي "ممنوع" و "لا يسمعك أحد"، انغرست نبتة "السياسة" داخل عقول ووجدان أجيال عديدة، ليس في السعودية فقط بل كانت ظاهرة عامة في جميع الدول الخليج، واستمرت أجيال عديدة، حتى فجأة وجدنا أنفسنا أمام واقع فرضه الإعلام خصوصاً المرئي، يوجهها حسبما يشاء فارضاً خارطة في "الثقافة السياسية".
ولسنا هنا في مجال تقييم الثقافة السياسية التي تكونت لدينا في الماضي، فأن تمتهن السياسة كموقف أو تقليد أو تعبير يعني أنك تدخل دهاليز مظلمة، لأن كل شئ تشكل بمضامين خاصة خلال تلك الفترة، فـ "العروبيين" يعتبرون القومية وما يزالون أمر قدسي، وأن المعايير التي تقوم تفترض صداماً بين الغرب المتآمر، و"الأيدلوجيون" كرسوا وصف العلاقة بأنها لا يعدو استمراراً للحرب الصليبية، والاشتراكيون استثمروها لاستمرار تمرير الامبريالية... الخ.
في بلدنا لا يزال نصر على أن لنا خصوصية في هويته وتاريخه وأرضه على رغم زمن العولمة يجتاح بقوة كل الخصوصيات والهويات، أصبح "ضجيج" القنوات الفضائية خصوصاً يرسم خارطة الثقافة السياسية للمجتمعات العربية بجميع أجيالها. ولا جدال هنا على أن اجتياح الثقافة السياسية للقنوات الفضائية، سيقودنا حتماً إلى مسألة انغلاق الأنظمة العربية والحريات المقيدة، وما أدى أخيراً إلى حدوث الفوضى وتشتت المفاهيم كلها.
لكن المسألة تبدو أكثر خطورة فيما يخص الجيل الجديد من الشبان فشريحة منهم تتردد على أسماعها مصطلحات الديمقراطية والمشاركة السياسية والإصلاح، فيما شريحة أخرى تلقت خبرات في مجتمعات غربية، وأصبحوا يتحمسون إلى المشاركة السياسية، دون دراية ومعرفة بمعناها.
ومن المنطقي الإشارة هنا أن المشاركة السياسية هي تجربة طويلة تشارك فيها كل مؤسسات المجتمع المدني، بدءاً من الأسرة والمدرسة حتى يتضح لدى الفرد أخيراً السلوك السياسي السوي، ويرسم الحدود الفاصلة بين حقوق المواطنة وواجباتها، ويأخذ المجتمع أجيالاً حتى تتم عملية تنشئته على مسؤوليات وحقوق المشاركة السياسية، قبل أن تتطور لديها ممارسة سياسية صلبة وفاعلة ومثمرة.
وتكشف دراسة رسالة ماجستير اختصاصية أجرتها الباحثة هنادي بنت عبدالله المسن من سلطنة عمان، حول التثقيف السياسي لطلاب الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي في جامعة القاهرة، مستنداً على استبيان ميداني أن شباب الخليج لا يعرفون مفهوم الحقوق التي يطالبون بها حتى وإن كانت سياسية، هذا و أنهم لا يعلمون أدوارهم في المجتمع. فيما أثبت الاستبيان أيضاً رغبتهم في المشاركة. لكنه في نفس الوقت تقدم لنا من خلال الاستبيان مفاجئة في أولوياته من حيث الرغبة في العيش الرغد أو بمعنى آخراً، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كحقهم في الزواج و العمل والمأكل والملبس، فكيف تأتي هذا الحقوق إذا لم نتشارك مع بعضنا في تحقيقه.
و يتحدث استبيان الباحثة بوضوح وشفافية عن المعلومات السياسية المتوافرة التي لدي الشبان، وتقول الباحثة إنها وجدت من نتائج التحليل الرقمي أنها نسب ضئيلة للغاية في معظمها. وبحسب الاستبيان أيضاً فإن اغلب أفكارهم مستقاة من معلومات خارجية وليس داخلية، كما أن مداخلاتهم في المناقشة غالباً مشوشة، بل كانت مجموعة من المفاهيم المغلوطة التي لا تعكس وعياً حقيقياً بأبجديات الوعي الداخلي التي يجب أن يعرفها كل الشبان.
وتطرح الباحثة الأستاذة هنادي أخيراً في نهاية البحث، قائلة: على من تقع تقول مسؤولية كل ذلك؟ هل من شباننا أنفسهم، هل منظومة التعليم هي المسؤول الرئيسي في توجيههم إلي القنوات الرسمية والمتاحة للمشاركة في المجتمع الخليجي ؟
والواقع أن الباحثة الخليجية هنادي المسن لم تذهب بعيداً في بحثها، فهو إن صح التعبير منقول من أرض الواقع، فمعلومات الشبان السياسية، غالباً ما يكون مصدرها صورة يرسمها الإعلام،أو حوارات جماعية على "الماسينجر" أو داخل قاعات المحادثات.
إن عدم معرفة الكثير من الشباب بالإطار السياسي المختلفة في الشريعة أو في النظام بدءاً من مجلس الشورى في السعودية أو مجلس الأمة في الكويت أو في الخليج عاماً وأدوارها التشريعي والرقابي، يبرز الحاجة إلى التعرف علي المعاهدات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة أو معاهدات جامعة الدول العربية، وأهميتها ودورها ومجالات عملها، ومؤسسات تنمية المجتمع المحلية.
ويبدو أن المجتمع الشبابي في المنطقة في وهم في رحلة بحث عن الحقوق الذي يحقق طموح الأمة ووحدة تمسكه، يفتقرون إلي الإقناع أو الاقتناع او لفهم الحقيقي للحقوق الشرعية. لكن يمكن القول، أنهم في شكل عام، تنقصهم مجموعة من المهارات المهمة مثل مهارات الاتصال ومهارات تعبئة الرأي ومهارات التفاوض واتخاذ القرارات ومهارات إدارة الانتخابات والإعداد لها، بالإضافة إلي مهارة التخطيط سواء علي المستوي الاستراتيجي أو المستوي الميداني لتحقيق الغاية وهي وحدة النسيج الوطني.
الشباب هم الثروة الحقيقية، شعار إعلامي في الفترة الحالية لكنه ليس كافياًً، بل يجب الوقوف علي أهمية التثقيف السياسي حتي لا تتمزق هذه الثروة بين التعصب المذهبي أو إتباع الديمقراطية الغربية، ويجب أيضاً مساعدتهم للوصول إلى القنوات الشرعية التي تسمح لهم بالمشاركة. وليس المقصود هنا فقط المشاركة في الحياة السياسية وإنما المشاركة بمعناها الواسع المشاركة في المجتمع خصوصاً أعمال التطوع، ويجب أن يتعرف الشبان علي الأطر المؤسسية المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني ودورها في التنمية.
ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن صورة الشباب توضح أنهم تائهون وسط الفوضى الإعلامية لا يجدون أحدا يسمعهم ؟ وكذلك محاصرون بأوامر وممنوعات وفتاوى من كل اتجاه وليس لدية قنوات واضحة للتعبير عن أنفسهم وما بداخلهم، ويشعرون بأنهم مستبعدون من اتخاذ القرارات أو الحوار الوطني، كما أن سبل المعرفة والتعليم في هذا الإطار بالنسبة لهم محدودة.
والدعوة الآن مفتوحة إلى تكثيف قنوات الحوار لتوعية جيل الشبان حول حقوقه المشروعة. وندق معاً مع الباحثة جرس الإنذار بأن كثيراً من شباننا تصلهم معلومات مغلوطة عن المفاهيم والقيم الأساسية وعن حقيقة الديمقراطية والمشاركة. وهم بحق بحاجة إلي فكر يشملهم ويتعامل معهم ويضمهم مهما اختلفت اتجاهاتهم وتباينت، وآن الأوان كي نفتح حواراً حول قضية التثقيف السياسي بين الشباب أو صناع القرار السياسي أو المجتمع المدني.
د. عبدالله مرعي بن محفوظ
Abdullah@binmahfouz.net