الزميلات والزملاء الأعزاء
هذه المشاركة جزء من بحث لى بعنوان قراءة قانونية فى جدار الفصل العنصرى صدر فى يوليو 2005 الماضى عن مركز هشام مبارك للقانون وأتمنى ان يكون فيه افاده للاساتذه والزملاء اعضاء المنتدى
تقبلوا تحياتى
أحمد راغب المحامى
مبحث تمهيدي
اللجوء إلى محكمة العدل الدولية باعتباره أحد الوسائل السليمة لحل النزاعات
محكمة العدل الدولية ( نظرة تاريخية )
يعد اللجوء الى محكمة العدل الدلية لحل النزاعات الدولية هى احدى الوسائل القانونية لتسوية النزاعات الدولية ، فعندما يقوم نزاع[1] دولة ما، فان أطراف النزاع امامهم لتسوية نزاعهم سلميا احدى طريقين فأما أن يتبعوا الوسائل السياسة مثل قبول الوساطة أو المفاوصات أو غيرهما من الوسائل السياسية لتسوية النزاعات الدولية او ان يلجئون الى تسوية نزاعهم عن طريق الوسائل القانونية (التحكيم الدولي او القضاء الدولي) ، ويمكننا القول بان اللجوء الى محكمة العدل الدولية هو تسوية قضائية "Judicial settlement " للنزاعات الدولية " .
ويعود الفضل فى طرح فكرة انشاء جهاز قضائي دولي دائم مختص بحل النزاعات القانونية الدولية الى مؤتمري لاهالي للسلام 1899 و 1907 ، ولم يكن طرح هذه الفكرة بديلا او عوض عن محاكم التحكيم الدولي ( التى كانت منتشرة فى هذا الوقت ) وانما لتكون مكملة لها ، ومن ابرز المحاولات الدولية فى هذا الشأن محاولة انشاء محكمة دولية للعدل التحكيمى ومحاولة انشاء محكمة دولية للغنائم.[2]
ويعتبر اغلب الفضة الدولي ان محكمة الدائمة للعدل الدولي (1920) وهى اول تجسيد حقيقى للقضاء الدولي الدائم ، وتعد محكمة العدل الدولية هى الوريث الشرعي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي بل ان البعض يعتبرها امتدادا لها وان ما حدث هو فقط مجرد تغيير الاسم او الثوب.[3]
فبعد انتصار الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية فكروا فى انشاء منظمة دولية بديلة عن عصبة الامم ( التى فشلت فى حفظ السلم والامن الدوليين ) على ان تكون المنظمة الجديدة معبرة عن التوازنات الدولية التى احدثتها الحرب وفى بداية الامر لم تكن تلك الدول مهتمة بإنشاء محكمة دولية بديلة عن المحكمة الدائمة للعدل الدولي ، وهو الامر الذي انعكس على تصريح موسكو 30 اكتوبر 1943 [4] فقد خلا هذا التصريح من اى اشارة الى المحكمة الدائمة للعدل الدولي وهو ما تغير تماما بعد ذلك فى المباحثات التمهيدية فى دمبارتون اكس عند انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو ، وفى هذا المؤتمر وافقت الدول المؤتمرة على إنشاء جهاز قضائي جديد اطلق عليه محكمة العدل الدولية والتى اصبحت طبقا لميثاق الامم المتحدة هى الجهاز القضائي الرئيسي للامم المتحدة ( م 92 ممن الميثاق والمادة الاولى من النظام الاساسي للمحكمة ) فضلا على انها احد الاجهزة الرئيسية للامم المتحدة ( م / 7 فقرة 1 من الميثاق ) ، على ان هناك ارتباط وثيق بين قبول الدول اللجوء الى محكمة العدل الدولية بل اللجوء الى وسائل التسوية السليمة للنزاعات الدولية وبين ذيوع مبدأ حظر استخدام القوة فى العلاقات الدولية ، كما ان هناك ارتباط نظري بين وجود محكمة العدل الدولية كأحد وسائل التسوية السليمة واحد الاليات التى توفرها منظمة الامم المتحدة لتسوية النزاعات الدولية وبين مسئولية الامم المتحدة – مجلس الامن والجمعية العامة – عن حفظ السلم والامن الدوليين ، فعلى منظمة الأمم المتحدة فى اطار مسئوليتها عن حفظ السلم والامن الدوليين ان تحث الدول على اللجوء الى الوسائل السليمة لتسوية النزاعات الدولية ، بل ان من حق الأمم المتحدة استخدام اجراءات عسكرية لحمل الدول على ذلك فى اطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، ويتضح هذا الارتباط فى نص المادة 36 فقرة 3 من الميثاق التى الزمت مجلس الأمن بمراعاة ضرورة عرض اطراف النزاعات القانونية على محكمة العدل الدولية ، كذلك المادة 92 أشارت الى ان النظام الأساسي للمحكمة جزء لا ينفصل عن ميثاق الامم المتحدة .
ويقع مقر محكمة العدل الدولية فى قصر السلام بـ لاهالي وتتكون المحكمة من 15 قاضي يتم انتخابهم طبقا لترشيحات مجلس الأمن والجمعية العامة للامم المتحدة كلا على حدة ( المواد : 4 ، 8 10 ، 11، 12 من النظام الاساسي ، ومحكمة العدل الدولية كمورثتها – المحكمة الدائمة للعدل الدولي – لها اختصاصان الاول اختصاص تنازعي أو قضائي بالمعنى الدقيق والاختصاص الثاني هو اختصاص افتائى[5].
وطبقا لتعريف المحكمة الدائمة للعدل الدولي المشار اليه فانه يفترض ان يكون احد اطراف النزاع او كليهما من اشخاص القانون الدولي ( دولا كانوا ام منظمات دولية ) ومن ثم يتبادر الى الذهن المركز القانوني الدولي لفلسطين وهل تتوافر بها كافة مقومات الشخصية القانونية الدولية ام لا وهل هذه المقومات تؤهلها لان تكون طرفا فى نزاع امام محكمة العدل الدولية ، وهذا هو ما سوف نتناوله فى عجالة كالتالي .
أولا : المركز القانوني الدولي لفلسطين
يستلزم للقول بوجد نزاع دولي ما – وكما اشرنا سلفا – ان يكون احد اطرافه من الاشخاص القانونية الدولية وان كان فقهاء القانون الدولي قد اختلفوا فيما بينهم حول تحديد من هم اشخاص القانون الدولي العام الا ان الرأي الغالب هو ان الدول والمنظمات الدولية هى أشخاص القانون الدولي بالاساس[6] ولما كانت الدول هى حجر اساس القانون الدولي ومحل قواعدة واتفاقاته ، فقد عنى الفقة الدولي بهذا الموضع وهو ما جعل بعض الفقهاء ( وهم من انصار النظرية التقليدية للشخصية الدولية)[7] يقصرون أشخاص القانون الدولي على الدول فقط .
على انه يجب تحقق عدة عناصر حتى نسلم بوجود دولة ما ، وهذه العناصر هى وجود حيز من الأراضي وما فوقها من سماء وما يحدها من مياة ،كذلك وجود مجموعة من السكان يعيشون على هذه الأراضي واخيرا وجود حكومة او سلطة معبرة عن هولاء السكان ولها السيادة على ذلك الاقليم فضلا عن اعتراف المجتمع الدولي بهذا الكيان ( الدولة ) وهو ما يسمية البعض الاعتراف المنشىء اى الاعتراف بنشوء هذه الدولة.[8]
ووفقا للقواعد السابقة فان فلسطين التاريخية تعرضت فى العصر الحديث للاحتلال العثمانى ثم الاحتلال البريطاني وفقا لاتفاقية سايكس بيكو بعد هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الثانية ومن ثم مارست بريطانيا ما سمي بالانتداب على فلسطين التاريخية ثم ، قررت بريطانيا عرض امرها على الجمعية العامة للامم المتحدة والاخيرة اصدرت قرارها الشهير رقم 181 والصادر فى 29 نوفمبر 1947 والذي عرف فيما بعد بقرار التقسيم والذي بمقتضاه تم تقسيم فلسطين التاريخية الى دولتين احدهم عربية واخرة يهودية ، وهو القرار الذي رفضته الدول العربية وقبله الصهاينة ، ثم اعلنت بريطانيا انهاء انتدابها على فلسطين وجلائها عنها وبجلاء الاخيرة عن فلسطين اعلن عن قيام دولة اسرائيل فى مايو 1948 وهو ما يسمي فى الادبيات العربية بعام النكبة.[9]
واستند مؤسسي الكيان الصهيوني فى إعلان دولتهم على قرار التقسيم المشار اليه ،فإعلان قيام إسرائيل قد نص فيما ينص على :
" ......... وبفضل حقنا الطبيعي والتاريخي وبقوة القرار الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة نجتمع لنعلن بذلك قيام الدولة اليهودية ............. والتى سوف تدعي دولة اسرائيل " وبصدور هذا الإعلان قامت بعض الدول بالاعتراف بقيام دولة إسرائيل ، وتم قبول عضويتها فى منظمة الامم المتحدة .[10]
وعلى الجانب الاخر نجد انه وبعد فترة من الزمن قام المجلس الوطنى الفلسطيني فى 15 نوفمبر 1988 باعلان قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس وذلك استنادا الى القرار رقم 181 والمعروف باسم قرار التقسيم ، وعقب هذا الاعلان قررت الجمعية العامة للامم المتحدة فى 15 ديسمبر 1988 الاعتراف باعلان دولة فلسطين وقررت استعمال اسم فلسطين بدلا من تسمية منظمة التحرير الفلسطينية دون المساس بمركز المراقب للمنظمة وذلك اعتبارا من 15 ديسمبر 1988 ، وبعد هذا الاعلان قامت العديد من دول العالم بالاعتراف بدولة فلسطين.[11]
ويترتب على اعلان قيام دولة فلسطين عدة نتائج هامة هى :
1- ان اعلان قيام دولة فلسطين استند بالاساس على قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 181 والمعروف باسم قرار التقسيم وهو نفس القرار الذي استندت اليه اسرائيل فى اضفاء المشروعية الدولية على قيام كيانها العنصري وايضا اكتساب عضوية المنظمات الدولية ومنها عضوية منظمة الامم المتحدة .
2- ان اعتراف الامم المتحدة ممثله فى الجمعية العامة باعلان قيام دولة فلسطين فضلا عن اعتراف العديد من دول العالم بهذه الدولة يمكنة تسمية بالاعتراف المنشىء مما يعنى اعتراف الدول بوجود شخص دولي جديد ( الدولة الفلسطينية ) ،ولا ينال من هذا القول بان هذه الدولة هى دولة من ورق او دولة دون سيادة وذلك لان اعتراف اغلب الجماعة الدولية باعلان الدولة الفلسطينية واعتراف البعض بالدولة الفلسطينية يعنى اعتراف بالسيادة الفلسطينية للشعب الفلسطيني على الاراضي الفلسطينية تحت الاحتلال هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان العمل الدولي قد جرى على الاعتراف بالحكومات المؤقتة وباللجان الوطنية التى تمثل الدول الواقعة تحت الاحتلال مثل اللجنة الوطنية التشيكوسلوفاكية واعتراف الحلفاء بديجول كرئيسا للفرنسيين الاحرار وغيرها[12].
3- ان ممارسة اسرائيل بعض مظاهر السيادة على الاراضي الفلسطينية المحتلة لا يعنى عدم وجود الدولة الفلسطينية وانما يعنى ان اسرائيل دولة احتلال وفقا للقانون الدولي وهو ما يعني التزامها بالقواعد الدولية للقانون الدولي ومن ثم التزامها باتفاقيات جنيف الاربعة ، بل ان قرار الجمعية الجمعية العامة للأمم المتحدة بارسال قضية بناء اسرائيل للجدار العازل فى فلسطين لمحكمة العدل الدولية لاصدار فتولي قانونية بشأنه وفقا لاتفاقيات جنيف وخاصة الاتفاقية الرابعة انما يعنى وجود دولة تمارس الاحتلال ودولة اخرى محتلة وهو ما سنوضحة فيما بعد .
ومما سبق يتضح لنا ان اعلان الدولة الفلسطينة المشار اليه هو اعلان مشروعا لانه صدر عن جهة تمثل الشعب الفلسطيني ( المجلس الوطني ) وكذلك فانه هذا الاعلان قد رتب نتائجه القانونية حيث اعترفت العديد من دول العالم وكذلك المنظمة الدولية بهذا الاعلان وبهذه الدولة – وهو ما يسمية الفقة بالاتفاق الدولي الأول او الاعتراف المنشىء للدولة – ومن ثم فان الدولة الفلسطينية تعد من اشخاص القانون الدولي فالشخصية القانونية الدولية تتوافر باجتماع وصفين بها[13].
1- القدرة على انشاء القواعد القانونية مع غيرها .
2- المخاطبة اى ان يكون هذا الشخص مخاطبا باحكام القواعد الدولية .
وهما الوصفين المتوافرين بالدولة الفلسطينية فهى من زاوية تنشىء القواعد القانونية مع غيرها من اشخاص القانون الدولي وذلك مثل عقد الاتفاقيات الدولية ومن زاوية اخرى فالدولة الفلسطينية لديها اهلية الوجوب والاداء .
ومن ناحية اخرى وبعد عقد اتفاقيات السلام التى بموجبها انتقلت القيادة الفلسطينية من المنفى الى الاراضي المحتلة لتشكل ما يسمي بالسلطة الفلسطينية من مجلس تشريعي واجهزة امنية وغيرها من مؤسسات الدولة ، أصبح هذا التواجد الفعلي على الاراضي الفلسطينية يشكل معطى جديدا وهاما فى وجود الدولة نفسها اذ ان هذه السلطة تمارس نوعا ما من السيادة بغض النظر عن انها سيادة منفوصة – لتكتمل بذلك وعلى ارض الواقع عناصر الدولة القانونية فهناك اقليم وهو الاراضي الفلسطينية المحتلة بالاضافة الى الأراضي الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية – سياسيا وامنيا – وكذلك هناك شعب ويتمثل فى الشعب الفلسطيني سواء فى الاراضي المحتلة او فى الشتات بالاضافة الى وجود سلطة او حكومة معبرة عن هذا الشعب وتمارس السيادة على هذا الاقليم فضلا عن وجود اعتراف دولي بهذه الدولة كما اوضحنا سابقا .
ثانيا : سلطة الجمعية العامة فى طلب فتوى من محكمة العدل الدولية .
غنى عن البيان ان الجمعية العامة للأمم المتحدة هى احد الهيئات الرئيسية بالمنظمة ( م 7/1 من الميثاق ) وتتألف الجمعية من جميع أعضاء الامم المتحدة ( م 9/1 من الميثاق ) ولها حق فصل الاعضاء بناء على توصية مجلس الأمن ( م /6 من الميثاق ) .
ولما كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة تتبوأ هذه المكانة فى منظمة الامم المتحدة، إذ تعد احد أهم الأجهزة التى تعمد عليها الأمم المتحدة فضلا عن كونها ملجأ الدول الضعيفة ، فقد منحها ميثاق الأمم المتحدة – هى ومجلس الامن – سلطة استفتاء محكمة العدل الدولية مباشرة ( م 96/1 من الميثاق ) كما ان النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية قد نص فى المادة 65/1 على :
" للمحكمة ان تفتى فى إيه مسألة قانونية بناء على طلب ايه هيئة رخص لها ميثاق الامم المتحدة باستفتائها ، او حصل الترخيص لها بذلك طبقا لاحكام الميثاق المذكور " .
وبناء على ما سبق فان ميثاق الامم المتحدة والنظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية قد منحا الجمعية العمومية للامم المتحدة سلطة طلب استفتاء محكمة العدل الدولية مباشرة او بعبارة اخرى فان للجمعية العمومية الحق فى اللجوء مباشرة الى محكمة العدل الدولية طلبا لاستفتائها فى ايه مسألة قانونية.
ومحكمة العدل الدولية لها- كما أشرنا سلفا - اختصاصان الأول اختصاص قضائي او الاختصاص بفض المنازعات بين الدول وهو يكون باتفاق اطراف النزاع على عرض قضيتهم على محكمة العدل الدولية سواء اكان هذا الاتفاق لاحق على النزاع او سابق عليه . ( م 36/2 من النظام الاساسي للمحكمة )، اما الاختصاص الثاني لمحكمة العدل الدولية فهو الاختصاص الافتائي ويقصد به سلطة المحكمة فى اعطاء اراء افتائية ( فتاوي بشأن المسائل القانونية التى تعرضها عليها الاجهزة الدولية المرخص بها بذلك)[14].
وتحكم المحكمة عدة ضوابط عند مباشرتها لاختصاصها الافتائى واول هذه الضوابط ان يكون الجهاز طالب الفتوى مختصا بذلك بالاضافة الى ان تكون المسألة المعروضة مسألة قانونية واخيرا ان تكون الدول المعنية بموضوع النزاع موافقة على عرضه على المحكمة وان كان هذا الاخير ليس محل اتفاق بين الفقهاء [15].
ثالثا : مدى التزام أطراف النزاع وطالب الفتوى بالرأي الاستشاري للمحكمة
يقتضى مننا عند بحث مدى التزام أطراف النزاع وطالب الفتوى بالرأي الاستشاري للمحكمة او بعبارة اخرى مدى الالتزام بفتوى محكمة العدل الدولية ، ان نشير الي القيمة القانونية للفتوى او الرأي الاستشاري للمحكمة اولا .
* القيمة القانونية للفتوى :
لم يهتم ميثاق الامم المتحدة او النظام الاساسي ومن قبلهما ميثاق عصبة الامم والنظام الاساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي بموضوع القيمة القانونية للفتوى التي تصدرها محكمة العدل الدولية او المحكمة الدائمة للعدل الدولي ولم يرد فى هذا الشأن سوى ما ورد فى المادة 59 من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية والتى جرى نصها على انه :
" لا يكون للحكم قوة الإلزام إلا بالنسبة لمن صدر بينهم وفى خصوص النزاع الذي فصل منه " ، فالمادة 59 من النظام الاساسي قد تحدثت عن " مدى الالتزام بالأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية لا الفتاوى " .
بينما نجد الفقة الدولي قد انقسم بين مؤيد ومعارض فيما يتعلق بمدى التزام الدول المعنية بموضوع الفتوى وكذلك التزام الجهة التي طلبت الفتوى، ويمكننا القول بوجود اتجاهين رئيسين فى هذه الخصوص اولهما يري بعدم تمتع الفتاوى بايه قيمة قانونية ملزمة وانها لا تعدو سوي رايا استشاريا غير ملزم ،اما الاتجاه الثاني فيري ان الفتاوى التى تصدرها محكمة العدل الدولية تتساوى مع الأحكام من حيث قيمتها القانونية الملزمة وان الاختلافات التى بين الفتاوى والأحكام ما هى الا اختلافات شكلية فقط.[16]
ويرى الدكتور أحمد الرشيدي ان الفتوى باعتبارها عمل قضائي لها حجية ، على ان هذه الحجية ليس بالضرورة تتمثائل مع القيمة القانونية او الحجة التى يتمتع بها الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية وذلك لان قيمة القرار ليس فى الجانب الالزامي فقط بل قيمته فى ان هذه القرار ينتج اثر قانوني معين[17]،والواقع انه على الرغم من القصور الذي شاب ميثاق الامم المتحدة والنظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية ومن قبلهما ميثاق عصبة الامم وكذلك النظام الاساسي للمحكمة الدائمة ،حينما تجاهلوا حسم مسألة القيمة القانونية للفتوى ، الا ان الواقع العملي والسوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية ومن قبلها المحكمة الدائمة والأجهزة المعنية يؤكد على حجية هذه الفتاوى واحترامها على الرغم من معارضة الدول المعنية بالفتوى أحيانا.
فالمحكمة الدائمة لم تفرق بين أحكامها والفتاوى التى تصدرها وهو الأمر نفسة الذي طبقته محكمة العدل الدولية ، فعلى الرغم من ان الأخيرة أشارت فى اكثر من مرة ان فتاواها غير ملزمة قانونا الا انها عملا لم تلتزم بهذه المقولة فى تصديها للقضايا والفتاوى بل انها اعطت قيمة للسوابق القضائية ، وهو ما عبر عنه القاضي دى كاسترو فى رأيه الانفرادي الملحق بفتوى المحكمة الصادرة بشأن قضية الصحراء الغربية بقولة[18].
" من الثابت انه فى حين ان حجية الحكم تقتصر على الأطراف الذين صدر بينهم او فى خصوص النزاع الذي فصل فيه ( م / 9 – من النظام الاساسي ) ، قد يكون للفتوى حجية فى مواجهة الكافة ، وليس فقط فى مواجهة الدول والمنظمات الدولية التى شاركت فى الإجراءات المتعلقة موضوع الفتوى "
ومن ثم يمكن القول بان هناك اتجاه قوى فى الفقة الدولي والقضاء الدولي والعرف الدولي نحو الاعتراف بالتزام الدول المعنية بالفتاوى التى تصدرها محكمة العدل الدولية كذلك التزام الاجهزة طالبة الفتوى ، فان كان لم يستقر هذا المبدأ وبالتالي لم يقنن الا انه لا يستطيع احد إنكار قيمة الفتاوى التى تصدرها محكمة العدل الدولية على الاقل باعتبارها رأيا قانونيا وهو ما اعتبره الدكتور الرشيدي حجية .
[1] عرفته المحكمة الدائنة للعدل الدولى فى قضية ما فرومانيس 1924بانه " عدم الاتفاق حول مسألة من الواقع أو القانون او هو تعارض فى العاوى القانونية او المصالح بين شخصين او اكثر من اشخاص القانون الدولي .
[2] طالع القضاء والتحكيم الدولي مجموعة من المذكرات والمحااضرات للدكتور أحمد الرشيدي صـ 93 وما بعدها
[3] المصدر السابق صـ 103 وما بعدها
[4] وهو تصريح اصدرته الدول الكبري المنتصرة فى الحرب واشارت فيه الى ضرورة انشاء منظمة دولية جديدة
[5] طالع المصدر السابق من صـ 107 وما بعدها
[6] طالع الدولة الفلسطينية دراسة سياسية قانونية فى ضوء احكام القانون الدولي لـ محمد شوقى عبد العال الهيئة المصرية العامة للكتاب 1992 م صـ 66 وما بعدها كذلك طالع اشخاص لقانون الدولي دراسة للدكتور: ابراهيم محمد العناني الطبعة الثانية من صـ 14 وما بعدها .
[8] طابع المصدر السابق صـ 56 وما بعدها
[9] فلسطين بالخرائط والوثائق- بهاء فاروق الهيئة المصرية للكتاب صـ 66 وما بعدها
[10] المصدر السابق ص 104 وما بعدها
[11] طالع : دراسات قانونية للدكتورة عائشة راتب دار النهضة العربية – طبعة 2003/ 2004 صـ 212
[12] المصدر السابق صـ 216 وما بعدها
[13] المرجع السابق صـ 214
[14] انظر القضاء والتحكيم الدولي أ.د أحمد الرشيدي ص 133
[15] المرجع السابق ص 148 وما بعدها
[16] المرجع السابق صـ 154
[17] المرجع السابق صـ 154 وما بعدها
[18] المرجع السابق ص 155 وما بعدها