الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود
سجل حافل بالانجازات خدمةً للحرمين الشريفين والقرآن الكريــــم وإرســـــاءاً لنهـــج وقواعــــــد الشــــورى
الاهتمام بالشأن الإسلامي في المملكة هو اهتمام أصيل ، بل هو أهم المرتكزات التي قامت عليها الدولة منذ عهد مؤسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل رحمه الله ، وذلك ليس بغريب فهي أرض الحرمين الشريفين ومهد الرسالة المحمدية التي عمت بنورها الوضاء أرجاء المعمورة ، كما أنها مثوى الرسول الكريم وقبلة جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الذين تتجه أنظارهم إليها يومياً في كل صلاة . لذلك ظل تمسك قيادة المملكة بنهجها الإسلامي منذ التأسيس قوياً ومتيناً دون تفريط ، وظل هذا التمسك يعبر بكل صدق وتجرد عن الانتماء الإسلامي الأصيل لشعب المملكة المخلص ، حيث تم ترجمة ذلك إلى حياة يحكمها شرع الله في كل الأمور الدنيوية ، فكان ذلك نموذجاً قدمته المملكة لكل العالم تعبيراً عن نشوء الدولة الحضارية المتقدمة التي تلتزم بكتاب الله وسنة رسوله الكريم في كل أوجه الحياة ، بأسلوب بنهل من معطيات الحضارة كل سماتها ، ويمزج بين هذا وذاك محافظاً على الهوية والأصالة الإسلامية في صورة تستحق أن تحتذى من قبل أي دولة إسلامية ساعية لخيري الدنيا والآخرة لشعوبها.
جاء عهد خادم الحرمين الشريفين رحمة اللة امتداداً لمسيرة النماء في إطار الثوابت الإسلامية مضيفاً جهداً داعماً للإسلام والمسلمين في كل مكان على الصعيدين الداخلي والخارجي ، ويصعب هاهنا حصر كل صغيرة وكبيرة بذلها خادم الحرمين الشريفين في خدمة الإسلام والمسلمين ، فهو سجل حافل بالعطاء الذي امتد افقياً ورأسياً على كافة الأصعدة، فلم تعد هناك بقعة من بقاع العالم لم تشهد دعماً أو مؤازرة أو عوناً من خادم الحرمين الشريفين رحمة اللة ، ليصبح دور المملكة كما هو مأمول لها رأس الرمح في دعم كل شأن إسلامي ، بل وأضحى رأيها ووجهة نظرها في كل القضايا الإسلامية محط أنظار العالم، برعايتها التي لا تتوانى لكل قضايا الإسلام والمسلمين ، وبدعمها الذي لا تحده الحدود في سبيل نشر كلمة التوحيد لتبقى راية لا إله إلا الله شامخة خفاقة على مر الدهور والأيام .
عهد خادم الحرمين الشريفين إمتداداً لنهج للشورى:
ظلت الشورى تمثل أحد الملامح الرئيسية في المملكة عبر كل الحقب التاريخية ، وقد سار خادم الحرمين الشريفين رحمة اللة على نهج والده واخوانه بتخصيص أوقات ثابتة أسبوعياً يستقبل فيها العلماء والمواطنين للاستماع إلى مطالبهم واقتراحاتهم ، وكذلك أصحاب السمو أمراء المناطق بالعمل على سياسة الباب المفتوح في تبادل الرأي والمشورة مع المواطنين في كل القضايا التي تهم الوطن والمواطن.
قد رسّخ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمة اللة دعائم الشورى في المملكة في خطابه التاريخي الذي ألقاه يوم 26/8/1412ه الموافق 1/2/1992م والذي تضمن إقامة نظام جديد لمجلس الشورى، ضمن أنظمة ثلاثة صدرت ذلك اليوم حيث تشكيل مجلس الشورى كتوثيق لشيء قائم، وصياغة لأمر واقع معمول به وجاء مجلس الشورى أيضاً مع مجالس المناطق التي تعتبر مجالس شورى في مناطقها جسوراً إضافية من جسور الاتصال والمشاركة لإيصال الرأي والمشورة وإتاحة الفرصة للمواطنين للتعبير عن ملاحظاتهم وآرائهم والعمل على كل ما يحقق المصلحة العامة وخدمة الوطن.
ويُعد مجلس الشورى في عهد خادم الحرمين الشريفين نقلة جديدة للمجلس، وذلك بإعادة تشكيله في إطار جديد بتحديث نظامه القديم بما يتناسب مع التغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي لمواكبة واقع العصر الذي نعيشه.
فالمملكة قد تطورت، وأصبحت دولة عصرية حديثة ، تتكون من مرافق مختلفة، وتوسعت الأنشطة ، وتطورت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعقـدت العـلاقات الدولية والإقليمية ، وأصبحت الدولة بحاجة لمثل هذا المجلس ، ليتناسب مع هذا التطور الذي وصلت إليه البلاد ، وليساهم مع مجلس الوزراء في إحداث التطوير للإجراءات ، وبناء الأنظمة وتفسيرها وتحديثها، فمجلس الشورى لا يختلف عن المجالس النيابية في أي دولة أخرى ، فقد نص نظام المجلس على مراجعة سياسة الدولة الداخلية والخارجية ، ودراسة الأنظمة والتعليمات والقواعد ، والاتفاقيات الثنائية والدولية ، ومناقشة خطط التنمية، واستفاد المجلس من تجارب الآخرين في الأنظمة والقواعد وغيرها ، باعتبارها ميراثاً بشرياً وهو تراث وتعاون حضارات وأمم ، وهي من السنن الكونية التي جعلها الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض تمشياً مع وقوله تعالى : (ولولا دفعُ الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد..)، فتدافع الناس واتصال مصالحهم من مصلحة البشر في النهاية ، واختار المجلس ما يناسبه من تلك الأنظمة والقواعد، فمجلس الشورى يمثل المملكة ويخدم مواطنيها ، وهو جزء من كيانها وجزء من نظام الحكم الإسلامي الذي تتبعه هذه الدولة بأمر الله وقوته. وقد وثّق مجلس الشـورى السعودي علاقاته مع عدد من المجالس المماثلة بالخارج ، ومع برلمانات بعض الدول لشرح التجربة السعودية المتميزة في مجال الشورى، وإلقاء الضوء على ملامحها المستمدة من الشريعة الإسلامية، باعتبار تلك التجربة أحد معالم النهضة الحديثة والشاملة في المملكة، وهي تجربة تفخر بإرسائها وترسيخها لمصلحة الوطن والمواطن.
خادم الحرمين الشريفين وتوسعة الحرم المكي :
أما في عهد خادم الحرمين الشريفين رحمة اللة فإن مشروعات التوسعة الكبرى التي أمر بها المليك المفدى هي من أكبر التوسعات ، مما يعكس اهتمام الدولة وحرصها المتنامي لخدمة ضيوف الرحمن وتمكينهم على الدوام لأداء مناسك الحج والعمرة بكل يسر وسهولة.أنفقت المملكة العربية السعودية أكثر من (72) مليار ريال، أي ما يعادل (20) مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة فقط على المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة ، بما في ذلك تطوير المناطق المحيطة بهما، وتطوير شبكات الخدمات، والأنفاق والطرق، مما سهل على ملايين المسلميـن أداء مناسك الحج والعمرة والزيارة في أمن واطمئنان إذ يصل استيعاب الحرم المكي بعد التوسعة لحوالي (730) ألف مصل في الأيام العادية وأكثر من مليون مصل في مواسم الحج ورمضان، بينما أصبح المسجد النبوي يتسع لحوالي (650) ألف مصل في الأيام العادية، وأكثر من مليون مصل في شهر رمضان ، وهذه الأرقام تمثل أضعافا مضاعفة للطاقة الاستيعابية السابقة للحرمين ، وقد شملت أعمال التوسعة والتطوير توفير كافة أنواع الخدمات في جميع أنحاء المشاعر المقدسة والمدينتين المقدستين، من الطرق والجسور والانفاق، والكهرباء، وخدمات المياه، فضلاً عن مظلة الأمن والأمان والطمأنينة التي طالما افتقدها ضيوف الرحمن قبل أن يهيىء الله للمسلمين الدولة السعودية الفتية التي أسهم قادتها المتعاقبون في تهيئة كافة السبل الآمنة لقاصدي هذه الديار المقدسة.
ويجسد خادم الحرمين الشريفين رعاه الله رؤيته الحاضرة والمستقبلية لخدمة بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف بقوله رحمة اللة : إن المشروعات والخدمات المقامة والمقدمة في أعظم مدينتين في العالم، وهما مكة المكرمة والمدينة المنورة تأخذ حيّزاً واهتماماً واسعين في تفكيري، وإننا سوف نؤدي إن شاء الله جميع الخدمات لهاتين المدينتين العظيمتين، لأن هذا شرف لنا وواجب علينا خصنا الله بهما، لأن خدمة الحرمين الشريفين فيهما الخير والبركة، ونحمد الله أننا نؤديها بنيّة صادقة، فالمقصود بهذه الخدمة هو التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، والبر والتقوى ووجه الله عز وجل . وتقف مشروعات خادم الحرمين في توسعة الحرمين الشريفين والساحات المحيطة بهما معالم إسلامية شامخة، شاهدة على ما تقوم به المملكة العربية السعودية من أعمال جليلة تهدف في مجملها إلى خدمة الإسلام وتلمس احتياجات المسلمين .هدفت التوسعة التي وضع حجر أساسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمة اللة في صفر من عام 1409هـ إلى إضافة جزء جديد على مبنى المسجد الحرام من الناحية الغربية في منطقة السوق الصغير بين باب العمرة وباب الملك عبد العزيز، وتبلغ مساحة أدوار مبنى التوسعة (76000)م2 موزعة على الدور الأرضي والدور الأول والقبو والسطح تتسع لحوالي (152,000) مصل، ويشمل المشروع كذلك تجهيز الساحات الخارجية ومنها المتبقية من جهة السوق الصغير والمساحة الواقعة شرقي المسعى بمساحة إجمالية تبلغ (85,800)م2، تكفي لاستيعاب (190,000) مصل، وتصبح بذلك مساحة المسجد الحرام شاملة مبنى المسجد بعد توسعته والسطح وكامل الساحات (356,000)م2، تتسع لحوالي (773,000) مصل في الأيام العادية، أما في أوقات الحج والعمرة ورمضان فيزيد استيعاب الحرم ليصل إلى أكثر من مليون مصل. كما يضم مبنى التوسعة مدخلاً رئيسياً جديداً ، (18) مدخلاً عادياً، هذا بالإضافة إلى مداخل المسجد الحرام القائمة من قبل والبالغ عددها(3) مداخل رئيسية و (27) مدخلاً عادياً، وقد روعي في التصميم إنشاء مدخلين جديدين للبدروم إضافة إلى المداخل الأربعة القديمة.وتضمن مبنى التوسعة أيضاً مئذنتين جديدتين بارتفاع (89) متراً تشابهتا في تصميمهما مع المآذن البالغ عددها سبع مآذن، كما تم إضافة مبنيين للسلالم المتحركة لتسهيل وصول أفواج المصلين إلى سطح التوسعة في المواسم أحدهما في شمالي مبنى التوسعة والآخر في جنوبيه، ومساحة كل منهما (375) متراً مربعاً، وبذلك يصبح إجمالي عدد مباني السلالم المتحركة سبعة مبان، تنتشر حول محيط الحرم والتوسعة،كما أقيمت مشروعات خاصة بسحب مياه زمزم وتبريدها وتوزيعها في أروقة المسجد الحرام، وفيما يتعلق بالتهوية والإضاءة والصوت بالمسجد الحرام فقد حدثت توسعات هائلة، إذ بلغت اللمبات العاملة أكثر من (57) ألف لمبة يبلغ قوة بعضها (2500) شمعة، بالإضافة إلى آلاف السماعات، النجفات، والمراوح، والساعات، ومكبرات الصوت في الساحات والمنارات والمصاعد والسلالم .
خادم الحرمين الشريفين وتوسعة الحرم النبوي الشريف :
أضافت مشروعات توسعة المسجد النبوي الشريف التي وضع حجر أساسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمة اللة في 9/2/1405ه مبنى جديداً على مبنى المسجد النبوي يحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب، بمساحة مقدارها (82,000)م2، تستوعب (150,000) مصل، وبذلك تصبح المساحة الاجمالية للمسجد بعد التوسعة حوالي (98,500)م2، تستوعب (180,000) مصل، وقد تمت الاستفادة من سطح التوسعة للصلاة بعد تغطيته بالرخام بمساحة قدرها (67,000)م2، تستوعب (90,000) مصل، وبذلك أصبح المسجد بعد التوسعة يستوعب أكثرت من (400) ألف مصل، ضمن مساحة إجمالية تبلغ (165,500)م2 بعد أن كانت المساحة لا تتجاوز (16,500)م2.احتوت توسعة المسجد النبوي على (7) مداخل رئيسية يتألف كل منها من (7) بوابات، وهناك مدخلان من الناحية الجنوبية يتألف كل منهما من بوابتين، بالإضافة إلى (6) بوابات جانبية، وأصبحت بذلك إجمالي بوابات المسجد النبوي (59) بوابة، إضافة إلى (8) بوابات لمداخل ومخارج السلالم المتحركة التي تخدم سطح المسجد المخصص للصلاة.
أصبح المسجد النبوي بعد التوسعة (10) مآذن، منها (6) مآذن جديدة ارتفاع كل منها (99) متراً يضاف إلى ذلك ارتفاع الهلال ليصبح الارتفاع الإجمالي (105) أمتار، أي بزيادة (33) متراً عن ارتفاع المآذن السابقة.
كما شملت التوسعة تطوير المنطقة المحيطة بالمسجد النبوي الشريف لتصبح ساحات للصلاة بعد تغطيتها بالرخام في مساحة (135,000)م2، تستوعب (250,000) مصل، مما رفع الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به إلى (650,000) مصل في الأوقات العادية، أما في أوقات العمرة والحج ورمضان فيزيد استيعاب المسجد النبوي الشريف ليصل إلى أكثر من مليون مصل، وزود المسجد بحوالي (27) قبة متحركة يتم فتحها وإغلاقها بطريقة كهربائية عن طريق التحكم عن بُعد للاستفادة من التهوية الطبيعية.
أما بالنسبة لمواقف السيارات فتقع تحت الساحات المحيطة بالمسجد النبوي وتتكون من دورين تبلغ مساحتها الإجمالية (390) ألف متر مربع تتسع لحوالي (4) آلاف سيارة.
خادم الحرمين الشريفين وطباعة المصحف الشريف :
امتداداً لمجهودات خادم الحرمين الشريفين رحمة اللة لدعم كل ما يخدم الإسلام والمسلمين، افتتح يحفظه الله في 6 صفر عام 1405ه مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
ويعد المجمع أكبر صرح طباعي في العالم لخدمة كتاب الله العزيز الحكيم وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يعتبر واحداً من أعظم المآثر والأعمال الجليلة التي قدمها خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله للعالم الإسلامي ، فهو معقل حصين لنشر القرآن الكريم بأحدث ما توصلت إليه تقنيات الطباعة والنسخ ، وهو كذلك أول مجمع في العالم يقوم بانتاج كافة أنواع اصدارات المصحف الشريف.
ويهدف المجمع إلى طباعة المصحف الشريف بالروايات المشهورة في العالم الإسلامي ، تسجيل تلاوة القرآن الكريم وترجمة معانيه وتفسيره، والعناية بعلوم القرآن الكريم والسنّة والسيرة النبوية ، والعناية بالبحوث والدراسات الإسلامية، والوفاء باحتياجات المسلمين في داخل المملكة وخارجها من المصحف الشريف.
وبلغت تكاليفه (1000) مليون ريال، وتصل طاقته الانتاجية إلى ما يقارب (10) ملايين نسخة من مختلف الإصدارات سنوياً للوردية الواحدة، ويمكن تشغيله عند الحاجة بثلاث ورديات لينتج ثلاثين مليون نسخة سنوياً.
وتمكن المجمع من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى أكثر من (20) لغة إضافة إلى ذلك هناك ترجمة معاني جزء عمّ وجزء تبارك إلى اللغة الصينية وجزء عمّ بالانجليزية والإسبانية. ويضم المجمع عدداً من مراكز البحث العلمي الدقيق للقرآن الكريم وعلومه، وخدمة السنّة والسيرة النبوية المطهرة، وأصبح المجمع من المعالم الحضارية للمدينة المنورة إذ أنه سد ثغرة كبيرة في حياة الأمة ، بخدمة كتاب الله العزيز وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. رحم اللة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ، كان عطاء بلا حدود والتاريخ سجل لة خدمة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ومن المحيط إلى الخليج امتداداً لمسيرة أجداده وتاريخهم الحافل بالانجازات .رحم اللة سيدي وحبيبي فهد بن عبدالعزيز ابو فيصل .