المحامي الشرعي و شروطه
بقلم
الشيخ المحامي الدكتور مسلم اليوسف
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله … .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون [ آل عمران : 102 ] . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [ النساء : 1 ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [ الأحزاب : 70 – 71 ] .
و بعد : المحامي حتى يكون شرعياً يجب أن يكون – و الله أعلم - : ( رجل ، رشيد ، عدل ،عالم بالشرع ، يوكل بما يصح شرعاً ) . شرح التعريف :
ثانياًً - شروط المحامـي الشرعي في رأينا :
إن الشروط الواجب توافرها في المحامي الشرعي في رأينا تتبين من خلال تعريفنا للمحامي الشرعي . الذي عرفناه بأنه : رجل رشيد ، عدل ، عالم بالشرع ، يوكل بما يصح شرعاً .
إذاً شروط المحامي الشرعي هي : 1- أن يكون رجلاً . 2- أن يكون رشيداً . 3- أن يكون عدلاً . 4- أن يكون عالماً بالشرع . 5- أن يوكل بما يصح شرعاً .
1- أن يكون رجلاً :
لقد رأيت – و الله أعلم - أن المحاماة هي مهنة الرجال دون النساء ، لقوله تعالى : » الرجالُ قوَّامونَ على النّسَاءِ بما فضَّلَ الله بَعضَهُم على بَعضٍ وبِمَا أنفقُوا مِن أَموالِهم « ] سورة النساء ، من الآية 34 [ . فالرجل أقوى من المرأة و أجلد في خوض معركة الحياة ، و تحمل مسؤولياتها . أما المرأة ففي عملها قول و تفصيل لا نرى المقام مناسب للمقال .
2- أن يكون رشيداً :
الرشد أكمل مراحل الأهلية ، ومعناه في اللغة : ( خلاف الغي ، وقد رَشَدَ يَرشُدُ رشـداً ورِشد بالكسر يَرشَدُ رشداً لغة فيه ) . أما في اصطلاح الفقهاء : اختلف الفقهاء في معنى الرشد إلى فريقين الأول الحنفية والمالكية والثاني الشافعية . قال الحنفية و المالكية في تعريف الرشيد بأنه : ( حسن التصرف في الوجهة الدنيوية ولو كان فاسقاً من الوجهة الدينية ) .
و يتوافر بتحقق الخبرة المالية بتدبير الأموال و حسن استثمارها ، وهو أمر يختلف باختلاف الأشخاص و البيئة و الثقافة .
أما الشافعية ، فقد قال إمامهم عليه رحمة الله : " الرشد – و الله أعلم - الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة و إصلاح المال … " ) .
لأن الفاسق غير رشيد و لأن إفساده لدينه يمنع الثقة به في حفظ ماله كما يمنع قبول قوله ، وثبوت الولاية على غيره ، و إن لم يعرف منه كذب و لا تبذير.
وليس للرشد سن معينة عند جمهور الفقهاء ، و إنما الأمرمتروك لاستعداد الشخص و تربيته ، و بيئته ، وليس في النصوص الشرعية تحديد له .
أما قانون الأحوال الشخصية السوري المادة ( 16 ) والقانون المدني السوري المادة ( 6 ) فقد حددا سن الرشد بـ 18 سنة ميلادية كاملة .
والرأي عندي – و الله أعلم - أن الشريعة الإسلامية عملاً بقواعد المصلحة لا ترى مانعاً من رفع سن الرشد إلى 21 سنة ميلادية . خصوصاً أن ظروف الحياة المعاصرة قد تعقدت معاملاتها و تدهور أخلاق و دين أصحابها وشاع الخداع و الاحتيال في كل مكان من ديار الأرض و الله المستعان .
3- أن يكون عدلاً :
العدالة في اللغة : ( خلاف الجور . يقال عدل عليه في القضية فهو عادل و بسط الوالي عدله و معدلته . و فلان من أهل المعدلة ، أي من أهل العدل . و رجل عدل أي رضاً و مقنع في الشهادة ) .
أما في اصطلاح الفقهاء : العدل : ( هو من عرف بأداء الفرائض ، و امتثال ما أمر به و اجتناب ما نهي عنه ما يثلم الدين أو المروءة ، فمن كانت هذه حاله فهو عدل ، و هذا مذهب مالك رحمه الله و المشهور عند مذهب الشافعي . أما الإمام أبو حنيفة النعمان فقد عرف العدالة بأنها : إظهار الإسلام فقط ، و سلامة المسلم من فسق ظاهر ، فمتى أخبرنا مظهر الإسلام لا نعرفه وجب قبول خبره ) .
و قد رد على قول الإمام أبي حنيفة النعمان ، الإمام الغزالي الذي قال : ( قال بعض أهل العراق العدالة عبارة عن إظهار الإسلام فقط مع سلامته عن فسق ظاهر ، فكل مسلم مجهول عنده عدل و عندنا لا تعرف عدالته إلا بخبرة باطنة و البحث عن سيرته و سريرته و يدل على بطلان ما قالوه أمور : الأول : إن الفاسق مردود الشهادة .
الثاني : أنه لا تقبل شهادة المجهول و كذلك روايته و إن منعوا شهادة المال فقد سلموا شهادة العقوبات ، ثم المجهول مردود في العقوبات وطريق الثقة في الرواية و الشهادة واحد و إن اختلف في بقية الشروط . الثالث : إن المفتي المجهول الذي لا يدري أنه بلغ رتبة الاجتهاد أم لا ، لا يجوز للعامي قبول قوله ، و كذلك إذا لم يدر أنه عالم أو لا ، بل سلموا أنه لو لم تعرف عدالته و فسقه فلا يقبل ، و أي فرق بين حكاية المفتي عنه نفسه اجتهاده و بين حكايته خبراً عن غيره .
الرابع : ما ظهر من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب العدالة و العفاف ، و صدق التقوى ممن كان ينفذه للأعمال و أداء الرسالة , و إنما طلب الرشد للتقوى لأنه كان قد كلفهم أن لا يقبلوا إلا قول العدل . فبهذه أدلة قوية في محل الاجتهاد ، قرينة من القطع ، و المسالة اجتهادية لا قطعية ) .
العدالة تحمل صاحبها على اجتناب الكبائر ، و عدم الإصرار على الصغائر ، و ملازمة المروءة . فيجب عدم قبول مرتكب الكبيرة و المصر على الصغائر في سلك المحاماة لانتفاء العدالة بارتكابها .
و قد اختلفت عبارة العلماء في ضبط الكبيرة اختلافاً بيناً و ترتب على هذا الاختلاف اختلاف كبير في حصرها و تعدادها ، فأوصلها ابن حجر الهيثمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر إلى السابعة و الستين بعد الأربعمئة بينما قصرها بعضهم على ما ورد فيه النص فقط .
و قيل كل معصية تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة فهي كبيرة وقيل غير ذلك . و نحن نقطع بأن الكبائر والصغائر بعضها يفضي إلى الكفر و بعضها يسقط العدالة و بعضها لا يسقطها إلا بالإصرار و لعل الضابط في الصغائر والكبائر أن ما ورد فيها وعيد شديد في كتاب الله وسنة رسوله ، فهو من الكبائر و أما الصغائر فتقسم إلى قسمين :
أ. صغائر تدل على خسّة صاحبها ، مثل سرقة لقمة من الطعام . ب. صغائر لا تدل على الخسّة كالنظر إلى أجنبية وهذه لا تسقط العدالة إلا بإصرار صاحبها على فعلها .
و يجب على المختصّين في نقابة المحامين و وزارة العدل أن يتأكدوا من استقامة وعدالة المتقدِّم لمزاولة مهنة المحاماة حتى لا يدخل إلى هذه المهنة إلا من يستحقها .
و حيث أني قد اشترطت العدالة لمن يريد أن يزاول مهنة المحاماة فهل يصح للذمي أن يتّخذ من المحاماة مهنة له ؟ . الذمّة : » كلمة معناها العهد و الضمان و الأمان ، وسمي الذميّون بذلك ، لأن لهم عهد الله و عهد رسوله و جماعة المسلمين : أن يعيشوا بحماية الإسلام و في كنف المجتمع الإسلامي آمنين مطمئنين ، فهم في أمان المسلمين وضمانهم ، بناءً على عقد الذمَّة الذي يعطي أهلها ما يشبه الجنسية السياسية التي تعطيها الدولةلرعاياها ، فيكتسبون بذلك حقوق المواطنين و يلتزمون بواجباتهم « .
أهل الذمة بهذا العقد يتمتعون بحقوق و يلتزمون بواجبات و لا مجال هنا لبحث تلك الحقوق و الواجبات ، و لكن يمكن القول كقاعدة عامة أن أهل الذمة يستطيعون أن يعملوا جميع الأعمال ما عدا أعمال قليلة لها حدود وشروط . ومن هذه الأعمال على ما أعتقد المحاماة عن المسلمين .
قال الإمام المالكي ابن عبد السلام : » منع العلماء رضي الله عنهم أن يوكل المسلم الذميّ لأنه لا يتق الحرام في بيعاته وسائر معاملاته و ظاهره ولو قارضه ، لأن القراض توكيل وفي ذلك نزاع ، و كذلك مشاركته إذ كل من الشريكين وكيل عن الآخر إلا أن لا يغيب عنه ظاهره منع توكيله ولو في خصومة عنه و ظاهره أيضاً منعه من كل شيء وليس كذلك بل توكيله على قبول نكاح أو دفع هبة و نحو ذلك لا يمنع وكذا مساقاته إن كان لا يعصر حصته خمراً و بمنزلة الذمي من ظهر منه عند القاضي لاد و تشغيب في الخصومات فيمنع و لا يقبله القاضي وكيلاً إذ لا يحلّ لـه إدخال اللدود على المسلمين … الوكالات أمانات فينبغي لأولي الأمانات ألا يتوكلوا الأولى الجنايات وعن مالك » كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة « .
و قال سحنون لابن القاسم » أرأيت إن وكلت ذمياً يسلم لي في طعام أو إدام أو رقيق أو حيوان ، فدفعت إليه الدراهم ؟ « .
قال مالك : » لا تدفع إلى النصراني شيئاً يبيعه لك ، و لا يشتري لك شيئاً من الأشياء ، و لا تستأجره على أن يتقاضى لك شيئاً و لا تبضع معه و لا يجوز شيء مما يصنعه النصراني للمسلمين في بيع و لا شراء إلا أن يستأجره للخدمة فإما أن يستأجره أو يبيع له يشتري له فلا يجوز ذلك « .
و لا شك بأن فتوى الإمام مالك رضي الله عنه واضحة وضوح الشمس بعدم إجازة توكيل الذمي في البيع و الشراء بوجه عام و الخصومة بوجه خاص . و لا جرم بعدم صحة توكيل المحامي الذمي لمخاصمة المسلمين فهذا من باب أولى . هذا و قد اتفق أهل العلم على أنه لا قصاص على المسلم بسبب الحربي ، فإذا قتل مسلم حربياً ، أو قطع بعض أطرافه فلا قصاص عليه ، لأن دمه غير معصوم .
و كذلك المستأمن ، لأن عهده ضعيف ، و إن كان الاعتداء محرماً لوجود العهد . و إن كان كذلك لم يجز للكافر حربياً كان أو مستأمناً أن يتوكل في استيفاء القصاص من مسلم ، و لا في إثباته ، و لا يجوز لـه أن يباشر القصاص بنفسه لعدم المكافأة بينهما فلا يصح أن يتوكل عن غيره و بهذا الرأي صرح بعض أهل العلم كالشافعية .
و هنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي : هل يصح توكيل مسلمٍ كافراً في استيفاء نقود من مسلم ؟
هناك قولان أحدهما لا يصح ، و الثاني يصح ، و هو اختيار الرملي في شرحه للمنهاج للنووي ، و قال : هذه مردودة ، فإن الوكيل لا يستوفيه لنفسه ، و بأن المصنّف إنما جعل صحة مباشرته شرطاً لصحة توكله ، و لا يلزم وجود الشرط وجود المشروط ، و إنما يلزم من عدمه . و الأول صحيح و الثاني في غير محله ، إذ الشرط و هو صحة المباشرة غير موجود هنا أصلاً .
و على هذا لا يصح توكيل المسلم لغير المسلم في مخاصمة مسلم و لكن يصح لغير المسلم أن يخاصم عن صاحب ملته أمام مسلم و غير مسلم .
و هذا الحكم ليس تطرفاً بل هو عين الحقيقة – إن شاء الله – فانظر إلى المحاكم الكنسية – على سبيل المثال - ، فإنها لا تقبل محامياً مسلماً أبداً لكي يترافع أمامها .
فالقانون 172 يوجب على الوكيل والمحامي أن يكونا كاثوليكيين ، راشدين حميدي السمعة و لا يقبل غير الكاثوليكي إلا بصورة استثنائية .
4 – أن يكون عالماً بالشرع :
أعني بهذا الشرط أن يكون طالب الانضمام إلى مهنة المحاماة من حاملي الشهادات العليا في الشريعة الإسلامية و ما يعادلها . مع العلم أن معظم الكليات و الجامعات في العالم الإسلامي غير صالحة لتخريج محامين عالمين بالشرع وفق ما تتطلبه هذه المهنة لضعف مناهج هذه الجامعات ، و بعدها عن معاصرة الواقع و تعلقها بالتقليد و المذهبية العمياء ، بدلاً من الإسلام و مصادره الحية .
وطبعاً هذا المنحى في المناهج مرفوض في تكوين قضاة و محامين شرعيين إذ على طالب القضاء أو المحاماة أن يطلع على مختلف الآراء النابعة من وعاء الإسلام و المقارنة بينها و من ثم يحكم عليها من خلال كتاب الله و سنة رسول الله و باقي مصادر الفقه الإسلامي المتفق عليها عند أهل السنة .
5 – أن يوكل بما يصح شرعاً :
وهو الشرط الأخير في المحامي الشرعي سوف نبحثه في بحث مستقل إن شاء الله تعالى تحت عنوان المحل أو الموكل فيه وهو الركن الثالث من أركان المحاماة . (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة:286) .
بقلم الشيخ المحامي الدكتور مسلم اليوسف
حلب / سورية
17
/ذي القعدة 1425هـ
الموافق لـ 28/12/2004م
(منقول من جوريسبيديا- القانون المشارك
)