حقيقة أخذت هذه الواقعة جزءا كبيرا من وقتي في التفكير بها، ومحاولة تمحيص جوانبها أو سبر أغوارها المتعددة، ومما وقفت عنده مليا: هل تعتبر المرأة المغتصبة إن تلذذت بالوطء زانية شرعا ؟ وأرسلت سؤالا بذلك إلى بعض الجهات وذلك كالآتي:
س: ما حكم المرأة المغتصبة والمكرهة على الزنا بداية، إلا أنه وبعد رفضها وتمنعها تلذذت بالفعل الحرام إلى أن قضت شهوتها بالكامل أثناء ذلك، فهل هي آثمة بذلك، وهل تعتبر زانية باعتبار ما كان منها؟
ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد حرم الله تعالى الزنا وجعله كبيرة من الكبائر، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32]، ومن ابتلي به فعليه أن يبادر إلى التوبة ويستر نفسه بستر الله.
وإذا أكرهت المرأة على الزنا فإنها لا تأثم به، فقد وردت نصوص كثيرة تبين أن المكره غير مؤاخذ بما يكره عليه من الأفعال والأقوال، قال الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن حبان.
وعليه فلا إثم على هذه المغتصبة ولو تلذذت بالفعل الحرام إلى أن قضت شهوتها بالكامل، لأن حصول اللذة لها أمر جبلي ليس من اكتسابها وعلى كل حالٍ فعليها أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره، وتحذر كل الحذر فيما تستقبل من أن تعرض نفسها لمثل ذلك، وأن تكون في مكان أو ظرف قد يجر إلى ذلك. والله أعلم.
س: سبق السؤال عن المرأة إن أكرهت بداية على الزنا ، وأثناء الفعل تلذذت إلى أن قضت شهوتها ، هل تأثم وتعتبر زانية بذلك أم لا ؟ ، وجاءت الفتوى على أنها لا تأثم لأن حصول اللذة لها أمر جبلي ليس من اكتسابها// فتوى رقم 51248 // وهنا استيضاح بشأن ما لو إن كان بإمكانها الهرب منه والإفلات ، أو حتى الاستمرار في مقاومته ، أو الاستغاثة ، إلا أنه لتلذذها به وغلبة شهوتها لم تفعل ، وماذا لو كان يمكنها إشغال ذهنها بما يصرف شعورها بالتلذذ ؛ ولم تفعل ،،،، ألا تكون بذلك آثمة ، وتأخذ حكم الزانية باعتبار أنه قد حصل ـ في الأخير ـ إيلاج محرم وهي راضية به ومطاوعة ،، وقياسا على ما لو كان العكس بأن أكرهته بداية على الزنا بها بالتهديد ونحوه ، وأثناء الفعل زال وانتفى الإكراه ، وصار يمكنه القيام عنها ، إلا أنه لغلبة شهوته واصل الإيلاج إلى أن أنزل ، ألا يعتبر بذلك آثما ، وفي حكم الزاني ، وإلا لقيل بأن غلبة الشهوة عذر للزنا ؟ وهذا لا يصح . آمل الإجابة على الاستشكالات المذكورة ، ولو في رسالة خاصة على البريد الالكتروني ، وجزاكم الله خيرا
ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أفتيناك بأن الإثم مرتفع عمن أكرهت على الزنا لما بيناه من الأدلة في الفتوى التي أشرت إلى رقمها.
وأما ما افترضته من إمكانها الهرب والإفلات أو استمرار المقاومة أو الاستغاثة ولكنها لم تفعل شيئا من ذلك لتلذذها وغلبة شهوتها فهذا إذا وجد منه شيء فإنها لا تكون مكرهة وإنما هي زانية، إذ الإكراه الذي تسقط به المؤاخذة هو ما لا يستطيع الإنسان دفعه، أو الذي يحصل له بالامتناع منه ضرر شديد كالقتل أو التشريد أو الحبس أو التعذيب ونحوه، ولم يستطع دفع ذلك إلا بالوقوع في المعصية.
وقولك باعتبار أنه قد حصل في الأخير إيلاج محرم وهي راضية ومطاوعة ينافي الإكراه، فهي متى رضيت وطاوعت كانت آثمة بما يفعل بها.
وأما إشغال ذهنها بما يصرف شعورها بالتلذذ فلم نجد من قال به، والقياس ينافي اشتراطه، لأن حصول اللذة ليس هو السبب في الإثم، بل الفعل المحرم هو السبب، ومتى ارتفع الحرج بالإكراه كان المرء غير مؤاخذ بما يحصل له من لذة، ومثل هذا ما لو اضطر شخص بسبب الجوع إلى أكل لحم خنزير أوصيد لمحرم فلم نجد من أهل العلم من أوجب عليه التفكير فيما يصرف عنه لذة اللحم الحرام.
ثم ما ذكرته من إكراه الرجل على الزنا ومواصلته الفعل بعد زوال الإكراه فإنه زنا قطعا، بل هو أحرى في الزنا مما أردت قياسه عليه، لأن أهل العلم لم يختلفوا في سقوط الإثم عن المكرهة على الزنا، وأما الرجل المكره عليه فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الإكراه يرفع عنه الإثم والحد أم لا يرفعهما، قال شيخ الإسلام في 'الفتاوى الكبرى': إن المكرهة على الزنا وشرب الخمر معفو عنها، لقوله تعالى: { وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور: 33).
وأما الرجل الزاني ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره بناء على كون الإكراه هل يمنع من الانتشار أم لا.
والله أعلم.
|