القانون المدنى المصرى والمستمد من القانون الفرنسى يحدد من بين أسباب كسب الملكية ما يعرف باسم التقادم الممكسب للملكية . وهو نظام خاص بالعقار فقط فلاتنطبق شروطه على المنقول .
وشروط كسب الملكية بالتقادم الطويل هى حيازة واضع اليد على العقار مدة خمسة عشر سنة كاملة سابقة على رفع دعواها بإثبات الملكية . ويشترط فيها ان تكون حيازة ظاهرة و مستمرة للمدة المحددة وهى الخمسة عشر عاما فإنقطاع الحيازة يؤدى لانقطاع مدة وضع اليد ومن ثم تبداء حساب المدة من تاريخ عودة الحيازة مرة أخرى دون احتساب المدة السابقة .
ويشترط كذلك أن تكون الحيازة هادئة ومستقرة مدة الخمسة عشر عاما فلا يثبت منازعة شخص آخر لواضع اليد فى الحيازة أو الملكية أثناء مدة وضع اليد .
والشروط الواجب توافرها فى التقادم المكسب للمكلية تنتهى بواضع اليد إلى أن يظهر بمظهر المالك على العقار الحائز له طوال مدة التقادم المكسب وهى خمسة عشر عاما .
أما التقادم المكسب للمكلية فى الشريعة الإسلامية فقد وردت فيه آراء مختلفة .
فقد رجح البعض القول بأن الشريعة الإسلامية لا تعرف التقادم .. وأن وضع اليد على العقار المملوك للغير لا يبيج تملكه ولو طالت مدة وضع اليد لانه سلب لملكية الغير .
والمعروف ان المملكة العربية السعودية تستمد نظامها القانونى من الشريعة الإسلامية .. لذا وجب إلقاء نظرة سريعة على التقادم المكسب للملكية فى النظام السعودى .
ونورد له مقال للمحامى السعودى : زكى رواة .. ثم نعقد مقارنة بينه وبين النظام المصرى المستمد من القانون الفرنسى مع مناقشة ما ورد بالمقال من أراء :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحيازة في الشريعة لا تخرج عن معناها في فقه القانون فهي استيلاء الشخص على عين من الأعيان بحيث تكون تحت قدرته وسيطرته ‘‘أي وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه والتصرف فيه’’ .
والحيازة في الشريعة الإسلامية لا تعتبر سبباً من أسباب الملكية وفقاً لرأي الراجح إلا في المنقولات المباحة (أي الأشياء التي لا تدخل في ملكية أو حيازة أحد) وكذلك العقارات التي لا تدخل في ملكية أحد وهي الأراضي الموات .
ووضع اليد على أموال مملوكة للغير مهما طالت مدته لا تعتبر سبباً للملكية في الشريعة الإسلامية كذلك ترك المطالبة بالحق مدة طويلة لا يعتبر مسقطاً له (لأن الحق لا يزول مهما تقادم) وإنما وضع اليد مدة طويلة تعتبر سبباً في منع سماع الدعوى عند الإنكار أما مع الإقرار فالحق ثابت به والدعوى به تكون مسموعة إذ لم تكون الحيازة سبباً من أسباب الملكية في الشريعة فإنها تعد (قرينة على الحق فهي ظاهرة تدل على وجود الحق لصاحبها فلا يكلف بإثبات وجوده وإنما يكون على المدعي العكس(الخارج) أن يقيم هو البينة على أن الحائز لها ليس هو صاحب الحق على العين الذي بيده.
ويجري العمل في السعودية على ما هو مقرر في الفقه الإسلامي إذ أن الحيازة وإن لم تعتبر سبباً للملك فإنها تعد سبباً في عدم سماع الدعوى (تعميم إذا ادعى شخص على آخر في دار ونحوها والمدعى عليه حائز للمدعى به مدة طويلة ويتصرف فيه تصرفاً مطلقاً ولم يعارضه في ذلك المدعي مع حضوره ومشاهدته فإن مثل هذه الدعوى لا تسمع).
أن الحيازة التي يحميها الشارع هي وضع اليد على عقار أو منقول يداً ظاهرة مشاهدة مدة طويلة ويتصرف فيه بالتصرف الذي يتفق وطبيعة العين محل الحيازة دون أن ينازعه أحد طول السنوات عديدة مع قدرته) وهي دليل الملك.
والفقه الإسلامي يحمي الحيازة لذاتها إذا لم توجد بينة على الملكية فيستدل على المكية بظاهر اليد فالفقه يحمي الحيازة مستقلة عن الحق إذا لم تقم البينة على عدم استحقاق صاحب اليد .
والحيازة التي يحميها الفقه الإسلامي هي الحيازة النظامية (الشرعية) وهي التي يتحقق بشأنها أمران :
(1) عنصر مادي وهو المتمثل في السيطرة المادية على الشيء ويتحقق ذلك بقيام الحائز بكل الأعمال المادية التي يقوم بها صاحب الحق عادة على الشيء سواء أقام بذلك الحائز نفسه أم بواسطة تابعية .
(2) عنصر معنوي وهو أن تتوفر لدى الحائز عند قيامه بأعمال السيطرة المادية نية الظهور على الشيء محل الحيازة بمظهر صاحب الحق أي تتوفر (لديه نية التملك) فإن لم يكن لديه هذه النية بأن كان يقوم بهذه الأعمال بوصفه مستأجراً أو مستعيراً أو حارساً أو نائباً فإن حيازته تكون مجرد حيازة (عارضة) على الشيء ولا تعد يده عليه يداً يحميها النظام .
وتوفر العنصر المادي يعد قرينة على توفر العنصر المعنوي ومن ثم يكفي قيام الحائز بإقامة الدليل بكل الطرق على سيطرته المادية على الشيء محل الحيازة حتى يعتبر حائزاً نظامياً .
(3) ولا يكفي أن تكون الحيازة مستكملة لعنصريها المادي والمعنوي حتى تصبح محلاً للحماية وإنما يلزم أيضاً أن تكون الحيازة ظاهرة بمعنى أن تكون علنية وهذه هي الشروط مع اختلاف الألفاظ عما جاء في تعميم سماحة رئيس القضاء السعودي عندما قرر أن الدعوى لا تسمع على المدعي عليه في دار ونحوها حازها مدة طويلة – ويتصرف فيها تصرفاً مطلقاً ولم يعارضه في ذلك المدعي على حضوره ومشاهدته .
(4) أن تكون واضحة أي دالة على نية صاحبها فلا تكون غامضة أو يشوبها لبس .
(5) أن تكون حيازة هادئة أي لا تكون قسرية بعنف أو إكراه وإلا كانت حيازة معيبة ولا يجوز حمايتها .
(6) أن تكون مستمرة .
ومن الطبيعي أن عبء إثبات هذه الأمور على عاتق الحائز ويكفية أن يثبت حيازته للحق وإن كان حائزاً للعين عند وقوع الاعتداء عليها حتى يفترض حيازته .
والحيازة المعتبرة شرعاً هي التي تعد قرينة على الملك ودليلاً عليه هي تلك الحيازة الشرعية التي يتوفر بشأنها ما حدد لها من شروط والحيازة الشرعية هي ما اكتمل ركناها المادي والمعنوي أي السيطرة على العين (منقولاً أو عقاراً) والتصرف فيه بنية الملك والاستحقاق وفقاً لطبيعة الشيء المحاز ، ويشترط أن تكون هادئة وظاهر وواضح وأن تكون مستمرة المدة التي حددوها منهم من جعلها 10 سنوات ومنهم من حددها خمسة عشر سنة ومنهم 33 سنة .
ويزيد الفقه الإسلامي على هذه الشروط حتى لا تسمع الدعوى على الحائز حضور مالك المال المحاز بالبلد الموجود به المال المحاز مع علمه بملكيه هو للمال وبحيازته للحائز له وتصرفاته عليه وسكوته عن المطالبة بحقه بغير عذر شرعي طوال المدة التي حددوها .
والفقه لم يفرق بين حماية حيازة المنقول وحيازة العقار لأنه يحمي الحيازة بحسبانها قرينة ودليل على الحق وحمايتها هي في ذاتها حماية للحق الأصلي في ذاته ومن ثم فإن الفقه الإسلامي لم يخص الحيازة بدعاوى معينة تختلف عن دعوى الحق الأصلي التي تحمي الحيازة هي ذاتها التي تحمي الحق الأصلي وهو [حق الملكية أو الحق العيني] وكذلك الدعوى باسترداد المغصوب (عقاراً أو منقولاً) هي دعوى لاسترداد الحق المسلوب .
أن حيازة المنقولات عن طريق الدعوى العادية يكون إعمالاً للقاعدة التي تقضي (بأن من حاز منقولاً فهوله) أي أن حيازة المنقول سند الحائز فيما يدعيه وهذه القاعدة تحمي الحق العيني ذاته وحيازته أيضاً ومن ثم لا يمكن حماية حيازة المنقولات عن طريق دعوى الحيازة .
حماية الحيازة في الفقه الإسلامي لم تفرق كما قلت بين المنقول والعقار لأنه لا يفصل بين حماية الحيازة في ذاتها وحماية الحق وإنما يقرر الحيازة على أساس أنها في الوقت ذاته حماية للحق ودليل عليه .
أن دعوى الحيازة أياً كانت تسميتها سواء كانت دعوى منع تعرض أو استرداد أو وقف أعمال جديدة يشترط لقبولها لابد من توفر الشروط اللازمة للدعوى سواء الشروط الإيجابية أو السلبية ومن ثم أن يكون لرافعها مصلحة والصفة كما يجب ألا يتحقق ما من شأنه أن يؤدي إلى انقضاء الحق في حماية الحيازة كسبق الفصل فيها أو أي سبب آخر يؤدي إلى انقضائها كالتنازل أو الصلح .
أنواع دعوى الحيازة :
(1) منع التعرض وهي الدعوى التي يتمسك فيها المدعي بحيازته النظامية طالباً حمايتها وإلزام المدعى عليه فيها بعدم التعرض له فيها ويجب لقبول هذه الدعوى أن يكون هناك تعرض قد وقع بالفعل من المدعى عليه على هذه الحيازة سواء كان تعرضاً مادياً أم قانونياً.
ويشترط في دعوى التعرض أن يكون متقطعاً فإن كان مستمراً فإنه يؤدي إلى سلبها وبالتالي يجب أن يكون المطلوب في الدعوى هو رد الحيازة وليس منع التعرض.
ويشترط أيضاً في التعرض أن يكون قد تم بطريقة غير مشروعة ولا يشترط في التعرض أن يكون قد تم بطريق العنف أو الإكراه أو أن يكون ضاراً بالحائز فقد يعتبر تعرضاً ولو كان نافعاً.
دعوى التعرض في الفقه الإسلامي هي محاولة غير ذي حق الاستيلاء على ما للغير قهراً أو حتى بقضاء للقاضي فيقوم صاحب الحق برفع الدعوى إلى القضاء طالباً دفع هذا التعرض وقد أجاز الفقهاء هذه الدعوى أياً كان محلها عقاراً أو منقولاً وهذا هو الخلاف بين الأنظمة والشريعة أي الأنظمة لا تجيز رفع هذه الدعوى إلا وفقاً لاعتداء أي لتعرض وقع على حيازة عقار .
(والسبب في ذلك يرجع إلى أن مقصد الشريعة أن الدعوى تحمي الملكية والحيازة معاً) فلا توجد دعاوى خاصة بالحيازة تختلف عن دعاوى الملكية بعكس الأنظمة المدنية .
دعوى الاسترداد هي تلك التي ترفع لرد حيازة العقار المسلوب سواء كان الحائز حائزاً حيازة قانونية أو عرضية مادية وطبيعية ولا تقبل إلا إذا كان الحيازة سلبت تماماً ولابد أن تكون قد تمت بطريقة غير مشروعة .
أما في الشريعة الإسلامية فقد أجاز الفقهاء لصاحب اليد المحقة أن يطلب رد حيازته التي تم غصبها بالقهر أو الحيلة أو الخداع .
الاعتداء المنشئ لدعوى وقف الأعمال الجديدة وهي تلك الدعوى التي يتمسك فيها الحائز بحيازته النظامية طالباً الحكم في مواجهة المدعي عليه وقف الأعمال الجديدة التي شرع في إقامتها على عين في ملكه وحيازته التي إن تمت لاعتبرت تعرضاً للحائز فهي دعوى وقائية تهدف إلى منع الاعتداء أما إذا تم الاعتداء فتعتبر دعوى عدم تعرض .
الصفة في الدعوى : يشترط في دعوى الحيازة أن ترفع من صاحب الصفة في الحيازة أي من الحائز على المعتدي على الحيازة (صاحب الصفة السلبية).
وفي الفقه الإسلامي أن دعوى الحيازة ترفع من المعتدي على الحيازة أياً كان هذا الشخص أي ترفع عكس (المعترض ، الغاصب ، المنشئ للعمل الجديد) ودعوى الحيازة اعتبرتها الأنظمة من قبل الدعوى العينة وبالتالي فإنها ترفع على كل من يعتدي على الحيازة ولو كان حسن النية وهي تنتقل بالخلافة إلى من تنتقل إليه الحيازة وفقاً للقواعد العامة وكذلك ضد من انتقلت إليه حيازة العقار .
وما تقره الأنظمة الوضعية هو نفسه ما يقره الإسلام فقد جاء دور الحكام أن الخصم في دعوى العيني هو الواضع اليد على تلك العين ولا يعتبر خصماً في دعوى العين الشخص الذي لم يكن واضعاً لليد عليها . فدعوى الاسترداد ترفع على من بيده العين (المغتصب) أو نائبه .
الشروط الخاصة بدعاوى الحيازة :
(1) يجب لقبول دعوى الحيازة أن ترفع متى توافرت الشروط النظامية في خلال مدة معينة حددها وتبدأ دعوى (الاسترداد ودعوى وقف الأعمال الجديدة) من تاريخ غصب الحيازة أي من تاريخ الكشافة إذا تم السلب خفية أو من تاريخ البدء في العمل الجديد .
أما دعوى منع التعرض فتبدأ من السنة فإذا انقضت هذه المدة ورفعت الدعوى يعد ذلك حكم القاضي بعدم قبولها لأن الحائز المعتدي يكون قد اكتسب الحيازة التي يحميها القانون .
عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق وحكمة ذلك هو رغبة المنظم في التأكيد على استقلال الحيازة وحمايتها بعيد عن الحق ، وينتج عن ذلك ما يلي :
بالنسبة للمدعي : لا يجوز أن يثبت حيازته بالاستناد إلى الحق وأدلته وإنما عليه إقامة الدليل على أن حيازته حيازة يحميها القانون بكافة طرق الإثبات ومن ناحية ثانية لا يجوز لمدعي الحيازة في الوقت ذاته أن يطالب بالحق فإن طالب بالحق سقط ادعاؤه بالحيازة وعليه فإن رفع المدعي دعواه بالحيازة امتنع عليه رفع دعوى الحق في القوت ذاته أمام محكمة الحيازة أو أما أي محكمة أخرى.
بالنسبة للمدعى عليه : لا يجوز للمدعى عليه في دعوى الحيازة أن يرفعها بالاستناد إلى أنه صاحب الحق في العين محل الحيازة إذ أن الملكية لا تبرر العدوان على الحيازة وقد يكون الشخص مالكاً وليس حائزاً والعكس صحيح وعلى المالك إن أراد حماية حقه أن يسلك السبيل الواجب وهو رفع دعوى الحق ومن ناحية أخرى لا يجوز للمدعى عليه أن يطالب بحقه إلا بعد الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ الحكم الصادر فيها أو أن يتخلى عن حيازته أثناء نظر الدعوى لخصمه حتى تنقضي دعوى الحيازة .
بالنسبة لتعارض الحيازة ليس لقاضي الحيازة أن يفصل في موضوع الحق المدعي بحيازته وجوداً أو نفياً كما أنه لا يفصل في دعوى الحيازة وجوداً أو نفياً بناءاً على أدلة الحق وجوداً ونفياً وإنما يحكم في الحيازة بناء على توفر أو عدم توفر أركانها وشروطها في الفقه الإسلامي والنظام السعودي (اليمن في الحيازة ودعوى الحق).
لم يخصص الفقه دعوى الحيازة إذ أن حماية الحيازة في الفقه تختلط بحماية الحق ومن ثم لا يحمي المشرع الإسلامي الحيازة ولو توافرت لها شروطها بأنها باطلة فدعوى اليد في الفقه والنظام السعودي تخضع لما تخضع له باقي الدعاوى من شروط ومن ثم فإن القاضي فيها إن رفعت إليه دعوى من دعاوى الحيازة على عين من الأعيان فينظر فيها من جميع جوانبها فإذا أقام المدعي البينة على الحيازة وأقام المدعى عليه البينة على الملك جعلت الملكية للمدعى عليه والحيازة أيضاً (من رأي أنها صحيحة لأن حق المؤمن لا يسقط) لأنها أثر للملك .
أما إذا أقام المدعي (مدعي الحيازة) البينة على أن الحيازة قد انتقلت إليه بتصرف شرعي حكم له بالحيازة في هذه الحالة وكذلك إذا أقام المدعي البينة على حيازته وعجز المدعى عليه من إقامة الدليل على الملكية فإنه يحكم بالحيازة لمن بيده العين والتي أقام البينة على يده .
مما سبق نجد أن :
الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق غير معترف بها في الفقه الإسلامي والنظام السعودي سواء من حيث الاختصاص أو من حيث الإثبات إلا في حالة واحدة هي التي لا تقيم فيها أحد المتنازعين الدليل على الملك فيحكم بالحيازة لمن أقام الدليل عليها فإن تساويا جعلت لهما جميعاً وإذا عرفت البينة فالحيازة تكون لواضع اليد على العقار وأن اشترك في ذلك فضلت الحيازة الأقوى.
طبيعة دعوى الحيازة :
اختلف فقه القانون الوضعي حول تكيف دعوى الحيازة أياً كانت سواء دعوى منع تعرض أو دعوى استرداد أو دعوى وقف أعمال جديدة فمنهم من ذهب إلى أن (دعوى الحيازة دعوى وقتية ومن ثم فالحكم فيها لا يعدوا أن يكون حكماً وقتياً يحمي الحيازة لحين الفصل في دعوى الحق) واستدلوا على ذلك بأن سلطة قاضي الحيازة هي ذاتها سلطة قاضي الأمور المستعجلة يفصل في الحيازة دون الحق فهو ممنوع من التعرض له والمساس به.
ومنهم من ذهب إلى أن دعاوى الحيازة أياً كانت هي دعاوى موضوعية وليست مستعجلة والحكم الصادر فيها قضاءً موضوعياً استناداً منهم إلى أن القانون الوضعي إنما يحمي الحيازة لذاتها وعلى استقلال عن الحق والدعوى الموضوعي هي تلك الدعوى التي يتمسك فيها المدعي بحق أو مركز قانوني وحماية الحيازة تعد مركزاً قانونياً ومن ثم فإن دعوى الحيازة تستهدف تأكيد وجود أو نفي المركز الموضوعي المرفوعة به وهو الحيازة . وإذا كان قاضي الحيازة ممنوع من الفصل في الحق أو المساس به فإن ذلك لا يرجع إلى أنه قاضي مستعجل وإنما لأنه مقيد بطلبات الخصوم في الدعوى المرفوعة إليه إذاً لا يستطيع أن يقضي بأكثر مما هو مطلوب فيه .
والدعوى المستعجلة إنما تحمي الحق ذاته حماية معجلة أي حماية وقتية . في حين أن دعوى الحيازة لا تحمي الحق ذاته وإنما تحمي مركزاً قانونياً مستقلاً عنه فالحق قد يكون لشخص والحيازة لشخص آخر .
إذا كان الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا يحوز حجيته في دعوى الملك فإن ذلك لا يعود إلى وقتية حكم الحيازة وإنما يعود إلى اختلاف دعوى الحق عن دعوى الحيازة في الموضوع .
والحجية لا تكون إلا إذا تحدث المدعيان خصوماً وسبباً وموضوعاً مما يؤكد الطبيعة الموضوعية لدعوى الحيازة أنها ترفع في الأنظمة المختلفة إلى محكمة الموضوع بدليل أن القانون نص على قاعدة لتقدير قيمتها حتى يمكن رفعها إلى المحكمة المختصة قيمًّياً بها في حين أنها لو كانت دعوى وقتية لأمكن رفعها إلى قاضي الأمور المستعجلة أياً كانت قيمتها ولا يمكن رفعها بدعوى أصلية إلى محكمة الموضوع (والمشرع السعودي قد أدخل الفصل في دعوى منع التعرض والاسترداد في الاختصاص النوعي للمحاكم الجزائية).
ودعوى الحيازة أياً كانت صورتها تعد دعوى موضوعية ترفع إلى القضاء الموضوعي وتعتبر الحكم الصادر فيها حكماً موضوعياً يحوز حجته الكاملة فيما فصل فيه وينطبق كذلك على دعوى وقف الأعمال الجديدة فهي دعوى وقائية مثلها مثل أي دعوى تقريرية وظيفتها الوقاية من الضرر المحدق الذي يقع نتيجة البدء في عمل جديد .
والحيازة كمركز قانوني يمكن حمياتها حماية وقتية إذا توافرت شروط هذه الحماية وأخصها الاستعجال وذلك مثل طلب استرداد الحيازة مؤقتاً من غصبها لحين الفصل في دعوى الاسترداد الموضوعي .
نظر دعوى لحيازة والحكم فيها :
تفصل محكمة الحيازة في الدعوى المرفوعة إليها متى توافرت شروط رفعها وتقف سلطتها عند الفصل في الحيازة ثبوتاً أو نفياً فليس لها أن تقضي في الحق فهي ممنوعة من المساس به ، وليس لها أن تستند في حكمها بشأن الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه وليس لها أن تقبل أدلة مقدمة لإثبات وجود أو نفيه وإن كان لها أن تنظر في مستندات الملكية لاستخلاص عناصر الحيازة وشروطها ، ويكون الحكم الصادر في الحيازة إما بردها في حالة السلب وإما بإلزام المتعرض بمنع التعرض للحائز وإزالة مظاهر التعرض وأما بوقف العمل أو الأعمال الجديدة ولكن ليس لها في هذه الحالة أن تأمر بإزالة ما تم منه .
أما في النظام السعودي فإن المشرع قد أدخل الفصل في دعاوى منع التعرض للحيازة ودعاوى استردادها في الاختصاص النوعي للمحاكم الجزئية بغير إخلال بما تقضي به الأنظمة الخاصة وبما للمحاكم العامة من اختصاص في نظر الدعاوى العقارية مع الأخذ في الاعتبار أن المشرع قد جعل دعاوى الحيازة دعاوى مستعجلة لما تخضع له هذه الدعاوى من قواعد .
وكذلك ما نص عليه الفصل في دعوى الحيازة لا يؤثر على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويلاحظ فى البحث السابق ان كاتبه أفتتح البحث بالتأكيد على أن الشريعة الإسلامية لا تعرف التقادم المكسب للمكلية وأن وضع اليد على ملك الغير مهما طالت مدته لا يبيح التملك .
لكنه عندما تعرض للنظام المطبق بالسعودية عاد وقرر أستثناء على ذلك مفاده أن استمرار وضع اليد الظاهر لمدة طويلة يمنع سماع الدعوى ..وهو حكم قريب الشبه إذ لم يكن مطابقا تماما لحكم القانون المدنى المصرى .
ثم يعود الباحث فيتحدث عن الحيازة فى القانون السعودى بقوله : "أن الحيازة التي يحميها الشارع هي وضع اليد على عقار أو منقول يداً ظاهرة مشاهدة مدة طويلة ويتصرف فيه بالتصرف الذي يتفق وطبيعة العين محل الحيازة دون أن ينازعه أحد طول السنوات عديدة مع قدرته) وهي دليل الملك.
والفقه الإسلامي يحمي الحيازة لذاتها إذا لم توجد بينة على الملكية فيستدل على المكية بظاهر اليد فالفقه يحمي الحيازة مستقلة عن الحق إذا لم تقم البينة على عدم استحقاق صاحب اليد ."
وبالتالى فإن النظام السعودى يعتبر معترفا بالحيازة المكسبة للمكلية .
ولكن السؤال : ما هى الدعوى التى يمنعها وضع اليد الظاهر لمدة طويلة .. هل هى دعوى الملكية ( دعوى تقام على واضع اليد من الغير لاثبات ملكية الغير ) ؟
كما أن الفقرة السابقة تشير إلى أن الشريعة الاسلامية تحمى الحيازة كدليل على التملك ما لم تقم بينة على عدم استحقاق واضع اليد . فهل هذا يعنى أن استمرار وضع اليد لمدة طويلة لا يحول دون إدعاء الغير بملكية العقار موضوع وضع اليد ؟؟ وإذا كان ذلك كذلك فأى دعوى التى يمنعها وضع اليد الظاهر ؟
ونسوق فى النهاية مثال لقضية نطرحها من حيث حكم القاون المدنى المصرى والشريعة الإسلامية من وقع التطبيق السعودى :
** فمثلا إذا ما قام شخص بوضع اليد على أرض فضاء لمدة خمسة عشر عاما وكانت حيازته ظاهرة وهادئة .. وبعد مرور الخمسة عشر عاما ظهر شخص آخر يحوز مستندات تثبت ملكيته لهذه الأرض وقام برفع دعوى بطلب غثبات ملكيته للأرض وطرد واضع اليد منها .. فما الحكم ؟
فى القانون المصرى الذى يعترف بالتقادم المكسب للملكية .. يقوم واضع اليد بإاقامة دعوى "تثبيت ملكية " فى مقابل دعوى المدعى بالحق " بالملكية " فإذا ما أثبت استمرار حيازته الظاهرة والهادئة المستقرة مدة خمسة عشر عاما قضى له بتثبيت ملكيته على الأرض وبالتالى لا يعترف بملكية مدعى الملكية ولو كان يحوز مستندات تثبت ذلك .
فما حكم الشريعة الإسلامية فى هذه القضية ؟؟ وها مدى صحة الرأى الوارد بالبحث سالف البيان .. وكيفيه تطبيقه على هذه القضية .
الأمر مطروح للمناقشة .