الفصل الثاني
كشف دعاة المرأة إلى الرَّذيلة
أما بعد : فهذه هي الفضيلة لنساء المؤمنين، وهذه هي الأصول التي تقوم عليها وتحرسها من العدوان عليها، لكن بعض مَن في قلوبهم مرض يأبون إلا الخروج عليها، بنداءاتهم المعلنة في ذلك، فمعاذ الله أن يَمُرَّ على السمع والبصر، إعلان المنكر والمناداة به، وهضم المعروف والصدّ عنه، ولا يكون للمصلحين مِنَّا في وجه هذا العدوان صَوتٌ جَهيزٌ بإحسان يَبْلُغُ الحاضر والباد، إقامة لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي به يُنافَحُ عن الدين، ويُنصح للمسلمين عن الترذي في هوة صيحات العابثين، وبه تُحْرَسُ الفضائل، وتكبت الرذائل، ويؤخذ على أيدي السفهاء، ومعلوم أن فشُوَّ المنكرات يكون بالسكوت عن الكبائر والصغائر، وبتأويل الصغائر، لا سيما ونحن نُشاهد كظيظاً من زِحام المعدومين المجهولين من أهل الرَّيب والفتن، المستغربين الـمُسَيَّرين بحمل الأقلام المتلاعبة بدين الله وشرعه، يختالون في ثياب الصحافة والإعلام، وقد شرحوا بالمنكر صدراً، فانبسطت ألسنتهم بالسوء، وجَرَت أقلامهم بالسُّوأَى ، وجميعها تلتئم على معنى واحد: التطرف الجنوني في مزاحمة الفطرة، ومنابذة الشريعة، وجرِّ أذيال الرذائل على نساء المسلمين، وتفريغهن من الفضائل، بدعوتهم الفاجرة في بلاد الإسلام إلى: حرية المرأة و المساواة بين المرأة والرجل في جميع الأحكام ، للوصول إلى: جريمة التبرج والاختلاط و خلع الحجاب .
ونداءاتهم الخاسرة من كل جانب بتفعيل الأسباب لخلعه من البقية الباقية في نساء المسلمين، اللائي أسلمن الوجه لله تعالى، وسلَّمن القيادة لمحمد بن عبدالله e .
نسأل الله لنا ولهن الثبات، ونبرأ إلى الله من الضلالة، ونعوذ بالله من سوء المنقلب.
وهؤلاء الرُّماة الغاشون لأمتهم، المشؤومون على أهليهم وبني جنسهم بل على أنفسهم، قد عَظُمت جرَاءتهم، وتَلَوَّن مَكْرُهم، بكلمات تخرج من أفمامهم ، وتجري بها أقلامهم، إذ أخذوا يهدمون في الوسائل، ويخترقون سدَّ الذرائع إلى الرذائل، ويتقحَّمون الفضائل، ويهوِّنون من شأنها، ويسخرون منها ومن أهلها.
نعم قد كتب أولئك المستغربون في كل شؤون المرأة الحياتية، وخاضوا في كل المجالات العلمية، إلا في أمومتها وفطرتها، وحراسة فضيلتها .
كل هذا البلاء المتناسل، واللّغو الفاجر، وسَقَط القول المتآكل، تفيض به الصحف وغيرها باسم التباكي والانتصار للمرأة في حقوقها، وحريتها، ومساواتها بالرجل في كل الأحكام، حتى يصل ذوو الفَسَالة المستغربون إلى هذه الغاية الآثمة؛ إنزال المرأة إلى جميع ميادين الحياة، والاختلاط، وخلع الحجاب، بل لتمد المرأة يدها بطوعها إلى وجهها، فتسفع عنه خمارها مع ما يتبعه من فضائل .
وإذا خُلع الحجاب عن الوجه فلا تسأل عن انكسار عيون أهل الغيرة، وتقلص ظلِّ الفضيلة وانتشار الرذيلة، والتحلل من الدين، وشيوع التبرج والسفور والتهتك والإباحية بين الزناة والزواني، وأن تهب المرأة نفسها لمن تشاء .
وفي تفسير ابن جرير عند قول الله تعالى: ]والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً[ [النساء: 27] ، قال مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى: يزني أهل الإسلام كما يزنون، قال: هي كهيئة: ]ودوا لو تدهن فيدهنون[ [القلم: 9] . انتهى .
ويتصاعد شأن القضية، من قضية المرأة إلى قضية إفساد العالم الإسلامي، وهذه الخطة الضالة ليست وليدة اليوم، فإنها جادة الذين مكروا السيئات من قبل في عدد من الأقطار الإسلامية، حتى آلت الحال -واحسرتاه- إلى واقع شاع فيه الزنا، وشُرعت فيه أبواب بيوت الدعارة ودور البِغاء بأذون رسمية، وعمرت خشبات المسارح بالفن الهابط من الغِناء والرقص والتمثيل، وسُنّت القوانين بإسقاط الحدود، وأن لا تعزير عن رضا .. وهكذا، من آثار التدمير في الأعراض، والأخلاق والآداب.
ولا ينازع في هذا الواقع الإباحي الأثيم إلا من نزع الله البصيرة من قلبه .
فهل يُريد أُجَراء اليوم أن تصل الحال إلى ما وصلت إليه البلاد الأخرى من الحال الأخلاقية البائسة، والواقع المر الأثيم ؟
أمام هذا العدوان السافر على الفضيلة، والانتصار الفاجر للرذيلة، وأمام تجاوز حدود الله، وانتهاك حرمات شرعه المطهر، نُبَين للناس محذرين من دخائل أعدائهم: أن في الساحة أُجَراء مستغربين، ولهم أتباع أجراء من سَذَجة الفساق، أتابع كل ناعق، يُفوِّقون سهامهم لاستلاب الفضيلة من نساء المؤمنين، وإنزال الرذيلة بهن، ويجمع ذلك كلَّه قول الله تعالى: ]والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً[ [النساء: 27] .
قال ابن جرير رحمه الله تعالى [8/214 - 215] : (( معنى ذلك: ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل وطلاب الزنا ونكاح الأخوات من الآباء، وغير ذلك مما حرمه الله ]أن تميلوا[ عن الحق، وعما أذن الله لكم فيه، فتجوروا عن طاعته إلى معصيته، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله وترك طاعته ]ميلاً عظيما[ .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب: لأن الله عز وجل عمَّ بقوله: ]ويريد الذين يتبعون الشهوات[ فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة، وعمهم بوصفهم بذلك، من غير وصفهم باتباع بعض الشهوات المذمومة، فإذا كان ذلك كذلك، فأولى المعاني بالآية ما دل عليه ظاهرها، دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل أو قياس، وإذا كان ذلك كذلك كان داخلاً في الذين يتبعون الشهوات: اليهود والنصارى، والزناة، وكل متبع باطلاً؛ لأن كلَّ متبع ما نهاه الله عنه مُتَّبعٌ شهوة نفسه، فإذا كان ذلك بتأويل الآية الأولى، وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك )) انتهى .
وقد سلك أولئك الجناة لهذا خطة غضبية ضالة في مجالات الحياة كافة، بلسان الحال، أو بلسان المقال .
ففي مجال الحياة العامة :
1 – الدعوة إلى خلع الحجاب عن الوجه -الخمار- والتخلص من الجلباب -الملاءة- ويقال: العباءة .
وهذا بلسان الحال دعوة إلى خلع الحجاب عن جميع الجسد، ودعوة إلى اللباس الفاتن بأنواعه: الفاتن في شكله، والتعري بلبس القصير، والضيق الواصف للأعضاء، والشفاف الذي يشف عن جسد المرأة .
ودعوة إلى التشبه بالرجال في اللباس .
ودعوة إلى التشبه بالنساء الكوافر في اللباس .
2 – الدعوة إلى منابذة حجب النساء في البيوت عن الأجانب بالاختلاط في مجالات الحياة كافة .
وفــيــه :
3 – الدعوة إلى دمج المرأة في جميع مجالات تنمية الحياة .
وهذا دعوة إلى ظهور المرأة في الطرقات والأماكن العامة متبرجة سافرةً .
4 – الدعوة إلى مشاركتها في الاجتماعات، واللجان، والمؤتمرات، والندوات، والاحتفالات، والنوادي .
وفي هذا دعوتها إلى الخضوع بالقول، والملاينة في الكلام، ودعوتها إلى مصافحة الرجل الأجنبي عنها، ومنها مصافحتها لخطيبها وَلَـمَّا يُعقد بينهما.
ودعوة لها إلى خروجها من بيتها أمام الأجانب في حال تُثير الفتنة في اللباس، والمشية، وإعمال المساحيق، والتمضخ بالطيب، ولبس ما يجعلهن كَواعب، ولبس الكعب العالي، وهكذا من وسائل الإغراء والإثارة والفتنة .
5 – الدعوة إلى فتح النوادي لهن، والأمسيات الشعرية، والدعوة للجميع .
6 – الدعوة إلى فتح مقاهي الإنترنت النسائية والمختلطة .
7 – الدعوة إلى قيادتها السيارة، والآلات الأخرى .
8 – الدعوة إلى التساهل في المحارم، ومنها :
الدعوة إلى سفر المرأة بلا محرم، ومنه سفرها غرباً وشرقاً لتعلم بلا محرم، وسفرها لمؤتمرات: رجالات الأعمال .
9 – الدعوة إلى الخلوة بالأجنبية، ومنها: خلوة الخاطب بمخطوبته ولما يُعقد بينهما.
10 – الدعوة إلى قيامها بالفنِّ، ومنه :
11 – الدعوة إلى قيامها بدورها في الفن، والغناء، والتمثيل .
وهذا ينتهي بالدعوة إلى مشاركتها في اختيار ملكة الجمال .
12 – الدعوة إلى مشاركتها في صناعة الأزياء الغربية .
13 – الدعوة إلى فتح أبواب الرياضة للمرأة، ومنه :
المطالبة بإنشاء فريق كرة قدم نسائي .
المطالبة بركوب النساء الخيل للسباق .
المطالبة برياضة النساء على الدراجات العادية والنارية .
14 – فتح المسابح لهن في المراكز والنوادي وغيرها .
15 – وفي شَعْر المرأة ضروب من الدعايات الآثمة، كالتنمص في الحاجبين، وقص شعر الرأس تشبهاً بالرجال، أو بالنساء الكافرات، وفتح بيوت الكوافير لهن.
16 – وأولاً وأخيراً: الدعوة الحادة إلى تصوير المرأة في الوثائق والبطاقات، وبخاصة في بطاقة الأحوال، وجواز السفر .. والتركيز عليها، لأنها بوابة سريعة النفوذ إلى: خلع الحجاب و انخلاع الحياء .
وفي مجال الإعلام :
17 – تصوير المرأة في الصحف والمجلات .
18 – خروجها في التلفاز مغنية، وممثلة، وعارضة أزياء، ومذيعة .. وهكذا .
19 – عرض برامج مباشرة تعتمد على المكالمات الخاضعة بالقول بين النساء والرجال في الإذاعة والتلفاز .
20 – ترويج المجلات الهابطة المشهورة بنشر الصور النسائية الفاتنة .
21 – استخدام المرأة في الدعاية والإعلان .
22 – الدعوة إلى الصداقة بين الجنسين عبر برامج في أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وتبادل الهدايا بالأغاني وغيرها .
23 – إشاعة صور القُبُلات والاحتضان بين الرجال وزوجاتهم على مستوى الزعماء والوزراء في وسائل الإعلام المتنوعة .
وفي مجال التعليم :
24 – الدعوة إلى التعليم المختلط في بعضها إلى الصفوف الدنيا منه .
25 – الدعوة إلى تدريس النساء للرجال وعكسه .
26 – الدعوة إلى إدخال الرياضة في مدارس البنات .
وهذا داعية إلى المطالبة بفتح: مدرسة الفنون الجميلة للنساء .
وفي مجال العمل والتوظيف :
27 – الدعوة إلى توظيف المرأة في مجالات الحياة كافة بلا استثناء كالرجال سواء.
28 – ومنه الدعوة إلى عملها في: المتاجر، والفنادق، والطائرات، والوزارات، والغُرف التجارية، وغيرها كالشركات، والمؤسسات .
29 – الدعوة إلى إنشاء مكاتب نسائيه للسفر والسياحة، وفي الهندسة والتخطيط.
وهذا داعية إلى الدعوة إلى عمل المرأة في المهن الحرفية كالسباكة، والكهرباء وغيرها.
30 – الدعوة إلى جعل المرأة مندوبة مبيعات .
والدعوة إلى إدخالها في نظام الجندية والشُّرط .
والدعوة إلى إدخالها في السياسة في المجالس النيابية، والانتخابات، والبرلمانات.
والدعوة إلى إيجاد مصانع للنساء .
31 – الدعوة إلى توظيفهن في التوثيق الشرعي، وفتح أقسام نسائية في المحاكم.
وهكذا في سلسلة طويلة من المطالبات، التي تنتهي أيضاً بما لم يطالب به، نسأل الله سبحانه أن يبطل كيدهم، وأن يكف عن المسلمين شرَّهم، لا إلـه إلا هو سبحانه وتعالى .
تــوجيــه الــنــقـد
هذه مُثُلٌ من دعوات الأخسرين أعمالاً في شأن المرأة رَكَّزت عليها الصحافة بوقاحة خلال عام 1419هـ، جرى استخلاصها من ثمانِ إضْبَارات، كل قصاصة فيها تحمل اسم الصحيفة، وعددها، وأسماء كتابها، وهم أمشاج مبتلون بهذا التغريب، وبعضهم أضاف إلى هذا الفجور فجوراً آخر من السخرية بالحجاب والمتحجبات، وكلمات نابية في بعض أحكام الشريعة الغراء، وحملتها، إلى غير ذلك من مواقف نرى أن أصحابها على خطر عظيم يتردد بين الكفر والنفاق والفسوق والعصيان .
وكانت هذه الأذايا تثار في وقت مضى، واحدة تلو الأخرى بعد زمن، ويقضي عليها العلماء في مهدها، ويصيحون بأهلها من أقطار الأرض، ويرمون في آثارهم بالشُّهب، وفي أيامنا هذه كَفَأ الـجُناة المِتْكَل مَمْلوءاً بِهذِهِ الرذائل في بضعة شهور بكل قوة وجرأة واندفاع، ومن خبيث مكرهم تحيُّن الإلقاء بها في أحوال العُسر والـمَكْرَه، وزحمة الأحداث .
وهذه الدعوات الوافدة المستوفدة قد جمعت أنواع التناقضات ذاتاً، وموضوعاً، وشكلاً.
فإذا نظرت إلى كاتبيها وجدتهم يحملون أسماء إسلامية، وإذا نظرت إلى المضمون والإعداد وجدته مِعول هدم في الإسلام، لا يحمله إلا مستغرب مسيّر، أشرب قلبه بالهوى والتفرنج، ومعلوم أن القول والفعل دليل على ما في القلب من إيمان ونفاق!!
وإذا نظرت إلى الصياغة وجدت الألفاظ المولَّدة، والتراكيب الركيكة، واللحن الفاحش، وتصَيُّد عبارات صحفية تُقَمَّش من هنا وهناك على جادة القص واللزق، طريقة العجزة الذين قعدت بهم قدراتهم عن أن يكونوا كتاباً، وقد آذوا من له في لسان العرب والذوق البياني أدنى نصيب .
وهكذا .. مَن جَهِل لسان العرب، وجهل القرآن، وجهل السنة، أتى بمثل هذه العجائب.
هذا مع يحيط بهم من غرور واستعلاء، تولَّد من نفخ بعضهم في بعض.
أفمثل هذا الفريق الفاشل يجوز أن تنصب له منابر الصحافة، ويوجه الفكر في الأمة؟ ألا إن هذا مما يملأ النفس ألماً وحزناً وأسفاً على أمة يكون أمثال هؤلاء كتبة فيها، وهذه كتابتهم.
عارٌ والله أن يصبح توجه الأخلاق في هذا العصر بأقلام هذه الفئة المضَلِّلة المسَيَّرة، التي خالفت جماعة المسلمين، وفارقت سبيلهم، واشتغلت بتطميس الحق، ونصرة الهوى، عليهم من الله ما يستحقون، وحسابهم عند ربهم، ونحذرهم سطوة الله وغضبه ومقته، ولن يغلب الله غالب، ونتلو عليهم قول الله تعالى: ]واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه [ [البقرة: 235] ، وقول الله تعالى: ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون . متاع قليل ولهم عذاب أليم [ [النحل: 116-117] .
وهؤلاء الصَّخَّابون في أعمدة الصحف على مسامع الملأ يبغضهم الله، ويمقتهم سبحانه، كما ثبت من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله e : (( إن الله يبغض كلَّ جَعْظَريٍّ جوَّاظ -أي: مختال متعاظم- سَخَّابٍ بالأسواق، جِيفة بالليل حِمَار بالنهار، عالمٍ بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة )) رواه ابن حبان في صحيحه.
قال الشيخ العلامة المحدث أحمد بن محمد شاكر المتوفى سنة 1377هـ رحمه الله تعالى في تعليقه على صحيح ابن حبان [1/230] : (( وهذا الوصف النبوي الرائع، الذي سما بتصويره إلى القمة في البلاغة والإبداع، لهؤلاء الفئام من الناس –أستغفر الله، بل من الحيوان- تجده كل يوم في كثير ممن ترى حولك، ممن ينتسبون إلى الإسلام، بل تراه في كثير من عظماء الأمم الإسلامية، عظمة الدنيا لا الدين، بل لقد تجده فيمن يلقبون منهم أنفسهم بأنهم علماء، ينقلون اسم العلم عن معناه الإسلامي الحقيقي، المعروف في الكتاب والسنة، إلى علوم من علوم الدنيا والصناعات والأموال، ثم يملؤهم الغرور، فيريدون أن يحكموا على الدين بعلمهم الذي هو الجهل الكامل، ويزعمون أنهم أعرف بالإسلام من أهله، وينكرون المعروف منه، ويعرفون المنكر، ويردون من يرشدهم أو يرشد الأمة إلى معرفة دينها ردّاً عنيفاً، يناسب كل جعظري جواظ منهم، فتأمل هذا الحديث واعقله، ترهم أمامك في كل مكان )) انتهى .
ولا نرى موضعاً صحيحاً لهؤلاء الجناة إلا جعلهم في محاضن التعليم لآداب الإسلام، تحت سياط المعلمين، ومؤدبي الأحداث.
ورحم الله الشيخ أحمد بن محمد شاكر إذ أبدى وأعاد في بيان حل سلف هؤلاء من أشقياء الكنانة، فقال رحمه الله تعالى في مقدمة تحقيق جامع الترمذي [1/71-72] : (( وليعلم من يريد أن يعلم .. من رجل استولى المبشرون على عقله وقلبه، فلا يرى إلا بأعينهم، ولا يسمع إلا بآذانهم، ولا يهتدي إلا بهديهم، ولا ينظر إلا على ضوء نارهم، يحسبها نوراً، ثم هو قد سمّاه أبواه باسم إسلامي، وقد عُدَّ من المسلمين -أو عليهم- في دفاتر المواليد وفي سِجلاّت الإحصاء، فيأبى إلا أن يدافع عن هذا الإسلام الذي أُلْبِسَهُ جنسيةً ولم يعتقده ديناً، فتراه يتأوّل القرآن ليخضعه لما تعلَّم من أستَاذيه، ولا يرضى من الأحاديث حديثاً يخالف آراءهم وقواعدهم، يخشى أن تكون حجتهم على الإسلام قائمةً، إذ هو لا يفقه منه شيئاً.
أو من رجل مثلِ سابقه، إلا أنه أراح نفسه، فاعتنق ما نفثوه في روحه من دين وعقيدة، ثم هو يأبى أن يعرف الإسلامَ ديناً أو يعترف به، إلا في بعض شأنه، في التسمِّي بأسماء المسلمين، وفي شيء من الأنكحة والمواريث ودفن الموتى.
أو من رجلٍ عُلِّم في مدارسَ منسوبةٍ للمسلمين، فعرف من أنواع العلوم كثيراً، ولكنه لم يعرف من دينه إلاّ نزراً أو قشوراً، ثم خدعه مدنية الإفرنج وعلومهم عن نفسه، فظنهم بلغوا في المدنية الكمال والفضل، وفي نظريات العلوم اليقين والبداهة، ثم استخفّه الغرور، فزعم لنفسه أنه أعرفُ بهذا الدين وأعلمُ من علمائه وحفظته وخلصائه، فذهب يضرب في الدين يميناً وشمالاً، يرجو أن ينقذه من جمود رجال الدين!! وأن يصفيه من أوهام رجال الدين!! .
أو من رجل كشف عن دخيلة نفسه، وأعلن إلحاده في هذا الدين وعداوته، ممن قال فيهم القائل: (( كفروا بالله تقليداً )) .
أو من رجل ممن ابتليت بهم الأمة المصرية في هذا العصر، ممن يسمّيهم أخونا النابغة الأديب الكبير كامل كيلاني : المجدِّدينات.
أو من رجل، أو من رجل .. )) انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
إن هذه المطالب المنحرفة تُساق باسم تحرير المرأة في إطار نظريتين هما: حرية المرأة و المساواة بين المرأة والرجل ، وهما نظريتان غربيتان باطلتان شرعاً وعقلاً، لا عهد للمسلمين بهما، وهما استجرار لجادة الأخسرين أعمالاً، الذين بغوا من قبل في أقطار العالم الإسلامي الأخرى، فسَعوا تحت إطارهما في فتنة المؤمنات في دينهن، وإشاعة الفاحشة بينهن، إذ نادوا بهذه المطالب المنحرفة عن سبيل المؤمنين، ثم صرحوا بنقطة البداية: خلع الحجاب عن الوجه، ثم باشروا التنفيذ لخلعه، ودوسه تحت الأقدام، وإحراقه بالنار، وعلى إثر هذه الفعلات، صدرت القوانين آنذاك في بعض الجمهوريات مثل: تركيا، وتونس، وإيران، وأفغانستان، وألبانيا، والصومال، والجزائر، بمنع حجاب الوجه، وتجريم المتحجبة، وفي بعضها معاقبة المتحجبة بالسجن والغرامة المالية!!!
وهكذا يُساق الناس إلى الرذائل والتغريب بعصا القانون، حتى آلت حال كثير من نساء المؤمنين في العالم الإسلامي إلى حالٍ تنافس الغرب الكافر في التبرج والخلاعة، والتحلل والإباحية، وفتح دور الزنى بأذون رسمية، حتى جعلوا للبغاء
-فوق الإباحة- نظاماً رسمياً لتأمين الزانى والزانية!! وما تبع ذلك من إسقاط الحدود، وانتشار الزنى، وفقد المرأة بكارتها في سن مبكرة، بل صار الزنى بالقريبات، وزواج المرأة بالمرأة الأخرى، وتأجير الأرحام!!
وأعقب ذلك بَذْلُ وسائل منع الحمل، وتكثيف الدعاية لها في الصحافة، مع فقدان أولى وسائل التحفظ: عدم الصرف إلا بوصفة طبيب لامرأة ذات زوج بإذنه عند الاقتضاء الطبي، وقد ارتفعت الجريمة بين النساء، وتعدَّدت حالات الانتحار في صفوفهن، لِتحطم معنوياتهن.
كما أعقب ذلك: تحديد النسل، ومنع تعدد الزوجات، وتبني غير الراشدة -اللقطاء- واتخاذ الخدينات، حتى بلغت الحال اللعينة أن من وجدت معه امرأة فادّعى أنها صديقته أُطلق سراحه، وإن أقرَّ أنها زوجة ثانية طبق بحقه القانون اللعين.
فما شرعه الله من الزواج والنسل هو على التحديد في القانون، وما حرمه الله من اتخاذ الخدينات، وتبني اللقطاء، على الإباحة المطلقة قانوناً!!
فاين هم من قول الله تعالى: ]ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله[ [النور: 2] ؟
وتصاعد لقاء هذه الإباحية عدد العوانس، وعدد المطلقات لأتفه الأسباب، وانخفض عدد المواليد الشرعيين، لما فيهم –زعموا- من إشغال الأم عن عملها خارج دارها، وارتفع عدد اللقطاء –المواليد سفاحاً- وانتشرت الأمراض المزمنة التي أعيا الأطباء علاجها.
فغرَّبوا -حسيبهم الله- جماعة المسلمين، وأثخنوهم بجراح دامية في العرض والدين، وأشمتوا بأمتهم الكافرين، وأثَّموهم، وأبعدوهم عن دينهم، وتولوا هم عن دينهم الحق، وخدموا الكفرة من اليهود والنصارى والملاحدة الشيوعيين وغيرهم، والتقت الداران: دار الإسلام مع دار الكفر، على هذه البهيمة الساقطة، حتى لا يكاد المسلم أن يُفرِّق في ذلك بين الدارين، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
والآن آل الكلام في نقد هذه المطالب المنحرفة منحصراً في أمرين :
الأمر الأول : في تاريخ هاتين النظريتين: الحرية و المساواة، وآثارهما التدميرية في العالم الإسلامي .
ليُعلم أن النداء بتحرير المرأة تحت هاتين النظريتين: حرية المرأة و مساواة المرأة بالرجل ، إنما ولدتا على أرض أوربة النصرانية في فرنسا، التي كانت ترى أن المرأة مصدر المعاصي، ومكمن السيئات والفجور، فهي جنس نجس يجتنب، ويحبط الأعمال، حتى ولو كان أُمـَّـاً أو أختاً .
هكذا نشر رهبان النصارى في أوربا هذا الموقف المعادي المتوتر من المرأة بينما كانوا –أي أولاء الرهبان- مكمن القذارة في الجسد والروح، ومجمع الجرائم الأخلاقية، ورجال الاختطاف للأطفال، لتربيتهم في الكنائس، وإخراجهم رهباناً حاقدين، حتى تكاثر عدد الرهبان، وكونوا جمعاً مهولاً أمام الحكومات والرعايا.
ومن هذه المواقف الكهنوتية الغالية الجافية، صار الناس في توتر وكبت شديدين، حتى تولدت من ردود الفعل لديهم، هاتان النظريتان: المناداة بتحرير المرأة باسم: حرية المرأة وباسم: المساواة بين الرجل والمرأة، وشعارهما: رفض كل شيءٍ له صلة بالكنيسة وبرجال الدين الكنسي، وتضاعفت ردود الفعل، ونادوا بأن الدين والعلم لا يتفقان، وأن العقل والدين نقيضان، وبالغوا في النداءات للحرية المتطرفة الرامية إلى الإباحية والتحلل من أي قيد أو ضابط فطري أو ديني يَمس الحرية، حتى طغت هذه المناداة بحرية المرأة، إلى المناداة بمساواتها بالرجل بإلغاء جميع الفوارق بينهما وتحطيمها، دينية كانت أم اجتماعية، فكل رجل، وكل امرأة، حرٌّ يفعل ما يشاء، ويترك ما يشاء، لا سلطان عليه لدين، ولا أدب، ولا خلق، ولا سلطة. حتى وصلت أوربة ومن ورائها الأمريكتان وغيرهما من بلاد الكفر إلى هذه الإباحية، والتهتك، والإخلال بناموس الحياة، وصاروا مصدر الوباء الأخلاقي للعالم.
إن المطالبات المنحرفة لتحرير المرأة بهذا المفهوم الإلحادي تحت هاتين النظريتين المولدتين في الغرب الكافر، هي العدوى التي نقلها المستغربون إلى العالم الإسلامي، فماذا عن تاريخ هذه البداية المشؤومة، التي قلَبَت جُلَّ العالم الإسلامي من جماعة مسلمة يحجبون نساءهم، ويحمونهن، ويقومون على شؤونهن، ويقمن هنَّ بما افترضها لله عليهن، إلى هذه الحال البائسة من التبرج والانحلال والإباحية؟!!
تقدم غير مرة أن نساء المؤمنين كن محجبات، غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات الأبدان، ولا كاشفات عن زينة، منذ عصر النبي e إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري.
وأنه على مشارف انحلال الدولة الإسلامية في آخر النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وتوزعها إلى دول، دبَّ الاستعمار الغربي الكافر لبلاد المسلمين، وأخذوا يرمون في وجوههم بالشبه، والعمل على تحويل الرعايا من صبغة الإسلام إلى صبغة الكفر والانحلال .
وكانت أول شرارة قُدحت لضرب الأمة الإسلامية هي في سفور نسائهم في وجوههن، وذلك على أرض الكنانة، في مصر، حين بعث والي مصر محمد علي باشا البعوث إلى فرنسا للتعلم، وكان فيهم واعظ البعوث: رفاعة رافع الطهطاوي، المتوفى سنة 1290، وبعد عودته إلى مصر، بذر البذرة الأولى للدعوة إلى تحرير المرأة، ثم تتابع على هذا العمل عدد من المفتونين المستغربين ومن الكفرة النصارى، منهم:
الصليبي النصراني مرقس فهمي الهالك سنة 1374 في كتابه: (المرأة في الشرق) الذي هدف فيه إلى نزع الحجاب، وإباحة الاختلاط.
وأحمد لطفي السيد، الهالك سنة 1382، وهو أول من أدخل الفتيات المصريات في الجامعات مختلطات بالطلاب، سافرات الوجوه، لأول مرة في تاريخ مصر، يناصره في هذا عميد الفجور العربي: طه حسين، الهالك سنة 1393.
وقد تولى كبر هذه الفتنة داعية السفور: قاسم أمين، الهالك سنة 1362 الذي ألّف كتابه: تحرير المرأة، وقد صدرت ضده معارضات العلماء، وحكم بعضهم بردته، بمصر، والشام، والعراق، ثم حصلت له أحوال ألف على إثرها كتابه: المرأة الجديدة، أي: تحويل المسلمة إلى أوربية.
وساعد على هذا التوجه من البلاط الأميرة نازلي مصطفى فاضل، وهذه قد تنصرت وارتدت عن الإسلام.
ثم منفذ فكرة قاسم أمين داعية السفور: سعد زغلول، الهالك سنة 1346، وشقيه أحمد فتحي زغلول الهالك سنة 1332 .
ثم ظهرت الحركة النسائية بالقاهرة لتحرير المرأة عام 1919م برئاسة هدى شعراوي، الهالكة سنة 1367، وكان أول اجتماع لهن في الكنيسة المرقصية بمصر سنة 1920م ، وكانت هدى شعراوي أول مصرية مسلمة رفعت الحجاب -نعوذ بالله من الشقاء- في قصة تمتلئ النفوس منها حسرة وأسى، ذلك أن سعد زغلول لما عاد من بريطانيا مُصَنَّعاً بجميع مقومات الإفساد في الإسلام، صُنِع لاستقباله سرادقان، سرادق للرجال، وسرادق للنساء، فلما نزل من الطائرة عمد إلى سرادق النساء المتحجبات، واستقبلته هدى شعراوي بحجابها لينـزعه، فمد يده -يا ويلهما-، فنزع الحجاب عن وجهها، فصفق الجميع ونزعن الحجاب.
واليوم الحزين الثاني: أن صفية بنت مصطفى فهمي زوجة سعد زغلول، التي سماها بعد زواجه بها: صفية هانم سعد زغلول، على طريقة الأوربيين في نسبة زوجاتهم إليهم، كانت في وسط مظاهرة نسائية في القاهرة أمام قصر النيل، فخلعت الحجاب مع من خلعنه، ودُسْنَه تحت الأقدام، ثم أشعلن به النار، ولذا سُمي هذا الميدان باسم: ميدان التحرير .
وهكذا تتابع أشقياء الكنانة: إحسان عبد القدوس، ومصطفى أمين، ونجيب محفوظ، وطه حسين، ومن النصارى: شبلي شميل، وفرح أنطون -نعوذ بالله من الشقاء وأهله- ، يؤازرهم في هذه المكيدة للإسلام والمسلمين الصحافة، إذ كانت هي أولى وسائل نشر هذه الفتنة، حتى أُصْدِرَت مجلة باسم: مجلة السفور نحو سنة 1900م ، وهرول الكُتَّاب الماجنون بمقالاتهم القائمة على المطالبة بما يُسند السفور والفساد، ويهجم على الفضائل والأخلاق من خلال وسائل الإفساد الآتية:
نشر صور النساء الفاضحة، والدمج بين المرأة والرجل في الحوار والمناقشة، والتركيز على المقولة المحدَثَة الوافدة: ( المرأة شريكة الرجل ) أي: الدعوة إلى المساواة بينهما، وتسفيه قيام الرجل على المرأة، وإغراؤها بنشر الجديد في الأزياء الخليعة ومحلات الكوافير، وبرك السباحة النسائية والمختلطة، والأندية الترفيهية، والمقاهي، ونشر الحوادث المخلة بالعرض، وتمجيد الممثلات والمغنيات ورائدات الفن والفنون الجميلة.. .
يساند هذا الهجوم المنظم أمران :
الأمر الأول : إسنادهم من الداخل، وضعف مقاومة المصلحين لهم بالقلم واللسان، والسكوت عن فحشهم، ونشر الفاحشة، وإسكات الطرف الآخر، وعدم نشر مقالاتهم، أو تعويقها، وإلصاق تُهم التطرف والرجعية بهم، وإسناد الولايات إلى غير أهلها من المسلمين الأمناء الأقوياء .
هكذا صارت البداية المشؤومة للسفور في هذه الأمة بنـزع الحجاب عن الوجه، وهي مبسوطة في كتاب: المؤامرة على المرأة المسلمة للأستاذ أحمد فرج، وفي كتاب: عودة الحجاب [ج/1] للشيخ محمد بن أحمد إسماعيل، ثم أخذت تدب في العالم الإسلامي في ظرف سنوات قلائل، كالنار الموقدة في الهشيم، حتى صدرت القوانين الملزمة بالسفور، ففي تركيا أصدر الملحد أتاتورك قانوناً بنزع الحجاب سنة 1920م ، وفي إيران أصدر الرافضي رضا بهلوي قانوناً بنزع الحجاب سنة 1926م ، وفي أفغانستان أصدر محمد أمان قراراً بإلغاء الحجاب، وفي ألبانيا أصدر أحمد زوغوا قانوناً بإلغاء الحجاب، وفي تونس أصدر أبو رقيبة قانوناً بمنع الحجاب وتجريم تعدد الزوجات، ومن فعل فيعاقب بالسجن سنة وغرامة مالية !!
ولذا قال العلامة الشاعر العراقي محمد بهجت الأثري رحمه الله تعالى:
أبو رقيبة لا امتدتْ لَه رقبة لم يتق الله يوماً لا ولا رقـبة
وفي العراق تولى كبر هذه القضية –المناداة بنزع الحجاب- الزهاوي والرُّصافي، نعوذ بالله من حالهما.
وانظر خبر اليوم الحزين في نزع الحجاب في الجزائر كما في كتاب: التغريب في الفكر والسياسة والاقتصاد [ص:33-139] في 13 ماي عام 1958م قصة نزع الحجاب، قصة تتقطع منها النفس حَسَرات، ذلك أنه سُخِّر خطيب جمعة بالنداء في خطبته إلى نزع الحجاب، ففعل المبتلى، وبعدها قامت فتاة جزائرية فنادت بمكبر الصوت بخلع الحجاب، فخلعت حجابها ورمت به، وتبعها فتيات -منظمات لهذا الغرض- نزعن الحجاب، فصفق المسَخَّرون، ومثله حصل في مدينة وهران، ومثله حصر في عاصمة الجزائر: الجزائر، والصحافة من وراء هذا إشاعة، وتأييداً .
وفي المغرب الأقصى، وفي الشام بأقسامه الأربعة: لبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين، انتشر السفور والتبرج والتهتك والإباحية على أيدي دعاة البعث تارة، والقومية تارة أخرى، إلا أن المصادر التي تم الوقوف عليها لم تسعف في كيفية حصول ذلك، ولا في تسمية أشقيائها، فلا أدري لماذا أعرض الكُتَّاب ومُسَجِّلوا الأحداث آنذاك عن تسجيل البداية المشؤومة في القطر الشامي خاصة، مع أن الإنفجار الجنسي والعري، والتهتك والإباحية على حال لا تخفى .
أما في الهند وباكستان فكانت حال نساء المؤمنين على خير حال من الحجاب -درع الحشمة والحياء- . وفي التاريخ نفسه -حدود عام 1950م- بدأت حركة تحرير المرأة والمناداة بجناحيها: الحرية والمساواة، وترجم لذلك كتاب قاسم أمين تحرير المرأة، ثم من وراء ذلك الصحافة في الدعاية للتعليم المختلط ونزع الخمار، حتى بلغت هذه القارة من الحال ما لا يشكى إلا إلى الله تعالى منه، وهو مبسوط في كتاب: أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية لخادم حسين [ص:182-195].
ولهذه بداية مشؤومة في أطرار الجزيرة العربية في الكويت، والبحرين، وبعض الإمارات العربية المتحدة، وإطلالة مشؤومة في قطر، ووجود للخنا والتقذر به بأذون رسمية في بعضها.
وهكذا تحت وطأة سعاة الفتنة بالنداء بتحرير المرأة باسم الحرية والمساواة، آلت نهاية المرأة الغربية بداية للمرأة المسلمة في هذه الأقطار .
فباسم الحرية والمساواة :
hأخرجت المرأة من البيت تزاحم الرجل في مجالات حياته .
hوخُلع منها الحجاب وما يتبعه من فضائل العفة والحياء والطهر والنقاء .
h وغمسوها بأسفل دركات الخلاعة والمجون، لإشباع رغباتهم الجنسية.
h ورفعوا عنها يد قيام الرجال عليها، لتسويغ التجارة بعرضها دون رقيب عليها.
h ورفعوا حواجز منع الاختلاط والخلوة، لتحطيم فضائلها على صخرة التحرر، والحرية والمساواة.
h وتَمَّ القضاء على رسالتها الحياتية، أُمَّاً وزوجة، ومربية أجيال، وسكناً لراحة الأزواج، إلى جعلها سلعة رخيصة مهينة مبتذلة في كف كل لاقط من خائن وفاجر.
إلى آخر ما هنالك من البلاء المتناسل، مما تراه محرراً في عدد من كتاب الغيورين، ومنها: كتاب: حقوق المرأة في الإسلام لمؤلفه محمد بن عبدالله عرفة.
هذه هي المطالب المنحرفة في سبيل المؤمنين، وهذه هي آثارها المدمرة في العالم الإسلامي.
الأمر الثاني : إعادة المطالب المنحرفة، لضرب الفضيلة في آخر معقل للإسلام، وجعلها مِهاداً للجهر بفساد الأخلاق.
إن البداية مدخل النهاية، وإن أول عقبة يصطدم بها دعاة المرأة إلى الرذيلة هي الفضيلة الإسلامية: الحجاب لنساء المؤمنين، فإذا أسفرن عن وجوههن حَسَرْن عن أبدانهن وزينتهن التي أمر الله بحجبها وسترها عن الرجال الأجانب عنهن، وآلت حال نساء المؤمنين إلى الانسلاخ من الفضائل إلى الرذائل، من الانحلال والتهتك والإباحية، كما هي سائدة في جل العالم الإسلامي، نسأل الله صلاح أحوال المسلمين.
واليوم يمشي المستغربون الأجراء على الخطى نفسها، فيبذلون جهودهم مهرولين، لضرب فضيلة الحجاب في آخر معقل للإسلام، حتى تصل الحال -سواء أرادوا أم لم يريدوا- إلى هذه الغايات الإلحادية في وسط دار الإسلام الأولى والأخيرة، وعاصمة المسلمين، وحبيبة المؤمنين: جزيرة العرب التي حمى الله قلبها وقبلتها منذ أسلمت ببعثة خادم الأنبياء والمرسلين إلى يومنا هذا من أن ينفذ إليها الاستعمار، والإسلام فيها -بحمد الله- ظاهر، والشريعة نافذة، والمجتمع فيها مسلم، لا يشوبه تجنس كافر، وهؤلاء المفتونون السَّخابون على أعمدة الصحف اتَّبعوا سنن من كان مثلهم من الضالين من قبل، فنقلوا خطتهم التي واجهوا بها الحجاب إلى بلادنا وصحافتنا، وبدأوا من حيث بدأ أولئك بمطالبهم هذه يُجَرِّمون الوضع القائم، وهو وضع إسلامي في الحجاب، وفيه الطهر والعفاف، وكل من الجنسين في موقعه حسب الشرع المطهر، فماذا ينقمون ؟
وإن ما تقدم بيانه من أصول الفضيلة، ترد على هذه المطالب المنحرفة الباطلة، الدائرة في أجواء الرذيلة؛ من السفور عن الوجه، والتبرج، والاختلاط، وسلب قيام الرِّجال على النساء، ومنازعة المرأة في اختصاص الرجل، وهكذا من الغايات المدمرة.
وإن حقيقة هذه المطالب المنحرفة عن سبيل المؤمنين، إعلان بالمطالبة بالمنكر، وهجر للمعروف، وخروج على الفطرة، وخروج على الشريعة، وخروج على الفضائل والقيم بجميع مقوماتها، وخروج على القيادة الإسلامية التي تحكم الشرع المطهر، وجعل البلاد مِهاداً للتبرج والسفور والاختلاط والحسور.
وهذا نوع من المحاربة باللسان -والقلم أحد اللسانين- وقد يكون أنكى من المحاربة باليد، وهو من الإفساد في الأرض .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في [الصارم المسلول: 2/ 735] : (( وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد )) انتهى .
لهذا فإن المتعين إجراؤه هو ما يأتي :
1 / على مَن بسط الله يده إصدار الأوامر الحاسمة للمحافظة على الفضيلة من عاديات التبرج والسفور والاختلاط، وكفُّ أقلام الرعاع السُّفوريّين عن الكتابة في هذه المطالب، حماية للأمة من شرورهم، وإحالة مَن يَسْخر من الحجاب إلى القَضاء الشرعي، ليطبق عليهم ما يقضي به الشرع من عقاب.
وإلحاق العقاب بالمتبرجات؛ لأنهن شراك للافتتان، وهن أولى بالعقاب من الشاب الذي يتعرض لهن، إذ هي التي أغرته فَجَرَّته إلى نفسها .
2 / على العلماء وطلبة العلم بذل النصح، والتحذير من قالة السوء، وتثبيت نساء المؤمنين على ما هن عليه من الفضيلة، وحراستها من المعتدين عليها، والرحمة بهن بالتحذير من دعاة السوء، عبيد الهوى .
3 / على كل مَن ولاه الله أمر امرأة من الآباء والأبناء والأزواج وغيرهم، أن يتقوا الله فيما وُلُّوا من أمر النساء، وأن يعملوا الأسباب لحفظهن من السفور والتبرج والاختلاط، والأسباب الداعية إليها، ومن دعاة السفور .
وليعلموا أن فساد النساء سببه الأول تساهل الرجال .
4 / على نساء المؤمنين أن يتقين الله في أنفسهن، وفي مَن تحت أيديهن من الذراري، بلزوم الفضيلة، والتزام اللباس الشرعي والحجاب بلبس العباءة والخمار، وأن لا يمشين وراء دعاة الفتنة وعشاق الرذيلة .
5 / ننصح هؤلاء الكتاب بالتوبة النصوح، وأن لا يكونوا باب سوء على أهليهم، وأمتهم، وليتقوا الله سخط الله ومقته وأليم عقابه .
6 / على كل مسلم الحذر من إشاعة الفاحشة ونشرها وتكثيفها، وليعلم أن محبتها كما بينها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في [الفتاوى: 15/ 332،344] لا تكون بالقول والفعل فقط، بل تكون بذلك، وبالتحدث بها، وبالقلب، وبالركون إليها، وبالسكوت عنها، فإن هذه المحبة تُمَكِّن من انتشارها، وتُمَكن من الدفع في وجه من ينكرها من المؤمنين، فليتق الله امرؤ مسلم من محبة إشاعة الفاحشة، قال الله تعالى: ]إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليمٌ في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [النور: 19] .
هذا ما أردت بيانه، وما على أهل العلم والإيمان إلا البلاغ والبيان، للتخفف من عهدته، ورجاء انتفاع من شاء الله من عباده، وللنصح به، لقول النبي e :
(( الدين النصيحة )) قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: (( لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم )) خرجه مسلم في صحيحه .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في [الحِكَم الجديرة بالإذاعة: ص43]: (( رُوي عن الإمام أحمد أنه قيل له: إن عبد الوهاب الوراق ينكر كذا وكذا، فقال: لا نزال بخير ما دام فينا من يُنكر )) ، ومن هذا الباب قول عمر لمن قال له: اتق الله يا أمير المؤمنين، فقال: لا خير فيكم إن لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم .
وما يتذكر إلا أولوا الألباب، والله يتولى الجزاء والحساب، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم .