|
|
|
|
|
|
|
|
|
التاريخ 6/8/2005 9:05:55 AM
|
بقلم : معالي الشيخ احمد زكي يماني !
|
بقلم : معالي الشيخ احمد زكي يماني !
الآن وقد رحل بابا الفاتيكان إلى جوار ربه, عادت بي الذاكرة الى النصف الثاني من الثمانينيات الميلادية في القرن الماضي, حيث اجتمعت به اجتماعا مطولا لا أنوى الدخول في تفصيلات ما جرى خلاله, ولكن القليل مما أحاط بالمقابلة وأسبابها وما تمّ بعدها يعدّ من الأمور التي لا أجد حرجا أو مبررا لإخفائها وإبقائها طيّ الكتمان.
ومما دفعني لطرق باب الفاتيكان حقيقة معروفة وهي أن الكاثوليك عندما نجحوا في طرد العرب المسلمين من أسبانيا ، استولوا على آلاف المخطوطات والوثائق التي تركوها خلفهم ، ولم تكن تعني للمحاربين الكاثوليك شيئاً فأرسلوها إلى بابا الفاتيكان0
ونظراً لولعي الشديد بالمخطوطات الإسلامية بلغاتها المختلفة ، ومعظمها بالعربية ، فقد شددت الرحال إلى روما لزيارة مكتبة الفاتيكان التي تحتوي على تلك الذخائر الفريدة والنادرة0 والمكتبة المذكورة تنقسم لثلاثة أقسام ، العامة التي يرتادها من أراد ، والخاصة وهي التي تحتوي على تلك المخطوطات ويرتادها الخاصة من المهتمين أو الباحثين ، وقسم ثالث يسمونه كنوز الفاتيكان يحتوي على أكثر الوثائق ندرة وأهمية ولا تفتح أبوابه إلاّ لمن حظي بإذن خاص من أعلى المراجع وحصلت على ذلك الأذن وعلى زيارة خاصة للبابا في مكتبه ، واستمرت الزيارة ساعة وخمسا وعشرين دقيقة ، كما قالت إحدى الصحف الإيطالية ، اكتشفت فيها عمق إلمام الرجل بأحوال العالم ومشكلاته ، ومعرفته مثلاً بأعداد العمالة الكاثوليك بالمملكة وأغلبهم من الفلبين0 ولست في مقالي هذا راغباً في ذكر ما جرى خلال تلك المقابلة ولكن ما جرى بنهايتها يستحق الذكر لطرافته ، ولا أجد غضاضة في ذكره0 لقد أحضرت معي لتلك الزيارة شيئاً من الهدايا كان التمر أهمها إذ كان عيد ميلاد المسيح عليه السلام ليس ببيعد0 وقد أخبروا البابا أني أحضرت له بعض الهدايا ، وهي موجودة خارج المكتب ، فخرج معي حيث كانت الهدايا ، مجاملة منه وامتناناً0 وقلت له اني أحضرت التمر لأني أعلم أن من عادات المسيحيين أكل التمر يوم الميلاد ، فأجاب نعم كلنا نفعل ذلك ،
فسألته ما هو الأساس الديني لتلك العادة ؟ فنفى أن يكون لتلك العادة أي أساس ديني0 فقلت له الأساس لدينا نحن المسلمين ، في كتاب الله0 وقرأت له آية "" فأجأها المخاض إلى جذع النخلة "" إلى آخر الآية - مترجماً معانيها ، وأن الرطب الجني الذي أكَلتْهُ مريم العذراء صاحَبَ الولادة ، فإذا البابا وقد بدا عليه الامتعاض ، آثر السكوت ، فأردفت ، وما دام الأمر كذلك فإن الخامس والعشرين من ديسمبر وقت يتعذر فيه وجود رطب جني في أرض فلسطين ، شديدة البرودة ذلك الوقت من السنة0 فأجاب باقتضاب ، تاريخ الولادة اتخذناه في روما دون تحقق ، وهو لذلك رمزي غير دقيق0 وتركت البابا شاكراً حسن استقباله0
وفي صباح اليوم التالي أتى إلى الفندق الذي أقمت فيه أحد كبار الكرادلة مرسلاً من البابا ، واجتاحت الفندق موجة من الاهتمام لقدومه ، ولما واجهته أخبرني أن الحبر الأعظم أرسله ليشعرني أنه وجد الأساس الديني لأكل التمر ، فأجبته مظهراً الفرح والسرور ، أنا وجدنا أمراً يشترك فيه المسلمون مع المسيحيين !! وأعود إلى المكتبة النفيسة التي كانت هدفي ومقصد رحلتي0 لم أزر القسم العام وبقيت في القسم الخاص سبع ساعات ونصف أتجول بين رفوفها حيث تقبع المخطوطات الإسلامية ، ومرةً أخرى لست هنا بصدد ذكر ما رأيت وسرد ما قرأت0 ولكن مخطوطة واحدة استرعت انتباهي وتستحق الإشارة إليها ، كانت المخطوطة في حال يرثى لها فقدت الصفحات الأولى منها ، ولكن آخر صفحة بها تذكر أن مؤلفها قد أكمل كتابتها في المائة الثانية من الهجـرة0 وتنقسم المخطوطة إلى ثلاثة فصول ، الأول في فقه العبادات كالطهارة والصلاة ، ولم تكن المذاهب الفقهية الأربعة قد ظهرت ، والقسم الثاني يتعلق بعلم الفلك ودورة الشمس والقمر وكان ذلك القسم يدل على اهتمام العرب والمسلمين بذلك العلم دون التوصل آنذاك إلى مرتبة الإجادة والتعمق ، والقسم الثالث يبحث في شد أوتار الآلات الموسيقية0 وحمدت الله أن المخطوطة غير معروفة عندنا ومؤلفهـا مجهول لتلف الصفحة الأولى التي تحوي اسم المؤلف عادة ، حتى لا تنطلق بعض الأصوات تصب على رأس المؤلف اللعنة ، فعلوم الفلك غير معترف بها الآن رغم أنها وصلت مرحلة الدقة المتناهية وبلغت حد العلم القطعي ، وذلك ما نسميه علم الفضاء0 والطامة الكبرى أن المؤلف يبحث في شد الأوتار لآلات الموسيقى وهي كما يقول ذلك البعض محرّمة قطعاً وبالاجماع0 ولن يغفر لذلك المؤلف المجهول أنه كان فقيهاً متمكناً يذكر الأحكام بأدلتها من الكتاب والسنة فجريمته في التصدي لعلم الفلك وللموسيقى من الجرائم التي لا تغتفر0 ومن طريف ما رأيت قطعاً من الجلد كُتبَ عليها آيات من القرآن بحروف غير منقطة وقيل انه أُجريت دراسات علمية لمعرفة عمر الجلد الذي كُتبت عليه الآيات فتجاوز عمره مائتين وخمسين وألف سنة ميلادية وهذا ماقادهم إلى افتراض أن بعض كُتاب الوحي من بني أُمية لم يسلموا ما لديهم أو بعضه من آيات الكتاب الحكيم عندما جُمع المصحف في عهد الصديق رضي الله عنه وأُتلفت جميع الآيات المتفرقة التي نزلت منجمة ، وأنه عندما دانت دولة الأمويين في الشام وهرب عبدالرحمن الداخل إلى الأندلس حيث أقام دولة الأمويين استطاع فيما بعد نقل الذخائر ومنها تلك القطع التي كُتب عليها آيات من القرآن أثناء نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم0 وهذا الافتراض مع كل قرائنه يقرب من الصحة وينبئنا أن المسلمين إذا تفككوا واختلفوا فقدوا الكثير من تراثهم بل وفقدوا كيانهم ، وذلك حال ملوك الطوائف فيما مضى وهو حال دويلات الطوائف في عصرنا هذا0 وآيات الكتاب الكريم التي كُتبت في حضرة رسولنا عليه السـلام هي من أعز وأثمن ما أعرف من التراث0
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|