الحجج المعارضة والمؤيدة للمادة 26من قانون الأحوال الشخصية الأردني
دراسة في أحكام الشريعة الإسلامية
ورقة بحثية مقدمة من الطالب
معتز نابغ كنعـان
في
مادة دراسات متعمقة في الشريعة الإسلامية
المحاضر
الدكتور وليد عوجان
المقدمـة :
ما إن صدر تعديـل قانون الأحوال الشخصية الأردني على شكل قانون مؤقت يحمل الرقم 82لسنة2001 حتى بدأت عـواصف الجدل حول المادة 126من قانون الأحوال الشخصية التي تقر للمرأة طلبها بفسخ عقد الزواج أو الطلاق بناء على رغبتها المنفرة ما بين مؤيد ومعارض فالأول ينادي بحرية المرأة ومساواتها بالرجل ومعـللاً موقفه على أن أحكام الشريعة الإسلامية لا تتعارض مع حكم المادة والبعض الآخر فزع من التعديل واعتبره هدماً للأسرة ومخالفةً لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
هدف البحث : يهدف هذا البحث إلى الإجابة من خلال أحكام الشريعة الإسلامية عما يلي :
1-سرد حجج المعارضين للمادة 126 والرد عليها
2-سرد حجج المؤيدين للمادة126 والرد عليها
3- رأي الكاتب حول المادة126
النص القانوني :
نصت المادة126 من قانون الأحوال الشخصية الأردنـي المؤقت رقم 82لسنة2001
ب . للزوجة قبل الدخول أو الخلوة أن تطلب إلى القاضي التفريق بينها وبين زوجها إذا استعدت لإعادة ما استلمته من مهرها ومـا تكلف به الزوج من نفقات الزواج وللزوج الخيار بين أخذها عيناً أو نقداً، وإذا امتنع الزوج عن تطليقها يحكم القاضي بفسخ العقد بعد ضمان إعادة المهر والنفقات.
ج . للزوجين بعد الدخول أو الخلوة أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع فإن لـم
يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلب الخلع مبينة باقرارصريح منها أنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى أن لا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض وافتدت نفسها بالتنازل عن جميع حقوقها الزوجية وخالعت زوجها وردت عليه الصداق الذي استلمته منه حاولت المحكمة الصلـح بين الزوجين فإن لم تستطع أرسـلت حكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً فإن لم يتم الصلح حكمت المحكمة بتطليقها عليه بائناً.
أولاً :في حجج المعارضين :
1-إن المادة 126من قانـون الأحوال الشخصية قد أجاز للمرأة طلب الطلاق والتفريق بناء على رغبتها المنفردة ويجاب إلى طلبـها من القاضي وفي هذا مخالفةٌ لأحكام الشـريعة الإسلامية حيث أن الطلاق وحده بيد الرجل لقوله سبحانه وتعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ) وقوله سبحانه (فطلقوهن لعدتهن) وقولـه (الرجال قـوامون عـلى النساء) وأن حكمة هذا التشريع هو أن الرجل أبصر بالعواقب وأكثر تريثاً وأقل تأثراً من المرأة فهو أولى أن تكون العقدة في يده ،أما المرأة فهي سريعة التأثر ،شديدة الانفعال ،حارة العاطفة فلو كان بيدها الطلاق لأسرعت به لأتفه الأسباب ،وكلما نشب خلاف صغير كـما أنه ليس من المصلحة أن يفوض الطلاق إلى المحكمة ،فليس كل أسباب الطلاق مما يجوز أن يذاع في المحاكم ويصبح مضغة في الأفواه،إنّ وضع الخلع بيد النساء ذوات العواطف الكبيرة والغضب السريع –غالباً-فيه فتح لباب جديد لهدم الأسرة وتشريد الأبناء ،مع أن الأصل أن يتم البحث عن إغلاق وتضييق أبواب إنهاء العلاقة الزوجية والسعي لتوطيد العلاقات الزوجية ،ومعروف بأن الرجال أقدر على تحمل وضبط النفس وتحكيم العقل من النساء غالباً ولذلك منحهم الإسلام حق الطـلاق حرصاً على تماسك الأسرة يضاف إلى أن الطلاق من غير رضا الزوج وبمجرد طلب الزوجة فيه ظلم للزوج ،حيث أن حق الزوجة بقدم فيه على الزوج ومن غير مسوغ شرعي وهذا تحكم ،فموافقة الزوجة ليست بأولى من موافقة الزوج (1).
(1) محمد أبو زهرة .(1957).الأحوال الشخصية،ط2.القاهرة:دار الفكر العربي
2- إن طلـب الزوجة للطلاق في غير الحالات التي أجزها الشارع كالتفريق
للغيبة ولعدم الإنفاق وغيرها وضمن الشروط التي وضعها الشارع هو حرام ومكروه وهو ما يستدل من حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأسٍ فحرام عليها رائحة الجنة )(1) وقوله عليه السلام ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) (2)
ولا يجوز تقتـنين ما حرمه الـشارع بإعطاء المرأة الحق في رفع قيد الزواج بمشيأتها المنفردة وبدون سبب شرعي .
3- إنَّ الفداء والخلع الذي شرّعه الشارع هو الذي يتم بإرادة الطـرفين إيجاب من الزوجة وقبول من الزوج لا بإرادة الزوجة وحدها وتصديق القاضي كما هو الحـال في المادة126 قانـون الأحوال الشخصية الأردني .
و هذا ما يتبين من تعريف الخلع في الاصطلاح الشرعي :
أ-عند المالكية :هو الطلاق بعوض وهو طلقة بائنة في رأي مالك وألفاظه الخلع و
المبارأة ،إلا أن اسم الخـلع يختص ببذلها جميع ما أعطاها والصلح ببعضه،أو الفديـة
بأكثره ،والمبارأة بإسقاطها عنه حقاً لها عليه ،ولا يجوز الخلع حال التراضي والوفاق
ب- عند الشافعية :هو فرقة بعوض بلفظ طلاق كقول الرجل :طالقتك أو خالعتك على
كذا فتقبل الزوجة.
ج- عند الحنابلة :هو فراق زوج زوجته بعوض
4- لمخالفة القانون للآية 229من سورة البقرة (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلاجناح عـليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدى حدود الله فأولئك هم الظالمون) حيث أن المخاطب في هذه الآية هما الزوج والزوجة الاثنان معا في قوله فان خفتم ألا يقيما حدود الله وقوله لا جناح عليهما ولو أن الخلع يحصل من أحدهما أو من الزوجة وحدها لما جمعا في المخاطب .
----------------------------------------------------
(1) سنن البيهقي حديث رقم14637
(2)سنن البيهقي حديث رقم14639
5- قول الله تعالى ( و إن أردتم استبدال زوج مكان زوج ،واتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً ، وكيف تأخذونه وقـد أفضى بعضكم الى
بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظا )(1) . فحرمت الآية الـزوج من أخذ ما أعطا لزوجته واعتبره من الكبائر.
6- إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بنت قيس يدل على أن الرسول لم يطلق ثابت من امرأته بناء على رغبتها وانما طلب من ثابت أي يقوم بطلاقها ولم يلزمه وبذلك لا يجوز للقاضي أن يأمر بالطلاق أو فسخ النكاح بناء على طلب الزوجة في غير الحالات المحددة حصرا في الشرع الإسلامي للتفريق وهذان الحديثان يقطعان بذلك :-
الحديث الأول : أخبرنا أبو بكر بن الحارث أنا علي بن عمر الحافظ أنا أبو بكر النيسابوري أنا يوسف بن سعيد أنا حجاج عن بن جريج أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول وكان أصدقها حديقة فكرهته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت نعم وزيادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الزيادة فلا ولكن حديقته فقالت نعم فأخذها له وخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس بن شماس رضى الله تعالى عنه قال قد قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)
الحديث الثاني : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو أحمد الحافظ أنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الواسطي ببغداد أنا أزهر بن جميل أنا الثقفي أنا خالد أنا عكرمة عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله والله ما أعتب على ثابت في خلق ولا دين ولكن أكره الكفر في الإسلام فقال أتردين عليه حديقته قالت نعم قال يا ثابت أقبل الحديقة وطلقها تطليقة رواه البخاري في الصحيح عن أزهر بن جميل (3)
----------------------------------------------------
(1) سورة النساء الآيتان20،21
(2) سنن البيهقي 14626
(3) سنن البيهقي 14616
7- أن المادة126/ب قد اعتبرت أن الخلع الذي يقع قبل الدخول هو فسخ بخلاف رأي
الجمهور في نوع الخلع فجمهور العلماء يرى على أنه طلاق، وبه قال مالك، وأبو حنيفة سوى بين الطلاق والفسخ؛ وقال الشافعي: هو فسخ، وبه قال أحمد وداود ومن الصحابة ابن عباس. وقد روي عن الشافعي أنه كناية، فإن أراد به الطلاق كان طلاقا وإلا كان فسخا، وقد قيل عنه في قوله الجديد إنه طلاق وفائدة الفرق هل يعتد به في التطليقات أم لا؟ وجمهور من رأى أنه طلاق يجعله بائنا، لأنه لو كان للزوج في العدة منه الرجعة عليها لم يكن لافتدائها معنى وقال أبو ثور: إن لم يكن بلفظ الطلاق لم يكن له عليها رجعة، وإن كان بلفظ الطلاق كان له عليها الرجعة احتج من جعله طلاقا بأن الفسوخ إنما هي التي تقتضي الفرقة الغالبة للزوج في الفراق مما ليس يرجع إلى اختياره، وهذا راجع إلى الاختيار فليس بفسخ، واحتج من لم يره طلاقا بأن الله تبارك وتعالى ذكر في كتابه الطلاق فقال {الطلاق مرتان} ثم ذكر الافتداء ثم قال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فلو كان الافتداء طلاقا لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع، وعند هؤلاء أن الفسوخ تقع بالتراضي قياسا على فسوخ البيع: أعني الإقالة، وعند المخالف أن الآية إنما تضمنت حكم الاقتداء على أنه شيء يلحق جميع أنواع الطلاق لا أنه شيء غير الطلاق.(1)
ثانيأ: حجج المؤيدين للمادة126
يؤيد البعض الآخر نص المادة 126من القانون لعدة أسباب هي:
1- أن نص المادة126 من قانون الأحوال الشخصية متفقة مع ما جاء في الأمر الإلهي في قوله تعالى في الآية 229من سورة البقرة (فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) حيث نجد أن المخاطب في خفتم للأئمة والحكام لأن لهم الأمر في ايقاع الطلاق وهذا ما جاء في تفسير فتح القدير واليك ما جاء في تفسير هذه الآية:
----------------------------------------------------
(1) ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد ص20
وقيل: الخطاب في قوله: "ولا يحل لكم" للأئمة والحكام ليطابق قوله: "فإن خفتم" فإن الخطاب فيه للأئمة والحكام، وعلى هذا يكون إسناد الأخذ إليهم لكونهم الآمرين بذلك. والأول أولى لقوله: "مما آتيتموهن" فإن إسناده إلى غير الأزواج بعيد جداً، لأن إيتاء الأزواج لم يكن عن أمرهم- وقيل: إن الثاني أولى لئلا يتشوش النظم. قوله: "إلا أن يخافا" أي لا يجوز لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا " أن لا يقيما حدود الله " أي عدم إقامة حدود الله التي حدها للزوجين، وأوجب عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة، فإن خافا ذلك "فلا جناح عليهما فيما افتدت به" أي لا جناح على الرجل في الأخذ، وعلى المرأة في الإعطاء بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شيء من المال يرضى به الزوج فيطلقها لأجله، وهذا هو الخلع وقد ذهب الجمهور إلى جواز ذلك للزوج، وأنه يحل له الأخذ مع ذلك الخوف وهو الذي صرح به القرآن. وحكى ابن المنذر عن بعض أهل العلم أنه لا يحل له ما أخذ ولا يحبر على رده، وهذا في غاية السقوط. وقرأ حمزة: "إلا أن يخافا" على البناء للمجهول، والفاعل محذوف، وهو الأئمة والحكام واختاره أبو عبيد قال لقوله: "فإن خفتم" فجعل الخوف لغير الزوجين. وقد احتج بذلك من وقوله: " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله " أي إذا خاف الأئمة والحكام، أو المتوسطون بين الزوجين وإن لم يكونوا أئمة وحكاماً عدم إقامة حدود الله من الزوجين، وهي ما أوجبه عليهما كما سلف. وقد حكي عن بكر بن عبد الله المدني أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة النساء: "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً" وهو قول خارج عن الإجماع ولا تنافي بين الاثنين. وقد اختلف أهل العلم إذا طلب الزوج من المرأة زيادة على ما دفعه إليها من المهر وما يتبعه ورضيت بذلك المرأة هل يجوز أم لا؟ وظاهر القرآن الجواز لعدم تقييده بمقدار معين، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور، وروي مثل ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وقال طاووس وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق: إنه لا يجوز.(1)
(1) فتح القدير تفسير الآية229من سورة البقرة |
فواضح من التفسير السابق للآيات أن الله أعطى للحاكم أن يفرق بين الرجل وزوجته إن خاف أن لا يقيما حدود الله وهذا رد على حجج من قال أن الخلع لا يتم إلا برضا وموافقة الزوج .
2- ما جاء في عن حديث رسول الله في امرأة ثابت بنت قيس :-
"أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان النيسابوري قال لنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا العباس بن محمد الدوري أنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح أنا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق غير أني أخاف الكفر في الإسلام فقال أتردين عليه حديقته قالت نعم فأمرها أن ترد عليه فـفرق بينهما رواه البخاري في الصحيح "(1)
فالرسول صلى الله عليه وسلم قام بالتفريق بين ثابت وامرأته بطلب منها ودون موافقته
حين رأى كره المرأة لثابت ولم يأخذ موافقته قبل التفريق .
وظاهر من الحديث الشريف أن مجرد وقوع الشقاق من قبل المرأة كاف في جواز الخلع ويؤيد هذا إن الرسول الكريم لم يستفسر عن امرأة ثابت بن قيس عن سبب كراهيتها له و إنما سألها هل ترد عليه ما أعطاها من مال وصداق ، وهذا ما يتوافـق مع أخـلاق وهذا ما يتوافق مع أخلاق رسولنا العظيم ، حينما لم يرد سماع أسباب الكراهية ونفور المرأة من زوجها ،إذ يكون سبب هذا النفور ما يجرح مشاعر وكرامة الرجـل واكتفى بإعلان المرأة عن مشاعرها تجاه زوجها دون إبداء سبب النفور(2).
3- أيضا إن الفاروق عمر بن الخطاب قضى بطلاق رجل من زوجته بناء على طلب منها وقد جاء في هذا عن سفيان عن أيوب السختياني قال حدثني كثير مولى سمرة أن امرأة نشزت من زوجها في إمارة عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فأمر بها إلى
(1) سنن البيهقي حديث 14617
(2) ناهد العجوز(2001). دعوى التطليق والخلع ، ط1.الإسكندرية.منشأة دار المعارف
بيت كثير الزبل فمكثت فيه ثلاثة أيام ثم أخرجها فقال لها كيف رأيت قالت ما وجدت الراحة إلا في هذه الأيام فقال عمر رضى الله تعالى عنه أخلعها ولو من قرطها .
كما جاء عن سيدنا عمر رضي الله عنه قوله عنه إذا أراد النساء الخلع فلا تكفروهن
ثالثاً: رأي الكاتب في المادة126
مما سبق نرى أن سبب الخلاف في مسألة الخلع بين المعارضين والمؤيدين تعود إلى اختلاف العلماء في تفسير آية الفداء الآية229 من سورة البقرة واتساع معناها ليشمـل
طلب المرأة بالخلع وهو من رحمة الله سبحانه وتعالى في عباده إذ جعل قرآنه المـجيد
دستوراً ومنهج حياة يستوعب الفكر الإنساني ومتطلبات الإنسان وما هذا الخـلاف إلا
شاهداً على ذلك .
أيضاً جاء سبب الخلاف نتيجة اختلاف الروايات في الحديث عن الرسول صلى الله
علية وسلم كما رأينا في رواية زوجة ثابت بنت قيس.
غير أن من يطالع أي كتاب في موضوع الخلع يرى أن جميع الفقهاء قد اتفقوا على أن الخلع لا ينفرد به أحد الزوجين بل لا بد من رضاهما لأن به يسقط ما للزوج من حقوق فلا بد من رضاه ويلزم الزوجة العوض فيشترط رضاها فهو كالعقود من هذه
الجهة وليس إسقاطا محضاَ حتى ينفرد به الزوج وبما أنه لا يتم إلا برضاهما فلا بد فيه من الإيجاب والقبول (1).
وقد عرض موضوع المادة20من قانون الأحوال الشخصية المصري المعدل وينص على ( 1- للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع ،فان لم يتراضيا عليه أقامت الزوجة دعواه بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقـها المالية والشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها حكمت المحكمة بتطليقها عليه.
2-ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الـصلح بين الزوجين وندبها لحكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وعلى الـوجه المبين بالفقرة الثانية من المادة 19 من هذا القانون وبعد أن تقرر الزوجة صراحة أنها
----------------------------------------------------
(1) محمد زيد الأبياني ،شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية،ص393،بغداد:مكتبة النهضة
تبغض الحياة مع زوجها وانه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى أن لا
تقيم حدود الله بسبب هذا البغض) عرض هذا النص على مفتي الديار المصرية الشيخ محمد فريد واصل الذي أقر شرعيته كما وافق الدكتور يوسف القرضاوي على خلع المرأة لزوجها بدون موافقته فقال : (أنا مع الرأي القائل أن القاضي من حقه أن يجبر الرجل على أن يخالع المرأة ويقبل ما تفتدي به نفسها،ولكن بشرط التريث في ذلك يعني لا بد أن يعطي فرصة وفرصة حتى يستوثق تماماً ويتأكد أن المرأة لا تطيقه بغضاً ،لا يقبل الإسلام أن تجبر المرأة أن تعاشر رجلاً تكرهه ،هذا ليس إسلاما ولكن كاثوليكية وهي كما قال المتنبي :
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بد (1)
إن موضوع المادة 126 أو الخلع بناءً على طلب الزوجة جبراً على الزوج لم يتم الإجماع عليه إلى الآن من قبل المجتهدين من أمة الإسلام حتى يصبح ملزماً ويتعدى
الاجتهادات المتضاربة .
أما عن اجتهادي الشخصي فإنني أرى أن المادة 126من قانون الأحوال الشخصية لا تخالف الشرع الإسلامي وأن من الحكمة إعادة التفكير في موضوع الخلع وعدم التقيد بما أجمع عليه علماء المسلمين ما قبل ما يزيد عن ألف عام لأننا الآن في عصر جديد من مميزاته أن المرأة تساوي الرجل في الحقوق والواجبات وأنه من غير الجدوى ولا النافع إبقاء الرابطة الزوجية إذا كان أحد أطرافها يريد أن ينفك منها ، و أنا أرى أن القانون تقيد بما شرطه الله سبحانه من محاولة التوفيق بين الزوجين بواسطة حكمين يبحثـان في النزاع ويحاولان تقريب وجهات النظر لإنقاذ الآسرة وأعطى القانون الزوجين مهلة شهر لهذه المهمة فإذا ما انتهت المهمة بالفشل وأصرت المرأة على
الطلاق حكم لها القاضي به بعد أن تعيد ما غنمته من زوجها من مهر ونفقات زواج
ويضيع عليها أية حقوق شرعية ومالية حتى لا يصبح الخلع والزواج وسيلة لتكسب النساء .
(1) رأي الدكتور يوسف القرضاوي مقابلة اجري معه في قناة الجزيرة،برنامج
الشريعة والحياة ،عن المرأة والتنمية ،حلقة الخميس 7/12/2000
غير أنني لا أرى أو لا أعلم لماذا فـرق القانون بين الخلع قبل الدخول فاعتبره
فسخاً وبين الخلع بعد الدخول فاعتبره طلاقاً ؟ والمعروف أن الفرق بين الطلاق والفسخ
في الفائدة هو أن الفسخ لا يعد طلقة بمعنى انه إذا تزوج الرجل ممن خلعته قبل الدخول
مرة أخرى بعد الخلع فله أن يطلقها ثلاثاً بعد الخلع الأول حتى يصبح الطلاق بائناً
بينونة كبرى بعكس الطلاق بعد الدخول إذ يعتبر طلاقاً بائناً وللزوج أن يطلق مرتان فقط حتى يصبح طلاقا بائنا بينونة كبرى ، وفي هذا تعارض صريح لما جاء في قانون
الأحوال الشخصية الأردني الذي نص في المادة 94منه ( كل طلاق يقع رجعيا ً الا المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول والطلاق على مال والطلاق الذي نص على أنه بائن في هذا القانون)
أما بالنسبة للمدة التي نص عليه القانون فيها بتأجيل الحكم بالخلع ثلاثين يوما ليتمكن الحكمين من الصلح خلالها بين الزوجين فأرى أن المدة قصيرة لهذه المهمة العظيمة مهمة إنقاذ أسرة ونشأ فيجب مدها إلى أكثر من ذلك كما فعل القانون المصري في المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية فجعلها ثلاثة أشهر بنهايتها يتأكد القاضي أنه لا سبيل لبقاء الرابطة الزوجية قائمة ولتتأكد المرأة من صدق شعورها وتكون قد جربت البعاد عن زوجها مدة كافية فيكون قرارها بالانفصال أتى نتيجة تفكير هادئ مترو.
تم بحمد الله
المراجع
1- سنن البيهقي للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسن علي البيهقي
2- شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية للدكتور محمد زيد الأبياني
مكتبة النهضة،بغداد
3-دعوى التطليق والخلع للدكتورة ناهد العجوز ،الطبعة الأولى 2001،منشأة
المعارف بالإسكندرية
4-الأحوال الشخصية للإمام محمد أبو زهرة ،سنة1950،دار الفكر العربي
5-فتح القدير للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بان الهمام سنة
1930
6-بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد
7- قانون الأحوال الشخصية المصري القانون رقم 1 لسنة 2000