منتدي المحامين العرب المنتدى العام نقد الرؤية الحربية للعالم
(العنوان: نقد الرؤية الحربية للعالم ) (الكاتب: مشاري الذايدي ) (ت.م: 31-03-2002 ) (ت.هـ: 17-01-1423 ) (جهة المصدر: جريدة الحياة) (العدد: 14255 ) (الصفحة: 15 ) في واجهة احد المواقع الاسلامية (الحوارية!) في الانترنت تجد هذه الافتتاحية الثابتة: نحن امة يحركها امر الله ويقودها كتاب الله ويحدد معالم طريقها رسول الله والعلاقة بيننا وبين اعدائنا من خلال احدي ثلاث صور: إما أن يدخلوا في دين الله (الاسلام) فهم اخواننا لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإما أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، واما السيف بيننا وبينهم !! في الحقيقة لا أدري أي فسحة للحوار تبقي بعد هذه السكك الحديد الثلاث التي حصرت خيارات البشر فيها ازاء الاسلام؟ كم يبدو صعباً بل مستحيلاً التأليف بين الثقافة الارغامية التسلطية وبين الآية الكريمة (لا إكراه في الدين) والمبدأ القرآني (لكم دين ولي دين) والمقولة العمرية (متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً). وللحقيقة فإن الثقافة التسلطية منتشرة وذات حضور قديم في ثقافتنا العربية الاسلامية يغذيها فهم لا تاريخي للنصوص الاسلامية (قرآن وسنّة) واهواء سياسية طامحة توظف الدين لمصلحتها. فالفتح والقتال والتوسع شيمة امبراطورية لا تصدر عن دين او مبدأ، بل هي شيمة مكتفية بذاتها ولا تنتج إلا من ذاتها، فإن صادفت ديانة او ثقافة في طريقها حاولت جرجرتها للدفع بها باتجاه مطامعها ومصالحها. فيصبح التوسع الجغرافي والسياسي وضم الارض (تبشيراً او فتحاً او نشراً للتنوير...). حدث هذا مع اكاسرة الفرس وقياصرة الروم وقسم كبير من غزوات الامبراطوريات في التاريخ الاسلامي، وكذلك حدث مع الغزوة الاستعمارية للوطن الاسلامي والعربي. هذه خيوط دقيقة يستطيع الدارس التاريخي فرزها وتحليلها بعيداً عما يريد الغازي او الفاتح او المبشر ان نفهم به صورة غزوته او فتحه او تبشيره! لكن هذه الخيوط تختلط وتتشابك عند من يقرأ التاريخ بنصوصه وأحداثه قراءة تلغي تاريخيته وظرفيته وبشريته وترتقي به الي افق متعال وتضمه الي دائرة التعاليم المطلقة والمبادئ العليا. هذا النوع من القراءة هو الذي يحكم الآن خطاب (الجهاد والتثوير) لدي الحركات الاسلامية العنفية، فلا اعتبار بأي بعد تاريخي لهذه النصوص (قرآن وسنّة)، بل تقرأ كمبادئ مطلقة تشتغل في اي ظرف وضمن اي صيغة اجتماعية او سياسية بصرف النظر عن درجة الاختلاف ونوعه! العجيب ان ما يعرف بعلوم القرآن في التراث الاسلامي اكدت علي اهمية معرفة الاطر الزمانية وسياقات الآيات حتي لا يضطرب الفهم علي قارئ للقرآن، اي انها تطالب بالقراءة الكلية التي تنتج فهماً موضوعياً للقرآن. فأسباب النزول والناسخ والمنسوخ واسباب ورود الحديث والمطلق والمقيد والمجمل والمفصل والخاص والعام- وهي الادوات التي يتم بها فهم الاحكام والتصورات الاسلامية- ماهي الا تجليات للاثر التاريخي والمؤثر الواقعي علي حركة هذه النصوص والاحكام. وما صدر به هذا الموقع (وهو من المواقع الاسلامية المعروفة) صفحته الرئيسية ليس فكراً خاصاً به او تياراً معزولاً. هذا اللون من التفكير وهذه الطريقة في رؤية العالم تشكل النسيج الحي والخط العريض لشرائح من المنتمين للحركات (الاسلامية القتالية) وتمثل الدعامة النظرية لنشاطاتهم وحركتهم العنفية في الواقع. فالعالم - وفق هذه النظرة - مرصود للحرب ولغة الحرب ومظاهر الحرب، ولا صلة بينها وبين هذا الواقع الا عبر الحرب ومفرداتها، ان لم تقاتل فلأنها في حال هدنة! وان لم يستجب الطرف الثاني دعوته الي الدخول في الدين فلا مناص من حربه، الا في حال واحدة وهي ان يعطي (الجزية)، ولا يكفي هذا بل لا بد ان تكون مصحوبة بحال نفسية معينة ( عن يد وهم صاغرون)! والسؤال المركزي: هل هذه الرؤية (الحربية) لشعوب العالم تمثل الاسلام الصحيح؟ وهل صيغ العلاقات الدولية في الاسلام مبنية علي هذه التصورات الانتحارية؟ طبعاً لا، والاسلام بنصوصه الكلية والفهم الشامل غير التجزيئي له يلفظ هذه النزعة كما يلفظ الجسم عنصراً غريباً. ثم ان تاريخ الاسلام الطويل يكذب امكانية تحقق هذه النظرة علي صعيد الواقع مع تسجيلنا لملاحظـة مهمة هي ان تاريخنا ليس منزهاً، خصوصاً التاريخ السياسي، كما نبهنا قبل قليل، وهذه قصة طويلة! لكن مثل هذا الطرح يعتمد علي بعض النصوص من القرآن الكريم والسنّة النبوية، مما قد يوقع المسلم في حرج بالغ: هل استجيب لهذه الرؤية العدائية للعالم لأنها تذكر نصوصاً من القرآن والسنّة ام ارفضها؟ وهل رفضي لها يعني رفضاً للاسلام ونصوصه. اسئلة مهمة والاجابة عليها حتمية حضارية في لحظتنا الراهنة، ونحن ان لم نسارع الي حصار هذه الطروحات وفتح السجال الواسع معها وعدم التعامل معها بذهنية التجاهل والهروب الي الأمام فسنحصد شوكاً وحنظلاً، ان لم نكن قد بدأنا حصده فعلاً! القراءة التجزيئية خطيرة جداً وهي تنتج نظرة تجزيئية للعالم، ونذكر هنا مثالاً عابراً للتوضيح، فالله عز وجل يقول عن المشركين (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) لكنه ايضاً يقول (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)، اذاً هي قراءة شاملة تضع كل نص في اطاره الصحيح ثم تخرج برؤية كلية تحدد فيها موقف الاسلام من هذه القضية او تلك. لا أزعم في هذه العجالة انني سأوفي هذا الموضع (المصيري) حقه، لكنها دعوة لليقظـة والمصارحة، حتي لا نقع في خطيئة التزكية والدفاع من دون نقد ذاتي لفكرنا وخطابنا، ليتها تجد أذناً واعية!
الانتقال السريع اختــــار ------ منتـــدي المنتدى العام ------ ------ منتـــدي من أعلام القضـاة والمحـامين العرب ------ ------ منتـــدي استراحة المنتدى . ------ ------ منتـــدي منتدى الاستشارات القانونية ------ ------ مكتبـــة الأبحاث القانونية------ ------ مكتبـــة القوانين العربية------ ------ المكتبـــة الصوتية------