المتأمل عدد المشاركات >> 0 التاريخ >> 16/12/2003
|
انطلاقاً من آخر جملة كتبت في التعقيب الأخير , وهي قول الله تعالى : ( وما ؤتيتم من العلم إلا قليلاً ) . أقول مستعيناً بالله , شاكراً لأحبتي ممن كتب في هذا الموضوع , ممن لا نشك في رغبتهم في معرفة الحق والصواب , في إطلاق لفظة ' اللواط ' , على هذه الفاحشة التي ابتدعها قوم لوط عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام .
ولأن من أهم الأهداف التي يبتغي الكاتب في هذا المنتدى الوصول إليها وهي معرفة الحق في ما يعرض فيه من قضايا يستحث بها كاتبها أقلام زملائه للكتابة حولها بما أداهم إليه علمهم , في كتابات بعضها يكمِّل بعضاً , ويصوب بعضاً , ولكون كثير من المفاهيم قد تنقدح لها في الأذهان معان غير ما أريد بها , في إطلاقها الأول , ولكون ذلك مدعاة لتشتت الذهن في الوصول إلى المعنى الصحيح المراد بها , خاصة إذا كان ذلك المعنى قد يؤدي إلى إساءة الفهم لبعض العبارات , فإنني أحب إتحاف إخواني بفائدة كنت قد قرأتها في ثنايا أحد الكتب المتخصصة في العناية بالألفاظ والعبارات التي يكثر تداولها على ألسنة الناس , ولعلي في الأسطر التالية أذكر شيئاً مما ذكره حول استعمال هذه العبارة محل البحث , آملاً من إخواني التأمل قبل التسرع في الرد إيجاباً أو سلباً , وإن كان في هذا التعقيب طول بعض الشيء يتطلبه المقام إلا أنه لا يخلو من فائدة , حيث يقول :
' اللواط : يَحمل لفظ ' لَوَطَ' في لسان العرب , معنى : الحب , والإلصاق , والإلزاق . لكن لا يعرف أن مصدره : ' اللواط ' هو بمعنى اكتفاء الرجال بالرجال في الأدبار . إلا أن المعنى لغة لا يأبى دخوله في مشموله , ومن ثم إطلاقه عليه ؛ لتوفر معانيه في هذه : ' الفِعْلَة ' من جهة قوة الباعث : الحب والشهوة للذكران , انظر إلى قول الله تعالى عن قوم لوط في تقريعه ولومه : ( إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) الأعراف (18) فقوله : ( شهوة ) فيه معنى الحب الذي هو من معاني ' لَوَطَ ' ؛ ولهذا صار : ' لُوْط ' اسم علم من لاط بالقلب , أي : لصق حبه بالقلب . هذا من جهة قوة الباعث على الفعل : ' الحب ' الذي فيه إلصاق , وإلزاق كما تقول العرب : لاط فلان حوضه , أي ' طيَّنَه ' .
وفي الصحيحين / من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً : ' .. ولَتَقُوْمَنَّ الساعة وهو يُلِيْط حوضه فلا يُسْقى فيه ' .
فتأيَّد هذا الاشتقاق لغة , ولم يمتنع هذا الإطلاق ' اللواط ' على هذه الفعلة الشنعاء , و ' اللوطي ' على فاعلها .
وقد أجمع على إطلاقها العلماء من غير خلاف يُعرف . فالفقهاء يَعْقِدون أحكام اللواط , واللوطية في مصنفاتهم الفقهية , والمفسرون في كتب التفسير , والمحدثون في شروح السنة , واللغويون في كتب اللغة .
وفي الرجل يأتي المرأة في دبرها أطلق عليه : ' اللوطية الصغرى ' فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعاً وموقوفاً : ' هي اللوطية الصغرى ' أخرجه أحمد , وعبدالرزاق , والبزار , والنسائي في عشرة النساء , والطبراني في ' الأوسط ' والبيهقي في : ' السنن الكبرى ' , و ' جامع شعب الإيمان '.
وكلمة الحفاظ على إعلاله مرفوعاً وأنه عن ابن عمر من قوله . وإذا كانت مدابرة الرجل للمرأة تسمى في لسان الصحابة رضي الله عنهم : ' لوطية صغرى ' فلازم هذا أنهم كانوا يطلقون على هذه : ' الفاحشة ' اسم : اللواط ' أو : ' اللوطية الكبرى ' . وانظر الآثار عنهم - رضي الله عنهم - وعن التابعين في : ' روضة المحبين : 362-372 .
وقد سمى الله – سبحانه - هذه الفِعْلَة : ' فاحشة ' في قوله تعالى : ( أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) الأعراف (80) .
كما سمى : ' الزنا ' : ' فاحشة ' فقال - سبحانه - : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً ) الإسراء (32) .
وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - : ' عمل قوم لوط ' في أحاديث منها حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ' من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ' رواه أحمد , وأبو داوود , والترمذي , وابن ماجة .
وقد اختلفت تراجم المحدثين , فالترمذي مثلاً قال : ' باب ما جاء في حد اللوطي '.
وأبو داوود , وابن ماجة , قالا : ' باب فيمن عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط ' .
ومثله اختلاف أسماء مؤلفاتهم في ذلك : فكتاب ' ذم اللواط ' للهيثم بن خلف الدوري , المتوفى سنة (307هـ) . وكتاب : ' القول المضبوط في تحريم فعل قوم لوط ' لمحمد بن عمر الواسطي , المتوفى سنة (849هـ) . على أن الراغب الأصفهاني قد حل هذا الإشكال في كتابه : ' المفردات ' ص / 459 , فقال : ' وقولهم : تَلَوَّط فلان , إذا تعاطى فعل قوم لوط , فمن طريق الاشتقاق , فإنه اشتق من لفظ : لوطٍ , الناهي عن ذلك , لا من لفظ المتعاطين له ' انتهى .
ثم لهذا نظائر في الحقائق الشرعية , مثل لفظ : ' الإسرائيليات ' وإسرائيل , وهو يعقوب , والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال : ' حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج '.
ومثل لفظ : ' القدرية ' نسبة إلى القَدَر , ومذهبهم الباطل نفيه , فيقولون : ' لا قَدَرَ والأمر أُنُفٌ '.
ومثل ما جاء في تعبد النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار حراء ؛ إذ جاء بلفظ : ' يتحنث في غار حراء '. ومعلوم أن : ' الحنث ' الإثم , ومواطنه , فيراد : تعبد معتزلاً مواطن الإثم , وهكذا في أمثالها كثير ... الخ .
هذا ما تيسر لي تدوينه , ولعل الله ييسر لي قريباً استكمال ما دونته في مما اطلعت عليه في هذا البحث الماتع , تتميماً للفائدة , وللخروج بكلمة سواء في هذه المسألة المهمة .
وإلى لقاء قريب يتجدد .
|