المستشار محمد سعيد العشماوي:
الخلافة الإسلامية لم تنشأ ولم تستمر مدي التاريخ إلا بالعنف والقتل
الثلاثاء 09 ديسمبر 2003 17:11
أجرى الحديث أشرف عبد الفتاح عبد القادر
الحلقة الثانية
في القرآن لا توجد آية واحدة تدل على نظام حكم سياسي أو خلافة أو حتى إمامة
* ازدادت المطالبة من جماعات الإسلام السياسي بعودة الخلافة الإسلامية ويأسفون لسقوطها على يد كمال أتاتورك في 1924 ما تعليقك على ذلك؟
- تعليقي أنها أيديولوجيا، أي أنهم يؤمنون بمعتقد سياسي وليس هذا المعتقد هو الإسلام المستنير. فالمعتقد الديني يعنى أساساً بالنظام الأخلاقي. والأخلاق ليست ترفاً يمكن التخلي عنه دون دفع ثمن لهذا التخلي كما أنها ليست وساماً يوضع على الصدر ثم يرفع ويلقى في عرض الطريق. النظام الأخلاقي أساسي في المعتقد الديني وقد أثبت العلماء أن الصدق والاستقامة أساس للسلامة العقلية والصحة النفسية سواء للشخص أو للشعب. والإسلام كعقيدة دينية ركز أساساً على النظام الأخلاقي ولم ترد فيه آية واحدة تدل على نظام الحكم أو التنظيم السياسي أو ما أصبح يسمى بخلافة المسلمين أو إمامة المسلمين، وكان الهدف من نشر النظام الأخلاقي الجديد أن توجد محبة ومودة وعدالة ورحمة بين جميع المؤمنين، فتستقيم بذلك عقولهم وتسلم نفوسهم. وبذلك يكون المجتمع قوياً معافى.
مدح الله النبي بالأخلاق ولم يمدحه بالعلم أو بالزعامة
* معنى ذلك أن الرسول رمز أخلاقي ديني، وليس رمزاً سياسياً!
- بالطبع، والدليل علي ذلك أن النبي قال عن نفسه "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وفي القرآن عندما أراد الله أن يمدح النبي قال له: "وإنك لعلى خلق عظيم"، هذا النظام الأخلاقي الذي بدأ في الدين مع المؤمنين، لابد أن ينتشر إلى الإنسانية جميعاً من خلال المشاعر الراقية والمشاعر النقية التي يحملها المؤمنون إلى الجميع. يعنى ذلك أن النظام الأخلاقي لا يقتصر على جماعة المؤمنين، ولا على العرب دون غيرهم، ولا على جماعة من الناس مع استبعاد الجماعات الأخرى. فهذا إن حدث يكون نكراناً للنظام الأخلاقي، وأكاد أقول أنه خروج عن الخط المستقيم للدين. فالنظام الأخلاقي لابد أن يعم البشرية جمعاء، فإذا استثنى منه ولو فرد واحد،فإن معنى ذلك أن من أستثنى هذا الشخص، تعين عليه أن يعامله خارج النظام الأخلاقي، وبذلك يكون هو قد خرج على النظام الأخلاقي، الذي هو أساس الدين وعلاقة الإنسان بالإنسان ورابطة الإنسان بالرحمن.
حدث تحريف لمعاني القرآن لأنه استخدم لتحقيق أهداف سياسية
* هذا عن الرسول، وماذا عن الصحابة؟
- منذ عصر عثمان بن عفان، تفرق المسلمون إلى ثلاث فرق، الأولى هم أنصار عثمان والأمويين، والثانية هم شيعة علي بن أبي طالب والهاشميين، والثالثة هم الأعراب وأظهر فرقهم الخوارج، والخوارج تنقسم إلي فرق كثيرة.وقد تمسكت كل فرقة برأيها، واستندت في تأييده إلى آية من القرآن، كما كفرت الآخرين استناداً إلى أية من القرآن، وبطبيعة الحال من المستحيل أن تكون الفرق الثلاث المتقاتلة على حق في كل شئ، وهكذا حدث تحريف لمعاني الآيات القرآنية التي استخدمت لتحقيق أهداف سياسية، أو أغراض حزبية ومن هذا الوقت نشأ في الإسلام معتقد سياسي.
العقيدة السياسية تقوم علي المكر والخداع لذلك تتنافى مع النظام الأخلاقي الديني
* نستطيع أن نقول أن المعتقد السياسي دخل الإسلام بمقتل علي وقيام الدولة الأموية؟
- الخلفاء بعد مقتل عثمان وعلي، وسيطرة الأمويين بواسطة معاوية وخلفائه علي الحكم، كانوا يميلون إلى العقيدة السياسية التي تقوم على المكر والدهاء والمداهنة والنفاق، وتتنكر للنظام الأخلاقي تماماً، فقد سادت العقيدة السياسة وتداخلت مع الإسلام، فظن البعض أنها هي الإسلام، وأن الخليفة هو رمز للمسلمين، مع أن السياسة تختلف عن العقيدة، أما إذا أدمجت السياسة في العقيدة فإن الأمر يتحول إلى كارثة، لأن التاريخ الإسلامي يحتوى على خلافات عنيفة وفظة، ما كان يجب أن تصدر من مسلمين يؤمنون بالإسلام المستقيم.
90% من خلفاء المسلمين مجرمون
* ممكن أن تعطينا أمثلة لتلك الخلافات؟
- الأمثلة كثيرة، من ذلك رفع المصاحف على أسنة السيوف أثناء الفتنة الكبرى، توطئة للتحكيم الذي انبنى على الغش والخداع،ومنه ضرب الكعبة بالمنجنيق مرتين، ومنه ما فعله الحجاج ابن يوسف الثقفي من مظالم، ومنه وجود خلفاء فسقه يجاهرون بفسقهم، مثل يزيد بن معاوية،ويزيد الثاني الأموي، والواثق بالله في العصر العباسي، وغيرهم وغيرهم.فكيف نحسب كل هؤلاء على العقيدة الإسلامية؟ ولهم تصرفات وأفعال وأحكام مخالفة للدين ومجانبة للشريعة. ولو كان هناك محاكم محصنة ومستقلة، أو كان الشعب المسلم لم يستأنس بالآراء التي أصدرها علماء السلطة وفقهاء الشرطة، لكان 90% من خلفاء المسلمين قد حوكموا بتهمة إبادة الإنسانية والخروج على الدين وتزييف الإسلام والقضاء على حقوق الإنسان.
لا يمكن تقدير الخلافة الإسلامية بحكم عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز،
لأنهما كانا ذوي طبيعة خاصة،ولم يحكما إلا 12 عاماً
* أهذه هي فعلاً مميزات الخلافة الإسلامية، إبادة الإنسانية:وتزييف الإسلام، والقضاء علي حقوق الإنسان؟
- أذكر لي أنت مميزات أخرى؟ ويكفى أن المسلمين حتى الآن، لا يذكرون فخراً للخلافة، ولا الخلفاء إلا عمر بن الخطاب، وقد حكم 10سنوات، وحفيده عمر بن عبد العزيز وقد حكم مدة سنتين، وكلاهما اغتيل لأن قيمّه شقت على الناس الكفرة الفسقه، فاغتالوهم فهل يمكن تقدير الخلافة التي استطالت لمدة 14 قرن بشخصية خليفتين كانا ذوى طبيعة خاصة لم يتحملها المحكومون، فمات ابن الخطاب بمؤامرة دبرها الأمويين، إذ قتله أبو لؤلؤة المجوسي، وهو مولى المغيرة بن شعبه، الذي كان ميالاً إلى الأمويين، والذي عينة معاوية فيما بعد والياً على الكوفة، مقر خلافة على بن أبى طالب، والمغيرة هذا، هو الذي أشار على معاوية فيما بعد، بأن يأخذ البيعة لأبنه يزيد قسراً من المسلمين.
العثمانيون دمويون.. السلطان محمد يوم توليته الحكم قتل 19 رجلاً هم أخوته
* هل كان الحكم العثماني أفضل من الحكم الأموي والعباسي؟
- الخلفاء العثمانيون استحدثوا لقباً جديداً، فكانوا يفضلون لقب "السلطان" عن "الخليفة"، وتسموا بالترك نسبة للغتهم الأتراكية،كما يحاول البربر الآن في المغرب،أن يغيروا أسمهم ليصيروا الأمازيغ نسبة إلي لغتهم الأمازيغية وأنفة من لفظ البربر. وقد كانوا دمويين، حتى على أهليهم وذويهم، فمما يعرف عن السلطان محمد أنه يوم أن ولى السلطة قتل 19 رجلاً هم اخوته الأشقاء وغير الأشقاء،وصدرت فتوى من المفتى الأعظم في الأستانة يبرر هذا الاغتيال، قائلاً بأنه ادْعى إلى منع الفتن. وصار قتل الأخوة عادة شائعة بين سلاطين الترك ومن لم يقتل أخوته حبسهم مدى الحياة في أقفاص حتى شاعت تسميتهم بأمراء القفص وقد خرج السلطان مراد من القفص إلي أريكة السلطنة وكان مختل العقل مضطرب النفسية لطول الحبس الانفرادي في القفص وتوقعه القتل في أي لحظة.
الخلافة الإسلامية لم تنشأ ولم تستمر مدى التاريخ إلا بالعنف والقتل
* أهذه هي الخلافة الإسلامية التي تتباكى عليها اليوم الجماعات الإسلامية؟
- طبعاً،لأن الجماعات الإسلامية جماعات تدين بالمعتقد السياسي،وتفرضه على المعتقد الديني، وتتهم كل من يتمسك بالمعتقد الديني بأنه ضد الإسلام، مع أنه في واقع الحال ضد الإسلام السياسي،الذي يحول الإسلام إلى أيديولوجيا وينفى النظام الأخلاقي، فيحول المسلمين إلى مرضي عقليين ومعلولين نفسيين. أضف إلى ذلك أن الخلافة لم تبدأ ولم تستمر مدى التاريخ إلا بالقوة والعنف وليس بالدعوة الحسنة والخلق الحميد. فالخلافة الأموية نشأت بالعنف والعباسية نشأت بالحرب، والخلافة العثمانية نشأت بالقتال، فهل يمكن في الوقت الحالي إنشاء خلافة بغير عنف أو حروب أو قتال؟ إن ذلك محض أوهام لا يمكن أن تتسع لها حقائق الواقع.
الجهاد قبل الإسلام كان يعني عمل الصعاليك
* ترفع جماعات الإسلام السياسي شعار "الجهاد" فهل تراه صالحاً للقرن الحادي والعشرين،عصر حقوق الإنسان والديمقراطية، وعصر حقوق المرأة؟ وكيف يكون الجهاد الحق؟
- في تقديري أنه لمعرفة معنى أي لفظ لابد من الوصول إلى جذوره وتقصي تاريخه منذ نشأ وعبر الاستعمالات المختلفة. فالجهاد قبل الإسلام كان يعنى عمل الصعاليك بالسلب والنهب لكسب أرزاقهم، وفى ديوان الشعر العربي أمثلة على ذلك منها.
وقلن جاهد يا بثين بغزوة فقلت وهل لي غيركن جهاد
وعندما بدأ الإسلام، كان ولابد أن يستعمل المفردات الشائعة في عصره،مع إضافة ألفاظ أخرى عربها من اللغات الأمهرية مثل لفظ "مصحف"، والآرامية مثل "صلوت وزكوت"[صلاة وزكاة]، و"طور سينين" من المصرية القديمة، وبعض ألفاظ عبرية منها لفظ "الأمة" وهو يعنى القبيلة. وقد أدى الوصف القرآني إلى تذويب بعض الألفاظ القديمة، وإعادة صياغتها في قوالب جديدة، من ذلك لفظ[ أباّ]،الذي احتار فيه المسلمون أيام عمر بن الخطاب، حتى تبين لهم أنه يعنى الحبوب، وكذلك لفظ "الجهاد" الذي استعمل ابتداء في معني مجاهدة النفس، أي منعها من الرد على إيذاءات المكيين وقبول الإهانة والاضطهاد بصدر رحب، ثم تحول لفظ الجهاد إلى إنفاق المال "الذين يجاهدون بأموالهم وأنفسهم" والرد على حروب الأعداء، ثم تلخص اللفظ في الحروب والغزوات، خاصة في الفترة الأخيرة من العهد النبوي الذي حرص فيه على توحيد الأعراب تحت لواء الإسلام ثم فتح مكة.
لا جهاد بعد وفاة النبي
* إذن معني الجهاد توقف بموت النبي؟!
- توقف معنى "الجهاد" عند هذا المفهوم الأخير، إلى أن أعاد فقهاء السلطة وعلماء الشرطة صياغته بطريقة جديدة، تعنى حماية الخليفة ومد سلطانه عبر الأراضي والفيافي، وملء خزانته بالأموال، التي لم يكن ينفقها بتقرير معاشات للضعفاء والمسنين واليتامى والأرامل، وإنما يبذرها على الشعراء والجواري والمغنيين. ومع الوقت تم اختزال الإسلام السياسي في الجهاد، بمعنى قتال كل من يطلب الخليفة قتاله.فقد اقتتل على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان، وكان كل فريق يتهم الفريق الآخر بالكفر، ويحرض أنصاره على جهاد الكافرين باسم الله وبنفس الآيات. فمن بعد النبي يكون له الحق في رفع راية الجهاد واغتيال الخصوم باعتبارهم كفاراً، هل يجوز ذلك للأمويين وهم يقتلون الهاشميين والعلويين،أم يجوز للهاشميين وهم يقتلون الأمويين والعلويين،أم يجوز للفاطميين وهم يقتلون السنيين، أم يجوز لسلاطين آل عثمان الذين قتلوا واستعبدوا كل المسلمين ليعيشوا في أجواء من الفخامة والأبهة بينما يعيش باقي المسلمين على الجهل والفاقة والعوز والإحسان.